فصل: تفسير الآية رقم (254):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (254):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [254].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم}، هذا أمر بالإنفاق لبعض من المال. قيل: هو أمر إيجاب وأنه أراد بذلك: الإنفاق الواجب وهو الزكاة، لأنه تعالى عقبه بالوعيد بقوله: {وَالْكَافِرُونَ} الخ. حيث عنى بهم مانعوها كما يأتي. وقال الأصم وأبو علي: أراد النفقة في الجهاد. وقال أبو مسلم وابن جريج: أراد الفرض والنفل. وهو المتجه. وقوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} هو يوم القيامة: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ}، أي: فتحصلون ما تنفقونه أو تفتدون به من العذاب: {وَلاَ خُلَّةٌ} حتى يعينكم الأخلاء {الأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] {وَلاَ شَفَاعَةٌ} حتى تتكلوا على شفعاء: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [طه: 109]: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أراد: والتاركون الزكاة هم الظالمون وإيثاره عليه للتغليظ والتهديد. كما في قوله تعالى في آخر آية الحج: {وَمَنْ كَفَرَ} [آل عِمْرَان: 97]، مكان ومن لم يحج وللإيذان بأن ترك الزكاة من صفات الكفار. قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6- 7]. ذكره الزمخشري.
ويحتمل أن يكون المعنى: والكافرون هم الظالمون لأنفسهم، بوضع الأموال في غير مواضعها. فلا تكونوا أيها المؤمنون مثلهم، في أن لا تنفقوا فتضعوا أموالكم في غير مواضعها. وفي هذه الآية دلالة على حسن المسارعة إلى الخيرات قبل فواتها بهجوم ما يخشى معه الفوت: من موت أو غيره.

.تفسير الآية رقم (255):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [255].
{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ} أي: الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء: {الْقَيُّومُ} الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه، وقرئ: {القيام} و{القيم}.
{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} تأكيد للقيوم. أي: لا يغفل عن تدبير أمر الخلق تعالى وتقدس. والسنة كعِدة والوسَن محركة، وبهاء والوسنة: شدة النوم أو أوله، أو النعاس. كذا في القاموس.
قال المهايمي: السنة: فتور يتقدم النوم. والنوم: حال تعرض للحيوان من استرخاء دماغه من رطوبات أبخرة متصاعدة تمنع الحواس الظاهرة عن الإحساس. فهما منقصان للحياة منافيان للقيومية، لأنهما من التغيرات المنافية لوجوب الوجود الذي للقيوم. ونفي النوم أولاً التزاماً، ثم تصريحاً، ليدل كمال نفيه على ثبوت كمال ما ينافيه. ومن كمال قيوميته: اختصاصه بملك العلويات والسفليات المشار إليه بقوله: {لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ} من الملائكة والشمس والقمر والكواكب: {وَمَا فِي الأَرْضِ} من العوالم المشاهدات. وهذا إخبار بأن الجميع في ملكه وتحت قهره وسلطانه. كقوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم: 93- 94] {مَن ذَا} من الأنبياء والملائكة، فضلاً عما ادعى الكفار شفاعته من الأصنام: {الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} فضلاً عن أن يقاومه أو يناصبه: {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} أي: بتمكينه تحقيقاً للعبودية، كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [االنجم: 26]. وكقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]. وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بأذنه له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة: «آتي تحت العرش فأخر ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل يسمع، واشفع تشفع، قال: فيحدّ لي حدّاً فأدخلهم الجنة».
قال أبو العباس بن تيمية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون. فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة. فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولاً. ثم قال له: ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع. وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه». فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله. ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك. ولهذا أثبتت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي: ما أتاهم علمه من أمر أنفسهم وغيرهم، لأن ما بين يدي المرء يحيط به حسّه، وما علمه أيضاً. فكأنه بين يدي قلبه يحيط به علمه: {وَمَا خَلْفَهُمْ} وهو ما لم ينله علمهم، لأن الخلف هو ما لا يناله الحس. فأنبأ أن علمه من وراء علمهم محيط بعلمهم فيما علموا وما لم يعلموا. أفاده الحرالي. فهذه الجملة كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة} [الأنعام: 73]، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} أي: لا يعلمون شيئاً من معلوماته إلا بما أراد أن يعلمهم به منها على ألسنة الرسل. كما قال تعالى: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن: 26- 27]. أي: ليكون ما يطلعه عليه من علم غيبه دليلاً على نبوته {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} روى ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن المعنيّ بالكرسي: العلم. وذلك لدلالة قوله تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي: لا يؤوده حفظ ما علم وأحاط به مما في السموات والأرض. وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} [غافر: 7]، فأخبر أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} قال ابن جرير: وقول ابن عباس هذا يدل على صحة ظاهر القرآن لما ذكر. ولأن أصل الكرسي العلم. ومنه قيل للصحيفة يكون فهيا علم مكتوب: كراسة. ومنه قول الراجز في صفة قانص:
حتى إذا ما احْتَازها تكرّساً

يعني: علم، ومنه يقال للعلماء: الكراسي، لأنهم المعتد عليهم. كما يقال: أوتاد الأرض، يعني أنهم الذي تصلح بهم الأرض. ومنه قول الشاعر:
يحف بهم بيض الوجوه وعصبة ** كراسيّ بالأحداث حين تنوب

يعني بذلك: علمه بحوادث الأمور ونوازلها. وروى ابن جرير أيضاً عن الحسن أن الكرسي في الآية: هو العرش. وأيده بعضهم بأن لفظ عرش المملكة وكرسيها مترادفان، ولذلك قال تعالى على لسان سليمان: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]، فالعرش والكرسي هما شيء واحد، وإنما سماه هنا كرسياً، إعلاماً باسم له آخر {وَلاَ يَؤُودُهُ} أي: لا يثقله ولا يشق عليه. يقال: آده الأمر أوداً وأُوُوداً كقعود بلغ منه المجهود والمشقة {حِفْظُهُمَا} أي: السموات والأرض فلا يفتقر إلى شريك ولا ولد. وكيف يشق عليه: {وَهُوَ الْعَلِيُّ} قال ابن جرير قال بعضهم: يعني بذلك: علوّه عن النظير والأشباه. وقال آخرون: معناه العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه، وخلقه دونه. كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عالٍ بذلك عليهم {الْعَظِيمُ} أي: أعظم كل شيء بالجلال والكبرياء والقهر والقدرة والسلطان.
تنبيه:
آية الكرسي هذه لها شأن عظيم وفضل كبير. وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أعظم آية في كتاب الله، وأنها مشتملة على اسم الله الأعظم، وقد ساق ما ورد في فضلها الإمام ابن كثير في تفسيره والجلال السيوطي في الدر المنثور فانظرهما.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد؟!.
قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة. فما كان ذكراً له كان أفضل من سائر الأذكار.
وقد حكى السيوطي في الإتقان عن الأشعري والباقلاني وابن حبان المنع من أن يقال في القرآن فاضل وأفضل. قالوا: وما ورد مما يفيد ذلك محمول على الأعظمية في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض. وقد ردّ ذلك غير واحد، حتى قال ابن الحصار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة في التفضيل. وقال الغزالي في جواهر القرآن: لعلك أن تقول: قد أشرت إلى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض، والكلام كلام الله. فكيف يتفاوت بعضها بعضاً. وكيف يكون بعضها أشرف من بعض؟ فاعلم أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات، وبين سورة الإخلاص وسورة تبت، وترتاع على اعتقاد نفسك الخوارة المستغرقة بالتقليد، فقلد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فهو الذي أنزل عليه القرآن وقال: «يس قلب القرآن، وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن».
وآية الكرسي سيدة آي القرآن. وقل هو الله أحد، تعدل ثلث القرآن. والأخبار الواردة في فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى. انتهى.

.تفسير الآية رقم (256):

القول في تأويل قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [256].
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} قال ابن كثير: أي: لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيّن واضح جلي دلائله وبراهينه. لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه. بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة. ومن عمي قلبه فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرهاً مقسوراً، فالنفي بمعنى النهي.
وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير. وذهب آخرون إلى أنه خبر محض. أي: أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنما بناه على التمكين والاختيار. قال القفال- موضحاً له- لما بيّن تعالى دلائل التوحيد بياناً شافياً قاطعاً للعذر، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر. إلا أن يُقسر على الإيمان ويجبر عليه. وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان. ونظير هذه الآية قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]. وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]. وقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3- 4].
تنبيه:
علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين. ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لسلطانه وحكمه العدل.
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} أي: بالشيطان. أي: بما يدعو إليه من عبادة الأوثان: {وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} أي: فقد تمسك من الدين بأقوى سبب. وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم. هي في نفسها محكمة مبرمة قوية، وربطها قوي شديد. وجملة: لا انفصام لها إما استئناف مقرر لما قبلها، وإما حال من العروة، والعامل استمسك أو من الضمير المستتر في الوثقى وإما صلة لموصول محذوف أي: التي. نقله الرازي.
وقد روى الشيخان عن عبد الله بن سلام قال: رأيت رؤيا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء. في أعلاه عروة. فقيل لي: اصعد عليه. فقلت: لا أستطيع، فجاءني منصف أي: وصيف فرفع ثيابي من خلفي، فقال: اصعد فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقال: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه. فقال: «أما الروضة: فروضة الإسلام، وأما العمود: فعمود الإسلام. وأما العروة: فهي العروة الوثقى. أنت على الإسلام حتى تموت» {وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} اعتراض تذييلي حامل على الإيمان، رادع عن الكفر والنفاق، بما فيه من الوعد والوعيد.

.تفسير الآية رقم (257):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [257].
{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} أي: حافظهم وناصرهم: {يُخْرِجُهُم} تفسير للولاية أو خبر ثان: {مِّنَ الظُّلُمَاتِ} أي: ظلمات الكفر والمعاصي: {إِلَى النُّوُرِ} أي: نور الإيمان الحق الواضح. وإفراد النور لوحدة الحق. كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال، كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤهُمُ الطَّاغُوتُ} أي: الشياطين وسائر المضلين عن طريق الحق: {يُخْرِجُونَهُم} بالوساوس وغيرها من طرق الإضلال والإغواء: {مِّنَ النُّورِ} أي: الإيمان الفطري الذي جبل عليه الناس كافة. أو من نور البينات التي يشاهدونها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم: {إِلَى الظُّلُمَاتِ} أي: ظلمات الكفر والغي: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
ثم استشهد تعالى على ما ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت بقوله:

.تفسير الآية رقم (258):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [258].
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ} أي: جادل: {إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} أي: كيف أخرجه الطاغوت من نور نسبة الإحياء والإماتة إلى ربه، إلى ظلمات نسبتهما إلى نفسه: {أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ} أي: لأن آتاه الله. يعني: أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر. فحاج لذلك، أو حاجه لأجله. وضعاً للمحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه الشكر، كما يقال: عاداني فلان لأني أحسنت إليه. تريد: أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ونحوه قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82].
قال الحرالي: وفي إشعاره أن الملك بلاء وفتنة على من أوتيه.
{إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} حين سأله من ربك الذي تدعونا إليه {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: بنفخ الروح في الجسم وإخراجها منها: {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أي: بالقتل والعفو عنه. ولما سلك الطاغية مسلك التلبيس والتمويه على الرعاع، كان بطلان جوابه من الجلاء والظهور بحيث لا يخفى على أحد، والتصدي لإبطاله من قبيل السعي في تحصيل الحاصل، انتقل إبراهيم عليه السلام، إرسالاً لعنان المناظرة معه إلى حجة أخرى لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر للطاغية أن يخرج عنها بمخرج مكابرة أو مشاغبة أو تلبيس على العوام. وهو ما قصه تعالى بقوله: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} أي: إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته. فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق، فإن كنت إلهاً كما ادعيت فأت بها من المغرب: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} تحير ودهش وغلب بالحجة، لما علم عجزه وانقطاعه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام.
{وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: لا يلهمهم حجة ولا برهاناً {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 16].