فصل: تفسير الآية رقم (183):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (183):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [183].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ}- فرض-: {عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
واعلم أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة لهم، وإحساناً إليهم، وحميّة، وجنّة..! فإن المقصود من الصيام: حبس النفس عن الشهوات، وفطمها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، لتسعد بطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكوا به مما فيه حياتها الأبدية..!. ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين... وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحها، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنة المجاهدين، ورياضة الأبرار والمقربين... وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئاً، إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها، إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سرّ بين العبد وربّه، ولا يطلع عليه سواه...
والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة. وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر. وذلك حقيقة الصوم..! وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة. وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها. واستفراغ المواد الردية المانعة له من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها. ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات. فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى في تتمة الآية: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم جنة». وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وجاء هذه الشهوة. وكان هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدى، وأعظم تحصيلاً للمقصود، وأسهله على النفوس. ولما كان فطم النفس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة؛ لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج. وكان فرضه السنة الثانية من الهجرة. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسعة رمضانات. وفرض أولاً على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكيناً. ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة- إذا لم يطيقا الصيام- فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً- كما سيأتي بيانه- وكان للصوم رتب ثلاث:
أحدها: إيجابه بوصف التخيير.
والثانية: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة..! كما أفاده ابن القيم في زاد المعاد.
وقوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} تأكيد للحكم، وترغيب فيه، وتطييب لأنفس المخاطبين به، فإن الشاق إذا عمّ سهل عمله. والمماثلة إنما هي في أصل الوجوب لا في الوقت والمقدار، وفيه دليل على أن الصوم عبادة قديمة.
وفي التوراة، سفر عَزْرا، الأصحاح الثاني، ص750:
(21) وناديت هناك بصوم على نهر أهوا، لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل مالنا.
وفي سفر إشعياء، الأصحاح الثامن والخمسون ص1062:
(3) يقولون: لماذا صمنا ولم ننظر. ذلّلنا أنفسنا ولم نلاحظ. ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرّة وبكل أشغالكم تُسخَّرون.
(4) ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمةٍ الشر. لستم تصومون، كما اليوم، لتسميع صوتكم في العلاء.
(5) أمثل هذا يكون صوم أختاره، يوماً يذلل الإِنْسَاْن فيه نفسه، يحنى كالأسلة رأسه، ويفرش تحته مسحاً ورماداً. هل تسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب؟... إلخ.
وفي سفر يوئيل، الأصحاح الأول، ص1299:
(14) قدّسوا صوماً.
وفي الأصحاح الثاني، ص1300:
(12) ولكن الآن يقول الرب: ارجعوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح.
(13) ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم؛ لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة...
(15).. قدسوا صوماً نادوا باعتكاف.
(16) اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة.
وفي سفر زكرياء، الأصحاح الثامن ص1347:
(19) هكذا قال رب الجنود: إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجاً وفرحاً وأعياداً طيبة. فأحبوا الحق والسلام.
وفي إنجيل متى، الأصحاح السادس ص11:
(17) وأما أنت فمتى صمت فادهُن رأسك واغسل وجهك.
(18) لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
الأصحاح السابع عشر ص32:
لما رأى عيسى عليه الصلاة والسلام فتىً وأخرج منه الشيطان قال لأصحابه:
(21) وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم.
وفي الأصحاح الرابع ص6:
(2) فبعد ما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً أي: المسيح عليه السلام.
وفي رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس، الأصحاح السادس ص295:
(4) بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدّام الله في صبر كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات.
(5) في ضربات، في سجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام.
وفي الأصحاح الحادي عشر ص301:
(27) في تعب وكدّ، في أسهار مراراً كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مراراً كثيرة، في برد وعري.
هذا، ومتى أطلق الصوم في كل شريعة، فلا يقصد به إلا الامتناع عن الأكل كل النهار إلى المساء، لا مجرد إبدال طعام بطعام.
وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: تجعلون بينكم وبين سخطه تعالى وقاية بالمسارعة إليه، والمواظبة عليه، رجاء لرضاه تعالى، فإن الصوم يكسر الشهوة، فيقمع الهوى، فيردع عن مواقعة السوء.

.تفسير الآية رقم (184):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [184].
{أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} نصب على الظرف، أي: كتب عليكم الصيام في أيام معدودات، وهي أيام شهر رمضان، كما بينها تعالى فيما بعد، بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} أي: مرضاً يضرّه الصوم، أو يعسر معه.
والمرض: السقم، وهو نقيض الصحة واضطراب الطبيعة بعد صفائها واعتدالها: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} أي: فافطر: {فَعِدَّةٌ} أي: فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر: {مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} غير المعدودات المذكورة. وإنما رخص الفطر في حال المرض والسفر لما في ذلك من المشقة. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها: في غزوة بدر، وغزة والفتح. قال عُمَر بن الخطاب: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين: يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما.
تنبيهات:
الأول: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر، كما خيّر بعض الصحابة بين الصوم والفطر. ففي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حارّ، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة. وقوله: في بعض أسفاره: وقع في إحدى روايتي مسلم، بدله في شهر رمضان. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم. وفي رواية: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما غابت الشمس قال لرجل: «انزل فاجدح لنا..!» فقال: يا رسول الله! لو أمسيت. قال: «انزل فاجدح لنا». قال: «إن عليك نهاراً». فنزل، فجدح له، فشرب، ثم قال: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا- وأشار بيده نحو المشرق- فقد أفطر الصائم» رواه الشيخان. واللفظ لمسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس، فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان.
فكان ابن عباس يقول: قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر. رواه الشيخان. واللفظ للبخاري.
وعن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري فسألته عن الصوم في السفر، فقال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم». فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر.
ثم نزلنا منزلاً آخر فقال: «إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا». وكانت عزمة فأفطرنا. ثم قال لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر، رواه مسلم. وعن عائشة: أن حمزة بن عَمْرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟- وكان كثير الصيام- فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر». رواه البخاري.
ورواه مسلم من طريق آخر، أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه».
وعن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. رواه الشيخان.
الثاني: لا يخفى أن جواز الصوم للمسافر إذا أطاقه بلا ضرر. وأما إذا شق عليه الصوم فلا ريب في كراهته، لما في الصحيحين: عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً، ورجل قد ظلل عليه، فقال: «ما هذا؟» فقالوا: صائم، فقال: «ليس من البر الصوم في السفر». فلا ينافي هذا ما تقدم، كما لا يرد أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لأن السياق والقرائن تدل على تخصيصه بمن شق عليه الصوم. وما تقدم في غيره.
قال ابن دقيق العيد: وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد العام على سبب. فإن بين المقامين فرقاً واضحاً. ومن أجراهما مجرىً واحداً لم يصب. فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به، كنزول آية السرقة في قصة رداء صفوان. وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة إلى بيان المجملات، كما في هذا الحديث. انتهى. وهو استنباط جيد. وبالجملة: فالمريض والمسافر يباح لهما الفطر. فإن صاما، صح، فإن تضررا، كره..!.
الثالث: لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيه الصائم بحدّ، ولا صح عنه في ذلك شيء. وقد أفطر دِحْية بن خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام: قد رغبوا عن هدي محمد صلى الله عليه وسلم..!. وكان الصحابة حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه صلى الله عليه وسلم. كما قال عبيد بن جبر: ركبت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان، فلم نجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه أبو داود وأحمد. ولفظ أحمد: ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى الإسكندرية في سفينة، فلما دفعنا من مرسانا أمر بسفرته فقربت، ثم دعاني إلى الغداء. وذلك في رمضان، فقلت: يا أبا بصرة! والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد؟! فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: لا! قال: فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ماحوزنا، قيل: أي: موضعهم الذي أرادوه.
وقال محمد بن كعب: أتيت أنس بن مالك في رمضان- وهو يريد السفر- وقد رُحلت راحلته، وقد لبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل. فقلت له: سنة؟ قال: سنة. ثم ركب. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الدارقطني فيه: فأكل وقد تقارب غروب الشمس..!. وهذه الآثار صريحة في أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه. قاله في زاد المعاد.
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي: الصوم، إن أفطروا: {فِدْيَةٌ} أي: إعطاء فدية وهي: {طَعَامُ مِسْكِينٍ} والفدية: ما يقي الإِنْسَاْن به نفسه من مال يبذله في عبادة يقصر فيها، والطعام: ما يؤكل وما به قوام البدن: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} بأن أطعم أكثر من مسكين: {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} لأنه فعل ما يدل على مزيد حبه لربه: {وَأَن تَصُومُواْ} أيها المطيقون: {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الفدية وإن زادت: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: فضيلة الصوم وفوائده، أو إن كنتم من أهل العلم.
وقد ذهب الأكثرون إلى أن هذه الآية منسوخة بما بعدها. فإنه كان في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه، فاشتد عليهم، فرخص لهم في الإفطار والفدية، كما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها. وأسند من طريق آخر عن سلمة أيضاً قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. وفي البخاري. قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع: نسختها: {شَهْرُ رَمَضَانَ} الآية. ثم روي عن ابن أبي ليلى: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، فنسخت وأمروا بالصوم. ثم أسند أيضاً عن ابن عمر أنه قال: هي منسوخة.
هذا، وقد روى البخاري في التفسير: عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً.
هذا، وقد ذكر البخاري في التفسير: أن أنس بن مالك أطعم- بعد ما كبر- عاماً أو عامين، كل يوم مسكيناً، خبزاً ولحماً، وأفطر. رواه تعليقاً، ووصله أبو يعلى الموصلي في مسنده ورواه عبد بن حميد في مسنده من حديث ستة من أصحاب أنس عن أنس، بمعناه وروى محمد بن هشام في فوائده عن حميد قال: ضعف أنس عن الصوم عام توفى، فسألت ابنه عُمَر بن أنس: أطاق الصوم؟ قال: لا..! فلما عرف أنه لا يطيق القضاء أمر بجفانٍ من خبز ولحم فأطعم العدة أو أكثر...!.
ولما أبهم الأمر في الأيام عينت هنا بقوله تعالى: