فصل: تفسير الآية رقم (15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسَاْن لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} [15].
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} أي: جعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيباً، وذلك قولهم للملائكة: هم بنات الله. قال القاشاني: أي: اعترفوا بأنه خالق السماوات والأرض ومبدعهما وفاطرهما. وقد جسموه وجزأوه بإثبات الولد له، الذي هو بعض من الوالد، مماثل له في النوع، لكونهم ظاهريين جسمانيين، لا يتجاوزون عن رتبة الحس والخيال، ولا يتجردون عن ملابس الجسمانيات، فيدركون الحقائق المجردة، والذوات المقدسة، فضلاً عن ذات الله تعالى. فكل ما تصوروا وتخيلوا، كان شيئاً جسمانياً. ولهذا كذبوا الأنبياء في إثبات الآخرة، والبعث، والنشور، وكل ما يتعلق بالمعاد؛ إذ لا يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا، وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية، أمور المعاش. فلا مناسبة أصلاً بين ذواتهم وذوات الأنبياء، إلا في ظاهر البشرية. فلا حاجة إلى ما وراءها. انتهى: {إِنَّ الْإِنْسَاْن لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} أي: لجحودٌ نعم ربه، التي أنعمها عليه، يبين كفرانه لمن تدبر حاله.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ} [16].
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ} أي: بل اتخذ. والهمزة للإنكار تجهيلاً لهم، وتعجيباً من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءاً، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين وهو الإناث دون الذكور. على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث، وأمقتهم لهن، ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وأدوهن، كأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة، فرضاً وتمثيلاً، أما تستحيون من الشطط في القسمة، ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما، ترك له شرهما وأدناهما؟ قاله الزمخشري.

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [17].
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً} أي: من البنات: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} أي: من الكآبة، والغم، والحزن: {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي: مملوء قلبه من الكرب.

.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [18].
{أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} أي: تربى في الزينة، يعني النبات: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ} أي: في المجادلة: {غَيْرُ مُبِينٍ} أي: لمن خاصمه ببرهان، وحجة، لعجزه وضعفه. والمعنى: أو من كان كذلك جعلتموه جزءاً لله من خلقه، وزعمتم أنه نصيب منهم؟.
تنبيه:
قال الكيا الهراسي: في دليل على إباحة الحلي للنساء. وسئل أبو العالية من الذهب للنساء، فلم ير به بأساً، وتلا هذه الآية.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [19].
{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي: جعلوا ملائكة الله الذين هم عنده، يسبحونه، ويقدسونه، إناثاً. فقالوا: هم بنات الله. جهلاً منهم بحق الله سبحانه، وجراءةً منهم على قيل الكذب.
قال القاشاني: لما سمعوا من أسلافهم قول الأوائل من الحكماء في إثبات النفوس الملكية وتأنيثهم إياها، إما باعتبار اللفظ وإما باعتبار تأثرها وانفعالها عن الأرواح المقدسة العقلية، مع وصفهم إياها بالقرب من الحضرة الإلهية- توهموا أنوثتها في الحقيقة، التي هي بإزاء الذكورة في الحيوان مع اختصامها بالله. فجعلوها بنات. وقلما يعتقدها العامي إلا صوراً إنسية لطيفة في غاية الحسن. انتهى.
{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} أي: أحضروا خلق الله إياهم فوصفوهم بذلك لعلمهم بهم وبرؤيتهم إياهم؟ وهو تجهيل لهم، وتهكم بهم: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} أي: على الملائكة بما هم مبرءون عنه: {وَيُسْأَلُونَ} أي: عنها يوم القيامة، بأن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً، وفيه من الوعيد ما فيه؛ لأن كتابتها، والسؤال عنها، يقتضي العقاب والمجازاة عليها، وهو المراد.

.تفسير الآيات (20- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} [20- 21].
هذا بيان لضلال لهم آخر، في جدلهم وخصامهم وتعنتهم. وقد استدل المعتزلة بظاهر الآية في أنه تعالى لا يشاء الشرور والمعاصي. وأهل السنة تأوّلوا الآية بما يلاقي العقد الصحيح. وهو عموم مشيئته تعالى لكل شيء، الناطق به غير ما آية. ولما كانت هذه الآية وأخواتها من معارك الأنظار قديماً وحديثاً، آثرت أن أنقل هنا ما لمحققي المفسرين، جرياً على قاعدتنا في التقاط نفائس ما للمتقدم، وتحلية مصنفاتنا بها، فنقول: قال القاشاني: لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى،افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار. وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان، بل على سبيل العناد والإفحام. ولهذا ردهم الله تعالى بقوله {ما لهم بذلك من علم} إذ لو علموا ذلك لكانوا موحدين، لا ينسبون التأثير إلا إلى الله. فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره. إذ لا يرون حينئذٍ لغيره نفعاً ولا ضراً {إن هم إلا يخرصون} لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل، حين عظموهم وخافوهم وخافوهم وخوّفوا أنبياءهم من بطشهم، كما قال قوم هود {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ} ولما خوفوا إبراهيم عليه السلام كيدهم، أجاب بقوله {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} إلى قوله {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} انتهى.
وفي البيضاوي وحواشيه: إن هذا القول استدلال منهم على امتناع النهي عن عبادة غيره تعالى أو على حسنها. يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى. فيكون مأموراً بها أو حسنة. ويمتنع كونها منهياً عنها أو قبيحة. وهذا الاستدلال باطل. لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن، لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض / حسناً كان أو قبيحاً. ولذلك جهلهم في استدلالهم هذا. والحاصل أن الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلاً على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها: لا إلى هذا القول، فإنه كلمة حق أريد به باطل. انتهى.
وقال الناصر في الانتصاف: نحن معاشر أهل السنة نقول: إن كل شيء بمشيئته تعالى، حتى الضلالة والهدى، اتباعاً لدليل العقل، وتصديقاً لنص النقل. في أمثال قوله تعالى {يُضِلُّ مَن يشاء ويَهْدي مَن يشاء} وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيداً، ولا تفيده إلا تصويباً وتسديداً. فنقول: إذا قال الكافر لو شاء الله ما كفرتُ فهذه كلمة حق أراد بها باطلاً، أما كونها كلمة حق، فلما مهّدناه. وأما كونها أراد بها باطلاً، فمراد الكافر بذلك أن يكون له الحجة على الله، توهماً أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضلّ، أن لا يعاقبه على ذلك. لأنه فعل مقتضى مشيئته.
ثمّ قال: فإذا وضح ما قلناه، فإنما رد الله عليهم مقالتهم هذه. لأنهم توهموا أنها حجة على الله. فدحض الله حجتهم، وأكذب أمنيتهم، وبين أن مقالتهم صادرة عن ظن كاذب وتخرص محض، فقال {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون} و{إِنْ هُمْ إِلَّّا يَظُنُّون} وقد أفصحت أخت هذه الآية عن هذا التقدير. وذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} فبين تعالى أن الحامل لهؤلاء على التكذيب بالرسل، والإشراك بالله، اغترارهم بأن لهم الحجة على الله بقولهم {لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} فشبه تعالى حالهم في الاعتماد على هذا الخيال، بحال أوائلهم. ثم بين أنه معتقد نشأ عن ظن خلّب وخيال مكذب، فقال {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُون} ثم لما أبطل أن يكون لهم في مقالتهم حجة على الله، أثبت تعالى الحجة له عليهم بقولهم {فلله الحجة البالغة} ثم أوضح أن الرد عليهم ليس إلاّ في احتجاجهم على الله بذلك. لا لأن المقالة في نفسها كذب. فقال {فلو شاء لهداكم أجمعين} وهو معنى قولهم {لو شاء الله ما أشركنا} من حيث إن {لو} مقتضاها امتناع الهداية لامتناع المشيئة. فدلت الآية الأخيرة على أن الله تعالى لم يشأ هدايتهم، بل شاء ضلالتهم. ولو شاء هدايتهم لما ضلوا، فهذا هو الدين القويم، والصراط المستقيم، والنور اللائح والمنهج الواضح. والذي يدحض به حجة هؤلاء، مع اعتقاد أن الله تعالى شاء وقوع الضلالة منهم، هو أنه تعالى جعل للعبد تأتياً وتيسراً للهداية وغيرها، من الأفعال الكسبية، حتى صارت الأفعال الصادرة منه مناط التكليف لأنها اختيارية يفرق بالضرورة بينها وبين العوارض القسرية فهذه الآية أقامت الحجة ووضحت لمن اصطفاه الله للمعتقدات الصحيحة المحجة ولما كانت تفرقة دقيقة لم تنتظم في سلك الأفهام الكثيفة فلا جرم أن أفهامهم تبددت وأفكارهم تبدلت فغلت طائفة القدرية واعتقدت أن العبد فعال لما يريد على خلاف مشيئة ربه وجارت الجبرية فاعتقدت أن لا قدرة للعبد البتة ولا اختيار وأن جميع الأفعال صادرة منه على سبيل الاضطراب أما أهل الحق فمنحهم الله من هدايته قسطا وأرشدهم إلى الطريق الوسطى فانتهجوا سبل السلام وساروا ورائد التوفيق لهم إمام مستضيئين بأنوار العقول المرشدة إلى أن جميع الكائنات بقدرة الله تعالى ومشيئته ولم يغب عن أفهامهم أن يكون بعض الأفعال للعبد مقدورة لما وجدوه من التفرقة بين الاختيارية والقسرية بالضرورة لكنها قدرة تقارن بلا تأثير وتميز بين الضروري والاختياري في التصوير فهذا هو التحقيق والله ولي التوفيق. انتهى.
وقد سبق في آية الأنعام نقول عن الأئمة في الآية مسهبة: فراجعها إن شئت. وقوله تعالى {أم ءاتيناهم كتابا من قبله} أي من قبل هذا القرآن {فهم به مستمسكون} أي يعملون به ويدينون بما فيه ويحتجون به عليك نظير قوله تعالى في الآية الأخرى {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} يعني بالعلم كتابا موحى في ذلك.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [22].
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} أي: لا حجة لهم إلا تقليد آبائهم، الجهلة مثلهم.

.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [23].
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} أي: كما فعل هؤلاء المشركون من دفاع الحجة بالتقليد، فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله.
قال القاضي: وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم، ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم، وأن مقلديهم أيضاً لم يكن لهم سند منظور فيه. وتخصيص المترفين، إشعار بأن النعم، وحب البطالة، صرفهم عن النظر إلى التقليد.

.تفسير الآية رقم (24):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [24].
{قَالَ} وقرئ قل: {أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} أي: جاحدون منكرون، وإن كان أهدى، إقناطاً للنذير من أن ينظروا، أو يتفكروا فيه.

.تفسير الآية رقم (25):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [25].
{فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي: بعذاب الاستئصال: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي: آخر أمرهم، مما أصبح مثلاً وعبرة.

.تفسير الآية رقم (26):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} [26].
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} قال القاضي: أي: اذكر وقت قوله هذا، ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالدليل، أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد، فإنه أشرف آبائهم: {لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} أي: بريء من عبادتكم أو معبودكم. و{بَرَاء} بفتح الباء الموحدة كما هو قراءة العامة، مصدر كالطلاق والعتاق، أريد به معنى الوصف مبالغة. فلذا أطلق على الواحد وغيره. وقرئ بضم الباء وهو اسم مفرد صفة مبالغة، كطوال وكرام، بضم الطاء والكاف. وقوله:

.تفسير الآية رقم (27):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [27].
{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} استثناء منقطع أو متصل، على أن ما يعم أولي الأمر وغيرهم، وأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام، أو إلا بمعنى غير صفة لما، أي: إنني بريء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، أي: خلقني: {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} أي: للدين الحق، واتباع سبيل الرشد. والسين إما للتأكيد، ويؤيده آية الشعراء: {يَهْدِينِ} بدونها. والقصة واحدة، والمضارع في الموضوعين للاستمرار، وإما للتسويف والاستقبال، والمراد هداية زائدة على ما كان له أولاً، فيتغاير ما في الآيتين من الحكاية أو المحكي، بناء على تكرر قصته.

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [28].
{وَجَعَلَهَا} أي: شهادة التوحيد: {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} أي: موصي بها، موروثة متداولة محفوظة. كقوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132]، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: لكي يرجعوا إلى عبادته، ويلجأوا إلى توحيده في سائر شؤونهم، أو لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحّد منهم.

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} [29].
{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء} يعني أهل مكة: {وَآبَاءهُمْ} أي: من قبلهم بالحياة، فلم أعاجلهم على كفرهم: {حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ} أي: دعوة التوحيد، أو القرآن: {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} أي: ظاهر الرسالة بالآيات، والحجج التي يحتج بها عليهم في دعوى رسالته.