فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [18].
{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} أي: ملك يرقِب عمله، {عَتِيدٌ} أي: حاضر. ولمَّا ذكر استبعادهم للبعث وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه، أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب، ونبَّه على اقترابه بلفظ الماضي، فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [19].
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} أي: شدَّتُه المحيِّرة الشاغلة للحواس، المذهلة للعقل {بِالْحَقِّ} أي: بالموعود الحق والأمرِ المحقَّق، وهو الموت، فالباء للملابسة. أو بالموعود الحق من أمر الآخرة، والثواب والعقاب الذي غفل عنه، فالباء للتعدية، أي: أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر، وهي أحوالها الباطنة، وأظهرتها عليه.
قال الشهاب: السكرة استعيرت للشدة، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما مذهِب للعقل، فالاستعارة تصريحية تحقيقية. ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية. وإثبات السكرة لها تخييل.
{ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي: تَفرّ. والجملة على تقدير القول، أي: يقال له وقت الموت: ذلك الأمر الذي رأيته هو الذي كنت منه تحيد في حياتك، فلم ينفعك الهرب والفرار.
وهل المشار إليه بذلك، الحق أو الموت؟ قال الطيبي: إن اتصل قوله:
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} إلخ، بقوله: {فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وما معه، فالمشار إليه بذلك الحق، والخطاب للفاجر، أي: جاءك أيها الفاجر الحقُّ الذي أنكرته، وإن اتصل بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ} إلخ، فالمشار إليه الموت، والالتفات لا يفارق الوجهين، والثاني هو المناسب، لقوله:
{وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} بعده، وتفصيله {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24]، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: 31]. انتهى.

.تفسير الآيات (20- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [20- 21].
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} يعني: نفخة البعث {ذَلِكَ} أي: النفخ {يَوْمُ الْوَعِيدِ} أي: وقت تحقق الوعيد بشهود ما قدّم من الأعمال وما أخَّر.
{وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قال ابن جرير: أي: سائق يسوقها إلى الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير أو شر. وهل هما ملكان، أو ملك جامع للوصفين، أو الأول ملك، والثاني الإنسان نفسه يشهد على نفسه، أو سائق من أعمالها، إلى مكان جزائها، وشهيد من أجزائها؟ أقوال: وقال القاشاني: أي: سائق من عمله، وشهيد من عمله؛ لأن كل أحد ينجذب إلى محل نظره، وما اختاره بعمله. والميل الذي يسوقه إلى ذلك الشيء إنما نشأ من شعوره بذلك الشيء وحكمه بملائمته له، سواء كان أمراً سفلياً جسمانياً بعثه عليه هواه وأغراه عليه وهمُه وقوَّاه، أو أمراً عُلوياً روحانياً بعثه عليه عقله ومحبَّتُه الروحانية وحرَّضه عليه قلبُه وفطرته الأصلية. فالعلم الغالب عليه سائقه إلى معلومه، وشاهده بالميل الغالب عليه، والحبُّ الراسخ فيه والعمل المكتوب في صحيفته يشهد عليه بظهوره على صور أعضائه وجوارحه، وينطق عليه كتابه بالحق، وجوارحه بهيئات أعضائه المتشكلة بأعماله. انتهى.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [22].
{لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} في المخاطب بهذا، أقوالُ ثلاثة:
أحدها: أنه النبي صلى الله عليه وسلم، أتى بهذه الجملة معترضة في خلال النبأ الأُخروي، تنويهاً بمِنَّة الإعلام بذلك، والتعريف به، ثم شدة نفوذ البصر به والوقوف على غوامضه بعد خلوِّ الذهن عنه رأساً. والمعنى: لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك، فبصرك اليوم حديدٌ نافذ قوي، ترَى مالا يَرون، وتعلم مالا يعلمون. ومثله آية {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52].
وثانيها: أنه الكافر، وأن الكلام على تقدير القول، أي: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم من الأهوال، فكشفنا عنك غطاءك بأن جلينا لك ذلك، وأظهرناه لعينيك حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك. ومثله عن الكفار آية: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم: 38]، وآية: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12].
وثالثها: أنه الإنسان مطلَقاً، لقوله: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ}، والمقصود أنه كشف الغطاء عن البَرَََِّ والفاجر، ورأى كل ما يصير إليه.
وعوَّل ابن جرير في الأولوية على الثالث.
قال الزمخشري: جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى بها جسده كله، أو غشاوة غطى بها عينيه، فهو لا يبصر شيئاً، فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت الغفلة عنه وغطاؤها، فيبصر ما لم يبصره من الحق.
وقال القاشاني في تأويل الآية: {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} لاحتجابك بالحس والمحسوسات وذهولك عنه؛ لاشتغالك بالظاهر عن الباطن {فَكَشَفْنَا عَنكَ} بالموت {غِطَاءكَ} المادي الجسماني الذي احتجبت به {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي: إدراكك لما ذهلتَ عنه ولم تصدِّق بوجوده، قويّ تعاينه. انتهى.

.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [23].
{وَقَالَ قَرِينُهُ} أي: قرين هذا الإنسان الذي جيء به يوم القيامة معه سائق وشهيد، وهو إما الملك الموكل عليه في الدنيا لكتابة أعماله، وهو الرقيب المتقدِّم، أو الشيطان الذي قيِّض له مقارناً يغويه، وهو الأظهر- كما اعتمده الزمخشري- لآية: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، ويشهد له قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق: 27]، {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي: هذا شيء لدي حاضر معدٌّ محفوظ.
والإشارة على الأول لما في صحفه، وعلى الثاني للشخص نفسه، أي: هذا ما لدي عتيد لجهنم هيَّأته بإغوائي لها.
وقال القاشاني:
{وَقَالَ قَرِينُهُ} أي: من شيطان الوهْم الذي غرَّه بالظواهر وحجبَهُ عن البواطن: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} مهيَّأ لجهنم، أي: ظهر تسخير الوهم إياه في التوجه إلى الجهة السفلية، وأنه ملَكه واستعبده في طلب اللذات البدنية، حتى هيأه لجهنم في قعر الطبيعة. انتهى.

.تفسير الآية رقم (24):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [24].
{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد، على أنهما ملكان، لا ملك جامع للوصفين، أو لملكين من خزنة النار، أو لواحد، وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل، وتكريره على أنه أصله: ألق، ألقِ، ثم حذف الفعل الثاني، وأبقى ضميره مع الفعل الأول، فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر، أو الألف بدل من نون التوكيد؛ لأنها تبدل ألفاً في الوقف، فأجرى الوصل مجراه، أوجه ذكروها.
وقال ابن جرير: أخرج الأمر للقرين- وهو بلفظ واحد- مَخرَجَ خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل:
أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرسول، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتثنية والجمع. فرد قوله: {أَلْقِيَا} إلى المعنى.
والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول، وهي: إن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرجل: ويلك! ارحلاها، وازجُراها، كما قال:
فقلتُ لصاحبي لا تحْبِسِانا ** بِنَزْعِ أصولِهِ واجتْرَّ شيحا

وقال أبو ثروان:
فإن تزجراني يا ابن عفانَ أنْزَجِرْ ** وإن تَدَعَاني أَحْمِ عِرضاً مُمنَّعَا

وسبب ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه. ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلاً: يا صاحبَي، ياخليليّ. انتهى.
والكَفَََّّار المبالِغ في جحده وحدانيةَ الله تعالى وما جاء به رسوله صلوات الله عليه.
والعنيد المعانِد للحق وسبيل الهدى، لا يسمع دليلاً في مقابلة كفره، وقد زاد على العناد بوصف:

.تفسير الآية رقم (25):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ} [25].
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} أي: الكليّ، وهو الإسلام، أو المال. واستصوب ابن جرير أنه هنا كل حق وجب لله أو لآدمي في ماله، لأنه لم يخصص منه شيء، فدل على أنه كل خير يمكن منعه طالبه {مُعْتَدِ} أي: متجاوز الحدَّ في الاعتداء على الناس بالبَذاء والفُحش في المنطق، وبيده بالسطوة والبطش ظلماً، كما قال قتادة: معتدٍ في منطقه وسيرته وأمره.
{مُرِيبٍ} أي: شاكّ في الحق، أو ُموقع صاحبه في الرَّيب مع كثرة الدلائل.
وقال القاشاني: الخطاب في {أَلْقِيَا} للسائق والشهيد الذيْن يُوبقانه ويُلقيانه ويهلكانه في أسفل غياهِب مَهواة الهيولي الجسمانية، وغيَابةِ جُبِّ الطبيعة الظلمانية في نيران الحرمان. أو لمالك. والمراد بتثنية الفاعل تكرار الفعل، كأنما قال: ألق، ألق، لاستيلائه عليهم في الإبعاد والإلقاء إلى الجهة السفلية. ويقوّي الأول: أنه عدد الرذائل الموبقة التي أوجبت استحقاقهم لعذاب جهنم، ووقوعهم في نيران الجحيم، وبيَّن أنها من باب العلم والعمل. والكفران ومنع الخير كلاهما من إفراط القوة البهيمية الشهوانية، لانهماكها في لذاتها، واستعمالها نِعَم الله تعالى في غير مواضعها من المعاصي والاحتجاب عن المنعم بها، ومن حقها أن تذكِّره وتبعث على شكره، ومكالبتها عليها لفرط ولوعها بها، فتمنعها عن مستحقِّيها. وذكرهما على بناء المبالغة؛ ليدل على رسوخ الرذيلتين فيه وغلبتِهما عليه، وتعمقِه فيهما الموجب للسقوط عن رتبة الفطرة في قعر بئر الطبيعة. والعنود والاعتداء كلاهما من إفراط القوة الغضبية، واستيلائها لفرط الشيطنة، والخروج عن حد العدالة. والأربعة من باب فساد العمل. والريب والشرك كلاهما من نقصان القوة النطقية، وسقوطها عن الفطرة بتفريطها في جنب الله، وتصورها عن حد القوة العاقلة؛ وذلك من باب فساد العلم. انتهى.

.تفسير الآية رقم (26):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [26].
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} أي: عبَد معه معبوداً آخر من خلقه {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} أي: عذاب جهنم.
لطيفة:
الموصول إما مبتدأ مضمَّن معنى الشرط، وخبره {فَأَلْقِيَاهُ} أو مفعول لمضمر يفسره {فَأَلْقِيَاهُ} أو بدل من {كُلَّ كَفَّارٍ} فيكون {فَأَلْقِيَاهُ} تكريراً للتوكيد. قيل على الأخير: إنه مخالف لما ذكره أهل المعاني من أن بين المؤكَّد والمؤكِّد شدة اتصال تمنع من العطف. وأجيب: بأنه من باب: وحقك ثم حقك، نزّل التغاير بين المؤكَّد والمؤكد والمفسِر والمفسَر، منزلةَ َالتغاير بين الذاتين بوجه خطابي. ولو جعل {الْعَذَابَ الشَّدِيدَ} نوعاً من عذاب جهنم ومن أهواله، على أنه من باب {وَمَلائكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة: 98] كان حسناً.
قال الشهاب بعد نقله ما ذكر: قال ابن مالك في التسهيل: فصل الجملتين في التأكيد بثم، إن أمن اللبس، أجود من وصلهما، وذكر بعض النحاة الفاء. وذكر الزمخشري في الجاثية الواوَ أيضاً، واتفق النحاة على أنه تأكيد اصطلاحيّ، وكلام أهل المعاني في إطلاق منعه غير سديد. انتهى.

.تفسير الآية رقم (27):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [27].
{قَالَ قَرِينُهُ} أي: قرين هذا الإنسان الكفَّار المنَّاع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلاً به في الدنيا، متبرئاَ منه {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أي: بالإرابة ومنع الإسلام وجعلِ إله آخر معك {وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} أي: في طريق جائر عن سبيل الهدى، جوراً بعيداً بنفسه.
قال القاشاني: وقول الشيطان: {مَا أَطْغَيْتُهُ} إلخ كقوله: {إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} [إبراهيم: 22]، لأنه لو لم يكن في ضلال عن طريق التوحيد، بعيد عن الفطرة الأصلية بالتوجه إلى الجهة السفلية، والتغشي بالغواشي المظلمة الطبيعية، لم يقبل وسوسة الشيطان، وقبل إلهام الملك، فالذنب إنما يكون عليه بالاحتجاب من نور الفطرة، واكتساب الجنسية مع الشيطان في الظلمة. انتهى.
وقال ابن جرير: وإنما أخبر تعالى عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلاماً منه عباده، تبرُّأ بعضهم من بعض يوم القيامة.

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ} [28].
{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ} أي: لا تختصموا اليوم في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم، وقد قدمت إليكم في الدنيا بالوعيد لمن كفر بي وعصاني وخالف أمري ونهيي في كتبي، وعلى ألسن رسلي.
قال القاشاني: النهي عن الاختصام ليس المراد به انتهاءه، بل عدم فائدته، والاستماع إليه. كأنه قيل: لا اختصام مسموع عندي، وقد ثبت وصحَّ تقديم الوعيد، حيث أمكن انتفاعكم به؛ لسلامة الآلات وبقاء الاستعداد، فلم تنتفعوا به ولم ترفعوا لذلك رأساً، حتى ترسخت الهيئات المظلمة في نفوسكم، ورانت على قلوبكم، وتحقق الحجاب، وحقّ القول بالعذاب. انتهى.
وعن ابن عباس: أنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم وردَّ عليهم قولهم.