فصل: تفسير الآية رقم (32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (32):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [32].
{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه، إلا بما شاء. وأن يعلموا شيئاً إلا ما علمهم الله تعالى، واعتراف منهم بالعجز والقصور عما كلفوه، أنه العالم بكل المعلومات التي من جملتها استعداد آدم عليه والسلام، لما نحن بمعزل من الاستعداد له، من العلوم الخفية المتعلقة بما في الأرض من أنواع المخلوقات التي عليها يدور فلك خلافة الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة، ومن جملته تعليم آدم عليه السلام ما هو قابل له من العلوم الكلية، والمعارف الجزئية، المتعلقة بالأحكام الواردة على ما في الأرض، وبناء أمر الخلافة عليها.

.تفسير الآية رقم (33):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [33].
{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ} أي: أعلمهم: {بِأَسْمَائِهِمْ} التي عجزوا عن علمها: {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ} عز وجل تقريراً لما مر من الجواب الإجمالي واستحضاراً له: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إيراد ما لا تعلمون بعنوان الغيّب مضافاً إلى السموات والأرض للمبالغة في بيان كمال شمول علمه المحيط، وغاية سعته مع الإيذان بأن ما ظهر من عجزهم، وعلم آدم عليه السلام، الأمور المتعلقة بأهل السموات والأرض. وهذا دليل واضح على أن المراد بما لا تعلمون، فيما سبق، ما أُشير إليه هناك، كأنه قيل: ألم أقل لكم إني أعلم فيه من دواعي الخلافة ما لا تعلمونه فيه، هو هذا الذي عاينتموه. وفي الآية تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى، وهو أن يتوقفوا مترصدين لأن يبين لهم: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} عطف على جملة: {ألم أقل لكم} لا على: {أعلم}، إذ هو غير داخل تحت القول. أي: ما تظهرونه بألسنتكم، وما كنتم تخفون في أنفسكم.

.تفسير الآية رقم (34):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [34].
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} لما أنبأهم بأسماء، وعلمهم ما لا يعلموا أمرهم بالسجود له، على وجه التحية والتكرمة تعظيماً له، واعترافاً بفضله، واعتذاراً عما قالوا فيه. وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم عليه السلام: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} أي: امتنع عن السجود: {وَاسْتَكْبَرَ} أي: تكبر، وقال: أنا خير منه، فالسين للمبالغة: {وَكَانَ} في سابق علم الله، أو صار: {مِنَ الْكَافِرِينَ}.
تنبيهات:
الأول: للناس في هذا السجود أقوال: أحدها أنه تكريم لآدم، وطاعة لله، ولم يكن عبادةً لآدم. وقيل: السجود لله، وآدم قبلة، أو السجود لآدم تحية، أو السجود لآدم عُبَاْدَة بأمر الله، وفرضه عليهم. ذكر ابن الأنباري عن الفرّاء، وجماعة من الأئمة: أن سجود الملائكة لآدم، كان تحية، ولم يكن عُبَاْدَة، وكان سجود تعظيم وتسليم وتحيه، لا سجود صلاة وعبادة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال أهل العلم: السجود كان لآدم بأمر الله وفرضه. وعلى هذا إجماع كل من يسمع قوله. فإن الله تعالى قال: {اسجدوا لآدم} ولم يقل: إلى آدم. وكل حرف له معنى، وفرق بين: سجدت له، وبين: سجدت إليه. قال تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37]: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرعد: 15] أجمع المسلمون على أن السجود للأحجار، والأشجار، والدواب محرم، وأما الكعبة، فيقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس، ثم صلى إلى الكعبة، ولا يقال صلى لبيت المقدس، ولا للكعبة. والصواب أن الخضوع بالقلوب، والاعتراف بالعبودية، لا يصل على الإطلاق إلا لله سبحانه. وإما السجود فشريعة من الشرائع يتبع الأمر. فلو أمرنا سبحانه أن نسجد لأحد من خلقه، لسجدنا طاعة واتباعاً لأمره. فسجود الملائكة لآدم عُبَاْدَة لله، وطاعة، وقربة يتقربون بها إليه. وهو لآدم تشريف وتعظيم وتكريم. وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام. ولم يأت أن آدم سجد للملائكة. بل لم يؤمر بالسجود إلا لله رب العلمين. وبالجملة، أهل السنة قالوا: إنه سجود تعظيم وتكريم وتحية له. وقالت المعتزلة: كان آدم كالقبلة يسجد إليه، ولم يسجدوا له. قالوا ذلك هرباً من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم، فإن أهل السنة قالوا: إبليس من الملائكة، وصالح البشر أفضل من الملائكة، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم. خالفت المعتزلة في ذلك وقالت: الملائكة أفضل من البشر، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة، ويبطله ما حكى الله سبحانه عن إبليس: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 62].
الثاني: اختلفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود، فقيل: هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض. قال تقي الدين بن تيمية: هذا القول ليس من أقوال المسلمين واليهود النصارى. وقيل: هم جميع الملائكة، حتى جبريل وميكائيل. وهذا قول العامة من أهل العلم بالكتاب والسنة. قال ابن تيمية: ومن قال خلافه فقد ردّ القرآن بالكذب والبهتان، لأنه سبحانه قال: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30]، وهذا تأكيد للعموم.
الثالث: للعلماء في إبليس، هل كان من الملائكة أم لا؟ قولان:
أحدهما أنه كان من الملائكة. قاله ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، واختاره الشيخ موفق الدين، والشيخ أبو الحسن الأشعري، وأئمة المالكية، وابن جرير الطبري. قال البغوي: هذا قول أكثر المفسرين، لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم. قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} فلولا أنه من الملائكة، لمَا توجه الأمر إليه بالسجود، ولو لم يتوجه الأمر إليه بالسجود لم سكن عاصياً، ولما استحق الخزي والنكال.
والقول الثاني: أنه كان من الجن، ولم يكن من الملائكة. قاله ابن عباس، في رواية، والحسن وقتادة، واختاره الزمخشري، وأبو البقاء العكبري، والكواشي في تفسيره. لقوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]، فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأن له ذرية، ولا ذرية للملائكة.
قال في الكشاف: إنما تناوله الأمر، وهو للملائكة خاصة، لأن إبليس كان في صحبتهم، وكان يعبد الله عبادتهم، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له كان الجنيّ الذي معهم أجدر بأن يتواضع.
والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، وصححه البغوي. وأجابوا عن قوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} أي: من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
قال ابن القيم: الصواب التفصيل في هذه المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول وحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته، وليس منهم بمادته وأصله، كان أصله من نار، وأصل الملائكة من نور. فالنافي كونه من الملائكة، والمثبت، لم يتواردا على محل واحد. وكذلك قال الشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في الفتاوي المصرية: وقيل إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار، سموا: جناً؛ لاستتارهم عن الأعين، فإبليس كان منهم. والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات: 158]، وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.
سئل الشعبي: هل لإبليس زوجة؟ قال: ذلك عرس لم أشهده! قال: ثم قرأت هذه الآية، فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة. فقلت: نعم. وقال قوم: ليس له ذرية ولا أولاد، وذريته أعوانه من الشياطين.
الرابع: في قوله تعالى: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين} قولان: أحدهما أنه وقت العبادة كان منافقاً، والثاني أنه كان مؤمناً ثم كفر، وهذا قول الأكثرين. فقيل في معنى الآية: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين} في علم الله، أي: كان عالماً في الأزل أنه سيكفر. والذي عليه الأكثرون أن إبليس أول كافر بالله. أو يقال: معنى الآية أنه صار من الذين وافقوه في الكفر بعد ذلك. واختلف الناس بأي سبب كفر إبليس، لعنه لله. فقالت الخوارج: إنما كفر بمعصية الله، وكل معصية كفر. وهذا قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. وقال آخرون: كفر بترك السجود لآدم ومخالفته أمر الله. وقال آخرون: كفر لأنه خالف الأمر الشفاهي من الله، فإن الله خاطب الملائكة وأمرهم بالسجود. ومخالفة الأمر الشفاهي أشد قبحاً. وقال جمهور الناس: كفر إبليس لأنه أبى السجود واستكبر وعاند وطعن، واعتقد أنه محق في تمرده، واستدل بـ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] كما يأتي. فكأنه ترك السجود لآدم. تسفيها لأمر الله وحكمته. وهذا الكبر عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» كذا في كتاب الاستعاذة للإمام ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (35):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [35].
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام، وخلق له زوجة وأقرهما في الجنة، أباحهما الأكل منها بقوله: {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً} أي: أكلاً واسعاً. وحيث: للمكان المبهم، أي: أيّ مكان من الجنة شئتما. أطلق لهما الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلة، حين لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات من الجنة، حتى لا يبقى لهما عذر في التناول مما منعا منه بقوله: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} أي: هذه الحاضرة من الشجر، أي: لا تأكلا منها، وإنما علق النهي بالقربان منها، مبالغة في تحريم الأكل، ووجوب الاجتناب عنه، لأن القرب من الشيء مقتضى الألفة. والألفة: داعية للمحبة، ومحبة الشيء تعمي وتصمّ. فلا يرى قبيحاً، ولا يسمع نهياً، فيقع. والسبب الداعي إلى الشر منهيّ عنه، كما أن السبب الموصل إلى الخير مأمور به. وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «العينان تزنيان» لما كان النظر داعياً إلى الألفة، والألفة إلى المحبة، وذلك مفضٍ لارتكابه، فصار النظر مبدأ الزنا. وعلى هذا قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء: 32]، {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152].
قال ابن العربي: سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول: إذا قيل: لا تقرَب بفتح الراء، كان معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء، معناه لا تَدْنُ، نقله ابن مفلح في كتاب الاستعاذة. ونقل الفرق المذكور بينهما أيضاً السيد مرتضى في شرح القاموس عن شيخه العلامة الفاسي، قال: إن أرباب الأفعال نصوا عليه، وظاهر القاموس أنهما مترادفان، فإنه قال: قرب منه، ككرم، وقريه كسمع قرباً وقَرباناً، وقِرباناً: دنا، فهو قريب. للواحد والجمع. انتهى.
لطيفة:
جاء في آية الأعراف: {فَكُلا} [الأعراف: 19] وهنا بالواو، لأن كل فعل عطف عليه شيء، وكان ذلك الفعل كالشرط، وذكر الشيء كالجزاء، عطف بالفاء دون الواو، كقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} [البقرة: 58] لما كان وجود الأكل منها متعلقاً بدخولها ذكر بالفاء، كأنه قال: إن دخلتموها أكلتم منها، فالأكل يتعلق وجوده بوجود الدخول. وقوله في الأعراف: {اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا} [الأعراف: 161] بالواو دون الفاء، لأنه منه السكنى، وهو في المقام مع اللبث الطويل، والأكل لا يختص وجوده بوجوده، لأن من دخل بستاناً قد يأكل منه، وإن كان مجتازاً، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط، عطف بالواو. وإذا ثبت هذا فنقول: قد يراد بـ: {اسكن} الزم مكاناً دخلته، ولا تنتقل عنه، وقد يراد ادخله واسكن فيه. ففي البقرة، ورد الأمر، بعد أن كان آدم في الجنة، فكان المراد المكث، والأكل لا يتعلق به، فجيء بالواو. وفي الأعراف ورد قبلُ أنَّ دخول الجنة، والمراد الدخول والأكل متعلق به، فورد بالفاء.
تنبيه:
لم يرد في القرآن المجيد، ولا في السنة الصحيحة تعيين هذه الشجرة؛ إذ لا حاجة إليه، لأنه ليس المقصود تعرف عين تلك الشجرة، وما لا يكون مقصوداً، لا يجب بيانه. وقوله: {مِنَ الظَّالِمِينَ} أي: من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله تعالى.
قال ابن مفلح الحنبلي في كتاب الاستعاذة: قال ابن حزم: حمل الأمر على الندب، والنهي على الكراهة، يقع في الفقهاء والأفاضل كثيراً، وهو الذي يقع من الأنبياء عليهم السلام، ولا يؤخذون به، وعلى السبيل أكل آدم من الشجرة. ومعنى قوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} أي: ظالمين لأنفسكما، والظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه. انتهى.
ثم قال: وقال أبو محمد بن حزم في الملل والنحل: لا براءة من المعصية أعظم من حال من ظن أن أحداً لا يحلف حانثاً، وهكذا فعل آدم عليه السلام، فإنه أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ناسياًً لنص القرآن، ومتأولاً وقاصداً إلى الخير، لأنه قدّر أنه يزداد حظوة عند الله فيكون ملكاً مقرباً، أو خالداً فيما هو فيه أبداً، فأداه ذلك إلى خلاف ما أمره الله به، وكان الواجب أن يحمل أمر ربه على ظاهره، لكن تأوّل وأراد الخير فلم يصبه، ولو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجوراً، ولكن آدم لما فعل وأخرج عن الجنة إلى الدنيا، كان بذلك ظالماً لنفسه، وقد سمى الله تعالى قاتل الخطأ قاتلا، كما سمى العامد، والمخطئ لم يعمد معصية، وجعل في مثل الخطأ عتق رقبة، وهو لم يعمد ذنباً. انتهى.
وقال الشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وجماعة من المتأخرين: الصواب أن آدم عليه السلام، لما قاسمه عدوّ الله أنه ناصح، وأكد كلامه بأنواع من التأكيدات:
أحدها القسم.
الثاني الإتيان بجملة اسمية لا فعلية.
والثالث تصديرها بأداة التأكيد.
الرابع الإتيان بلام التأكيد في الخبر.
الخامس الإتيان به اسم فاعل لا فعلاً دالاً على الحدث.
السادس تقدم المعمول على العامل فيه.
ولم يظن آدم أن أحداً يحلف بالله كاذباً يميناً غموساً، فظن صدقه، وأنه إن أكل منها لم يخرج من الجنة، ورأى أن الأكل، وإن كان فيه مفسدة، فمصلحة الخلود أرجح، ولعله يتأتى له استدراك مفسدة اليمين في أثناء ذلك باعتذار أو توبة، كما تجد هذا التأويل في نفس كل مؤمن أقدم على معصية.
قال ابن مفلح: فآدم عليه السلام لم يخرج من الجنة إلا بالتأويل، فالتأويل لنص الله أخرجه، وإلا فهو لم يقصد المعصية، والمخالفة، وأن يكون ظالماً مستحقاً للشفاء. انتهى.