فصل: تفسير الآية رقم (124):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (124):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائكَةِ مُنزَلِينَ} [124].
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم} لتقويتكم ونصركم ودفع أعدائكم: {بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائكَةِ مُنزَلِينَ} من سمائه لقتال أعدائه. وقوله:

.تفسير الآية رقم (125):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائكَةِ مُسَوِّمِينَ} [125].
{بَلَى} إما من تتمة مقوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، أو ابتداء خطاب من الله تعالى تأييداً لقول نبيه وزيادة على ما وعدهم تكرماً وفضلاً. أي: نعم يكفيكم الإمداد بثلاثة آلاف، ولكنه يزيدكم: {إِن تَصْبِرُواْ} على قتالهم: {وَتَتَّقُواْ} الفرار عنهم: {وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا} أي: ساعتهم هذه فلا تنزعجوا بمفاجأتهم: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائكَةِ} في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم: {مُسَوِّمِينَ} بكسر الواو أي: معلمين أنفسهم بأداة الحرب على عادة الفرسان يوم اللقاء ليعرفوا بها. وقرئ بفتح الواو، أو معلَّمين من قبله تعالى. روى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «هذا جبريل آخذ براس فرسه عليه أداة للحرب».
تنبيه:
وفي وعده صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالإمداد بقوله: {إِذْ تَقُولُ} وجهان:
الأول: أنه كان في يوم بدر، فإن سياق ما قبله يدل عليه وهو قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} فإذ ظرف لنصركم، أي: نصركم وقت قولك للمؤمنين وقد أظهروا العجز واستغاثوا ربهم. فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، على هذا الوجه، وبين قوله في سورة الأنفال في قصة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها، لقوله مردفين بمعنى يردفهم غيرهم، ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وذلك أنهم لما استغاثوا أمدهم بألف ثم أمدهم بتمام ثلاثة آلاف، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف لما صبروا واتقوا، وكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعاً وأقوى لتقويتهم، وأسرها من أن يأتي مرة واحدة، وهو بمنزلة متابعة الوحي، ونزوله مرة بعد مرة. قال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف. ومما يؤيد هذا الوجه أن سياق بدر في الأنفال من قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: 7]، الآيات شبيهة بهذا السياق هنا، كما يذوقه من تدبره.
الوجه الثاني: أن هذا الوعد كان يوم أحد، فإن القصة في سياق أحد، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضاً في أثنائها؛ ليذكرهم بنعمته عليهم، لما نصرهم ببدر وهم أذلة، وإنه كذلك هو قادر على نصرهم في سائر المواطن. ثم عاد إلى قصة أحد، وأخبر عن قول رسوله لهم: {أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ} الآية. ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف. فهذا من قول رسوله، والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى، وهذا بخمسة آلاف. وإمداد بدر بألف، وهذا معلق على شرط، وذاك مطلق، والقصة في هذه السورة هي قصة أحد مستوفاة مطولة، وبدر ذكرت فيها اعتراضاً، والقصة في الأنفال قصة بدر مستوفاة مطولة، فالسياق هنا غير السياق في الأنفال- أشار لذلك ابن القيم في زاد المعاد.
وقد انتصر للوجه الأول العلامة أبو السعود، وبين ضعف الثاني بأوجه وجيهة. فليرجع إليه.
ونقل الخازن عن ابن جرير أنه قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مدداً لهم، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف، خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله.
ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة آلاف ولا بالخمسة آلاف، ولا على أنهم لم يمدوا بهم. وقد يجوز أن يكون الله عز وجل أمدهم على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم. وقد يجوز أن يكون لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك. ولا خبر عندنا صح من الوجه الذي يثبت أنهم أُمدوا بالثلاثة الآلاف. ولا بالخمسة الآلاف.
وغير جائز، أن يقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم به الحجة، ولا خبر به كذلك، فنسلم لأحد الفريقين قوله.
غير أن في القرآن دلالة على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة وذلك قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
فأما في يوم أحد فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها في أنهم أمدوا. وذلك أنهم لو أمدوا، لم يهزموا، وينال منهم ما نيل منهم.
فالصواب فيه من القول أن يقال كما قال تعالى ذكره.
هذا هو نص ابن جرير. صفحة 180- 181 من الجزء السابع طبعة المعارف.
فإن قلت: فما تصنع بحديث سعد بن أبي وقاص المروي في الصحيحين أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل؟
قلت: إنما كان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لأنه صبر ولم ينهزم كما انهزم أصحابه يوم أحد. انتهى.
فائدة:
الإمداد لغة: الإعانة. والمراد هنا إعانة الجيش. وهل إعانة الملائكة للجيش بالقتال معهم للحديث السابق. ولحديث عائشة في الصحيحين قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل فقال: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم! قال: فإلى أين؟ قال: ههنا- وأشار إلى بني قريظة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم- أو هي بتكثير سواد المسلمين وتثبيت قلوبهم، كما قال تعالى في الأنفال: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12]. أو بهما معاً وهو الظاهر. وقد سئل السبكي عن الحكمة في قتال الملائكة، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فأجاب بأن ذلك لإرادة أن يكون الفضل للنبي وأصحابه، وتكون الملائكة مدداً على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب التي أجراها الله تعالى في عباده. والله فاعل الجميع- انتهى-.

.تفسير الآية رقم (126):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [126].
{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ} أي: ما جعل الإمداد بالملائكة إلا لتستبشروا به، فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم ونشاطكم: {وَلِتَطْمَئِنَّ} أي: تسكن: {قُلُوبُكُم بِهِ} أي: فلا تجزع من كثرة عدوكم وقلة عددكم: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} وحده، لا من الملائكة ولا من غيرهم، فالأسباب الظاهرة بمعزل من التأثير، وفيه توثيق للمؤمنين، وعدم إقناط من النصر عند فقدان أسبابه وأماراته: {الْعَزِيزِ} أي: الذي لا يغالب في حكمه: {الْحَكِيمِ} الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته الباهرة.

.تفسير الآية رقم (127):

القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائبِينَ} [127].
{لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: ليهلك وينقص طائفة منهم بالقتل والأسر، كما كان يوم بدر، من قتل سبعين وأسر سبعين منهم، واللام متعلقة، إما بقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ}.
وما بينهما تحقيق لحقيقته، وبيان لكيفية وقوعه- إما بما تعلق به الخبر في قوله تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} من الثبوت والاستقرار: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي: يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة تقوية للمؤمنين: {فَيَنقَلِبُواْ خَائبِينَ} أي: فيرجعوا منقطعي الآمال، وإنما أوقع بين المعطوف والمعطوف عليه في أثناء الكلام قوله:

.تفسير الآية رقم (128):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [128].
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} اعتراضاً لئلا يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى لنفسه تأثيراً في بعض هذه الأمور، فيحتجب عن التوحيد، أي: ليس لك من أمرهم شيء، كيفما كان، ما أنت إلا بشر مأمور بالإنذار. إن عليك إلا البلاغ، إنما أمرهم إلى الله- أفاده القاشاني- وفي الاعتراض تخفيف من حزنه لكفرهم، وحرصه على هداهم، كما قال: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. وقوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم للإسلام بعد الضلالة: {أَوْ يُعَذَّبَهُمْ} أي: في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} أي: يستحقون ذلك لاستمرارهم على العناد.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع، فربما قال، إذا قال سمع الله لمن حمده: «اللهم! ربنا ولك الحمد، اللهم! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم! اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف» يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: «اللهم العن فلاناً وفلاناً» لأحياء من العرب حتى أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.
وقد أسند ما علقه عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر، يقول: «اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً». بعد ما يقول: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد». فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، ورواه الإمام أحمد عن ابن عمر أيضاً ولفظه: «اللهم العن فلاناً وفلاناً، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عَمْرو، اللهم العن صفوان بن أمية، فنزلت هذه الآية: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآية». فتيب عليهم كلهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هُشَيْم، حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل»، فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآية- انفرد به مسلم. ورواه البخاري تعليقاً. وقد تقدم لنا في مقدمة التفسير تحقيق معنى سبب النزول، وأن الآية قد تذكر استشهاداً في مقام، لكونها مما تشمله. فيطلق الراوي عليها النزول فيه، ولا يكون قصده أن هذا كان سبباً لنزولها، والحكمة في منعه صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليهم ظهرت من توبتهم أخيراً، والإلحاح في الدعاء مظنة الإجابة، ولاسيما من أشرف خلقه. فاقتضت حكمته تعالى إمهالهم إلى أن يتوبوا لسابق علمه فيهم. وفيه طلب التفويض في الأمور الملمة، لما في طيّها من الأسرار الإلهية.
لطيفة:
قوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} منصوب بإضمار أن في حكم اسم معطوف بـ: {أو} على الأمر أو على {شيء}، أي: ليس لك من أمرهم شيء، أو من التوبة عليهم، أو من تعذيبهم، أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم.
أقول: جعل: {أَوْ يَتُوبَ} منصوباً بالعطف على يكبتهم بعيد جدًّا. وإن قدمه بعض المفسرين على الوجه المتقدم. وذلك لأن قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ} كلام مستأنف على ما صرحت به الروايات في سبب النزول. وهي المرجع في التأويل- والله أعلم-.

.تفسير الآية رقم (129):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [129].
{وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} تقرير لما قبله من قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، أي: له ما فيهما ملكاً وأمراً: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء} فيحكم في خلقه بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل: {وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} تذييل مقرر لمضمون قوله: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ}، مع زيادة. وفي تخصيص التذييل به دون قرينة، من الاعتناء بشأن المغفرة والرحمة ما لا يخفى- أفاده أبو السعود-.

.تفسير الآية رقم (130):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [130].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} هذا نهي عن الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه في الجاهلية من تضعيفه، كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله يقول: إما أن تقضي حقي أو تربي وأزيد في الأجل. وفي ندائهم باسم الإيمان، إشعار بأن من مقتضى الإيمان وتصديقه ترك الربا. وقد تقدم في البقرة من المبالغة في النهي عنه ما يروع من له أدنى تقوى. ويوجب لمن لم يتركه وما يقاربه الضمان بالخذلان في كل زمان {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 86]. وقوله: {أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} أي: زيادات متكررة، وليست لتقييد النهي به، لما هو معلوم من تحريمه على كل حال، بل لمراعاة عادتهم كما بينا. ومحله النصب على الحالية من الربا. وقرئ {ضعفة}: {وَاتَّقُواْ اللّهَ} فيما تنهون عنه: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} بإيفاء حقوقكم وصونكم عن أعدائكم، كما صنتم حقوق الأشياء. ومما يعلم به حكمة نظم هذه الآية في سلك قصة أحد، ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن عَمْرو بن أقيش رضي الله عنه كان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد. قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد. فلبس لأمته، وركب فرسه ثم توجه قبلهم. فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عَمْرو! قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال لأخته: سليه حمية لقومك وغضباً لهم أم غضباً لله عز وجل؟ فقال: بل غضباً لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. فمات، فدخل الجنة، وما صلى لله عز وجل صلاة.
قال الدينوري: وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط! فيسكت الناس، فيقول أبو هريرة: هو أخو بني عبد الأشهل.
وعند ابن إسحاق: فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه لمن أهل الجنة»، فهذا ملخص ما أورده البقاعي رحمه الله تعالى.