فصل: تفسير الآية رقم (158):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (158):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [158].
قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، {الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ}: علمان لجبلين بمكة، ومعنى كونهما من شعائر الله: من أعلام مناسكه ومتعبّداته.
قال الرازي: كل شيء جعل علماً من أعلام طاعة الله، فهو من شعائر الله. قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36]، أي: علامة للقربة. وقال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32]، وشعائر الحج معالم نسكه، ومنه المشعر الحرام، ومنه إشعار السنام- وهو أن يُعَلِّم بالمدية، فيكون ذلك علماً على إحرام صاحبها، وعلى أنه قد جعله هدياً لبيت الله. والشعائر: جمع شعيرة وهي العلامة، مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام، ومنه قولك: شعرت بكذا أي: علمت انتهى.
والحجّ: في الغلة: القصد. والاعتمار: الزيارة. غُلِبَا في الشريعة على قصد البيت، وزيارته، على الوجهين المعروفين في النسك. والجُناح: بالضم: الإثم والتضييق والمؤاخذة. وأصل الطواف: المشي حول الشيء. والمراد: السعي بينهما.
وقد روي في سبب نزول الآية عدة روايات:
ولفظ البخاري عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فوالله! ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة! قالت: بئسما قلت يا ابن أختي! إن هذه لو كانت كما أولّتَها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل، فكان من أهلّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة. فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالوا: يا رسول الله! إنَّا كنا نتحرّج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ} الآية.
قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما. فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.
ثم أخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لَعِلمٌ ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون أنّ الناس- إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهلّ بمناة- كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا: يا رسول الله! كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا. فهل علينا من حرج أن نطَّوَّف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللّهِ} الآية.
قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام. من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.
وفي رواية معمر عن الزهريّ: إن كنّا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيماً لمناة. أخرجه البخاري تعليقاً، ووصله أحمد وغيره.
وأخرج مسلم في رواية يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا، هم وغَسَّانُ، يهلّون لمناة. فتحرّجوا أن يطوفوا بن الصفا والمروة، وكان ذلك سنّةً في آبائهم: من أحرم لمناةَ لم يطف بين الصفا والمروة. وإنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا. فأنزل الله عز وجل في ذلك: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}.
وروى الفاكهيّ عن الزهري: أن عَمْرو بن لحيَ نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قُدَيْد، فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها، إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها. فمن أهلّ لها لم يطف بين الصفا والمروة. قال: وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان، ومن دان دينهم من أهل يثرب.
وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال: كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما إساف ونائلة كان المشركون إذا طافوا تمسّحوا بهما... الحديث.
وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال: قالت الأنصار: إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية. فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية.
وروى الفاكهيّ وإسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد صحيح عن الشعبي قال: كان صنم بالصفا يدعى إساف، ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما، فلما جاء الإسلام رمى بهما، وقالوا: إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم، فأمسكوا عن السعي بينهما، قال: فانزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية.
وقد استفيد من مجموع هذه الروايات: أنه تحرّج طوائف من السعي بين الصفا والمروة لأسباب متعددة فنزلت في الكل. والله أعلم.
وجواب عائشة، رضي الله عنها، لعروة هو من دقيق علمها وفهمها الثاقب، وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ؛ لأن الآية الكريمة إنما دلّ لفظها على رفع الجناح عمّن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه.
{وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}، أي: من فعل خيراً فإن الله يشكره عليه ويثيبه به. ومعنى: {تَطَوَّعَ} أتى بما في طوعه أو بالطاعة، وإطلاقه على ما لا يجب عرفٌ فقهي لا لغوي. والشكر من الله تعالى المجازاة والثناء الجميل.
قال الراغب: الشكر، كما يكون بالقول، يكون بالفعل، وعلى ذلك قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سبأ: 13]، قال: وليس شكر الرفيع للوضيع إلا الإفضال عليه وقبول حمدٍ منه.
تنبيهات:
الأول: تمسّك بعضهم بقوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} على أنّ السعي سنة، وأن من تركه لا شيء عليه، فإن كان مأخذه منها: إنّ التطوع التبرع بما لا يلزم، فَقَدْ قدّمنا أنه عرفٌ فقهي لا لغويّ، فلا حجّة فيه. وإن كان نفي الجناح، فقد علمت المراد منه. وممن ذهب إلى أنه سنّة، لا يجبر بتركه شيء، أَنَسٌ فيما نقله ابن المنذر وعطاء، نقله ابن حجر في الفتح.
وقال الرازيّ: روي عن ابن الزبير ومجاهد وعطاء، أن من تركه فلا شيء عليه. وأما حديث: «اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي» رواه أحمد وغيره، ففي إسناده عبد الله بن المؤمل، وفيه ضعف. ومن ثَمّ قال ابن المنذر: إن ثبت فهو حجّة في الوجوب. ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح.
الثاني: صحّ أنّه صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة سبعاً. رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر. وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمّا فرغ من طوافه أتى الصفا فَعَلَا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو. وأخرج أيضاً من حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصفا قرأ: {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله}. «أبدأ بما بدأ الله به» فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره قال: «لاإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ثمّ دعا بين ذلك، فقال مثلَ هذا ثلاث مرات، ثمّ نزل إلى المروة حتى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي، حتى إذا صَعِدَتَا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا. وظاهر هذا أنه كان ماشياً.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبيّ في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة، ليراه الناس، وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشُوه.
ولم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلاَّ طوافاً واحداً.
قال ابن حزم: لا تعارض بينهما، لأن الراكب إذا انصبّ به بعيره فقد انصبّ كلّه وانصبّت قدماه أيضاً مع سائر جسده.
وعندي- في الجمع بينهما- وجه آخر أحسن من هذا وهو: أنه سعى ماشياً أوَّلاً، ثم أتم سعيه راكباً، وقد جاء ذلك مصرّحاً به، ففي صحيح مسلم عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً، أسنّة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنّة! قال: صدقوا وكذبوا..! قال: قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا..؟ قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس. يقولون: هذا محمد..! حتى خرج عليه العواتق من البيوت- قال- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُضْرَبُ الناس بين يديه- فلمّا كثر عليه ركب. والمشي والسعي أفضل.
وفي الصحيحين عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليُرِيَ المشركين قوّته..!
وعن كريب مولى ابن عباس: أن ابن عباس قال: ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة بسنّة، إنما كان أهل الجاهلية يسعونها ويقولون: لا نُجِيزُ البطحاء إلاَّ شَدّاً..! رواه البخاري تعليقاً، ووصله أبو نعيم في مستخرجه. قال شرّاح الصحيح: المراد بالسعي المنفي هو شدّّّة المشي والعَدْو. فهو، رضي الله عنه، لم ينف سنية السعي المجرد، بل مجاوزة الوادي بقوّةٍ وعَدْوٍ شديد، إذ أصل السعي هدية صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
الثالث: في البخاري عن ابن عباس في قصة هاجر أم إسماعيل: إنّ الطواف بينهما مأخوذ من طوافها وتزدادها في طلب الماء. ولفظه: وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى- أو قال: يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الْإِنْسَاْن المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً...» الحديث.
قال ابن كثير: لما ترددت هاجر في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة، تطلب الغوث من الله تعالى متذللةً، خائفةً، مضطرة، فقيرة إلى الله عز وجل، كشف تعالى كربتها، وأنس غربتها، وفرج شدّتها، وأنبع لها زمزم التي طعامها طعام طعم. وشفاء سقم. فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذلّه وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأنه يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب، وأنْ يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه- من الذنوب والمعاصي- إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام.

.تفسير الآية رقم (159):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [159].
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}. لما تقدم أن بعض أهل الكتاب يكتمون ما يعلمون من هذا الحق، وختم ما أتبعه له بصفتي الشكر والعلم- ترغيباً وترهيباً- بأنه يشكر من فَعَل ما شرعه له، ويعلم من أخفاه وإن دقّ فعله وبالغ في كتمانه، انعطف الكلام إلى تبكيت المنافقين منهم، ولعنهم على كتمانهم ما يعلمون من الحق؛ إذ كانت هذه كلها في الحقيقة قِصَصَهم، والخروج إلى غيرها إنّما هو استطراد على الأسلوب الحكيم المبين؛ لأن هذا الكتاب هدى، وكان السياق مرشداً إلى أن التقدير بعد: {شَاْكِرٌ عَلِيْمٌ}: ومن أحدث شراً فإن الله عليم قدير، فوصل به استئنافاً قوله- على وجه يعمهم وغيرهم-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا} الآية، بياناً لجزائهم، فانتظمت هذه الآية في ختمها لهذا الخطاب بما مضى في أوله من قوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]، فكانت البداية خاصة، وكان الختم عاماً، لكيون ما في كتاب لله أمراً منطبقاً- على نحو ما كان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ومن تقدّمه من الرسل خلقاً- لينطبق الأمر على الخلق بدءاً وختماً انطباقاً واحداً، فعم كلّ كاتم من الأولين والآخرين. نقله البقاعي.
واللعن: الطرد والإبعاد عن الخير، هذا من الله تعالى، ومن الخلق: السبّ والشتم، والدعاء على الملعون، ومشاقّته، ومخالفته، مع السخط عليه، والبراءة منه. والمراد بقوله: {اللَّاْعِنُوْنَ} كل من يصح منه لعن، وقد بيّنه بعد قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161]، وقد دلت الآية على أن هذا الكتمان من الكبائر؛ لأنه تعالى أوجب فيه اللعن، لأنّ ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلف لا يجوز أن يُكتمَ، ومن كتَمَه فقد عظمت خطيئته، وبلغ للَعْنِهِ من الشقاوة والخسران الغاية التي لا يدرك كنهها..! وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتمان العلم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئاً أبداً: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} [البقرة: 159] الآية، وقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عِمْرَان: 187] الآية.
ثم استثنى تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: