فصل: تفسير الآية رقم (174):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (174):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [174].
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: مثل ما ذكرنا، نُبين الأدلة والحجج، ليرجعوا إلى الحق.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (175):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [175].
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} أي: على قومك أو على اليهود: {نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} أي: علم الكتاب، فلطف به حتى تعلم وفهم المعاني، وصار عالماً بها {فَانسَلَخَ مِنْهَا} بأن نزع العلم عنه فكفر بها، وخرج منها خروج الحية من جلدها {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} أي: فلحقه وأدركه وصار قريناً له حتى أضله {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}.

.تفسير الآية رقم (176):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [176].
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} أي: لعظمناه بالعمل بها {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} أي:
مال إلى الدنيا ورغب فيها {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} وذلك لأنه استوى في حقه إيتاء الآيات، والتكليف بها، والتعظيم من أجلها، وعدم ذلك.
كالكلب يدلع لسانه بكل حال، إن تحمل عليه، أي: تشد عليه وتهيجه، أو تتركه غير متعرض له بالحمل عليه، فلهثه موجود في الحالتين جميعاً.
{ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} أي: من التوراة أو غيرها {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

.تفسير الآية رقم (177):

القول في تأويل قوله تعالى: {سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} [177].
{سَاء} أي: ما مثل به {مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}
أي: حيث شبهوا بالكلاب، إما في استواء الحالتين في النقصان وأنهم ضالون، وعظوا أم لم يوعظوا كما قدمنا، وإما في الخسة، فإن الكلاب لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن حيز الهدى والعلم، وأقبل على هواه، صار شبيهاً بالكلب، وبئس المثل مثله.
ولهذا ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه».
{وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} اعلم أن من السلف من ذهب إلى أن هذه الآية مثل ضربه الله لمن عرض عليه الإيمان فأبى أن يقبله وتركه، وهو قول قتادة وعكرمة واختاره أبو مسلم، حيث قال: قوله: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} أي: بيناها، فلم يقبل، وعرى منها.
وسواء قولك: انسلخ وعرى وتباعد، وهذا يقع على كافر لم يؤمن بالأدلة، وأقام على الكفر.
قال: نظيره قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُم}، وقال في حق فرعون: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى}.
ومنهم من ذهب إلى أن الموصول فيها أريد به معين، فروي عن عبد الله بن عُمَر وسعيد بن المسيب وزيد ابن أسلم وأبي روق أنه أمية بن أبي الصلت، فإنه كان قد قرأ الكتب، وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك الوقت، ورجا أن يكون هو، فلما أرسل الله محمداً عليه الصلاة والسلام، حسده، ثم مات كافراً، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال فيه رسول الله: «إنه آمن شعره وكفر قلبه» يريد أن شعره كشعر المؤمنين، وذلك أنه يوحد الله في شعره، ويذكر دلائل توحيده.
وقيل: نزلت في أبي عامر الراهب، الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق، كان يترهب في الجاهلية، فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق، وأتى قيصر واستنجده على النبي صلى الله عليه وسلم، فمات هناك طريداً وحيداً. وهو قول سعيد بن المسيب.
وقيل نزلت في منافقي أهل الكتاب، كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكروه. عن الحسن والأصم.
وقيل: إنه فرعون، والآيات آيات موسى، كأنه لما اقتص أنبياء بني إسرائيل عاد إلى قصة فرعون وضرب المثل.
ومن الأقوال التي تناقلها المفسرون أنها نزلت في بلعام بن بعور، ويحكون عنه قصة لم تُرو في جوامع الآثار الصحيحة عندنا، ولا هي مطابقة لما عند أهل الكتاب.
فقد ذكر نبؤه في الفصل الثاني والعشرين والثالث والعشرين من سفر العدد، من تاريخ التوراة، بغير ما يرويه المفسرون عنه، ثم رأيت الجشمي لم يصحح ذلك، فحمدت المولى على الموافقة. وعبارته:
وعن مجاهد قال: هو نبي يقال له بلعم، رشاه قومه فكفر. وهذا لا يجوز، لأن الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر، لأن ذلك ينفر الخلق عن الأنبياء، والقبول منهم، ويحقرهم في النفوس، ولأنهم حجج الله على خلقه اصطفاهم.
فالأقرب أنه لا يصح عن مجاهد. انتهى.
وهو كذلك لأن من قرأ نبأه السفر المتقدم، رأى من ثباته، وعدم موافقته لبالاق، ملك مؤاب، على ما أراد منه- ما يبرئه عن ذلك.
تنبيه:
قال الجشمي: إن قيل: كيف تتصل الآية بما قبلها؟
قلنا: على القول بأنه عنى بها فرعون فقد اتصلت قصته بقصة بني إسرائيل.
وقيل لما نهى عن تقليد الآباء في الدين، بين في هذه الآية حال علماء السوء، الذين يختارون الدنيا على الآخرة، نهياً عن تقليدهم واتباعهم، كما نهى عن تقليد الآباء.
وقيل: لما تقدم ذكر أخذ الميثاق، بين حال من آتاه الله الآيات فانسلخ منها ولم يتبعها.

.تفسير الآية رقم (178):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [178].
{مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال أبو السعود: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقص قصص المنسلخ على هؤلاء الضالين الذين مثلهم كمثله، ليتفكروا فيه، ويتركوا ما هم عليه من الإخلاد إلى الضلالة، ويهتدوا إلى الحق عقب ذلك بتحقيق أن الهداية والضلالة من جهة الله عز وجل، وإنما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية في حصول الإهتداء، من غير تأثير لها فيه، سوى كونها دواعي إلى صرف العبد اختياره نحو تحصيله، حسبما نيط به خلق الله تعالى إياه، كسائر أفعال العباد.

.تفسير الآية رقم (179):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [179].
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} أي: خلقنا {لِجَهَنَّمَ} أي: لدخولها والتعذيب بها {كَثِيراً مِّنَ الْجِنِ وَالإِنسِ} وهم الكفار من الفريقين، الموصوفون بقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} أي:
آيات الله الهادية إلى الكمالات {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} أي: دلائل وحدته، بصَرَ اعتبار {وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} أي: الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ، يعني أنهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّه}
{أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ} أي: السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها، إلا في الذي يقيتها، كقوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاء} أي: ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان، كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها، لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول.
وقوله تعالى: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} أي: الأنعام، إذ ليس للأنعام قوة تحصيل تلك الكمالات ودفع تلك النقائص، وهم مع ما لهم من تلك القوة قد خلوا عن الكمالات، وعن دفع أضدادها، فكانوا أردأ حالاً منها، لنقصهم مع وجود قوة الكمال فيهم. وأيضاً: الأنعام تبصر منافعها ومضارها، فتلزم بعض ما تبصره، وهؤلاء أكثرهم يعلم أنه معاند، فيقدم على النار.
وأيضاً: الأنعام قد تستجيب لراعيها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء، وأيضاً: إنها تفعل ما خلقت له، إما بطبعها، وإما بتسخيرها، بخلاف هؤلاء، فإنهم خلقوا ليعبدوا الله، ويوحدوه، فكفروا به وأشركوا.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} أي: عن تلك الكمالات والنقائص، ليهتموا لتحصيلها ودفعها، اهتمامهم لجر المنافع الدنيوية، ودفع مضارها.
تنبيه:
قال أبو السعود: المراد بهؤلاء الذي ذُرئوا لجهنم، الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة، لكن لا بطريق الجبر، من غير أن يكون من قبلهم ما يؤدي إلى ذلك، بل لعلمه تعالى بأنهم لا يصرفون اختيارهم نحو الحق أبداً، بل يصرون على الباطل من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم من الآيات والنذر.
فبهذا الإعتبار جعل خلقهم مغياً بها، كما أن جميع الفريقين باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة، وتمكنهم التام منها، جعل خلقهم مغياً بها. كما نطق به قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (180):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [180].
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} روى مقاتل أن رجلاً دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن، فقال بعض المشركين: إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون رباً واحداً، فما بال هذا يدعو اثنين؟ فنزلت الآية.
والحسنى تأنيث الأحسن، والمعنى: لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها، لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها: {فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائهِ} أي: يميلون عن الإقرار بها ويجحدونها، ويعدلون عنها كفراً بها.
كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} أي: زادهم ذكر الرحمن نفوراً، ولذا قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ} وقوله تعالى: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني في الآخرة، من جحدهم إياها ونفورهم عن الإيمان بها.
تنبيهات:
الأول: قال السيد محمد بن المرتضى اليماني في إيثار الحق: مقام معرفة كمال هذا الرب الكريم، وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى، من تمام التوحيد، الذي لابد منه، لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى، ونعوتها الشريفة، ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم.
ولذلك عد مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها، من أعظم مكائدهم للإسلام، فإنهم عكسوا المعلوم عقلاً وسمعاً، فذموا الأمر المحمود ومدحوا الأمر المذموم، القائم مقام النفي والجحد المحض، وضادوا كتاب الله ونصوصه الساطعة.
قال الله جل جلاله: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الآية.
وقال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن} الآية، فما كان منها منصوصاً في كتاب الله، وجب الإيمان به على الجميع، والإنكار على من جحده، أو زعم أن ظاهره اسم ذم لله سبحانه، وما كان في الحديث وجب الإيمان به على من عرف صحته، وما نزل عن هذه المرتبة، أو كان مختلفاً في صحته، لم يصح استعماله، فإن الله أجل من أن يسمى باسم لم يتحقق أنه تسمى به. انتهى.
الثاني: روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسماً، من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر»، وفي رواية: «من أحصاها»، ثم قال: ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. ورواه ابن ماجة أيضاً. فسرد الأسماء بزيادة ونقصان.
قال الحافظ ابن كثير: والذي عول عليه جماعة من الحفاظ، أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن، كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي. انتهى. وقال النووي: اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى. وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود من الحديث الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصرها. ولهذا جاء في الحديث الآخر: «أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك». وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم، أن لله ألف اسم. انتهى.
وقال السيد اليماني في إيثار الحق: عادة المتكلمين أن يقتصروا هنا على اليسير من الأسماء، لا ينبغي ترك شيء منها، ولا اختصاره! فإن ذلك كالإختصار للقرآن الكريم، ولو كان منها شيء لا ينبغي اعتقاده ولا ذكره، ما ذكره الله تعالى في القرآن العظيم.
وعادة بعض المحدثين أن يوردوا جميع ما ورد في الحديث المشهور في تعدادها، مع الإختلاف الشهير في صحته. وحسبك أن البخاري ومسلماً تركا تخريجه مع رواية أوله. واتفاقهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه، ولكن الأكثرين اعتمدوا ذلك تعرضاً لفضل الله العظيم في وعده، من أحصاها بالجنة كما اتفق على صحته.
وليس يستيقن إحصاؤها بذلك إلا لو لم يكن لله سبحانه إسم غير تلك الأسماء.
فأما إذا كانت أسماؤه سبحانه أكثر من أن تحصى، بطل اليقين بذلك، وكان الأحسن الاقتصار على ما في كتاب الله، وما اتفق على صحته بعد ذلك، وهو النادر وقد ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المروي بالضرورة والنص. أما الضرورة، فإن في كتاب الله أكثر من ذلك، وأما النص، فحديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد أصابه همّ أو حَزْن: اللهم إني عبد وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكان حزنه فرحاً»- رواه أحمد، وأبو عوانة في صحيحه وأبو يعلى والبزار-.
ثم أخذ اليمانيّ يذكر ما وجده من الأسماء منصوصاً، غير معرَّج على التقليد. فانظره في إيثار الحق فإنه جوّد البحث بمنزع شريف.
الثالث: قال بعض مفسري الزيدية في قوله تعالى: {فادعوه بها}: المعنى سموه بها، وفي ذلك أمر بدعائه بالأسماء الحسنى، وهو أمر ندب إذا حمل على التلاوة بالتسعة والتسعين، وحث على ذلك في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وإن أريد بالتسمية بما فيه مدح، دون ما فيه إلحاد، فذلك وجوب.
الرابع: قال السيد اليماني في إيثار الحق: هل يجوز تسمية محامد الرب تعالى وأسمائه الحسنى صفات له سبحانه وتعالى؟
قال الله: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}، وذكر أهل التفسير واللغة أنه الوصف الأعلى، وكذلك جاء في كلام علي عليه السلام أنه قال: فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته- ذكره السيد أبو طالب في الأمالي بإسناده، والسيد الرضي في النهج كلاهما في جوابه عليه السلام، على الذي قال له: صف لنا نار ربنا-.
وهذا لا يعارض قوله عز وجل: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون}، لأنه لم ينزه ذاته عن الوصف مطلقاً، حتى يعم الوصف الحسن، وإنما ينزه عن وصفهم له بالباطل القبيح. انتهى.