فصل: تفسير الآيات (6- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (6- 9):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [6- 9].
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} قال ابن جرير: أي: إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به، خيراً كان أو شراً. المعنى: فليكن عملك مما ينجيك من سخطه، ويوجب لك رضاهُ، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك. وقال القاشانيّ: أي: إنك ساعٍ مجتهد في الذهاب إليه بالموت، أي: تسير مع أنفاسك سريعاً، كما قيل: أنفاسك خطاك إلى أجَلِك، أو مجتهد مجدٌّ في العمل: خيراً أو شراً، ذاهب إلى ربك فملاقيه ضرورة. قال: والضمير إما للرب وإما للكدح. وأصل الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه، حتى يؤثر فيها، من: كدَح جلده، إذا خدشه، فاستعير للجد في العمل وللتعب، بجامع التأثير في ظاهر البشرة.
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} وهم من آمن وعمل صالحاً واتصف بما وصف به الأبرار، في غير ما آية.
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} قال ابن جرير: بأن ينظر في أعماله فيغفر له سيئها ويجازى على حسنها. وقال القاشاني: بأن تمحى سيئاته ويعفى عنه ويثاب بحسناته دفعة واحدة، لبقاء فطرته على صفائها ونوريتها الأصلية.
{وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ} أي: زوجته وأقاربه، أو قومه من يجانسهُ ويقارنهُ من أصحاب اليمين {مَسْرُوراً} أي: بنجاته من العذاب، أو بصحبتهم ومرافقتهم، وبما أوتي من حظوظه.

.تفسير الآيات (10- 15):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [10- 15].
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ} أي: أعطي كتاب عمله بشماله من وراء ظهره، وهو على هيئة المغضوب عليه، أمام الملك المنصرف به عن ذاك المقام إلى دار الهوان {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} أي: ينادى بالهلاك وهو أن يقول: واثبوراه! واويلاه! وهو من قولهم دعا فلان لهفهُ، إذا قال: والهفاهُ. {وَيَصْلَى سَعِيراً} أي: يدخل ناراً يحترق بها.
{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أي: منعماً مستريحاً من التفكر في الحق والدعاء إليه والصبر عليه لا يهمه إلا أجوفاه، بطراً بالنعم، ناسياً لمولاه {إِنَّهُ ظَنَّ أن لَّن يَحُورَ} أي: لن يرجع إلى ربه، أو إلى الحياة بالبعث لاعتقاده أنه يحيي ويموت ولا يهلكه إلا الدهر، فلم يك يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً ولا يبالي ما ركب من المآثم، على خلاف ما قيل المؤمنين {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26]، {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20]، {بَلَى} أي: لَيحورن وليرجعن إلى ربه حياً كما كان قبل مماته {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} أي: بما أسلف في أيامه الخالية فيجازيه عليه.

.تفسير الآيات (16- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [16- 21].
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} وهي الحمرة في الأفق من ناحية مغرب الشمس {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أي: جُمع وضمَّ مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير أو يدب نهاراً، كذا قال ابن جرير والأظهر أن يكون إشارة إلى الأشياء كلها، لاشتمال الليل عليها، فكأنه تعالى أقسم بجميع المخلوقات كما قال: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 38- 39] {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} أي: اجتمع وتمَّ نوره وصار كاملاً. {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ} أي: حالاً بعد حال، والمعني بالحال الأولى البعث للجزاء على الأعمال، وبالثانية الحياة الأولى. وفيه تنبيه على مطابقة كل واحدة لأختها، فإن الحياة الثانية تماثل الأولى وتطابقها من حيث الحس والإدراك والألم واللذة، وإن خفي اكتناهها. وجوز أن يكون {طَبَقاً} جمع طبقة وهي المرتبة، أي: لتركبن مراتب شديدة مجاوزة عن مراتب وطبقات، وأطواراً مرتبة بالموت وما بعده من موطن البعث والنشور.
قال الشهاب: الطبق معناهُ ما طابق غيرهُ مطلقاً في الأصل، ثم إنهُ خص بما ذكر، وهو الحال المطابقة أو مراتب الشدة المتعاقبة.
و{عَنِ} للمجاوزة أو بمعنى: بعد. والبعدية والمجاوزة متقاربان لكنه ظاهر في الثاني {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: بهذا الحديث، وقد أقام لهم الحجة على التوحيد والبعث.
{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} أي: لا يَخضعون ولا يستكينون ولا ينقادون.
قال في الإكليل: وقد استدل به على مشروعية سجدة التلاوة.

.تفسير الآيات (22- 25):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [22- 25].
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ} أي: بآيات الله وتنزيله المبين لِما ذكر من أحوال القيامة وأهوالها، مع تحقيق موجبات تصديقه، والإضراب عن محذوف تقديره- كما قال الإمام- لا تظن أن قرع القرآن لم يكسر أغلاق قلوبهم، ولم يبلغ صوته أعماق ضمائرهم، بلى قد بلغ وأقنع فيما بلغ، ولكن العناد هو الذي يمنعهم عن الإيمان ويصدهم عن الإذعان، فليس منشأ التكذيب قصور الدليل، وإنما هو تقصير المستدل وإعراضه عن هدايته، فالإضراب يرمي إلى محذوف من القول يدل عليه السابق واللاحق.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} أي: بما يسرون في صدورهم من حقية التنزيل، وإن أخفوه عناداً. أو بما يضمرون من البغي والمكر، فسيجزيهم عليه. ولذا قال: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: جزاء على تكذيبهم وإعراضهم وبغيهم.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي: غير مقطوع أو غير ممنون به عليهم. والاستثناء منقطع أو متصل، على أن المراد بمن آمن من أسلم منهم فآمنوا باعتبار ما مضى أو بمعنى: يؤمنون، وكونه منقطعاً أظهر لمجيء {لَهُمْ أَجْرٌ} بغير فاء. والله أعلم.

.سورة البروج:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 9):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [1- 9].
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ} أي: الكواكب والنجوم، شبهت بالبروج- وهي القصور- لعلوِّها. أو البروج منازل عالية في السماء.
قال ابن جرير: وهو اثنا عشر برجاً، فمسير القمر في كل برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منزلاً، ثم يستتر ليلتين. ومسير الشمس في كل برج منها شهر. وأصل معنى البروج- كما قاله الشهاب- الأمر الظاهر من التبرج، ثم صار حقيقة في العرف للقصور العالية؛ لأنها ظاهرة للناظرين. ويقال لِما ارتفع من سور المدينة: برج أيضاً. فشبه- على هذا- الفلك بسور المدينة وأثبت له البروج {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} أي: الذي وعد فيه العباد لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة.
{وَشَاهِدٍ} وهو كل ماله حس يشهد به {وَمَشْهُودٍ} وهو كل مُحسّ يشهد بالحس. فيدخل فيه العوالم المشهودة كلها. وتخصيص بعض المفسرين بعضاً مما يتناوله لفظهما، لعله لأنه الأهم، أو الأولى أو الأعرف والأظهر، لقرينةٍ عندهُ، وإلا فاللفظُ على عمومه، حتى يقوم برهان على تخصيصه.
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} أي: قتلهم الله وأهلكهم وانتقم منهم. على أن الجملة خبرية هي جواب القسم. أو دليل جوابه أن كانت دعائية، والتقدير: لتبلون كما ابتلي من قبلكم، ولينتقمن ممن فتنكم كما انتقم من الذين ألقوا المؤمنين في الأخدود.
قال الزمخشري: وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يَلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرقين بالنار، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم: قُتلت قريش، كما قيل:
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} والأخدود: الحفرة في الأرض مستطيلة.
وقوله تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} بدل من {الْأُخْدُودِ}، و{الْوَقُودِ} بالفتح الحطب الجزل الموقد به، وأما الوُقود بالضم فهو الإيقاد.
{إِذْ هُمْ عَلَيْهَا} أي: على حافات أخدودها {قُعُودٌ} أي: قاعدون يتشفون من المؤمنين.
{وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} أي: حضور يشاهدون احتراق الأجساد الحية، وما تفعل بها النيران. ولا يرقّون لهم لغاية قسوة قلوبهم.
{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} أي: وما أنكروا منهم، ولا كان لهم ذنب، إلا الإيمان بالله وحده.
قال الراغب: نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته، إما باللسان وإما بالعقوبة. ومنه الانتقام {الْعَزِيزِ} أي: الغالب أعدائه بالقهر والانتقام {الْحَمِيدِ} أي: المحمود على إنعامه وإحسانه.
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي: على كل شيء من أفاعيل هؤلاء الفجَرة أصحابِ الأخدود وغيرهم، شاهدٌ شهوداً لا يخفى عليه منه مثقال ذرة، وهو مجازيهم عليه. وفي توصيفه تعالى بما ذكر من النعوت الحسنى إشعارٌ بمناط إيمانهم، فإن كونه تعالى قاهراً ومنعماً، له ذلك الملك الباهر وهو عليم بأفعال عبيده، مما يوجب أن يخشاه من عرف المصائر. وفي الآية نوع من البديع يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو معروف في كتب المعاني.
تنبيه:
روى ابن جرير عن ابن عباس في أصحاب الأخدود قال: هم ناس من بني إسرائيل خَدّوا أخدوداً في الأرض، ثم أوقدوا فيها ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وهكذا قال الضحاك: هم من بني إسرائيل أخذوا رجالاً ونساءً فخدّوا لهم أخدوداً، ثم أوقدوا فيه النيران، فأقاموا المؤمنين عليها. فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار؟.
وقال مجاهد: كان الأخدود شقوقاً بنَجران، كانوا يعذبون فيها الناس- وتفصيل النبأ- على ما في كتاب الكنز الثمين- أن دعوة المسيح عليه السلام الأولى العَريَّة عن شوائب الإلحاد، لمَّا دخلت بلاد اليمن وآمن كثير من أهلها، كان في مقدمة تلك البلاد بلدة نجران، وكان أقام عليها ملِك الحبشة أميراً من قِبَله نصرانياً مثله، وكان بها راهب كبير له الكلمة النافذة والأمر المطاع، ثم إن اليهود الذين كانوا في تلك البلاد تآمروا على طرح نير السلطة المسيحية من اليمن، والإيقاع بمن تنصر، بغضاً في المسيحية وكراهة لسلطان مسيحي يملكهم، فأقاموا رجلاً يهودياً منهم عند موت ذلك السلطان أو قتله، فأشهر ذلك اليهودي نفسَه ملكاً على بلاد سبأ، وجاء لمحاربة مدينة نجران، واستولى عليها بالتغلب والقوة والخيانة، ولما دخلها قتل عدداً عظيماً من سكانها رجالاً ونساءً. كانت عدتهم- فيما يقال- ثلاثمائة وأربعين شهيداً، وأتى بذاك الراهب محمولاً يحف به الجنود، وكان هرماً لا يقوى على المشي، فسئل عن عقيدته فأقرَّ بالإيمان بالله تعالى وبما جاء به رسوله عيسى عليه السلام، فأمر بسفك دمه فقتل، وكذلك بقية الشهداء اعترفوا بما اعترف به دون جُبن ولا تهيُّب، بل بشجاعة وصبر على ما يشاهدونه من أفانين العذاب وأخاديد النيران، ثم ألقت امرأة بنفسها في النار وتبعها طفل لها في الخامسة من عمره. وكل هؤلاء الشهداء أظهروا من السرور بالتألم من أجله تعالى والفرح بالشهادة، ما أضحوا مثالاً وعبرة لكل مفتون من أجل إيمانه ومدافعته عن يقينه، سواء افتتن بماله أو نفسه أو بسلب حق له. لا جرم أن من تلا ما ورد في الوعد الصادق لكل مفتون في الدين، استبشر بما أعد للمخلصين الصابرين. وتسمى هذه القصة عند النصارى شهادة الحبر أراثا ورفقته. ويؤرخونها بعام: 524 من التاريخ المسيحي، وقد علمت أن في كلام مجاهد ومن قبله إشارة إليها. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [10].
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي: بلوهم بالأذى ليرجعوا عن إيمانهم. قال أبو السعود: والمراد بهم إما أصحاب الأخدود خاصة، وبالمفتونين المطروحون في الأخدود، وإما الذين بلوهم في ذلك بالأذية والتعذيب على الإطلاق وهم داخلون في جملتهم دخولاً أولياً {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} أي: عن كفرهم وفتنتهم {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} أي: عذابان منوّعان على الكفر وعلى الفتنة، أوهما واحد، أو من عطف الخاص على العام للمبالغة فيه؛ لأن عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما. والأظهر أنهما واحد وأنه من عطف التفسير والتوضيح.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [11].
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: من هؤلاء المفتونين وغيرهم {لِهِمُ} أي: في نشأتهم الأخرى {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} أي: التام الذي لا فوز مثله.