فصل: سورة الليل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.سورة الليل:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [1- 4].
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} أي: يغشى الشمس أو النهار بظلمته، فيذهب بذاك الضياء {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} أي: ظهر بزوال الليل أو تبينَ بطلوع الشمس.
قال الإمام: والتعبير في الغشيان بالمضارع، لما سبق من عروض الظلمة لأصل النور الذي هو أكمل مظاهر الوجود، حتى عبر به عن الوجود نفسه. أما تجلي النهار فهو لازم له. لهذا عبر عنهُ بالماضي كما سبق بيانه.
{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} أي: والقادر الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد. فـ: {مَا} موصولة بمعنى من، أوثرت لإرادة الوصفية، كما تقدم.
قال الإمام: وإنما أقسم بذاته بهذا العنوان، لما فيه من الإشعار بصفة العلم المحيط بدقائق المادة وما فيها، والإشارة إلى الإبداع في الصنع؛ إذ لا يعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى، في الحيوان، يحصل بمحض الاتفاق من طبيعة لا شعور لها بما تفعل، كما يزعم بعض الجاحدين، فإن الأجزاء الأصلية في المادة متساوية النسبة إلى كون الذكر أو كون الأنثى، فتكوين الولد من عناصر واحدة تارةً ذكراً وتارةً أنثى، دليل على أن واضع هذا النظام عالم بما يفعل، محكم فيما يضع ويصنع. انتهى.
وقوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} جواب القسم. أو هو مقدر، كما مر تفصيلهُ. أي: مختلف في جزائه. ومفرَّق في عاقبته. فمنه ما يسعد به الساعي ومنهُ ما يشقى به، فشتان ما بينهما، كما فصله بعد. وشتى إما جمع شتيت أو شت، بمعنى متفرق، والمصدر المضاف يفيد العموم. فيكون جمعاً معنى. ولذا أخبر عنه بشتى وهو جمع. وفيه وجه آخر وهو أنه مفرد مصدر مؤنث كذكرى وبشرى. فهو بتقدير مضاف، أو مؤول، أو بجعله عين الافتراق، مبالغة.
قال الرازيّ: ويقرب من هذه قوله: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]، وقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، وقوله: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].

.تفسير الآيات (5- 11):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [5- 11].
وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} تفصيل لتلك المساعي الشتى، وتبيين لمآلها ما تقدم.
قال الرازيّ: وفي {أَعْطَى} وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب، وفك الأسارى وتقوية المسلمين على عدوّهم، كما كان يفعله أبو بكر، سواء كان ذلك واجباً أو نفلاً وإطلاق هذا كالإطلاق في قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 3]، فإن المراد منه كل ما كان إنفاقاً في سبيل الله، سواء كان واجباً أو نفلاً. وقد مدح الله قوماً فقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الْإِنْسَاْن: 8]، وقال في آخر هذه السورة {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 17- 18] الآية.
وثانيهما: أن قوله: {أَعْطَى} يتناول إعطاء حقوق المال، وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى. يقال: فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة. انتهى.
إلا أن الأول هو المناسب للإعطاء؛ لأن المعروف فيه تعلقه بالمال خصوصاً وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال {وَاتَّقَى} أي: ربه فاجتنب محارمه.
{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أي: بالمثوبة الحسنى. قال قتادة: أي: صدق بموعود الله الحسن. وهو بمعنى قول مجاهد: إنها الجنة كما قال تعالى: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} [الشورى: 23]، فسمى مضاعفة الأجر حسنى. وقال القاشاني: أي: صدق بالفضيلة الحسنى التي هي مرتبة الكمال بالإيمان العلميّ، إذ لو لم يتيقن بوجود كمال كامل لم يمكنه الترقي.
{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي: فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى، التي هي السلوك في طريق الحق، لقوة يقينه.
قال الشهاب: ولما كانت مؤدية إلى اليسر، وهو الأمر السهل الذي يستريح به الناس وصفت بأنها يسرى، على أنه استعارة مصرحة أو مجاز مرسل أو تجوّز في الإسناد.
{وَأَمَّا مَن بَخِلَ} أي: بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهب الله له من فضله من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها {وَّاسْتَغْنَى} أي: عن ربه فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوّله، أو استغنى بماله عن كسب الفضيلة، وعمه به عن الحق.
{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي: بوجود المثوبة للحسنى لمن آمن بالحق، لاستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه بها عن عالم الآخرة.
{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي: للطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبديّ.
قال الإمام: الخطة العسرى هي الخطة التي يحط فيها الْإِنْسَاْن من نفسه، ويغض من حقها وينزل بها إلى حضيض البهيمية، ويغمسها في أوحال الخطيئة. وهي أعسر الخطتين على الْإِنْسَاْن، لأنه لا يجد معيناً عليها، لا من فطرته ولا من الناس.
{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} أي: وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله، وأفنى عمره في حفظه وبطر الحق لأجله، إذا هلك، من قولهم: تردى من الجبل وفي الهوة، وفي التعبير به إشارة إلى أنه بما قدمهُ من أعماله الخبيثة، هو المهلك والموقع لنفسه. وهو الحافر على حتفه بظلفه. و{مَا} نافية أو استفهام في معنى الإنكار. وقوله:

.تفسير الآيات (12- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [12- 21].
{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} استئناف مقرر لما قبله، أي: علينا بموجب قضائنا المبنيّ على الحكم البالغة، حيث خلقنا الخلق للإصلاح في الأرض، أن نبين لهم طريق الهدى ليجتنبوا مواقع الردى. وقد فعل سبحانه ذلك بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والتمكين من الاستدلال والاستبصار، بخلق العقل وهبة الاختيار.
{وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} أي: ملكاً وخلقاً، فلا يضرنا توليكم عن الهدى؛ وذلك لغناه تعالى المطلق، وتفرده بملك ما في الدارين، وكونه في قبضة تصرفه، لا يحول بينهُ وبينهُ أحد، ولا يحصله أحد، حتى يضر عدم اهتدائه أو ينفع اهتداؤه. وفيه إشارة على تناهي عظمته وتكامل قهره وجبروته. وإن من كان كذلك، فجدير أن يبادر لطاعته ويحذر من معصيته، ولذا رتب عليه قوله: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} أي: تتلظى وتتوهج، وهي نار الآخرة.
{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ} أي: بالحق الذي جاءه {وَتَوَلَّى} أي: عن آيات ربه وبراهينها التي وضح أمرها وبهر نورها، عناداً وكفراً.
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} أي: ينفق ماله في سبيل الخير، يتزكى عن رجس البخل ودنس الإمساك.
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى} أي: من يد يكافئه عليها، أي: لا يؤتيه للمكافأة والمعارضة.
{إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} أي: لكن يؤتيه ابتغاء وجه ربه وطلب مرضاته. لا لغرض آخر من مكافأة أو محمدة أو سمعة. وفي حصر {الْأَتْقَى} بالمنقق، على الشريطة المذكورة، عناية عظيمة به، وترغيب شديد في اللحاق به، كيف لا؟ وبالمال قوام الأعمال، ورفع مباني الرشاد وهدم صروح الفساد. وقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} قال ابن جرير: أي: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضاً مما أتى في الدنيا في سبيله إذا لقي ربه تبارك وتعالى، ففيه وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها، إذ به يتحقق الرضا. وهذا على أن ضمير {يَرْضَى} لـ: {الْأَتْقَى} لا للرب. قال الشهاب: وهو الأنسب بالسياق واتساق الضمائر.
وذهب بعضهم إلى الثاني، ومنهم الإمام، قال: أي: ولسوف يرضى الله عن ذلك الأتقى الطالب بصفة رضاه، ثم قال: والتعبير بـ سوف؛ لإفادة أن الرضا يحتاج إلى بذل كثير، ولا يكفي القليل من المال، لأن يبلغ العبد درجة الرضا الإلهيّ.
تنبيه:
قال ابن كثير: ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن اللفظ لفظ العموم وهو قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}
ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صدّيقاً تقيّاً كريماً جواداً بذّالاً لأمواله في طاعة مولاهُ ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم من دراهم ودنانير بذلتها ابتغاء وجه ربه الكريم. ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل. ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية: أما والله! لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك. وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة. فإذا كان هذا حالهُ مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف بمن عداهم؟ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة: يا عبد الله هذا خير». فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما على من يدعى منها ضرورة، فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم». انتهى.

.سورة الضحى:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [1- 5].
{وَالضُّحَى} تقدم في سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعاً عالياً.
{وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} أي: اشتد ظلامه. وأصله من التسجية وهي التغطية، لستره بظلمته. كما في آية {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ: 10]، {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} جواب القسم، أي: ما تركك وما قطعك قطع المودّع.
قال الشهاب في العناية: فالتوديع مستعار استعارة تبعية للترك هنا، وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى، فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعزُّ مفارقته، كما قال المتنبي:
حشاشة نفس ودَّعت يوم وَدَّعوا ** فلم أَدْر أي: الظاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ

وقال في شرح الشفاء: الوداع له معنيان في اللغة: الترك وتشييع المسافر، فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركهُ أصلاً، فإنه معهُ أينما كان. وإنما الترك لو تصور في جانبه، ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع، فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عودهُ، وإليه أشار الأرجاني بقوله:
إذا رأيت الودَاعَ فاصبرْ** ولا يُهمنَّك البعادُ

وانتظر العَوْدَ عن قريبٍ ** فإن قلب الوداع عادُوا

فقوله:
{وَمَا قَلَى} مؤكد له. قال: وهذا لم أر مَن ذكره مع غاية لطفه، وكلهم فسروه بالمعنى الأول. ولما رأوا صيغة الفعل تفيد زيادة المعنى والمبالغة فيه، فيقتضي الانقطاع التام، قالوا: إن المبالغة في النفي لا في المنفيّ فتركه لحكم عليه، لا لضرره بهجره، أو لنفي القيد والمقيد. وقرئ: {مَا وَدَعَكَ} بالتخفيف. وورد في الحديث «شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه». وورد في الشعر، كقوله:
فَكَانَ مَا قدَّموا لأنْفُسِهمْ ** أَعْظَمَ نفعاً من الذي وَدَعُوا

ولهذا قال في المصباح بهذا: اعلم أن قولهم في علم التصريف: أماتوا ماضي يدع ويذر خطأ، وجعله استعارة من الوديعة تعسّف. انتهى.
وكذا قال في المستوفى: إنه كله ورد في كلام العرب، ولا عبرة بكلام النحاة فيه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإن كان نادرا. انتهى.
وقوله تعالى: {وَمَا قَلَى} أي: وما أبغضك. والقالي: المبغض. يعني ما هجرك عن بغض.
قال الشهاب: وحذف مفعول {قَلَى} اختصاراً للعلم به، وليجري على نهج الفواصل التي بعده، أو لئلا يخاطبهُ بما يدل على البغض.
تنبيه:
روى ابن جرير: عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه جبريل أياماً» فعُيِّر بذلك، فقال المشركون: ودعهُ ربُّهُ وقلاهُ، فأنزل اللهُ هذه الآية، وفي رواية: أن قائل ذلك امرأة أبي لهب، وفي أخرى أنها خديجة رضي الله عنها. ولا تنافي، لاحتمال صدوره من الجميع، إلا أن قول المشركين وقول خديجة- أن صح توجع وتحزن- وفي رواية إسماعيل مولى آل الزبير قال: فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه. فقال: «لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني». فجاء جبريل بسورة {والضحى}.
{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى} قال ابن جرير: أي: وللدار الآخرة وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها. يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها. وقال القاضي: أو: لنهاية أمرك خير من بدايته. فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} أي: يعطيك من فواضل نعمه في العقبى حتى ترضى، وهذه عِدةٌ كريمة شاملة لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين، وظهور الأمر وإعلاء الدين، بالفتوح الواقعة في عصره عليه الصلاة والسلام، وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من ملوك الإسلام، وفشوّ دعوته في مشارق الأرض ومغاربها، ولِما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى. وبالجملة فهذه الآية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام في الدارين، حيث أجملهُ ووكلهُ إلى رضاهُ وهذا غاية الإحسان والإكرام.
تنبيه:
قال في المواهب اللدنية: وأما ما يغترُّ به الجهال من أنه «لا يرضى واحداً من أمته في النار»، أو لا يَرضى أن يدخل أحد من أمته النار، فهو من غرور الشيطان لهم، ولعبه بهم، فإنه صلوات الله عليه وسلامه يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى، وهو سبحانه وتعالى يُدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة، وقد ولع الحشوية بتقوية أمثال هذه الآثار المفتراة تغريراً للجهال وتزييناً لموارد الضلال. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقوله تعالى: