فصل: تفسير الآيات (50- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (50- 56):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [50- 56].
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى} يعني قوم هود. وسميت {الْأُولَى} لتقدمها في الزمان.
{وَثَمُودَ} أي: قوم صالح {فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} أي: أشد في كفرهم {وَأَطْغَى} أي: أشد طغياناً وعصياناً من الذين أهلكوا بعدهم، لتمردهم على الكفر، وردّ دعوته في طول مدته بينهم، وهي أطول مدد الأنبياء عليهم السلام.
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ} أي: قرى قوم لوط التي ائتفكت بأهلها، أي: انقلبت.
{أَهْوَى} أي: أهواها على أهلها ودمّرها.
{فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} أي: من العذاب السماويّ الذي صب عليها.
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ} أي: نعمائه.
{تَتَمَارَى} أي: ترتاب وتشك وتجادل في أنها ليست من عنده، وهو الذي أنعم بالإغناء والإقناء وإرسال الرسل، وقهر أعدائهم.
{هَذَا} أي: القرآن {نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى} أي: إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم. أو هذا الرسول نذير من جنس من تقدمه، ليس بدعاً من الرسل.

.تفسير الآيات (57- 58):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [57- 58].
{أَزِفَتْ الْآزِفَةُ} أي: قربت القيامة الموصوفة بالقرب. فاللام في {الْآزِفَةِ} للعهد وقيل: الآزفة علم بالغلبة للساعة هنا، لئلا يلزم وصف القريب بالقريب.
قال الشهاب: وفيه نظر، لأن وصف القريب بالقرب يفيد المبالغة في قربه، كما يدل على الافتعال في اقتربت.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} أي: ليس لقيامها غير الله مبّين لوقتها، كقوله:
{لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187]، و{كَاشِفَةٌ} صفة محذوف، أي: نفس كاشفة، أو حال كاشفة أو التاء للمبالغة. أو هو مصدر بني على التأنيث و{مِّن دُونِ اللّهِ} بمعنى غير الله، أو إلا الله. وقيل: الكشف بمعنى الإزالة، أي: ليس لها نفس كاشفة إذا وقعت، إلا هو تعالى، من كشف الغماء.

.تفسير الآيات (59- 62):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [59- 62].
{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ} يعني القرآن الذي قص ما تقدم، وأنذر بما أخبر {تَعْجَبُونَ} أي: تعجب إنكار مع أن ما حواه مما يلجئ إلى الإذعان والإقرار، بل مما يفيض لحقيته الدمع المدرار، كما قال: {وَتَضْحَكُونَ} أي: استهزاء {وَلَا تَبْكُونَ} أي: مما فيه من وعيد للعصاة، ومما فرط منكم قبل سماع ذكراه كما يفعله الموقنون به، المحدث عنهم في آية: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: 109] {وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} أي: لاهون عما فيه من العبر، معرضون عن آياته كبراً.
قال مجاهد: كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم غضاباً مبرطمين، أي: شامخين.
وعن ابن عباس: هو الغناء: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا، وهي لغة أهل اليمن. يقولون: اسمدْ لنا: تغنّ لنا. والمآل واالمشركين. تلفت العبارة عنه. ولا ريب أن كل ذلك مما كان يصدر عن المشركين.
قال في الإكليل: فيه استحباب البكاء عند القراءة، وذم الضحك والغنا واللهو واللعب والغفلة، كما فسر بالأربعة قوله: {سَامِدُونَ} وفسره السديّ بالاستكبار.
{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} أي: واعبدوه دون من سواه من الأوثان، فإنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلا له، فلا تجعلوا له شريكاً في عبادته.
وعن عبد الله بن مسعود قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة {وَالنَّجْمِ} «فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم» وسجد من خلفه... الحديث. وتقدم في أول السورة.
وروى الإمام أحمد عن المطّلب بن وداعة قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم، فسجد» وسجد من عنده، فرفعت رأسي فأبيت أن أسجد- ولم يكن أسلم يومئذ المطلب- فكان بعد ذلك لا يسمع أحداً قرأها إلا سجد معه. ورواه النساني.

.سورة القمر:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [1].
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي: دنَت الساعة التي تقوم فيها القيامة. كما قال: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، وقال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1].
قال ابن جرير: وهذا من الله تعالى إنذاره لعباده بدنوِّ القيامة، وقرب فناء الدنيا، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم، وهم عنها في غفلة ساهون.
{وَانشَقَّ الْقَمَرُ}

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [2].
{وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} قال ابن جرير: كان ذلك- فيما ذكر- على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل هجرته إلى المدينة؛ وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية، فأراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر حجَّةً على صدق قوله وحقيقةِ نبوته، فلما أراهم أعرضوا وكذبوا، وقالوا: هذا سحر مستمر، سحَرنا محمد. ثم روى ذلك عن أنس وابن مسعود وابن عباس، وغير واحد من التابعين.
وقال القاضي عياض في الشفا: أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي، وإعراض الكفرة عن آياته، وأجمع المفسرون وأهل السنَّة على وقوعه، ثم سرد الآثار في ذلك.
وزعم ابن كثير أن أحاديثه متواترةعامة، إلا أن الشهاب نقل عن الإمام الخطابيّ أن معجزاته صلى الله عليه وسلم، غير القرآن، لم تتواتر. والحكمة فيه أنها لو تواترت كانت عامة، والمعجزة إذا عمَّت أهلَك اللهُ مَن كذبها، كما جرت به العادة الإلهية. والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة، وأمَّن الله أمَّته من عذاب الاستئصال.
ثم قال: وسبب تعرضهم للتواتر طعن بعضِ الملاحدة بأن القمر يشاهده كل أحد، فلو انقسم قطعتين تواتر وشاع في جميع الناس، ولم يخف على أحد، والطبائع حريصة على إشاعة ما لم يعهد مثله، ولا أغرب من هذا. مع أن الملازمة غير لازمة، لأنه في الليل، وزمان الغفلة، ولا يلزم امتداده، ولا يرى إذ ذاك في جميع الآفاق، لاختلاف المطالع. انتهى.
وقد ذكر ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث أن الذي طعن في تلك الآثار المروية عن ابن مسعود هو النظّام، إلا أنه لم ينقل تأويله للآية على رأيه، ولعله هو القول الثاني الذي حكاه الزمخشريّ والبيضاويُّ، ورواه أبو السعود عن عثمان بن عطاء عن أبيه أن المعنى: وسينشق القمر، يعني يوم القيامة وإذا انكدرت النجوم وانتثرت. والمراد بالآية إما القرآن أو ما يقترحونه لو أجيبوا إلى طلبه.
ومعنى {مُّسْتَمِرٌّ} دائم مطرد، أو محكم قويّ، من: مررت الحبل، إذا أحكمتَ فتله. أو مارّ ذاهب لا يبقى، تعليلاً لأنفسهم بالأماني الفارغة. أو منفور عنه لشدة مرارته مجازاً.
وجملة {وَإِن يَرَوْاْ} مستأنفة أو حالية.
قال الشهاب: ولو كانت هذه الجملة حالية- والمعنى: أن الساعة اقتربت، وانشق القمر فيها دنا زمانه، وظهرت آثاره، والحال أنهم مصرون على العناد- كان منتظماً أتمَّ انتظام، ولا ضير فيه سوى مخالفته للمنقول عن السلف في تفسيرها، فتأمل. انتهى.
أقول: ولي هاهنا كلمة لابد من التنبيه عليها، وهي: أن الرمي بالإلحاد لمنكرِ حديث غير مجمع على تواتره، جنايةٌ كبرى وزلة عظمى، فإن باب التكفير والتضليل ليس بالأمر القليل، ولأجله صنف حجة الإسلام الغزالي كتابه فيصل التفرقة ودمَغ بحُججه أولئك المتعصبين الذين سهل عليهم الرمي لمن خالفهم بالزندقة، ولعمرُ الحقِّ إن هذا مما فرّق الكلمة، ونفَّر حملة العلم عن تعرف المشارب والآراء، حتى أصبح باب التوسع في العلم مرتجاً، ومحيطه بعد مدَّه منحسراً؛ إذ هجرت كتب الفِرَق الأخرى بل أحرقت، وأهين من يتأثلها، ورمي بالابتداع أو التزندق، كما يمرُّ كثير من مثل هذا بمطالع كتب التاريخ وطبقات الرجال، فلا جرم نسيت الأقوال الباقية، وعدت من الشاذ غير المقبول. وإذا ألصق اسم الإلحاد بقائلها فماذا يكون حالها؟ وهذا، كما لا يخفاك، حيف على قواعد العلم وغلٌّ للأفكار، نعم! تفلَّت منهم علم الأصول، فلم تزل الأقوال الغريبة تتراءى على صفحاته، وإن كان مما يغمز كثير منها، إلا أنها سارت تلجُّ آذانهم، ويحتج بها عليهم، وقد تنبه كثير من المحققين لما ذكرنا، وأشاروا له في مواضع، فقرروا في كتب العقائد أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة.
وقال العلامة الفناريّ في فصول البدائع: ولا يضلَّل جاحدُ الآحاد.
وقال الإمام ابن تيمية: الصواب أن من رد الخبر الصحيح، كما كانت الصحابة ترده، لاعتقاده غلط الناقل أو كذبه، لاعتقاد الراد أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا، فإن هذا لا يكفر ولا يفسق، وإن لم يكن اعتقاده مطابقاً، فقد ردَّ غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث. انتهى.
وذكر الغزاليّ في الإحياء في كتاب آداب تلاوة القرآن في الباب الثالث في أعمال الباطن في التلاوة، أن من أركانها التخلي عن موانع الفهم. قال: فإن أكثر الناس مُنِعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، وحجُب الفهم أربعةٌ. إلى أن قال:
وثانيها: أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد، وجمد عليه، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيَّده معتقده عن أن يجاوزه، فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده، فصار نظره موقوفاً على مسموعه، حمل عليه شيطان التقليد حملة، وقال: كيف يخطر هذا ببالِك، وهو خلاف معتقد آبائك؟ فيرى أن ذلك غرور الشيطان فيتباعد منه، ويحترز عن مثله. ثم قال: رابعها: أن يكون قرأ تفسيراً ظاهر، واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي، وأن من فسَّر القرآن برأيه فقد تبوَّأ مقعده من النار، فهذا أيضاً من الحجب العظيمة. ثم قال:
وسنبين معنى التفسير بالرأي، وأن ذلك لا يناقض قول عليّ رضي الله عنه: إلا أن يؤتي اللهُ عبداً فهماً في القرآن. وأنه لو كان المعنى هو الظاهر المنقول، لما اختلف الناس فيه.
ثم ذكر بعدُ- عليه الرحمة- أن النهي عن التفسير بالرأي ينزل على أحد الوجهين:
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتج على تصحيح غرضه، كالمحتج على تصحيح بدعة بتأويل يخترعه تلبيساً على خصمه، وكالجاهل المقتحم يتأول ما شاء هواه.
وثانيهما: أن يتسارع إلى تأويل بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب التنزيل. انتهى.
ويأتي مثل البحث في كثير من المواضع التي فسرها بعض السلف بشيء، أو روى فيها ما أنكره غيره لما قام لديه، ولا ملام في معترك الأفهام، وبالله التوفيق.

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} [3].
{وَكَذَّبُوا} أي: بآيات الله بعد ما أتتهم حقيقتها {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} أي: ما زيَّن لهم من دفع الحق مما وجدوا عليه آبائهم {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} أي: كل أمر لابد أن يصير إلى غاية يستقرُّ عليها. تعريض بأن الرسول لابد أن يستقر إلى غاية، هي الظهور والنصرة، وأمر مكذبيه إلى الخذلان والشقاوة.

.تفسير الآيات (4- 5):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [4- 5].
{وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} أي: عن القرون الخالية، والحقائق الكونية، مما يستحيل أن يأتي به أميٌّ غيره صلوات الله عليه {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي: مرتدع عما هم مقيمون عليه من التكذيب والغفلة واللهو.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} أي: بلغت غايتها من الإحكام والتنزه عن الخلل، ومن الاشتمال على البراهين القاطعة والحجج الساطعة، وهو بدل من: ما، أو خبر محذوف، أي: هو حكمة بالغة {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} جمع نذير. وما نافية، أو استفهامية، أي: أي: غناء تغنى عن قوم آثروا الضلالة على الهدى، فأعرضوا عنه، وكذبوا به. وجوز أن تكون {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} جملة مستأنفة للتعجب من حالهم، مع ما جاءهم مما يقود إلى الإيمان بادئ بدء. وهو ما يفهم من تأويل ابن كثير، وعبارته:
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} أي: في هدايته تعالى لمن هداه، وإضلالِه لمن أضله {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} يعني أي: شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة وختم على قلبه، فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟ وهذه الآية كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9]، وكذا قوله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].

.تفسير الآيات (6- 8):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [6- 8].
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فتول عنهم} أي: اصفح عن أذاهم، وانتظر ما يأتيهم من الوعيد الشديد، كما قال: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} أي: داعي الله إلى موقف القيامة، وهو ملَك. أو الدعاء تمثيل للإعادة كالأمر في قوله {كُن فَيَكُونُ} [البقرة: 117] تمثيل للإبداء، والداعي هو الله تعالى: {إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} أي: فظيع تنكره النفوس، وهو موقف الحساب والجزاء والبلاء.
{خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ} أي: من الذل والصغار {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} أي: قبورهم {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} أي: في الكثرة والتموج والانتشار. الجراد مثل في الكثرة.
{مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} أي: مسرعين مادّي أعناقهم إليه {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي: لشدة أهواله و{يَوْمَ يَدْعُ} ظرف لـ: {يَقُولُ} وقيل: بمضمر، وقيل: بـ: {يَخْرُجُونَ} والأول أظهر.