فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} [2].
{فَإِذَا بَلَغْنَ} أي: المطلقات اللواتي في عدة {أَجَلَهُنَّ} يعني آخر العدة. أي: إذا قرب انقضاؤه وشارفنه {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي: فراجعوهن بما أمركم الله به من الحقوق التي أوجبها الله لهن من النفقة والكسوة والمسكن وحسن الصحبة {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي: اتركوهن حتى تنقضي عددهن فيبنَّ منكم بمعروف، وهو إيفاؤهن ما لهن من حق، كالصداق والمتعة، على ما أوجب عليه لهن.
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} أي: أشهدوا عند الرجعة والفرقة من يرضي دينهما وأمانتهما.
قال ابن عباس: فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين، وإن لم يراجعها، فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة، وهي أملك بنفسها، ثم تتزوج من شاءت هو أو غيره.
وهذا الإشهاد على المراجعة والطلاق مندوب، ومنهم من ذهب إلى وجوبه عليهما، ومنهم من فرق بين المراجعة فأوجبه فيها وبين الطلاق فاستحبه. وظاهر الأمر في الآية الوجوب فيهما، والترجيح يجب أن يكون بدليل مرجح. ومما يؤيد الوجوب أن الأوامر في الآية كلها، قبل وبعد، للوجوب إجماعاً، ولا دليل يصرف الأمر بالإشهاد عن ظاهره، فبقي كسابقه ولاحقه، وإن كان القرآن لا يفيد المشاركة في الحكم، إلا أنه عاضد ومؤيد، إذا لم يوجد صارف. ثم الأمر بالإشهاد عند الطلاق يدل على أن الحلف بالطلاق، أو تعليق وقوعه بأمر كله مما لا يعدّ طلاقاً في الشرع، لأن ما طلب فيه الإشهاد، لابد أن ينوي فيه إيقاعه ويعزم عليه ويتهيأ له، وجدير بعصمة ينوي حلها، وكانت معقودة أوثق عقد، أن يشهد عليه، بعد أن يسبقها مراجعة من حكمين من قبل الزوجين، كما أشارت إليه آية الحكم، فليتدبر الطلاق المشروع، والطلاق المبتدع، وبالله التوفيق.
قال الزمخشري: قيل: فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث.
{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} أي: لوجهه خالصاً، وذلك أن يقيموها لا للمشهود له، ولا للمشهود عليه، ولا لغرض من الأغراض، سوى إقامة الحق، ودفع الظلم، كقوله تعالى: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النساء: 135]. انتهى.
وتدل الآية على حظر أخذ الأجرة على أداء الشهادة، ويؤيده قوله تعالى: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فإن المشار إليه هو الحث على إقامة الشهادة لوجه الله، ولأجل القيام بالقسط، ويحتمل عوده على جميع ما في الآية.
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [3].
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} قال الزمخشري: يجوز أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، وطريقه الأحسن، والأبعد من الندم. ويكون المعنى: ومن يتق الله فطلَّق للسنة، ولم يضارّ المعتدة، ولم يخرجها من مسكنها، واحتاط فأشهد، يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من الغموم، والوقوع في المضايق، ويفرج عنه وينفس، ويعطه الخلاص، ويرزقه من وجه لا يخطره بباله ولا يحسبه، إن أوفى المهر وأدّى الحقوق والنفقات، وقلّ ماله، ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ} يعني: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة. انتهى.
تنبيه:
قال ابن الفرس: قال أكثر المفسرين: معنى الآية في الطلاق أي: من لا يتعدى طلاق السنة إلى طلاق الثلاث يجعل له مخرجاً إن ندم في الرجعة. قال: وهذا يستدل به على تحريم جمع الثلاث، وأنها إذا جمعت وقعت، نقله في الإكليل.
وقال ابن القيم في الإغاثة: اعلم أنه من اتقى الله في طلاقه، فطلّق كما أمره الله ورسوله وشرعه له، أغناه من الحيل كلها، ولهذا قال تعالى بعد أن ذكر حكم الطلاق المشروع: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}، فلو اتقى الله عامةُ المطلقين لاستغنوا بتقواه عن الآصار والأغلال، والمكر والاحتيال، فإن الطلاق الذي شرعه الله سبحانه: أن يطلقها طاهراً من غير جماع، ويطلقها واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يمسكها في العدة أمسكها. وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها أمكنه أن يستقبل العقد عليها من غير زوج آخر. وإن لم يكن له غرض لم يضره أن تتزوج بزوج غيره، فمن فعل هذا لم يندم، ولم يحتج إلى حيلة ولا تحليل، ولهذا سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته مائة فقال: عصيت ربك، وفارقت امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجا.
وقال سعيد بن جبير: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني طلّقت امرأتي ألفاً. فقال: أما ثلاث، فتحرم عليك امرأتك، وبقيّتهن وزر، اتخذت آيات الله هزؤاً.
قال مجاهد: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثاً، فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس! وإن الله تعالى قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، ذكره أبو داود. والبحث طويل الذيل لا يستغنى عن مراجعته.
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي: من يتوكل على ما شرعه، ويفوّض أمره إلى ما جعله المخرج، لأنه لا دواء أنجع منه {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} قرئ بالإضافة، أي: يبلغ ما أراد من أمره، فمن تيقن فوض أمره إليه، وعول عليه. وقرئ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغ أَمْرِهِ} أي: تام وكامل أمره وحكمه وشرعه، لما فيه من الحكم والرحمة {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} أي: حدّاً وتقديراً، حسبما تقتضيه الحكمة. ومنه تقديره ما قدر في أمر الطلاق، مما بينه في شأنه وتوقيته، معرفة المخرج منه.

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [4].
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: أشكل عليكم حكمهن، أو شككتم في الدم الذي يظهر منهن لكبرهن، أمن الحيض أو هو من الاستحاضة؟ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول، فعدتهن ثلاثة أشهر. فحذف لدلالة المذكور عليه {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} في انقضاء عددهن {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} أي: ما في بطنهن. والآية عامة في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن.
ويروى عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن الآية خاصة في المطلقات. وأما المتوفى عنها فعدتها آخر الأجلين.
قال ابن جرير: والصواب أنه عام في جميع أولات الأحمال، لأنه تعالى عَمَّ القول بذلك، ولم يخصص الخبر عن مطلقة دون متوفى عنها.
فإن قيل: إن سياق الخبر في أحكام المطلقات. يجاب: بأن نظمها خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الأحمال، المطلقات وغير المطلقات.
وفي الصحيحين عن أم سلمة أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة فخطبت، «فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم» وكان أبو السنابل فيمن خطبها.
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} أي: فلم يخالف إذنه في طلاق امرأته {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} وهو تسهيل الرجعة ما دامت في عدتها، والقدرة على خطبتها، إن انقضت ودعته إليها بسبب التقوى.

.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [5].
{ذَلِكَ} أي: ما ذكر من حكم الطلاق والرجعة والعدة {أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} أي: لتأتمروا له وتعملوا به {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} أي: بالمضاعفة.

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [6].
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} أي: من سعتكم التي تجدون، وطاقتكم ومقدرتكم {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} أي: لا تستعملوا معهن الضرار {لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أي: في المسكن ببعض الأسباب، من إنزال من لا يوافقهن، أو بشغل مكانهن، أو غير ذلك، حتى تضطروهن إلى الخروج أو الافتداء.
تنبيه:
قال في الإكليل: الآية وجوب السكنى للمطلقات كلهن، وللبوائن، لتقدم سكنى الرجعيات، ولقوله بعده: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ} فإنه خاص بالبوائن. وفيه أن الإسكان يعتبر بحال الزوج، وتحريم المضارة بها، وإلجائها إلى الخروج.
{وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قال ابن جرير: أي: وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل وكن بائنات منكم، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن.
فعن ابن عباس في الآية قال: هذه المرأة يطلقها زوجها، فيبتّ طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها، وليس بها حبل، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها، ولا نفقه. وكذلك المرأة يموت عنها زوجها فإن كانت حاملاً أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها، كما قال الله عز وجل:
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]. فإن لم تكن حاملاً فإن نفقتها كانت من مالها.
ثم قال ابن جرير: وقال آخرون عنى بقوله: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} كل مطلقة، ملك زوجها رجعتها أو لم يملك، وممن قال ذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
فعن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثاً، السكنى والنفقة والمتعة. وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس، أن النبي صلى الله عليه وسلم «مرها أن تعتد في غير بيت زوجها». قال: ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة.
ثم قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوته إلا أن تكون حاملاً، لأن الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله:
{وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ} للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن، ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب من النفقة على أزواجهن سواء، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء. وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهن أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن، إلا أن تكون حاملاً، وبالذي قلنا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس: أن أبا عمرو المخزومي طلقها ثلاثاً، فأمر لها بنفقة فاستقلتها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن. فانطلق خالد بن الوليد في نفر، من بني مخزوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند ميمونة، فقال: يا رسول الله! إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثا، فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس لها نفقة» فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انتقلي إلى بيت أم شريك، وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك. ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون، فانتقلي إلى ابن مكتوم، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك. فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد. انتهى.
وقال الناصر في «الانتصاف»: لا يخفى على المتأمل لهذه الآي أن المبتوتة غير الحامل، لا نفقة لها، لأن الآي سيقت لبيان الواجب، فأوجب السكنى لكل معتدة تقدم ذكرها، ولم يوجب سواها. ثم استثنى الحوامل فخصهن بإيجاب النفقة لهن حتى يضعن حملهن، وليس بعد هذا البيان بيان. والقول بعد ذلك بوجوب النفقة لكل معتدة مبتوتة، حاملاً أو غير حامل، لا يخفى منافرته لنظم الآية.
والزمخشري نصر مذهب أبي حنيفة فقال: فائدة تخصيص الحوامل بالذكر أن الحمل ربما طال أمده، فيتوهم متوهم أن النفقة لا تجب بطوله فخصت بالذكر تنبيهاً على قطع هذا الوهم. وغرض الزمخشري بذلك أن يحمل التخصيص على هذه الفائدة كيلا يكون له مفهوم في إسقاط النفقة لغير الحوامل، لأن أبا حنيفة يسوي بين الجميع في وجوب النفقة. انتهى.
وفي الإكليل: في الآية وجوب الإنفاق على البائن الحامل حتى تنقضي عدتها. ومفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها. واستدل بعموم الآية من أوجبها للحامل المتوفى عنها. انتهى.
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} يعني: نساءكم البوائن منكم {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: على رضاعهن {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ} أي: ليقبل بعضكم من بعض ما أمر به من معروف، يعني: المجاملة والمسامحة في الإرضاع والأجر. والخطاب للآباء والأمهات.
تنبيه:
في الإكليل: فيها أن الأم إذا طلبت إرضاعه بأجرة مثل، وجب على الأب دفعها إليها، وليس له أن يسترضع غيرها. وفيه دليل على أن الأم أولى بالحضانة.
قال إلكيا: وفيه دلالة على أن الأجرة إما تستحق بالفراغ من العمل. انتهى.
وفي قوله:
{بِمَعْرُوفٍ} طلب أن لا يماكس الأب، ولا تعاسر الأم، لأنه ولدهما معاً، وهما شريكان فيه، وفي وجوب الإشفاق عليهن. قاله الزمخشري.
{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} أي: ضيق بعضكم على الآخر بالمشاحّة في الأجرة، أو طلب الزيادة ونحوه، {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} قال ابن جرير: أي: فلا سبيل له عليها، وليس له إكراهها على إرضاعه، ولكنه يستأجر للصبيّ مرضعة غير أمه البائنة منه.
وقال الزمخشريّ: أي: فستوجد، ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه. وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى: سيقضيها غيرك. تريد: لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم. انتهى.
قال الناصر: وخص الأم بالمعاتبة، لأن المبذل من جهتها هو لبنها لولدها، وهو غير متمولّ ولا مضنون به في العرف، وخصوصاً في الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب، فإنه المال المضنون به عادة، فالأم إذاً، أجدى باللوم، وأحق بالعتب. انتهى.
وفيه أيضاً إشارة إلى معاتبة الأب أيضاً، كما حققه بعضهم، وذلك أن الأب لما أسقط عن درجة الخطاب، وبين أن معاسرته لا تجدي، إذ لابد من مرضعة أخرى بأجر، وهذه أشفق منها، كان في حكم المعاتب المذكور في الجواب. وبه يندفع ما يقال: إن المعاسرة فعل الأب والأم، فكيف يخص الأم بالذكر في الجزاء. وحاصله أنهما مذكوران فيه، إلا أن الأم مصرح بها، والأب مرموز إليه. وتقدير ابن جرير يشير إليه أيضاً.
تنبيه:
في الإكليل: تدل على أن الأم لا تجبر على الرضاع حيث وجد غيرها، وقبل الصبي ثديها، وإلا أجبرت عليه.
قال ابن العربيّ: والآية أصل في وجوب نفقة الولد على الأب، خلافاً لمن أوجبها عليهما معاً.