فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (44):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [44].
{فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي: كِله إليّ فإني أكفيكه، وهذا من بليغ الكناية، كأنه يقول: حسبك انتقاماً منه أن تكل أمره إليّ، وتخلّي بيني وبينه، فإني عالم بما يجب أن يفعل به، قادر على ذلك.
{سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: سنكيدهم بالإمهال وإدامة الصحة، وزيادة النعم، من حيث لا يعلمون أنه استدراج، وسبب لهلاكهم، يقال: استدرجه إلى كذا، أي: استنزله إليه درجة فدرجة، حتى يورطه فيه.

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [45].
{وَأُمْلِي لَهُمْ} أي: أمهلهم وأُنْسئُ في آجالهم ملاوةً من الزمان، لتكمل حجة الله عليهم.
{إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي: كيدي بأهل الكفر شديد قويّ.
قال الزمخشريّ: الصحة والرزق والمدّ في العمر، إحسان من الله وإفضال، يوجب عليهم الشكر والطاعة، ولكنهم يجعلونه سبباً في الكفر باختيارهم، فلما تدرجوا به إلى الهلاك، وصف النعم بالاستدراج. وقيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه. وسمى إحسانه وتمكينه كيداً، كما سماه استدراجاً، لكونه في صورة الكيد، حيث كان سبباً للتورط في الهلكة. ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.

.تفسير الآيات (46- 47):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [46- 47].
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} أي: على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحق.
{فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} أي: من عزة ذلك الأجر مثقلون، أي: أثقلهم الأداء، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا الدخول فيما دعوتهم إليه. والمعنى: لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجراً فيثقل عليهم حمله حتى يثبطهم عن الإيمان. {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي: منه ما يحكمون به، فيجادلونك بما فيه، ويزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به، وأنهم مستغنون عن وحيه وتنزيله.

.تفسير الآيات (48- 50):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [48- 50].
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} وهو إمهالهم، وتأخير ظهورك عليهم، أي: لا يثنينك عن تبليغ ما أمرت به أذاهم وتكذيبهم، بل امض صابراً عليه {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} يعني: يونس عليه السلام {إِذْ نَادَى} أي: دعا ربه في بطن الحوت {وَهُوَ مَكْظُومٌ} أي: مملوء غيظاً وغمّاً. والمعنى: لا يوجدْ منك ما وجد منه من الضجر والونَى عن التبليغ، فتبتلى ببلائه. {لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ} وهو قبول توبته ورحمته، تضرعه وابتهاله {لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ} قال الزمخشريّ: يعني أن حاله كانت على خلاف الذم حين نبذ بالعراء، ولولا توبته لكانت حاله على الذم. والعراء: الفضاء من الأرض.
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} أي: برحمته. قال القاشاني: لمكان سلامة فطرته، وبقاء نور استعداده، وعدم رسوخ الهيئة الغضبية، والتوبة عن فرطات النفس، فقربه تعالى إليه {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: لمقام النبوة والرسالة.

.تفسير الآيات (51- 52):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} [51- 52].
{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} قال الزمخشريّ: يعني أنهم من شدة تحديقهم، ونظرهم إليك شزراً، بعيون العداوة والبغضاء، يكادون يزلون قدمك، أو يهلكونك، من قولهم: نظر إلي نظراً يكاد يصرعني، ويكاد يأكلني، أي: لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل، لفعله. قال:
يتقارضون إذا التقوا في موطن ** نظراً يُزِلّ مواطئ الأقدام

وأنشد ابن عباس- وقد مرّ بأقوام حددوا النظر إليه-
:
نظروا إليّ بأعين محمرةٍ ** نظر التيوس إلى شِفَارِ الجازر

وبيّن تعالى أن هذا النظر كان يشتد منهم في حال قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وهو قوله: {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} أي: القرآن، معاداة لحكمته. {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} أي: من الهذيان الذي يهذي به في جنونه، لعدم تمالك أنفسهم من الحسد منه، والتنفير عنه.
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} أي: عظة وحكمة وتذكير وتنبيه لهم، على ما في عقولهم وفطرهم من التوحيد. فكيف يجنّن من جاء بمثله؟ وبالله التوفيق.

.سورة الحاقة:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

القول في تأويل قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [1- 3].
{الْحَاقَّةُ} أي: الساعة الحاقة التي تحقُّ فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال. من قولهم: حق عليه الشيء، إذا وجب.
وقوله: {مَا الْحَاقَّةُ} من وضع الظاهر موضع المضمر، تفخيماً لشأنها، وتعظيماً لهولها {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} قال بعضهم: من عوائد العرب في محاوراتهم اللطيفة، إذا أرادوا تشويق المخاطب في معرفة شيء ودرايته، أَتَوْا بإجمال وتفصيل، أي: أي: شيء أعلم المخاطب ما هي؟ تأكيداً لتفخيم شأنها، حتى كأنها خرجت من دائرة علم المخاطب على معنى: أن عظم شأنها، وما اشتملت عليه، من الأوصاف، مما لم تبلغه دراية أحد من المخاطبين ولم تصل إليه معرفة أحد من السامعين، ولا أدركه وهمه، وكيفما قدر حالها، فهي وراء ذلك وأعظم. ومنه يعلم أن الاستفهام كناية عن لازمه، من أنها لا تعلم، ولا يصل إليها دراية دارٍ، ولا تبلغها الأفكار.

.تفسير الآيات (4- 8):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [4- 8].
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} أي: بالساعة التي تقرع الناس بأهوالها وهجومها عليهم.
قال الزمخشريّ: ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع في الحاقة، زيادة في وصف شدتها. ولماّ ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك من كذب بها، وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيراً لأهل مكة، وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم. {فَأَمَّا ثَمُودُ} وهم قوم صالح عليه السلام {فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} أي: بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة، أو بطغيانهم، والطاغية مصدر كالعافية. {وَأَمَّا عَادٌ} وهم قوم هود عليه السلام {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} أي: شديدة العصوف والبرد {عَاتِيَةٍ} أي: متجاوزة الحد المعروف في الهبوب والبرودة. {سَخَّرَهَا} أي: سلطها {عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} أي: متتابعات من حسمت الدابة، إذا تابعت بين كيّها. شبه تتابع الريح المستأصلة بتتابع الكيّ القاطع للداء. أو معناه: نحسات، حسمت كل خير واستأصلته، أو قاطعات، قطعت دابرهم. هذا على أن {حُسُوماً} جمع حاسم، كشهود وقعود. فإن كان مصدراً فنصبه بمضمر، أي: تحسم حسوماً، أو بأنه مفعول له، أي: سخرها عليهم للحسوم، أي: الاستئصال، وقد قيل: إن تلك الأيام هي أيام العجز. والعامة تقول: العجوز وهي التي تكون في عجز الشتاء، أي: آخره.
{فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} أي: هلكى، جمع صريع {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أي: ساقطة مجتثة من أصولها كآية:
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 20]، {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} أي: بقاء، أو نفس باقية، أو بقية.

.تفسير الآيات (9- 12):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [9- 12].
{وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ} أي: من الأمم المكذبة، كقوم نوح وعاد وثمود {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} وهي قرى قوم لوط {بِالْخَاطِئَةِ} أي: بالخطأ، أو الأفعال الخاطئة، على المجاز في النسبة. {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} أي: زائدة في الشدة.
{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء} أي: كثر وتجاوز حده المعروف، بسبب إصرار قوم نوح على الكفر والمعاصي، وتكذيبه، عليه السلام {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} أي: السفينة التي تجري في الماء.
قال ابن جرير: خاطب الذين نزل فيهم القرآن، وإنما حمل أجدادهم نوحاً وولده، لأن الذين خوطبوا بذلك، ولد الذين حُملوا في الجارية، فكان حملُ الذين حملوا فيها من الأجداد، حملاً لذريتهم، {لِنَجْعَلَهَا} أي: تلك الفعلة التي هي إنجاء المؤمنين، وإغراق الكافرين {لَكُمْ تَذْكِرَةً} أي: آية وعبرة تذكرون بها صدق وعده في نصر رسله، وتدمير أعدائه.
{وَتَعِيَهَا} أي: تحفظها {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أي: حافظة لما سمعت عن الله، متفكرة فيه.

.تفسير الآيات (13- 17):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [13- 17].
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} أي: لخراب العالم.
قال أبو السعود: هذا شروع في بيان نفس الحاقة، وكيفية وقوعها، إثر بيان عظم شأنها بإهلاك مكذبيها.
{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي: رفعتا وضربتا ببعضهما من شدة الزلازل. وفي توصيفها بالوحدة تعظيم لها، وإشعار بأن المؤثر لدكّ الأرض والجبال وخراب العالم، هي وحدها، غير محتاجة إلى أخرى. {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} أي: نزلت النازلة، وهي القيامة.
{وَانشَقَّتِ السَّمَاء} أي: انصدعت {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} متمزقة {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي: جوانبها وأطرافها حين تشقق.
{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ} أي: فوق الملائكة الذين هم على أرجائها {يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} أي: من الملائكة أو من صفوفها.
قال ابن كثير: يحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم، أو العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة، لفصل القضاء، والله أعلم، انتهى.
ومثله من الغيوب التي يؤمن بها، ولا يجب اكتناهها. وتقدم في سورة الأعراف، في تفسير آية: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] كلام لبعض علماء الفلك على هذه الآية، فتذكره. وذهب بعض منهم إلى أن المراد بالعرش ملكه تعالى للسماوات والأرض، وب: الثمانية السماوات السبع والأرض. وعبارته:
{وَيَحْمِلُ} بالجذب {عَرْشَ رَبِّكَ} أي: ملك ربك للأرض والسماوات {فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ} أي: فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة، {ثَمَانِيَةَ} أي: السماوات السبع والأرض.
قال: وهذا يدل على أن السبع ليس للكثرة، بل المراد به الحقيقة. فهم ثمانية يحملون العرش، أي: ملك الأرض والسماوات السبع بالجذب، كما هو حاصل اليوم، ولكن ذلك يكون بشكل عظيم جدًّا.
ثم قال: ولا وجه لمعترض يقول: إن حملة العرش مسبحة، لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7]، فكيف تسبح السماوات والأرض؟ لأنه يجاب بقوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [الإسراء: 44].

.تفسير الآيات (18- 24):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [18- 24].
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} أي: على ربكم للحساب والمجازاة {لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} أي: سريرة كانت تخفى في الدنيا بستر الله.
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} أي: علامة لفوزه {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} أي: تعالوا، أو خذوا. والهاء للسكت، لا ضمير غيبة.
قال الشهاب: فحقها أن تحذف وصلاً، وتثبت وقفاً لتصان حركة الموقوف عليه، فإذا وصل استغنى عنها. ومنهم من أثبتها في الوصل لإجرائه مجرى الوقف، أو لأنه وصل بنيّة الوقف. وإثباتها وصلاً قراءة صحيحة، ولايلتفت لقول بعض النحاة: إنها لحن. {إِنِّي ظَنَنتُ} أي: علمت {أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} أي: جزائي يوم القيامة، أي: فأعددت له عدته من الإيمان والعمل الصالح.
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي: ذات رضا، ملتبسة به، فيكون بمعنى مرضية، أو الأصل: راض صاحبها، فأسند الرضا إليها، لجعلها، لخلوصها عن الشوائب، كأنها نفسها راضية مجازاً ويجوز أن يكون فيه استعارة مكنية وتخييليية، كما فصل في المطول.
{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} جمع قطف بكسر القاف، وهو ما يقطف من ثمرها {دَانِيَةٌ} أي: قريبة سهلة التناول.
{كُلُواْ} أي: يقال لهم: كلوا {وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} أي: الماضية في الحياة الدنيا.