فصل: تفسير الآية رقم (160):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (160):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [160].
{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ} كما نصركم يوم بدر: {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ} كما فعل يوم أحد: {فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ} استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر ذاتاً وصفة وبطريق المبالغة. وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله، وترغيب في الطاعة، وفيما يستحقون به النصر من الله تعالى والتأييد. وتحذير من المعصية، ومما يستوجبون به العقوبة بالخذلان. كذا في الكشاف {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أي: وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه، لعلمهم أنه لا ناصر سواه، ولأن إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه- كذا في الكشاف-.

.تفسير الآية رقم (161):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [161].
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} قرئ بالبناء للمعلوم، أي: ما صح وما تأتّى لنبي من الأنبياء أن يخون في المغنم، بعد مقام النبوة وعصمة الأنبياء عن جميع الرذائل، وعن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم، وبالبناء للمجهول، أي: ما صح أن ينسب إلى الغلول ويخوِّن. روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ}، في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله أخذها، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ} الآية. قال الترمذي: حسن غريب. ورواه ابن مردويه عن ابن عباس أيضاً، ولفظه: اتهم المنافقون رسول الله بشيء فُقد، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ} الآية. وهذا تنزيه لمقامه صلى الله عليه وسلم الرفيع، وتنبيه على عصمته. ثم أشار إلى وعيد الغلول بقوله: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: بعينه، حاملاً له على ظهره، ليفتضح في المحشر، كما روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً فقد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك- لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك- لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبغلتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت». لفظ مسلم. وروى البخاري عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص قال: كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها. وعن زيد بن خالد الجُهَنِي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صلوا على صاحبكم»، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل الله، ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين- أخرجه أبو داود والنسائي- وروى عبد الله ابن الإمام أحمد عن عُبَاْدَة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم فيقول: «ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه. إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر. فإن الجهاد باب من أبواب الجنة. إنه لينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم». وروى ابن ماجة بعضه. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس قال: حدثني عُمَر بن الخطاب قال: لما كان يوم خيبر، أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد. فلان شهيد. حتى أتوا على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا إني رأيته في النهار في بردة غلها أو عباءة». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون»، قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. وكذا رواه مسلم والترمذي. وروى أبو داود عن سَمُرة بن جُنْدب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالاً فينادي في الناس، فيجوزوا بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة. فقال: «أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً؟» قال: نعم. قال: «فما منعك أن تجيء؟» فاعتذر. فقال: «كن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله منك».
تنبيه:
من المفسرين من جعل الإتيان بالغلول يوم القيامة مجازاً عن الإتيان بإثمه تعبيراً بما غلّ عما لزمه من الإثم مجازاً. قال أبو مسلم: المراد أن الله تعالى يحفظ عليه هذا الغلول ويعزره عليه يوم القيامة ويجازيه لأنه لا يخفى عليه خافية. وقال أبو القاسم الكعبي: المراد أنه يشتهر بذلك، مثل اشتهار من يحمل ذلك الشيء. وناقشهما الرازي بأن هذا التأويل يحتمل، إلا أن الأصل المعتبر في علم القرآن أنه يجب إجراء اللفظ على الحقيقة، إلا إذا قام دليل يمنعه منه، وههنا لا مانع من الظاهر، فوجب إثباته- انتهى. ومما يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «له رغاء، له حمحمة...» إلخ الظاهر في الحقيقة زيادة في النكال.
{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} تعطى جزاء ما كسبت وافياً، وإنما عمم الحكم ولم يقل: ثم يوفى ما كسب، ليكون كالبرهان على المقصود، والمبالغة فيه، فإنه إذا كان كل كاسب مجزياً بعمله، فالغالّ، مع عظم جرمه بذلك أولى: {وَهُمْ} أي: الناس المدلول عليهم بكل نفس: {لاَ يُظْلَمُونَ} فلا ينقص ثواب مطيعهم، ولا يزاد في عقاب عاصيهم.

.تفسير الآية رقم (162):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [162].
{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ} بالطاعة: {كَمَن بَاء} رجع: {بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ} بسبب المعاصي كالغالّ ومن شاكله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

.تفسير الآية رقم (163):

القول في تأويل قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [163].
{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ} أي: طبقات متفاوتة، تشيبه بليغ، ووجه ما بينهم من تباين الأحوال في الثواب والعقاب، كالدرجات في تفاوتها علواً وسفلاً.
قال القاشاني: أي: كل من أهل الرضا وأهل السخط ذوو درجات متفاوتات، أو هم مختلفون اختلاف الدرجات.
{واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي: بأعمالهم، فيجازيهم على حسبها.

.تفسير الآية رقم (164):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [164].
{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ} أي: أنعم: {عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ} أي: من جنسهم، عربيًّا مثلهم، ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته، والانتفاع به، ولما لم ينتفع بهذا الإنعام إلا أهل الإسلام خصوا بالذكر، وإلا فبعثته صلى الله عليه وسلم إحسان إلى العالمين، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} يعني القرآن بعد ما كانوا أهل جاهلية، لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي: {وَيُزَكِّيهِمْ} أي: يطهرهم من الذنوب والشرك بدعوته: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} أي: القرآن: {وَالْحِكْمَةَ} أي: السنة: {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ} أي: من قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وتزكيته: {لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} أي: ظاهر من عبادة الأوثان، وأكل الخبائث، وعدوان بعضهم على بعض، وسواها، فنقلوا ببعثته صلى الله عليه وسلم من الظلمات إلى النور، وصاروا أفضل الأمم في العلم والزهد والعبادة، فعظمت المنة لله تعالى عليهم بذلك. قال الرازي: وفي قوله تعالى: {مِّنْ أَنفُسِهِمْ} وجه آخر من المنة، وذلك أنه صار شرفاً للعرب، وفخراً لهم، كما قال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف: 44]. وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركاً فيه بين اليهود والنصارى والعرب، ثم إن الأولين كانوا يفتخرون بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل. فما كان للعرب ما يقابل ذلك. فلما بعث الله محمداً، وأنزل عليه القرآن، صار شرف العرب ذلك زائداً على شرف جميع الأمم.
ثم كرر عليهم سبحانه أن هذا القول أصابهم إنما أتوا فيه من قبل أنفسهم وبسبب أعمالهم فقال:

.تفسير الآية رقم (165):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [165].
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} الهمزة للتقريع والتقرير، والواو عاطفة للجملة على ما سبق من قصة أحد، أو على محذوف مثل: أفعلتم: كذا وقلتم. ولما ظرفه المضاف إلى أصابتكم، أي: حين أصابتكم مصيبة، وهي قتل سبعين منكم يوم أحد، والحال أنكم نلتم ضعفيها يوم بدر من قتل سبعين منهم وأسر سبعين: من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله النصر: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} أي: مما اقترفته أنفسكم من مخالفة الأمر بترك المركز، فإن الوعد كان مشروطاً بالثبات والمطاوعة.
قال ابن القيم: وذكر سبحانه هذا بعينه فيما هو أعم من ذلك في السورة المكية فقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. وقال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] فالحسنة والسيئة هاهنا النعمة والمصيبة، فالنعمة من الله منَّ بها عليك، والمصيبة إنما نشأت من قبل نفسك وعملك، فالأول فضله، والثاني عدله، والعبد يتقلب بين فضله وعدله، جارٍ عليه فضله، ماض فيه حكمه، عدل فيه قضائه. وختم الآية الأولى بقوله: {إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بعد قوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إعلاماً لهم بعموم قدرته مع عدله، وأنه عادل قادر، وفي ذلك إثبات القدر والسبب. فذكر السبب وأضافه إلى نفوسهم، وذكر عموم القدرة وأضافها إلى نفسه، فالأول ينفي الجبر، والثاني ينفي القول بإبطال القدر، فهو شاكل قوله: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28- 29]. وفي ذكر قدرته هاهنا نكتة لطيفة، وهي أن هذا الأمر بيده وتحت قدرته، وأنه هو الذي لو شاء لصرفه عنكم، فلا تطلبوا كشف أمثاله من غيره، ولا تتكلوا على سواه، كشف هذا المعنى وأوضحه كل الإيضاح بقوله:

.تفسير الآية رقم (166):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [166].
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} جمع المسلمين وجمع المشركين يوم أحد: {فَبِإِذْنِ اللّهِ} أي: فهو كائن بقضائه وتخليته الكفار، فالإذن هنا هو الإذن الكوني القدري، لا الشرعي الديني، كقوله في السحر: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]. ثم أخبر عن حكمة هذا التقدير بقوله: {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}.

.تفسير الآية رقم (167):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [167].
{وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} أي: ليعلم المؤمنين من المنافقين علم عيان ورؤية يتميز فيه أحد الفريقين من الآخر تميزاً ظاهراً: {وَقِيلَ لَهُمْ} عطف على: {نَافَقُواْ} داخل معه في حيز الصلة. أو كلام مبتدأ: {تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ} يعني إن لم تقاتلوا لوجه الله تعالى فقاتلوا دفعاً عن أنفسكم وأموالكم: {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ} أي: لكنه ليس إلا إلقاء النفس في التهلكة: {هُمْ} أي: بهذا القول: {لِلْكُفْرِ} في الظاهر: {يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} في الظاهر مع أنه لا إيمان لهم في الباطن أصلاً.
فائدتان:
الأولى: قال ابن كثير: استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان.
الثانية: قال الواحدي: هذه الآية دليل على أن من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر، ولم يطلق القول بتكفيره؛ لأنه تعالى لم يطلق القول بكفرهم، مع أنهم كانوا كافرين، لإظهارهم القول بلا إله إلا الله محمد رسول الله. انتهى.
{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} أي: يظهرون خلاف ما يضمرون لا تواطئ قلوبهم ألسنتهم بالإيمان، وقوله: {بِأَفْوَاهِهِم} تأكيد على حد: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}.