فصل: تفسير الآية رقم (121):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (121):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ} [121].
.........................

.تفسير الآية رقم (122):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [122].
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} قال الجشمي: دلت الآية على أن السحرة عرفوا أن أمر العصا ليس من جنس السحر، فآمنوا في الحال.
وتدل على أنهم بتلك الآيات استدلوا على التوحيد والنبوة، لذلك اعترفوا بهما.

.تفسير الآية رقم (123):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [123].
{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا} أي: الصنع، {لَمَكْرٌ} أي: حيلة: {مَّكَرْتُمُوهُ} أي: دبرتموه أنتم وموسى، {فِي الْمَدِينَةِ} أي: في مصر قبل الخروج للميعاد {لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعيد أجمله ثم فصله بقوله:

.تفسير الآية رقم (124):

القول في تأويل قوله تعالى: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [124].
{لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ} أي: من كل جانب، عضواً مغايراً للآخر، كاليد من أحدهما، والرجل من آخر.
قال الشهاب: {مِّنْ خِلافٍ} حال، أي: مختلفة، وقيل: {من} تعليلية متعلقة بالفعل، أي: لأجل خلافكم، وهو بعيد.
{ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} أي: تفضيحاً لكم. وتنكيلاً لأمثالكم.

.تفسير الآية رقم (125):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [125].
{قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} أي: فلا نبالي بما تهددنا به، لأنه هو الذي يقربنا إلى من آمنا به، فيحيينا بحياة خير من الحياة الدنيوية.

.تفسير الآية رقم (126):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [126].
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا} أي: ما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله، أي: وما عبته وأنكرته هو أعظم محاسننا، لأنه خير الأعمال، وأعظم المناقب، فلا نعدل عنه طلباً لمرضاتك.
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} أي: أفض علينا صبراً واسعاً لنثبت على دينك: {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} أي: ثابتين على الإسلام.

.تفسير الآية رقم (127):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [127].
{وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ} أي: خوفاً من انقلاب الخلائق عليهم حين رأوا السحرة جاهروا بالإسلام، ولم يبالوا بالتوعد.
{أَتَذَرُ} أي: أتترك: {مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} أي: في أرض مملكتك بتغيير الناس عنك.
{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} الآلهة جمع إله، بمعنى المعبود، وكان للمصريين آلهة كثيرة منها المسمى أوسيرس، وكانوا يعتقدون أن روحه توجد في الثور المسمى أبيس، فيعبدونه أيضاً، ويعبدون كثيراً من الحيوانات، وكانوا يعبدون الظلام أيضاً، ويعبدون بعلز بوب، صنم عقرون يعتقدون أن وظيفته طرد الذبان.
وبالجملة فقد فاقوا كل سواهم في الضلال، فكانوا يسجدون للشمس والقمر والنجوم والأشخاص البشرية والحيوانات، حتى الهوام وأدنى حشرات الأرض. هكذا حكى عنهم بعض المدققين.
وقد ذكر الشهرستاني في الملل والنحل أن فرعون كان أول أمره على مذهب الصابئة، ثم انحرف عن ذلك، وادعى لنفسه الربوبية، إذ رأى في نفسه قوة الإستعمال والإستخدام. انتهى.
وتقدم في سورة البقرة بيان مذهب الصابئة. فتذكر.
وقال بعضهم: إن كلمة الآلهة لفظة اصطلاحية عند العبرانيين، يراد بها القضاة والحكام الذين يقضون بأمر الله، وأنها لو حملت على هذا ههنا، لم يبعد، ويكون المعنى: وبذرك وقضاتك وذوي أمرك، ويكون الغرض من ذكرهمم معه تهويل الأمر، وإلهاب قلب فرعون على موسى، وإثارة غضبه، وقد صرح غير واحد بوقوع ألفاظ من غير العربية في القرآن، كما نقله السيوطي في النوع الثامن والثلاثين من الإتقان. انتهى.
والأظهر ما قدمناه أولاً.
{قَالَ سَنُقَتِّلُ} قرئ بالتخفيف والتشديد {أَبْنَاءهُمْ} المولودين {وَنَسْتَحْيِي} أي: نستبقي: {نِسَاءهُمْ} أي: للإستخدام {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} أي: بالغلبة والقدرة عليهم، ففعلوا بهم ذلك، فشكا بنو إسرائيل.

.تفسير الآية رقم (128):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [128].
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ} أي: على أذاهم: {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا} أي: يعطيها: {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} يعني أن النصر والظفر للمتقين على عدوهم.
وكان تعالى وعد موسى بأنه سيطرد المصريين من أرضهم، ويهلكهم وينجي قومه من عذاب آل فرعون لهم.
تنبيه:
قال الجمشي: تدل الآيات على أن قوم فرعون لما عجزوا عن موسى في آياته، عدلوا إلى إغراء فرعون بموسى، وأوهموه أن تركه فساد في الأرض، وأنه عند ذلك أوعده. وذلك من أدل الدليل على نبوة موسى، لأن قتل صاحب المعجزة لا يقدح في معجزته، ولهذا قال مشايخنا: إن العرب لما عدوا عن معارضة القرآن، التي في إيرادها إبطال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، إلى القتال، الذي لا يفيد ذلك، دل على عجزهم.
وهكذا حال كل ضال مبتدع، إذا أعيته الحجة، عدل إلى التهديد والوعيد، وتدل على أن عند الخوف من الظلمة يجب الفزع إلى الله تعالى، والإستعانة به والصبر.
ولا مفزع إلا في هذين: وهو الإنقطاع إلى الله تعالى بطلب المعونة في الدفع، واللطف له في الصبر. وتدل على أن العاقبة المحمودة تنال بالتقوى، وهي اتقاء الكبائر والمعاصي. انتهى.

.تفسير الآية رقم (129):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [129].
{قَالُواْ} أي: قوم موسى {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي: فعلوا بنا من الهوان والإذلال من قبل بعثتك وبعدها.
ثم صرح لهم موسى بما رمز إليه من البشارة قبل.
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} أي: فرعون وجنوده {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أي: فيرى الكائن منكم من العمل، حسنه وقبيحه، وشكر النعمة وكفرانها، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.
ثم بين تعالى ما أحل بفرعون وقومه من الضراء، لما تأبى عن إجابة موسى وإرسال قومه معه، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (130):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [130].
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ} أي: بالجدب والقحط، {وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: يتعظون فيرجعوا عما هم فيه من الكفر إلى أمر موسى، وذلك لأن الشدة ترقق القلوب، وترغب في الضراعة إلى الله تعالى.
قال الجشمي: تدل الآية على أن الشدة والبؤس قد يكونان لطفاً وصلاحاً في الدين، لذلك قال: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
ثم بين تعالى أنهم مع تلك المحن عليهم، والشدائد، لم يزدادوا إلا تمرداً وكفراً، فقال تعالى:

.تفسير الآية رقم (131):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [131].
{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ} أي: الصحة والخصب {قَالُواْ لَنَا هَذِهِ} أي: لأجلنا واستحقاقنا، ولم يروا ذلك من فضل الله عليهم، فيشكروه على إنعامه {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} شدة: {يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} أي: يتشاءموا.
وأصله يتطيروا، يعني أنهم يقولون: هذه بشؤمهم {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ} أي: شدتهم، وما طار إليهم من القضاء والقدر عند الله، ولا عند غيره، أي: من قِبَلِهِ تعالى {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: أن ما أصابهم من الله تعالى، ما يقولون، مما حكى عنهم.
ثم أخبر تعالى عن شدة تمرد فرعون وقومه وعتوهم، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (132):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [132].
{وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي: بمصدقين بالرسالة.

.تفسير الآية رقم (133):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} [133].
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} أي: على آل فرعون، وأما قوم موسى فلطف تعالى بهم، فلم ينلهم ولا محالهم سوء من الطوفان ولا غيره.
والطوفان لغة هو المطر الغالب، ويطلق على كل حادثة تطيف بالْإِنْسَاْن وتحيط به، فعم الطوفان الصحراء، وأتلف عشبها، كسر شجرها، تواصلت الرعود والبروق، ونيران الصواعق في جميع أرض مصر {وَالْجَرَادَ} فأكل جميع عشب أرض مصر والثمر، مما تركه الطوفان، حتى لم يبق شيء من ثمرة ولا خضرة في الشجرة، ولا عشب في الصحراء {وَالْقُمَّلَ} فعم أرض مصر، وكان على الناس والبهائم، وهو بضم وتشديد كسُكَّر صغار الذر، أو شيء صغير بجناح أحمر، أو دواب صغار من جنس القردان، أو الدبي الذي لا أجنحة له، وهو الجراد الصغار.
قال أبو البقاء: القمّل، يقرأ بالتشديد والتخفيف مع فتح القاف وسكون الميم. قيل: هما لغتان.
قيل: هما القمل المعروف في الثياب ونحوها، والمشدد يكون في الطعام. انتهى.
وردّ ابن سيده، وتبعه المجد في القاموس القول بأن المراد به قمل الناس.
{وَالضَّفَادِعَ} فصعدت من الأنهار والخلج والمناقع، وغطت أرض مصر {وَالدَّمَ} فصارت مياه مصر جميعها دماً عبيطاً، ومات السمك فيها، وأنتنت الأنهار، ولم يستطع المصريون أن يشربوا منها شيئاً.
{آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} أي: مبينات لا يشكل على عاقل أنها آيات الله تعالى ونقمته، أو مفرقات بعضها إثر بعض. وآيات حال من المنصوبات قبل.
{فَاسْتَكْبَرُواْ} أي: عن الإيمان، فلم يؤمنوا لموسى، ويرسلوا معه بني إسرائيل: {وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} أي: عاصين كافرين.
قال الجشمي: تدل الآية على عناد القوم، وإصرارهم على الكفر وجهلهم، حيث عاهدوا في كل آية يأتي بها على صدقه وإثبات العهد، أنهم لا يؤمنون بها وليس هذه عادة من غرضه الحق.
وتدل على ذم من يرى الآيات ولا يتفكر فيها، وتدل على وجوب التدبر في الآيات. انتهى.

.تفسير الآية رقم (134):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائيلَ} [134].
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} أي: نزل بهم العذاب المفصل، {قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} أي: بعهده عندك، وهو النبوة، فما مصدرية.
قال الشهاب: سميت النبوة عهداً، لأن الله عهد إكرام الأنبياء بها، وعهدوا إليه تحمل أعبائها، أو لأن لها حقوقاً تحفظ، كما تحفظ العهود، أو لأنها بمنزلة عهد ومنشور من الله تعالى.
انتهى.
{لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائيلَ} أي: الذين أُرسلت لطلبهم، ليعبدوا ربهم تعالى.

.تفسير الآية رقم (135):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [135].
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ} يعني إلى الوقت الذي أجل لهم، وهو وقت إهلاكهم بالغرق في اليم.
{إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} أي: ينقضون العهد الذي التزموه، فلم يفوا به، فإن فرعون كان كلما حلّ بمصر نقمة مما تقدم، يدعو موسى ويطب منه أن يشفع إلى الله تعالى بكشفها، ويعده أنها إذا كشفت أطلق شعبه لعبادته تعالى، حتى إذا كشفت أخلف ما وعد، وقسا قلبه، ولما لم يتعظوا بما شاهدوه مما تقدم، أتتهم النقمة القاضية، كما قال تعالى:

.تفسير الآية رقم (136):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [136].
{فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} أي: البحر {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} أي: كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى وإعراضهم، وعدم تفكرهم ومبالاتهم بها. وقد روي أن فرعون، بعد أن أبصر ما أبصر من الضربات الربانية على مصر، أذن لموسى وقومه أن يخرجوا من مصر، ليقيموا عبادة الله تعالى حيث شاؤوا، فارتحل بنو إسرائيل على عجلٍ ليلاً، وساروا بكل ما معهم من غنم وبقر ومواشٍ، من عين شمس إلى سُكُّوت، وسلكوا طريق برية البحر الأحمر، ولما سمع فرعون بارتحالهم، ندم على ما فعل، من إطلاقهم من خدمته، فجمع جيشه ومراكبه الحربية، ولحقهم فأدركهم، وكانوا قد وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر. حينئذ خاف الإسرائيليون، وأخذوا يتذمرون على موسى، فقال لهم: لا تخافوا، إن الله معنا، ثم أمر تعالى موسى، فمد يده إلى البحر الأحمر، فانشق ماؤه، وصار فيه طريق واسعة، وأرسل الله ريحاً شرقية شديدة، فيبس قعره، فعبر فيه الإسرائيليون، والماء عن يمينهم وشمالهم، فتبعهم فرعون وجنوده وتوسطوا البحر، فمد موسى يده، بإذن الله، على البحر، فارتد ماؤه سريعاً، وغمر فرعون وجنوده ومراكبه، فغرقوا جميعاً، ثم طفت جيفهم على وجه الماء، وانقذفت إلى الساحل، فشاهدها الإسرائيليون عياناً.
هذا ملخص ما روي هنا.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية أنه تعالى أهلكهم بعد أن أزاح العلة بالآيات، وتدل على أن ما أصابهم كان عقوبة وجزاء على فعلهم، وتدل على قبح الإعتراض على آيات الله، وتدل على وجوب النظر، وتدل على أن النكث فعلهم، والإعراض، فلذلك عاقبهم عليهما. انتهى.