فصل: كِتَابُ اللُّقَطَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***


كِتَابُ اللُّقَطَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ ‏{‏جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا‏}‏ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه نَحْوُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْبَقَرُ كَالْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِدَانِ الْمِيَاهَ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ، وَيَعِيشَانِ أَكْثَرَ عَيْشِهِمَا بِلاَ رَاعٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْمَالُ وَالشَّاةُ لاَ يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ وَجَدَهُمَا فِي مَهْلَكَةٍ فَلَهُ أَكْلُهُمَا وَغُرْمُهُمَا إذَا جَاءَ صَاحِبُهُمَا‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ كَالْبَعِيرِ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا قَوِيٌّ مُمْتَنِعٌ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بَعِيدُ الْأَثَرِ فِي الْأَرْضِ، وَمِثْلُهَا الظَّبْيُ لِلرَّجُلِ وَالْأَرْنَبُ وَالطَّائِرُ لِبُعْدِهِ فِي الْأَرْضِ وَامْتِنَاعِهِ فِي السُّرْعَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ قَدْ ‏{‏أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه وَهُوَ مِنْ أَيْسَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ كَأَيْسَرِهِمْ وَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا أَنْ يَأْكُلَهَا‏}‏ ‏{‏وَأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَجَدَ دِينَارًا فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فَلَمْ يُعْرَفْ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ بِأَكْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ صَاحِبُهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ‏}‏ وَعَلِيٌّ رضي الله عنه مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُلْبِيَّةِ بَنِي هَاشِمٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا فَعَرَّفَهَا سَنَةً عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ، وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهَا فَيَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوَزْنَهَا وَحِلْيَتَهَا، وَيَكْتُبُهَا، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا‏.‏ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ اللُّقَطَةِ وَكَثِيرُهَا فَيَقُولُ مَنْ ذَهَبَتْ لَهُ دَنَانِيرُ إنْ كَانَتْ دَنَانِيرَ، وَمَنْ ذَهَبَتْ لَهُ دَرَاهِمُ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ، وَمَنْ ذَهَبَ لَهُ كَذَا، وَلاَ يَصِفُهَا فَيُنَازَعَ فِي صِفَتِهَا أَوْ يَقُولُ جُمْلَةً إنَّ فِي يَدِي لُقَطَةٌ فَإِنْ كَانَ مَوْلِيًّا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ ضَمَّهَا الْقَاضِي إلَى وَلِيِّهِ وَفَعَلَ فِيهَا مَا يَفْعَلُ الْمُلْتَقِطُ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أُمِرَ بِضَمِّهَا إلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِهَا السَّيِّدُ فَأَقَرَّهَا فِي يَدَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ‏:‏ لاَ غُرْمَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لَهُ أَخْذَهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ الْأَوَّلُ أَقْيَسُ إذَا كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَبْدُ عِنْدِي لَيْسَ بِذِي ذِمَّةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا السَّيِّدُ فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ وَبَعْدَهَا دُونَ مَالِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ اللُّقَطَةَ عُدْوَانٌ إنَّمَا يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ، وَلاَ يَخْلُو سَيِّدُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلِمَهُ فَإِقْرَارُهُ إيَّاهَا فِي يَدِهِ يَكُونُ تَعَدِّيًا فَكَيْفَ لاَ يَضْمَنُهَا فِي جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لاَ يَكُونُ تَعَدِّيًا فَلاَ تَعْدُو رَقَبَةَ عَبْدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِنْ كَانَ حُرًّا غَيْرَ مَأْمُونٍ فِي دِينِهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَأْمُرَ بِضَمِّهَا إلَى مَأْمُونٍ، وَيَأْمُرَ الْمَأْمُونَ وَالْمُلْتَقِطَ بِالْإِنْشَادِ بِهَا‏.‏ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ‏:‏ لاَ يَنْزِعُهَا مِنْ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَلاَ قَوْلَ لَهُ إلَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ عِنْدِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله، وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجَهَا مِنْ يَدِهِ لاَ يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُهُ وَهَذَا أَوْلَى بِهِ عِنْدِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمُكَاتَبُ فِي اللُّقَطَةِ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَسْلَمُ لَهُ وَالْعَبْدُ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ فَإِنْ الْتَقَطَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مُخَلًّى لِنَفْسِهِ أُقِرَّتْ فِي يَدِهِ وَكَانَتْ بَعْدَ السَّنَةِ لَهُ كَمَا لَوْ كَسَبَ فِيهِ مَالاً كَانَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي لِسَيِّدِهِ أَخَذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ فِيهِ لِسَيِّدِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيُفْتَى الْمُلْتَقَطُ إذَا عَرَّفَ الرَّجُلُ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلاَ أَجْبُرُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنْ يَسْمَعَ الْمُلْتَقِطَ يَصِفُهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا‏}‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لاََنْ يُؤَدِّيَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَهَا وَلِيَعْلَمَ إذَا وَضَعَهَا فِي مَالِهِ أَنَّهَا لُقَطَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صِدْقِ الْمُعَرِّفِ أَرَأَيْت لَوْ وَصَفَهَا عَشْرَةٌ أَيُعْطُونَهَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّهُمْ كَاذِبٌ إلَّا وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ طَعَامًا رَطْبًا لاَ يَبْقَى فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا خَافَ فَسَادَهُ، وَيَغْرَمَهُ لِرَبِّهِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ‏:‏ إذَا خَافَ فَسَادَهُ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَيُقِيمَ عَلَى تَعْرِيفِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ لِلْمُلْتَقِطِ شَأْنُك بِهَا إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ مَهْلَكَةٍ كَالشَّاةِ فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُهُ، وَيَغْرَمُهُ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِيمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ‏:‏ إذَا وَجَدَ الشَّاةَ أَوْ الْبَعِيرَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ مَا كَانَتْ بِالْمِصْرِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ فَهِيَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا سَنَةً، وَإِذْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَوَالَّ الْإِبِلِ فَمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا ضَمِنَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ جُعْلَ لِمَنْ جَاءَ بِآبِقٍ، وَلاَ ضَالَّةٍ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ لَهُ وَسَوَاءٌ مَنْ عُرِفَ بِطَلَبِ الضَّوَالِّ، وَمَنْ لاَ يُعْرَفُ بِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدٍ فَلَكَ كَذَا وَلِآخَرَ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِثَالِثٍ مِثْلُ ذَلِكَ فَجَاءُوا بِهِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ مَا جَعَلَهُ لَهُ اتَّفَقَتْ الْأَجْعَالِ أَوْ اخْتَلَفَتْ‏.‏

بَابُ الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ يُوجَدُ مَعَهُ الشَّيْءُ بِمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى سَمِعْتهَا مِنْهُ لَفْظًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله- فِيمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ-‏:‏ مَا وُجِدَ تَحْتَ الْمَنْبُوذِ مِنْ شَيْءٍ مَدْفُونٍ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلاَمِ أَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُوَ لُقَطَةٌ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَهِيَ ضَالَّةٌ فَإِنْ وُجِدَ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ مَالٌ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ غَيْرَ ثِقَةٍ نَزَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَجَبَ أَنْ يُشْهِدَ بِمَا وَجَدَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَنْبُوذٌ، وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا أَخَذَ ثَمَنَهُ الْمُلْتَقِطُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَرُمَ تَضْيِيعُهُ عَلَى مَنْ عَرَّفَهُ حَتَّى يُقَامَ بِكَفَالَتِهِ فَيُخْرِجَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَأْثَمِ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَمَا ادَّعَى قُبِلَ مِنْهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ قَصْدًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ لاَ يَجُوزُ قَوْلُ أَحَدٍ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى وَلَيْسَ كَالْأَمِينِ يَقُولُ فَيَبْرَأُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ وَجَدَهُ رَجُلاَنِ فَتَشَاحَّاهُ أَقْرَعْتُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ دَفَعْته إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ خَيْرًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقِيمًا بِالْمِصْرِ وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ دُفِعَ إلَى الْمُقِيمِ، وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا وَبَدْوِيًّا دُفِعَ إلَى الْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْبَادِيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَحُرًّا دُفِعَ إلَى الْحُرِّ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَنَصْرَانِيًّا فِي مِصْرٍ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ دُفِعَ إلَى الْمُسْلِمِ وَجَعَلْته مُسْلِمًا وَأَعْطَيْته مِنْ سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنْ أَقْتُلَهُ، وَلاَ أُجْبِرَهُ عَلَى الْإِسْلاَمِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي مَدِينَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لاَ مُسْلِمَ فِيهِمْ فَهُوَ ذِمِّيٌّ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى يَصِفَ الْإِسْلاَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَوْ أَرَادَ الَّذِي الْتَقَطَهُ الظَّعْنَ بِهِ فَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِلَّا مُنِعَهُ‏.‏

وَجِنَايَتُهُ خَطَأً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ‏:‏ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا فَلِلْإِمَامِ الْقَوَدُ أَوْ الْعَقْلُ، وَإِنْ كَانَ جُرْحًا حُبِسَ لَهُ الْجَارِحُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ الْقَوَدَ أَوْ الْأَرْشَ فَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا فَقِيرًا أَحْبَبْتُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْأَرْشَ، وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُقِرَّ فَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ قَبِلْته وَرَجَعْت عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ وَجَعَلْت جِنَايَتَهُ فِي عُنُقِهِ وَلَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَمْ أَحِدَّ لَهُ حَتَّى أَسْأَلْهُ فَإِنْ قَالَ أَنَا حُرٌّ حَدَدْت قَاذِفَهُ، وَإِنْ قَذَفَ حُرًّا حُدَّ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله وَسَمِعْته يَقُولُ اللَّقِيطُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ إلَّا مَنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةُ، وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ كَمَا لاَ أَبَ لَهُ فَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ أَنَّهُ حُرٌّ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله وَقَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ الْقَاذِفُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ لِلْمَقْذُوفِ أَنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ ادَّعَاهُ الَّذِي وَجَدَهُ‏:‏ أَلْحَقْته بِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ آخَرُ أَرَيْته الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْآخَرِ أَرَيْتَهُمْ الْأَوَّلَ فَإِنْ قَالُوا إنَّهُ ابْنُهُمَا لَمْ نَنْسُبْهُ إلَى أَحَدِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِالْآخَرِ فَهُوَ ابْنُ الْأَوَّلِ قَالَ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلاَنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ جَعَلْته لِلَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَوَّلاً، وَلَيْسَ هَذَا كَمِثْلِ الْمَالِ وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا ادَّعَاهُ وَوُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ فَأَلْحَقْته بِهِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ مُسْلِمًا فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَأَنْ آمُرَهُ إذَا بَلَغَ بِالْإِسْلاَمِ مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى إنَّا نَجْعَلُهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّا لاَ نَعْلَمُهُ كَمَا قَالَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ عِنْدِي هَذَا أَوْلَى بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَزُلْ حَقُّهُ بِالدَّعْوَى فَقَدْ ثَبَتَ لِلْإِسْلاَمِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَجَرَى حُكْمُهُ عَلَيْهِ بِالدَّارِ فَلاَ يَزُولُ حَقُّ الْإِسْلاَمِ بِدَعْوَى مُشْرِكٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ بَعْدَ أَنْ عَقَلَ وَوَصَفَ الْإِسْلاَمَ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ، وَمَنَعْنَاهُ أَنْ يُنَصِّرَهُ فَإِذَا بَلَغَ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَدًّا نَقْتُلُهُ وَأَحْبِسُهُ وَأُخِيفُهُ رَجَاءَ رُجُوعِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قِيَاسُ‏:‏ مَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا أَنْ لاَ يَرُدَّهُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ دَعْوَةَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ أَقَامَتْ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ أَجْعَلْهُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى أُرِيَهُ الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِوَاحِدَةٍ لَحِقَ بِزَوْجِهَا، وَلاَ يَنْفِيهِ إلَّا بِاللِّعَانِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله مَخْرَجُ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلَمَّا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالْمَرْأَةِ كَانَ زَوْجُهَا فِرَاشًا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا، وَلاَ يَنْفِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ اللَّقِيطَ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ أَقْبَلْ الْبَيِّنَةَ حَتَّى تَشْهَدَ أَنَّهَا رَأَتْ أَمَةَ فُلاَنٍ وَلَدْته وَأَقْبَلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ شُهُودَهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَى فِي يَدِهِ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُهُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِ الْمُلْتَقِطِ أَرَفَقْتُهُ لَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَأَوْلَى بِالْحَقِّ عِنْدِي مِنْ الْأَوَّلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَنَكَحَ وَأَصْدَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ أَلْزَمْته مَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ، وَفِي إلْزَامِهِ الرِّقَّ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ إقْرَارَهُ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْفَضْلِ مِنْ مَالٍ عَمَّا لَزِمَهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَمَنْ قَالَ أُصَدِّقُهُ فِي الْكُلِّ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْأَصْلِ، وَمَنْ قَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَهُ فِي امْرَأَةٍ نُكِحَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ لاَ أُصَدِّقُهَا عَلَى إفْسَادِ النِّكَاحِ، وَلاَ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ وَأَجْعَلُ طَلاَقَهُ إيَّاهَا ثَلاَثًا وَعِدَّتَهَا ثَلاَثَ حِيَضً وَفِي الْوَفَاةِ عِدَّةَ أَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ حَقٌّ يَلْزَمُهَا لَهُ وَأَجْعَلُ وَلَدَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَلَدَ حُرَّةٍ وَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ كَانَ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَأَجْعَلُ مِلْكَهَا لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ بِأَنَّهَا أَمَتُهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ، وَمَنْ ادَّعَاهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بِدَعْوَاهُ، وَقَدْ لَزِمَتْهَا حُقُوقٌ بِإِقْرَارِهَا فَلَيْسَ لَهَا إبْطَالُهَا بِدَعْوَاهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ أُقِرُّ اللَّقِيطَ بِأَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلاَنٍ وَقَالَ لِفُلاَنٍ مَا مَلَكْته قَطُّ ثُمَّ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِالرِّقِّ بَعْدُ لَمْ أَقْبَلْ إقْرَارَهُ وَكَانَ حُرًّا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ‏.‏

اخْتِصَارُ الْفَرَائِضِ

مِمَّا سَمِعْته مِنْ الشَّافِعِيِّ‏:‏ وَمِنْ الرِّسَالَةِ، وَمِمَّا وَضَعْته عَلَى نَحْوِ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْفَرَائِضِ نَحْوَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏

بَابُ مَنْ لاَ يَرِثُ

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لاَ تَرِثُ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَالْجَدَّةُ أُمُّ أَبِ الْأُمِّ وَالْخَالُ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَوَلَدُ الْأُخْتِ، وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ وَالْكَافِرُونَ وَالْمَمْلُوكُونَ وَالْقَاتِلُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُ كُلُّ هَؤُلاَءِ لاَ يَرِثُونَ، وَلاَ يُحْجَبُونَ، وَلاَ تَرِثُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ، وَإِنْ عَلاَ، وَلاَ مَعَ الْوَلَدِ، وَلاَ مَعَ وَلَدِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَلاَ تَرِثُ الْإِخْوَةُ، وَلاَ الْأَخَوَاتُ مَنْ كَانُوا مَعَ الْأَبِ، وَلاَ مَعَ الِابْنِ، وَلاَ مَعَ ابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَلاَ يَرِثُ مَعَ الْأَبِ أَبَوَاهُ، وَلاَ مَعَ الْأُمِّ جَدَّةٌ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَاهُ‏.‏

بَابُ الْمَوَارِيثِ

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ فَلَهُ الرُّبُعُ وَلِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ فَلَهَا الثُّمُنُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالثَّلاَثُ وَالْأَرْبَعُ شُرَكَاءُ فِي الرُّبُعِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَفِي الثُّمُنِ إذَا كَانَ وَلَدٌ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ فَصَاعِدًا فَلَهَا السُّدُسُ إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ إحْدَاهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَالْأُخْرَى امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي هَاتَيْنِ الْفَرِيضَتَيْنِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلِابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَلاَ شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنُ ابْنٍ فَيَكُونَ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَتَسْقُطُ بَنَاتُ ابْنِ الِابْنِ إذَا كُنَّ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُنَّ فَيَكُونَ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْئًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏.‏ وَيَسْقُطُ مَنْ أَسْفَلَ مِنْ الذَّكَرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ فَلاَ سُدُسَ لَهُنَّ وَلَكِنْ مَا بَقِيَ لَهُ وَلَهُنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ ابْنٌ فَلاَ نِصْفَ، وَلاَ ثُلُثَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَيَسْقُطُ جَمِيعُ وَلَدِ الِابْنِ وَوَلَدُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الصُّلْبِ فِي كُلٍّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدَ صُلْبٍ وَبَنُو الْإِخْوَةِ لاَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ، وَلاَ يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلِوَاحِدِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَيْنِ فَلاَ شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَيَكُونَ لَهُ وَلَهُنَّ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ أَخٌ لِأَبٍ فَلاَ سُدُسَ لَهُنَّ وَلَهُنَّ وَلَهُ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَخٌ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَلاَ نِصْفَ، وَلاَ ثُلُثَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ، وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ، وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيُشَارِكُهُمْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ‏.‏ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ إخْوَةٌ لِأَبٍ لَمْ يَرِثُوا وَلِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ مَا بَقِيَ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَلاَ شَيْءَ لَهُنَّ، وَيُسَمَّيْنَ بِذَلِكَ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ وَلِلْأَبِ‏:‏ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ فَرِيضَةً، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ أَهْلِ الْفَرِيضَةِ فَلَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، وَلاَ وَلَدُ ابْنٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَصَبَةٌ لَهُ الْمَالُ، وَلِلْجَدَّةِ وَالْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ قَرُبَ بَعْضُهُنَّ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتْ الْأَقْرَبَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَهِيَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ الْأَبْعَدَ شَارَكَتْ فِي السُّدُسِ وَأَقْرَبُ اللَّائِي قِبَلَ الْأَبِ تَحْجُبُ بُعْدَاهُنَّ وَكَذَلِكَ تَحْجُبُ أَقْرَبُ اللَّائِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ بُعْدَاهُنَّ‏.‏

بَابُ أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله وَأَقْرَبُ الْعَصَبَةِ الْبَنُونَ ثُمَّ بَنُو الْبَنِينَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَإِنْ كَانَ جَدٌّ شَارَكَهُمْ فِي بَابِ الْجَدِّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ، وَلاَ مِنْ بَنِيهِمْ، وَلاَ بَنَى بَنِيهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا فَالْعَمُّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعُمُومَةِ، وَلاَ بَنِيهِمْ، وَلاَ بَنِي بَنِيهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا فَعَمُّ الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَمُّ الْأَبِ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ وَبَنِي بَنِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَعَمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ عَلَى مَا وَصَفْت فِي عُمُومَةِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَرْفَعُهُمْ بَطْنًا وَكَذَلِكَ نَفْعَلُ فِي الْعَصَبَةِ إذَا وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ سَفَلَ لَمْ يُورَثْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ لَمْ يُورَثْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ، وَإِنْ سَفَلَ لَمْ يُورَثْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ أَبِي جَدِّهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعَصَبَةِ أَقْرَبَ بِأَبٍ فَهُوَ أَوْلَى لِأَبٍ كَانَ أَوْ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَاَلَّذِي لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى فَإِذَا اسْتَوَتْ قَرَابَتُهُمْ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ بِرَحِمٍ يَرِثُ فَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَقْرَبُ عَصَبَةِ مَوْلاَهُ الذُّكُورِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَيْتُ الْمَالِ‏.‏

بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ

قَالَ‏:‏ وَالْجَدُّ لاَ يَرِثُ مَعَ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ الْأَدْنِينَ أَوْ أَحَدًا مِنْ أُمَّهَاتِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَالَتْ الْفَرِيضَةُ إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِمَا مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ صَارَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ كَامِلاً، وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَأُمَّهَاتُ الْأَبِ لاَ يَرِثْنَ مَعَ الْأَبِ، وَيَرِثْنَ مَعَ الْجَدِّ وَكُلُّ جَدٍّ، وَإِنْ عَلاَ فَكَالْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ جَدٌّ دُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي حَجْبِ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ، وَإِنْ بَعُدْنَ فَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّهَاتِهِ، وَإِنْ بَعُدْنَ، وَلاَ يَحْجُبُ أُمَّهَاتِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ اللَّائِي لَمْ يَلِدْنَهُ، وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى قَاسَمَ أَخًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا فَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى زَوْجٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ بَدَأْت بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ ثُمَّ قَاسَمَ الْجَدُّ مَا يَبْقَى أُخْتًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا، وَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَثُرَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى بِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَيْنِ قَاسَمَ أُخْتًا أَوْ أُخْتَيْنِ فَإِنْ زَادُوا فَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَإِنْ زَادَتْ الْفَرَائِضُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَمْ يُقَاسِمْ الْجَدُّ أَخًا، وَلاَ أُخْتًا، وَكَانَ لَهُ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ عَالَتْ الْفَرِيضَةُ فَالسُّدُسُ لِلْجَدِّ‏.‏ وَالْعَوْلُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ يُعَالُ لِأَحَدٍ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ يُعَالُ بِهِ ثُمَّ يَضُمُّ الْجَدُّ سُدُسَهُ إلَى نِصْفِ الْأُخْتِ فَيَقْسِمَانِ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِنِصْفِهَا وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، وَلاَ يَصِيرُ فِي أَيْدِي الَّذِينَ لِلْأَبِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيُصِيبُهَا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَزِدْ مَا زَادَ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَكْثَرُ مَا تَعُولُ بِهِ الْفَرِيضَةُ ثُلُثَاهَا‏.‏

بَابُ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ

قَالَ‏:‏ وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ‏}‏ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ وَرَّثَ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ، وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهُمْ فَقَالَ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا لاَ يَرِثُ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً، وَيَرِثُهُ وَلَدُهُ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنْ الْآبَاءِ حَيْثُ أُتِيَتْ الْمَوَارِيثُ لِلْآبَاءِ مِنْ الْأَبْنَاءِ‏.‏ قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ قَدْ زَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ حُرًّا يَرِثُهُ أَبُوهُ إذَا مَاتَ، وَلاَ يَرِثُ هَذَا النِّصْفَ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ أَبُوهُ فَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْ حَيْثُ وَرِثَ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يُورَثُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثًا مَرِيضًا فِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا تَرِثُهُ وَالْآخَرُ لاَ تَرِثُهُ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ أَنْ لاَ يُورِثَهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَرِثُهَا بِإِجْمَاعٍ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي بِهِ يَتَوَارَثَانِ فَكَذَلِكَ لاَ تَرِثُهُ كَمَا لاَ يَرِثُهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ عِنْدَهُ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُورَثُونَ، وَلاَ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ لاَ يُورَثُونَ‏.‏

بَابُ مِيرَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله قُلْنَا فِي الْمُشْتَرَكَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ سَقَطَ حُكْمُهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَصَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَلْ وَجَدْت الرَّجُلَ مُسْتَعْمَلاً فِي حَالٍ ثُمَّ تَأْتِي حَالَةٌ أُخْرَى فَلاَ يَكُونُ مُسْتَعْمَلاً‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ مَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفْنَا فِيهِ صَاحِبَك مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ، وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا لِنِكَاحِهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلاَثٍ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ طَلْقَةٍ لَمْ تَنْهَدِمْ كَمَا تَنْهَدِمُ الثَّلاَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مَعْنًى فِي إحْلاَلِ الْمَرْأَةِ هَدَمَ الطَّلاَقِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ إذَا كَانَتْ لاَ تَحِلُّ إلَّا بِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَكَانَتْ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِنِكَاحٍ قَبْلَ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فَنَسْتَعْمِلُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ إنَّا لَنَقُولُ بِهَذَا فَهَلْ تَجِدُ مِثْلَهُ فِي الْفَرَائِضِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ الْأَبُ يَمُوتُ ابْنُهُ وَلِلِابْنِ إخْوَةٌ فَلاَ يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَاتِلاً وَرِثُوا، وَلَمْ يَرِثْ الْأَبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ قَدْ زَالَ، وَمَنْ زَالَ حُكْمُهُ فَكَمَنْ لَمْ يَكُنْ‏.‏

بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَقُلْنَا إذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَرِثَتْ أُمُّهُ حَقَّهَا، وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلاَةً، وَلاَءَ عَتَاقَةٍ كَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لاَ وَلاَءَ لَهَا كَانَ مَا بَقِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا بِقَوْلِنَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ إذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لاَ وَلاَءَ لَهَا فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ لاَ تَثْبُتُ وَقَالُوا كَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ كَمَا جَعَلْتُمْ مَوَالِيَهُ مَوَالِيَ أُمِّهِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَمْ نَخْتَلِفْ فِيهِ نَحْنُ، وَلاَ أَنْتُمْ ثُمَّ تَرَكْتُمْ فِيهِ قَوْلَكُمْ أَلَيْسَ الْمَوْلاَةِ الْمُعْتَقَةُ تَلِدُ مِمَّنْ هُوَ مَمْلُوكٌ‏؟‏ أَلَيْسَ وَلَدُهَا تَبَعًا لِوَلاَئِهَا كَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ، وَيَعْقِلُ عَنْهُمْ مُوَالَى أُمِّهِمْ، وَيَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ فِي التَّزْوِيجِ لَهُمْ‏؟‏ قَالُوا نَعَمْ قُلْنَا فَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَتَكُونُ عَصَبَتُهَا عَصَبَةَ وَلَدِهَا يَعْقِلُونَ عَنْهُمْ أَوْ يُزَوِّجُونَ الْبَنَاتِ مِنْهُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لاَ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ فَإِذَا كَانَ مُوَالِي الْأُمِّ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فِي وَلَدِ مَوَالِيهِمْ وَكَانَ الْأَخْوَالُ لاَ يَقُومُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ فِي بَنِي أُخْتِهِمْ فَكَيْفَ أَنْكَرْت مَا قُلْنَا، وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاحِدٌ‏؟‏

بَابُ مِيرَاثِ الْمَجُوسِيِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله إذَا مَاتَ الْمَجُوسِيُّ وَبِنْتُهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ أُمُّهُ نَظَرْنَا إلَى أَعْظَمِ السَّبَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ وَأَلْقَيْنَا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا كَانَتْ أُمٌّ أُخْتًا وَرَّثْنَاهَا بِأَنَّهَا أُمٌّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْأُخْتُ قَدْ تَزُولُ وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ بَعْضُ النَّاسِ أُوَرِّثُهَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَعًا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ وَهِيَ أُمٌّ‏؟‏ قَالَ أَحْجُبُهَا مِنْ الثُّلُثِ بِأَنَّ مَعَهَا أُخْتَيْنِ وَأُوَرِّثُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ أَوْ لَيْسَ إنَّمَا حَجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِهَا لاَ بِنَفْسِهَا‏؟‏

قَالَ‏:‏ بَلَى قُلْنَا وَغَيْرُهَا خِلاَفُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا فَإِذَا نَقَصْتهَا بِنَفْسِهَا فَهَذَا خِلاَفُ مَا نَقَصَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوَرَأَيْتَ مَا إذَا كَانَتْ أُمًّا عَلَى الْكَمَالِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَهَا بِبَعْضِهَا دُونَ الْكَمَالِ‏؟‏ تُعْطِيهَا أُمًّا كَامِلَةً وَأُخْتًا كَامِلَةً وَهُمَا بَدَنَانِ وَهَذَا بَدَنٌ وَاحِدٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَدْ عَطَّلْتَ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى اسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا إلَّا بِخِلاَفِ الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ، لَمْ يَجُزْ إلَّا تَعْطِيلُ أَصْغَرِهِمَا لِأَكْبَرِهِمَا‏.‏

بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ احْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ يُؤَوِّلُ الْآيَةَ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ لَهُمْ الشَّافِعِيُّ لَوْ كَانَ تَأْوِيلُهَا كَمَا زَعَمْتُمْ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهَا‏.‏ قَالُوا فَمَا مَعْنَاهَا‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لاَ مُطْلَقًا أَلاَ تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلاَ رَحِمَ لَهُ أَوْ لاَ تَرَى أَنَّكُمْ تُعْطُونِ ابْنَ الْعَمِّ الْمَالَ كُلَّهُ دُونَ الْخَالِ وَأَعْطَيْتُمْ مَوَالِيَهُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الْأَخْوَالِ فَتَرَكْتُمْ الْأَرْحَامَ وَأَعْطَيْتُمْ مَنْ لاَ رَحِمَ لَهُ‏؟‏

بَابُ الْجَدِّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله إذَا وَرِثَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ قَاسَمَهُمْ مَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْهَا أُعْطِيَهُ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدٍ وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ فُقَهَاءِ الْبُلْدَانِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ لِخِصَالٍ‏.‏ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَالَ‏:‏ ‏{‏مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ‏}‏ فَأَسْمَى الْجَدَّ فِي النَّسَبِ أَبًا، وَلَمْ يُنْقِصْهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ السُّدُسِ وَهَذَا حُكْمُهُمْ لِلْأَبِ وَحَجَبُوا بِالْجَدِّ بَنِي الْأُمِّ، وَهَكَذَا حُكْمُهُمْ فِي الْأَبِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ وَأَحْكَامِ الْأَبِ فِيمَا سِوَاهَا‏؟‏ قُلْنَا إنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِيهَا قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلْجَدِّ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إنَّمَا يَرِثُ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ لَوَرِثَ وَدُونَهُ أَبٌ أَوْ كَانَ قَاتِلاً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا فَالْأُبُوَّةُ تَلْزَمُهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهُ بِالْخَبَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ لاَ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ، وَنَحْنُ لاَ نُنْقِصُ الْجَدَّةَ مِنْ السُّدُسِ أَفَتَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ يَحْجُبُونَ بِهَا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ، وَقَدْ حَجَبْتُمْ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ بِابْنَةِ ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ‏؟‏ أَفَتَحْكُمُونَ لَهَا بِحُكْمِ الْأَبِ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَجْتَمِعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ وَقُلْنَا‏:‏ أَلَيْسَ إنَّمَا يُدْلِي الْجَدُّ بِقَرَابَةِ أَبِ الْمَيِّتِ بِأَنْ يَقُولَ الْجَدُّ‏:‏ أَنَا أَبُو أَبِ الْمَيِّتِ، وَالْأَخُ‏:‏ أَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ فَكِلاَهُمَا يُدْلِي بِقَرَابَةِ أَبِي الْمَيِّتِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ أَبُوهُ الْمَيِّتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ يَكُونُ لِأَخِيهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِجَدِّهِ سُدُسٌ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ الْأَخُ أَوْلَى بِكَثْرَةِ الْمِيرَاثِ مِمَّنْ يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَحْجُبَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْأَبِ الَّذِي يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ بِاَلَّذِي هُوَ أَبْعَدُ‏؟‏ وَلَوْلاَ الْخَبَرُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُعْطَى الْأَخُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَالْجَدُّ سَهْمًا كَمَا وَرَّثْنَاهُمَا حِينَ مَاتَ ابْنُ الْجَدِّ، وَأَبُو الْأَخِ‏.‏

كِتَابُ الْوَصَايَا مِمَّا وَضَعَ الشَّافِعِيُّ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فِيمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ ‏{‏مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ‏}‏ يَحْتَمِلُ مَا الْحَزْمُ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ ‏{‏يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ‏}‏، وَيَحْتَمِلُ مَا الْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْلاَقِ إلَّا هَذَا لاَ مِنْ جِهَةِ الْفَرْضِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلاَ ابْنَ لَهُ غَيْرَهُ فَلَهُ النِّصْفُ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الِابْنُ فَلَهُ الثُّلُثُ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِي فَلَهُ مَعَ الِاثْنَيْنِ الثُّلُثُ، وَمَعَ الثَّلاَثَةِ الرُّبُعُ حَتَّى يَكُونَ كَأَحَدِهِمْ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ رِجَالاً وَنِسَاءً أَعْطَيْته نَصِيبَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ وَابْنَةُ ابْنٍ أَعْطَيْته سُدُسًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِي‏:‏ أَعْطَيْتُهُ مِثْلَ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا وَلَوْ قَالَ‏:‏ ضِعْفَ مَا يُصِيبُ أَحَدُ وَلَدِي أَعْطَيْتُهُ مِثْلَهُ مَرَّتَيْنِ‏.‏ وَإِنْ قَالَ‏:‏ ضِعْفَيْنِ فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِائَةً أَعْطَيْته ثَلاَثَمِائَةٍ فَكُنْت قَدْ أَضْعَفْت الْمِائَةَ الَّتِي تُصِيبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِفُلاَنٍ نَصِيبٌ أَوْ حَظٌّ أَوْ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ مِنْ مَالِي مَا عَرَفْت لِكَثِيرٍ حَدًّا وَوَجَدْت رُبُعَ دِينَارٍ قَلِيلاً تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ، وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ كَثِيرًا فِيهَا زَكَاةٌ وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمٌ قَلِيلٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمٌ كَثِيرٍ، وَقِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا قَالَ الْمَيِّتُ‏.‏

وَلَوْ‏:‏ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قَسْمَ الثُّلُثِ عَلَى الْحِصَصِ، وَإِنْ أَجَازُوا قُسِمَ الْمَالُ عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ حَتَّى يَكُونُوا سَوَاءً فِي الْعَوْلِ‏.‏ وَلَوْ أَوْصَى بِغُلاَمِهِ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَبِدَارِهِ لِآخَرَ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا وَبِخَمْسِمِائَةٍ لِآخَرَ وَالثُّلُثُ أَلْفٌ دَخَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَوْلُ نِصْفٍ وَكَانَ لِلَّذِي لَهُ الْغُلاَمُ نِصْفُهُ وَلِلَّذِي لَهُ الدَّارُ نِصْفُهَا وَلِلَّذِي لَهُ خَمْسُمِائَةٍ نِصْفُهَا‏.‏

وَلَوْ‏:‏ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يُجِيزُوا فَلِلْأَجْنَبِيِّ النِّصْفُ، وَيَسْقُطُ الْوَارِثُ‏.‏

وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمَا فِي الْبَطْنِ وَبِمَا فِي الْبَطْنِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ خَرَجُوا عَدَدًا ذُكْرَانًا، وَإِنَاثًا فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ، وَهُمْ لِمَنْ أَوْصَى بِهِمْ لَهُ‏.‏

وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ بِثَمَرِ بُسْتَانِهِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهُ جَازَ ذَلِكَ‏.‏ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجِيزُوهُ بَعْدَ مَوْتِهِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي أُعْطِيَ مَا شَاءَ الْوَارِثُ مَعِيبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعِيبٍ وَلَوْ هَلَكَتْ إلَّا رَأْسًا كَانَ لَهُ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ‏.‏

وَلَوْ‏:‏ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ أَوْ اشْتَرُوهَا لَهُ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً ضَائِنَةٌ أَوْ مَاعِزَةً‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ بَعِيرًا أَوْ ثَوْرًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ نَاقَةً، وَلاَ بَقَرَةً وَلَوْ قَالَ عَشْرُ أَيْنُقُ أَوْ عَشْرُ بَقَرَاتٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ ذَكَرًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةُ أَجْمَالٍ أَوْ أَثْوَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ أُنْثَى فَإِنْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةٌ مِنْ إبِلِي أَعْطُوهُ مَا شَاءُوا‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَعْطُوهُ دَابَّةً مِنْ مَالِي فَمِنْ الْخَيْلِ أَوْ الْبِغَالِ أَوْ الْحَمِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَعْجَفَ أَوْ سَمِينًا‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْطُوهُ كَلْبًا مِنْ كِلاَبِي أَعْطَاهُ الْوَارِثُ أَيَّهَا شَاءَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْطُوهُ طَبْلاً مِنْ طُبُولِي وَلَهُ طَبْلاَنِ لِلْحَرْبِ وَاللَّهْوِ أَعْطَاهُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الَّذِي لِلَّهْوِ إلَّا لِلضَّرْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ إلَّا الَّذِي لِلْحَرْبِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ عُودًا مِنْ عِيدَانِي وَلَهُ عِيدَانٌ يُضْرَبُ بِهَا وَعِيدَانُ قَسِّيٍّ وَعَصَى فَالْعُودُ الَّذِي يُوَاجَهُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ هُوَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ فَإِنْ صَلُحَ لِغَيْرِ الضَّرْبِ جَازَ بِلاَ وَتَرٍ وَهَكَذَا الْمَزَامِيرُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ عُودًا مِنْ الْقَسِّيِّ لَمْ يُعْطَ قَوْسَ نَدَّافٍ، وَلاَ جلاهق وَأُعْطِيَ مَعْمُولَةً أَيْ قَوْسَ نَبْلٍ أَوْ نُشَّابٍ أَوْ حُسْبَانٍ وَتُجْعَلُ وَصِيَّتُهُ فِي الرِّقَابِ فِي الْمُكَاتِبِينَ، وَلاَ يُبْتَدَأُ مِنْهُ عِتْقٌ، وَلاَ يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ رِقَابٍ فَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ حِصَّةَ مَنْ تَرَكَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَلاَثَ رِقَابٍ وَبَلَغَ أَقَلَّ رَقَبَتَيْنِ يَجِدُهُمَا ثَمَنًا، وَفَضَلَ فَضْلٌ جَعَلَ الرَّقَبَتَيْنِ أَكْثَرَ ثَمَنًا حَتَّى يُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ، وَلاَ يُفَضِّلُ شَيْئًا لاَ يَبْلُغُ قِيمَةَ رَقَبَةٍ وَيُجْزِئُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا‏.‏

وَلَوْ أَوْصَى‏:‏ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ فَإِنْ بَلَغَ ثُلُثُهُ حَجَّةً مِنْ بَلَدِهِ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي رَجُلاً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَعْطُوا مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فُلاَنًا وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَلِلْحَاجِّ وَالْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَيَحُجُّ عَنْهُ رَجُلٌ بِمِائَةٍ‏.‏

وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِزَوْجِهَا وَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى وَضَعَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْلاَدًا فَإِنْ قَبِلَ عَتَقُوا، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ بَعْدَ قَبُولِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَطْءُ نِكَاحٍ، وَوَطْءُ الْقَبُولِ وَطْءُ مِلْكٍ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ أَوْ يَرُدَّ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ قَبِلُوا فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَمَةً لِأَبِيهِمْ، وَأَوْلاَدُ أَبِيهِمْ الَّذِينَ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَحْرَارٌ وَأُمُّهُمْ مَمْلُوكَةٌ، وَإِنْ رُدُّوا كَانُوا مَمَالِيكَ وَكَرِهْتُ مَا فَعَلُوا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ لَوْ مَاتَ أَبُوهُمْ قَبْلَ الْمِلْكِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكُوا عَنْهُ مَا لَمْ يَمْلِكْ، وَمِنْ قَوْلِهِ أَهَلَّ شَوَّالٌ ثُمَّ قَبِلَ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ مُتَقَدِّمٌ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا لاَ يَمْلِكُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ، وَمَاتَ ثُمَّ وَهَبَ لِلْجَارِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَهِيَ تَسْوَى مِائَةَ دِينَارٍ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ وَوَلَدَتْ ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَالْجَارِيَةُ لَهُ، وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا وَهَبَ لَهَا وَوَلَدُهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا، وَمَا وَهَبَ لَهَا مِنْ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ رَدَّهَا فَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى الْمَيِّتِ وَلَدُ وَلَدِهَا، وَمَا وُهِبَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَمْلِكُهُ حَادِثًا بِقَبُولِ الْوَصِيَّةِ‏.‏ وَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ لاَ نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَيْسَ بِمِلْكٍ حَادِثٍ، وَقَدْ قِيلَ تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ وَلَدِهَا وَثُلُثُ مَا وُهِبَ لَهَا قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ وَلَدِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَكُونُ لَهُ ثُلُثَا الْجَارِيَةِ وَثُلُثَا وَلَدِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا وَوَلَدُهَا عَلَى قَبُولِ مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَقَدْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي إذْ الْمِلْكُ مُتَقَدِّمٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَامَ الْوَارِثُ فِي الْقَبُولِ مَقَامَ أَبِيهِ فَالْجَارِيَةُ لَهُ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ وَوَلَدُهَا، وَمَا وُهِبَ لَهَا مِلْكٌ حَادِثٌ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَيَنْبَغِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَيْفَ تَكُونُ أَوْلاَدُهَا بِقَبُولِ الْوَارِثِ أَحْرَارًا عَلَى أَبِيهِمْ، وَلاَ تَكُونُ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَبِيهِمْ وَهُوَ يُجِيزُ أَنْ يَمْلِكَ الْأَخُ أَخَاهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَوْ كَانَ مِلْكًا حَادِثًا لِوَلَدِ الْمَيِّتِ لَكَانُوا لَهُ مَمَالِيكَ، وَقَدْ قَطَعَ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْت فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَتَفَهَّمْهُ كَذَلِكَ تَجِدْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهُ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي إنْ احْتَمَلَهُ ثُلُثُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْمَسَاكِينِ نُظِرَ إلَى مَالِهِ فَقُسِمَ ثُلُثُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِغَازِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمْ الَّذِينَ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ مَالُهُ‏.‏

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ فَقَبِلَ أَوْ رَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لَهُ قَبُولُهُ وَرَدُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ كَانَتْ لَهُ، وَمَا ثَبَتَ فِيهَا مِنْ أَبْوَابِهَا وَغَيْرِهَا دُونَ مَا فِيهَا، وَلَوْ انْهَدَمَتْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي كَانَتْ لَهُ إلَّا مَا انْهَدَمَ مِنْهَا فَصَارَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِيهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي الْإِمْلاَءِ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ ثَلاَثٌ حَجٌّ يُؤَدَّى، وَمَالٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ أَوْ دَيْنٌ يُقْضَى، وَدُعَاءٌ أَجَازَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَنَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الدُّعَاءِ وَأَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام فَإِذَا جَازَ لَهُ الْحَجُّ حَيًّا جَازَ لَهُ مَيِّتًا وَكَذَلِكَ مَا تُطَوِّعَ بِهِ عَنْهُ مِنْ صَدَقَةٍ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي كِتَابٍ آخَرَ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَنْ لاَ يُحْصَى بِثُلُثِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ‏.‏

الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِقَرَابَتِي أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِي أَوْ لِأَرْحَامِي فَسَوَاءٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَقْرَبُهُمْ وَأَبْعَدُهُمْ وَأَغْنَاهُمْ وَأَفْقَرُهُمْ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ كَمَا أُعْطِيَ مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِاسْمِ الْحُضُورِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُعْطِيَ بِقَرَابَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَيُنْظَرُ إلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيُقَالُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ثُمَّ يُقَالُ، وَقَدْ تَفْتَرِقُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَمِنْ أَيِّهِمْ‏؟‏ قِيلَ مِنْ بَنِي عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلاَءِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ هُمْ قَبَائِلُ فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيِّهِمْ‏؟‏ قِيلَ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلاَءِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ بَنُو السَّائِبِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلاَءِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ بَنُو شَافِعٍ وَبَنُو عَلِيٍّ وَبَنُو عَبَّاسٍ أَوْ عَيَّاشٌ شَكَّ الْمُزَنِيّ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ بَنُو السَّائِبِ فَإِنْ قِيلَ أَيَتَمَيَّزُ هَؤُلاَءِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ كُلُّ بَطْنٍ مِنْ هَؤُلاَءِ يَتَمَيَّزُ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِذَا كَانَ مِنْ آلِ شَافِعٍ قِيلَ لِقَرَابَتِهِ هُمْ آلُ شَافِعٍ دُونَ آلِ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ مُتَمَيِّزٌ ظَاهِرٌ وَلَوْ قَالَ لِأَقْرَبِهِمْ بِي رَحِمًا أُعْطِيَ أَقْرَبُهُمْ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ سَوَاءٌ وَأَيُّهُمْ جَمَعَ قَرَابَةَ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَانَ أَقْرَبَ مِمَّنْ انْفَرَدَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ فَإِنْ كَانَ أَخٌ وَجَدٌّ كَانَ لِلْأَخِ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ أَوْلَى بِوَلاَءِ الْمُوَالَى‏.‏

بَابُ مَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلاَنٍ أَوْ قَدْ أَوْصَيْت بِاَلَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلاَنٍ لِفُلاَنٍ كَانَ هَذَا رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ‏.‏ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ هَذَا رُجُوعًا وَلَوْ أَجَّرَهُ أَوْ عَلَّمَهُ أَوْ زَوَّجَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ قَمْحًا فَخَلَطَهُ بِقَمْحٍ أَوْ طَحَنَهُ دَقِيقًا أَوْ دَقِيقًا فَصَيَّرَهُ عَجِينًا كَانَ أَيْضًا رُجُوعًا وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَكِيلَةِ حِنْطَةٍ مِمَّا فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَكَانَتْ لَهُ الْمَكِيلَةُ بِحَالِهَا‏.‏

بَابُ الْمَرَضِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ، وَلاَ تَجُوزُ وَالْمَخُوفُ غَيْرُ الْمَرَضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله كُلُّ مَرَضٍ كَانَ الْأَغْلَبُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ عَلَيْهِ فَعَطِيَّتُهُ إنْ مَاتَ فِي حُكْمِ الْوَصَايَا، وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَمِنْ الْمَخُوفِ مِنْهُ إذَا كَانَتْ حُمَّى بَدَأَتْ بِصَاحِبِهَا ثُمَّ إذَا تَطَاوَلَتْ فَهُوَ مَخُوفٌ إلَّا الرِّبْعَ فَإِنَّهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ بِصَاحِبِهَا رِبْعًا فَغَيْرُ مَخُوفَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَجَعٌ كَانَ مَخُوفًا، وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِرْسَامِ أَوْ الرُّعَافِ الدَّائِمِ أَوْ ذَاتُ الْجَنْبِ أَوْ الْخَاصِرَةِ أَوْ الْقُولَنْجِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِنْ سَهُلَ بَطْنُهُ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ وَتَأْتِي مِنْهُ الدَّمُ عِنْدَ الْخَلاَءِ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ حَتَّى يُعَجِّلَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ النَّوْمَ أَوْ يَكُونَ الْبَطْنُ مُتَحَرِّقًا فَهُوَ مَخُوفٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّقًا، وَمَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ تَقْطِيعٌ فَهُوَ مَخُوفٌ‏.‏ وَإِذَا أَشْكَلَ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الْبَصَرِ، وَمَنْ سَاوَرَهُ الدَّمُ حَتَّى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ أَوْ الْمِرَارُ أَوْ الْبَلْغَمُ كَانَ مَخُوفًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ فَالِجٌ فَالْأَغْلَبُ إذَا تَطَاوَلَ بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ، وَالسُّلُّ غَيْرُ مَخُوفٍ، وَالطَّاعُونُ مَخُوفٌ حَتَّى يَذْهَبَ، وَمَنْ أَنْفَدَتْهُ الْجِرَاحُ فَمَخُوفٌ فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى مَقْتَلٍ، وَلَمْ تَكُنْ فِي مَوْضِعِ لَحْمٍ، وَلَمْ يَغْلِبْهُ لَهَا وَجَعٌ، وَلاَ ضَرَبَانٌ، وَلَمْ يَأْتَكِلْ، وَيَرْمِ فَغَيْرُ مَخُوفٍ، وَإِذَا الْتَحَمَتْ الْحَرْبُ فَمَخُوفٌ فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِي مُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى فَمَخُوفٌ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي الْإِمْلاَءِ إذَا قَدِمَ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ غَيْرُ مَخُوفٍ مَا لَمْ يَجْرَحُوا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكُوا فَيَحْيَوْا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَمِنْ كُلِّ مَرَضٍ مَخُوفٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا ضَرَبَ الْحَامِلَ الطَّلْقُ فَهُوَ مَخُوفٌ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّلَفِ وَأَشَدُّ وَجَعًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ الْأَوْصِيَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا إلَى بَالِغٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ عَدْلٍ أَوْ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أُخْرِجَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ يَدِهِ وَضُمَّ إلَيْهِ إذَا كَانَ ضَعِيفًا أَمِينٌ مَعَهُ فَإِنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ ثِقَةٍ فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى غَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ‏.‏ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَغَيَّرَ أُبْدِلَ مَكَانُهُ آخَرَ فَإِنْ اخْتَلَفَا قُسِمَ بَيْنَهُمَا مَا كَانَ يَنْقَسِمُ وَجُعِلَ فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ وَأُمِرَا بِالِاحْتِفَاظِ بِمَا لاَ يَنْقَسِمُ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَرْضَ الْمُوصَى إلَيْهِ الْآخَرَ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَإِنْ حَدَثَ بِوَصِيٍّ حَدَثٌ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إلَى مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِمَالِ غَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى‏:‏ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت إلَيْك بِتَرِكَةِ فُلاَنٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله وَقَوْلُ هَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ وِلاَيَةَ لِلْوَصِيِّ فِي إنْكَاحِ بَنَاتِ الْمَيِّتِ‏.‏

مَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَيُخْرِجُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ كُلُّ مَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَجِنَايَتِهِ، وَمَا لاَ غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ، وَلَمْ يَرْشُدْ زَوَّجَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ، وَمِثْلُهُ يُخْدَمُ اشْتَرَى لَهُ، وَلاَ يَجْمَعُ لَهُ امْرَأَتَيْنِ، وَلاَ جَارِيَتَيْنِ لِلْوَطْءِ، وَإِنْ اتَّسَعَ مَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ ضِيقَ فِي جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ فَإِنْ أَكْثَرَ الطَّلاَقَ لَمْ يُزَوَّجْ وَسَرَّى وَالْعِتْقُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله هَذَا آخِرُ مَا وَصَفْت مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا سَمِعَهُ مِنْهُ وَسَمِعْته يَقُولُ لَوْ قَالَ أَعْطُوهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ دَنَانِيرِي أُعْطِيَ دِينَارَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ دَنَانِيرِي أَعْطَوْهُ مَا شَاءُوا اثْنَيْنِ‏.‏

كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَاذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ وَدِيعَةً فَأَرَادَ سَفَرًا فَلَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ فَسَافَرَ بِهَا بَرًّا أَوْ بَحْرًا ضَمِنَ، وَإِنْ دَفَنَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا يَأْتَمِنُهُ عَلَى مَالِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَإِذَا أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عِنْدَ سَفَرِهِ ضَمِنَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَأَوْدَعَهَا أَمِينًا يُودِعُهُ مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِخُرُوجِهِ بِالتَّعَدِّي مِنْ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ أَوْدَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَ مِنْهَا دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ فِيهَا وَلَوْ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ أَوْدَعَهُ وَأَمَرَهُ بِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا فَأَمَرَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا فِي دَارِهِ كَمَا يَفْعَلُ بِدَوَابِّهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ بَعَثَهَا إلَى غَيْرِ دَارِهِ وَهِيَ تُسْقَى فِي دَارِهِ ضَمِنَ‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِعَلَفِهَا، وَلاَ بِسَقْيِهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ فَحَبَسَهَا مُدَّةً إذَا أَتَتْ عَلَى مِثْلِهَا لَمْ تَأْكُلْ، وَلَمْ تَشْرَبْ هَلَكَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ حَتَّى يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ مِنْهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا، وَيَكُونَ دَيْنًا عَلَى رَبِّهَا أَوْ يَبِيعَهَا فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَوْ أَوْصَى الْمُودِعُ إلَى أَمِينٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ فَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ قَرْيَةٍ آهِلَةٍ إلَى غَيْرِ آهِلَة ضَمِنَ‏.‏ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُخْرِجَهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ضَمِنَ فَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى حِرْزٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ أَخْرَجْتُهَا لَمَّا غَشِيَتْنِي النَّارُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ نَارٌ أَوْ أَثَرٌ يَدُلُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَى فُلاَنٍ بِأَمْرِك‏:‏ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ، وَلَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَلَوْ حَوَّلَهَا مِنْ خَرِيطَةٍ إلَى أَحْرَزَ أَوْ مِثْلِ حِرْزِهَا لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَهَا ضَمِنَ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى أَخْذِهَا‏:‏ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يَرْقُدَ عَلَى صُنْدُوقٍ هِيَ فِيهِ فَرَقَدَ عَلَيْهِ كَانَ قَدْ زَادَهُ حِرْزًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْت اسْتَوْدَعْتَنِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيَدُهُ أَحْرَزُ، وَإِذَا هَلَكَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِرَبِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مِثْلَ دَنَانِيرَ أَوْ مَا لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَاصَّ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلاَنِ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ فَقَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا، وَلاَ أَدْرِي أَيَّكُمَا هُوَ قِيلَ لَهُمَا هَلْ تَدَّعِيَانِ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا بِعَيْنِهِ‏؟‏ فَإِنْ قَالاَ لاَ أُحْلِفَ الْمُودَعُ بِاَللَّهِ مَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ، وَوَقَفَ ذَلِكَ لَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ أَوْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً وَأَيُّهُمَا حَلَفَ مَعَ نُكُولِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ‏.‏

مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَصْلُ مَا يَقُومُ بِهِ الْوُلاَةُ مِنْ جُمَلِ الْمَالِ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ تَطْهِيرًا لَهُ فَذَلِكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لاَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ كِلاَهُمَا مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ‏.‏ فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ هُوَ الْفَيْءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ ثُمَّ تَفْتَرِقُ الْأَحْكَامُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي فِعْلِهِ فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُرًى عَرَبِيَّةٍ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فَوَلَّيْتكُمَاهَا عَلَى أَنْ تَعْمَلاَ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حَكَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ أَمْضَيَا مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَيْءِ مَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُمَا فِيهِ أُسْوَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ سِيرَتُهُمَا وَسِيرَةُ مَنْ بَعْدَهُمَا، وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ‏:‏ إنَّ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِمْ، وَلاَ خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِيمَا فِيهِ صَلاَحٌ لِلْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ يَقْتَسِمَنَّ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ‏}‏ قَالَ فَمَا صَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَيْءٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ فَخُمُسُهُ حَيْثُ قَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ وَكَذَلِكَ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ مِنْ جِزْيَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ أَرْضِهِمْ أَوْ أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ، لاَ وَارِثَ لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ الْوُلاَةُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَالْخُمُسُ فِيهِ ثَابِتٌ عَلَى مَنْ قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى فِي كِتَابِ اللَّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْفَيْءُ وَفُتِحَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فُتُوحٌ مِنْ قُرًى عَرَبِيَّةٍ وَعَدَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ قَبْلَ فَتْحِهَا فَأَمْضَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَمَّاهَا اللَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَحْبِسْ مِنْهَا مَا حَبَسَ مِنْ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً يُرِيدُ مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ خُمُسَ ذَلِكَ كَخُمُسِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ لِأَهْلِهِ وَجُمْلَةُ الْفَيْءِ مَا رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ مِنْ مَالِ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ‏.‏

بَابُ الْأَنْفَالِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ‏.‏ ‏{‏قَالَ أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ قَالَ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْته عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ فَقَالَ مَا بَالُ النَّاسِ‏؟‏ قُلْت أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي‏؟‏ ثُمَّ جَلَسْت يَقُولُ وَأَقُولُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَالَك يَا أَبَا قَتَادَةَ‏؟‏ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ‏.‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لاَهَا اللَّهِ إذًا لاَ يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ وَابْتَعْت بِهِ مَخْرَقًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لاََوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلاَمِ‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّ شِبْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ بَارَزْت رَجُلاً يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله الَّذِي لاَ أَشُكُّ فِيهِ أَنْ يُعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلاً مُقَاتِلاً مِنْ أَيِّ جِهَةٍ قَتَلَهُ مُبَارِزًا أَوْ غَيْرَ مُبَارِزٍ، وَقَدْ ‏{‏أَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَلَبَ مَرْحَبٍ مَنْ قَتَلَهُ مُبَارِزًا‏}‏ وَأَبُو قَتَادَةَ غَيْرُ مُبَارِزٍ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولِينَ مُقْبِلاَنِ وَلِقَتْلِهِمَا مُقْبِلِينَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ مُؤْنَةٌ لَيْسَتْ لَهُ إذَا انْهَزَمُوا أَوْ انْهَزَمَ الْمَقْتُولُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ‏}‏ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ مَا قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الرَّجُلَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ حُكْمٌ عِنْدَنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَدَّ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ فَإِنَّ سَلَبَهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَقَتَلَهُ آخَرُ كَانَ سَلَبُهُ لِلْآخَرِ وَلَوْ قَتَلَهُ اثْنَانِ كَانَ سَلَبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ يَكُونُ عَلَيْهِ وَسِلاَحُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إنْ كَانَ رَاكِبَهُ أَوْ مُمْسِكَهُ وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ يَدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَالنَّفَلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ‏{‏نَفْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَنِيمَةٍ قِبَلَ نَجْدٍ بَعِيرًا بَعِيرًا‏}‏ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ كَانُوا يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله نَفَّلَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُمُسِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بِسَائِرِ مَالِهِ فِيمَا فِيهِ صَلاَحُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا سِوَى سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ إذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُ وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُنَفِّلُ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّفْلِ فِي الْبُدَاءَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثُ فِي وَاحِدَةٍ وَالرُّبُعُ فِي الْأُخْرَى وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ ‏{‏أَنَّهُ نَفَّلَ نِصْفَ السُّدُسِ‏}‏ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْلِ حَدٌّ لاَ يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ وَلَكِنْ عَلَى الِاجْتِهَادِ‏.‏

بَابُ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ شَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قُسِّمَ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ، فَالْإِمَامُ فِيهِمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَمُنَّ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ يُفَادِيَ أَوْ يَسْبِيَ وَسَبِيلُ مَا سُبِيَ أَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ شَيْءٍ عَلَى إطْلاَقِهِمْ سَبِيلَ الْغَنِيمَةِ ‏{‏وَفَادَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ‏}‏، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ مَا حَصَلَ بَعْدَمَا وَصَفْنَا كَامِلاً، وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِهَا ثُمَّ يَحْسِبَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ، وَيَرْضَخَ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنِّسَاءِ فَيُنَفِّلَهُمْ شَيْئًا لِحُضُورِهِمْ، وَيَرْضَخَ لِمَنْ قَاتَلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الْجَمِيعِ ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفَرَسَانِ وَالرَّجَّالَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ كَمَا ‏{‏ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا‏}‏ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْفَرَسُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ؛ لِمَا تَكَلَّفَ مِنْ اتِّخَاذِهِ؛ وَاحْتَمَلَ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَنَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى اتِّخَاذِهِ لِعَدُوِّهِ، وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يُعْطَ إلَّا لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَلْقَى إلَّا بِوَاحِدٍ وَلَوْ أَسْهَمَ لِاثْنَيْنِ لاََسْهَمَ لِأَكْثَرَ، وَلاَ يُسْهِمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ دَابَّةِ الْخَيْلِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلاَ يُدْخِلُ إلَّا شَدِيدًا، وَلاَ يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلاَ قَمْحًا ضَعِيفًا، وَلاَ ضَرْعًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ رحمه الله الْقَحْمُ الْكَبِيرُ وَالضَّرْعُ الصَّغِيرُ، وَلاَ أَعْجَفَ رَازِحًا، وَإِنْ أُغْفِلَ فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ لاَ يُسْهِمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُغْنِي غَنَاءَ الْخَيْلِ الَّتِي يُسْهَمُ لَهَا، وَلاَ أَعْلَمُهُ أَسْهَمَ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَإِنَّمَا يُسْهِمُ لِلْفَرَسِ إذَا حَضَرَ صَاحِبُهُ شَيْئًا مِنْ الْحَرْبِ فَارِسًا فَأَمَّا إذَا كَانَ فَارِسًا إذَا دَخَلَ بِلاَدَ الْعَدُوِّ ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ كَانَ فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَجَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَلاَ يُضْرَبُ لَهُ‏.‏ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثُبِتَ فِي الدِّيوَانِ حِينَ دَخَلَ لَكَانَ صَاحِبُهُ إذَا دَخَلَ ثُبِتَ فِي الدِّيوَانِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ أَحَقَّ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ‏.‏ وَلَوْ دَخَلَ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَمَرِضَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ أَسْهَمَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ وَتُطْرَحَ الْإِجَارَةُ، وَلاَ يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ يُرْضَخُ لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَفْلَتَ إلَيْهِمْ أَسِيرٌ قَبْلَ تَحَرُّزِ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ لاَ يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلَ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ لَهُ‏.‏ وَلَوْ دَخَلَ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْهَمَ لَهُمْ وَقِيلَ لاَ يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَوْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ فَحَضَرُوا مِنْهَا شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ شَرَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْحَرْبُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لَمْ يُشْرِكُوهُمْ وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنْدَهُ فِي وَجْهَيْنِ فَغَنِمَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَوْ غَنِمَ الْعَسْكَرُ، وَلَمْ تَغْنَمْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا شَرَكُوهُمْ؛ لاََنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهُمْ رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ ‏{‏قَدْ مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمُوا بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَكْثَرُ الْعَسَاكِرِ بِحُنَيْنٍ فَشَرِكُوهُمْ وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏}‏ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلاَدِهِمْ فَخَرَجَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَغَنِمُوا لَمْ يُشْرِكُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْهُمْ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ السَّرَايَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ فَلاَ يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا بَعَثَ جَيْشَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِدٌ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ نَاحِيَةً غَيْرَ نَاحِيَةِ صَاحِبِهِ مِنْ بِلاَدِ عَدُوِّهِمْ فَغَنِمَ أَحَدُ الْجَيْشَيْنِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَغَنِمُوا مُجْتَمَعِينَ فَهُمْ كَجَيْشٍ وَاحِدٍ‏.‏

بَابُ تَفْرِيقِ الْخُمُسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ‏}‏ الآيَةَ‏.‏، وَرُوِيَ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَسَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه فَقُلْنَا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لاَ نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، أَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ‏}‏ وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ بَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيُعْطِي سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا، وَلاَ يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ حَضَرَ الْقِتَالَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا سَهْمُهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ وَلاَ فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ وَيُعْطِي الرَّجُلَ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةَ سَهْمًا؛ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَقَدْ أَعْطَى صلى الله عليه وسلم بَعْضَهُمْ مِائَةَ وَسْقٍ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ ذَا وَلَدٍ فَإِذَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ غَيْرِهِ فَقَطْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالدَّلاَلَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا حَكَيْت مِنْ التَّسْوِيَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَقِيت مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ أُعْطُوا وَإِنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَيُفَرِّقُ ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ عَلَى مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ يُحْصُونَ ثُمَّ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمُهُ لاَ يُعْطَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سَهْمُ صَاحِبِهِ فَقَدْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي- فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا فِي سَهْمِهِ فَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ‏:‏ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهُ؛ لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَنْ سُمِّيَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ رُدَّ عَلَى مَنْ سُمِّيَ مَعَهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ يَحْسُنُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ يَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ رَأَى عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ يَضَعُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ أَمْرٍ حَصُنَ بِهِ الْإِسْلاَمُ وَأَهْلُهُ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ أَوْ إعْدَادِ كُرَاعٍ أَوْ سِلاَحٍ أَوْ إعْطَاءِ أَهْلِ الْبَلاَءِ فِي الْإِسْلاَمِ نَفْلاً عِنْدَ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْحَرْبِ إعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ فِي تَعْزِيرِ الْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَنَفَلَ فِي الْحَرْبِ وَأَعْطَى عَامَ حُنَيْنٍ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلُ حَاجَةٍ وَفَضْلٍ وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَنَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ سَهْمِهِ‏.‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ رَوَى حَدِيثًا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ‏:‏ لَقِيت عَلِيًّا رضي الله عنه فَقُلْت لَهُ‏:‏ بِأَبِي وَأُمِّي مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الْخُمُسِ‏؟‏ فَقَالَ عَلِيٌّ أَمَّا أَبُو بَكْرٍ رحمه الله فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ وَمَا كَانَ فَقَدْ أَوْفَانَاهُ، وَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَاهُ حَتَّى جَاءَهُ مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ أَوْ قَالَ‏:‏ مَالُ فَارِسَ‏.‏ الشَّافِعِيُّ يَشُكُّ ‏.‏ وَقَالَ عُمَرُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ‏:‏ إنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ خَلَّةً فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ فَجَعَلْنَاهُ فِي خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَأْتِيَنَا مَالٌ فَأُوفِيَكُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لاَ تُطْمِعْهُ فِي حَقِّنَا، فَقُلْت‏:‏ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَلَسْنَا مِنْ أَحَقِّ مَنْ أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ فَتَوَفَّى عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فيقضيناه‏.‏ وَقَالَ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ أَوْ الْآخَرِ‏:‏ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لَكُمْ حَقًّا وَلاَ يَبْلُغُ عِلْمِي إذْ كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَرَى لَكُمْ فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إلَّا كُلُّهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله لِلْمُنَازِعِ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى‏:‏ أَلَيْسَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُبَيَّنًا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ فَعَلَهُ أَنَّ عَلَيْهِمْ قَبُولَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ سَهْمُهُمْ فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ الثِّقَةِ لاَ مُعَارِضَ لَهُ فِي إعْطَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَنِيًّا لاَ دِينَ عَلَيْهِ فِي إعْطَائِهِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي كَثْرَةِ مَالِهِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِالْقَرَابَةِ لاَ بِالْحَاجَةِ كَمَا أَعْطَى الْغَنِيمَةَ مَنْ حَضَرَهَا لاَ بِالْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَحَقَّ الْمِيرَاثَ بِالْقَرَابَةِ لاَ بِالْحَاجَةِ‏.‏ وَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُرِيدَ إبْطَالَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ‏:‏ هِيَ بِخِلاَفِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لَهُ ثُمَّ تَجِدُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَنْصُوصًا فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَهُمَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَرُدُّهُ‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ فَأَثْبَتَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى وَأَسْقَطَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ مَا حُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْك‏.‏

تَفْرِيقُ مَا أَخَذَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ غَيْرِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ مَنْ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مَنْ قَدْ احْتَلَمَ أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً مِنْ الرِّجَالِ وَيُحْصِيَ الذُّرِّيَّةَ وَهُمْ مَنْ دُونَ الْمُحْتَلِمِ وَدُونَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَالنِّسَاءُ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَيَعْرِفُ قَدْرَ نَفَقَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَاتِهِمْ بِقَدْرِ مَعَاشِ مِثْلِهِمْ فِي بُلْدَانِهِمْ، ثُمَّ يُعْطِي الْمُقَاتِلَةَ فِي كُلِّ عَامٍ عَطَاءَهُمْ وَالذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ مَا يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ فِي كُسْوَتِهِمْ وَنَفَقَاتِهِمْ طَعَامًا أَوْ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يُعْطِي الْمَنْفُوسَ شَيْئًا ثُمَّ يُزَادُ كُلَّمَا كَبِرَ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِ وَهَذَا يَسْتَوِي؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ الْكِفَايَةَ وَيُخْتَلَفُ فِي مَبْلَغِ الْعَطَاءِ بِاخْتِلاَفِ أَسْعَارِ الْبُلْدَانِ وَحَالاَتِ النَّاسِ فِيهَا، فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَثْقَلُ مِنْهَا فِي بَعْضٍ وَلاَ أَعْلَمُ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَطَاءَ لِلْمُقَاتِلَةِ حَيْثُ كَانَتْ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْفَيْءِ وَقَالُوا‏:‏ لاَ بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَلَغَ فِي الْعَطَاءِ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ كِفَايَةِ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ خَمْسَةُ آلاَفٍ بِالْمَدِينَةِ وَيَغْزُو إذَا غُزِيَ وَلَسْت بِأَكْثَرَ مِنْ الْكِفَايَةِ إذَا غَزَا عَلَيْهَا لِبُعْدِ الْمَغْزَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا كَالْكِفَايَةِ عَلَى أَنَّهُ يَغْزُو، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ فِي كُلِّ سَنَةٍ‏.‏

قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته فِي أَنْ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ، وَلاَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ أُسَوِّي بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه حِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ أَتَجْعَلُ لِلَّذِينَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ كَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلاَمِ كُرْهًا‏؟‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلاَغٌ وَسَوَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يُفَضِّلْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت اللَّهَ تَعَالَى قَسَّمَ الْمَوَارِيثَ عَلَى الْعَدَدِ فَسَوَّى فَقَدْ تَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِي الْغَنَاءِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الصِّلَةِ فِي الْحَيَاةِ وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْعَدَدِ فَسَوَّى وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِي غَايَةَ الْغَنَاءِ وَيَكُونُ الْفُتُوحُ عَلَى يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرَ نَافِعٍ وَإِمَّا ضَارًّا بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ فَلَمَّا وَجَدْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عَلَى التَّسْوِيَةِ كَمَا وَصَفْت كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى النَّسَبِ أَوْ السَّابِقَةِ، وَلَوْ وُجِدَتْ الدَّلاَلَةُ عَلَى التَّفْضِيلِ أَرْجَحَ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ كُنْت إلَى التَّفْضِيلِ بِالدَّلاَلَةِ مَعَ الْهَوَى أَسْرَعَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا قَرِبَ الْقَوْمُ مِنْ الْجِهَادِ وَرَخُصَتْ أَسْعَارُهُمْ أُعْطُوا أَقَلَّ مَا يُعْطَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَغَلاَ سِعْرُهُ وَهَذَا، وَإِنْ تَفَاضَلَ عَدَدُ الْعَطِيَّةِ تَسْوِيَةً عَلَى مَعْنَى مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْجِهَادِ إذَا أَرَادَهُ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَغْزُوا إذَا غَزَوْا وَيَرَى الْإِمَامُ فِي إغْزَائِهِمْ رَأْيَهُ، فَإِنْ اسْتَغْنَى مُجَاهِدُهُ بِعَدَدٍ وَكَثْرَةٍ مِنْ قُرْبِهِ أَغْزَاهُمْ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مُجَاهِدِهِمْ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعْطَاءِ الذُّرِّيَّةِ وَنِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ يُعْطُونَ وَأَحْسَبُ مِنْ حُجَّتِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمُؤْنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ فَلَمْ يُعْطِهِمْ الْكِفَايَةَ فَيُعْطِيهِمْ كَمَالَ الْكِفَايَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ إذَا أُعْطُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَلَيْسُوا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَعْرَابِ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ الَّذِينَ لاَ يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ مَا أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنْ نَقُولَ‏:‏ لَيْسَ أَحَدٌ بِمَعْنَى حَاجَةٍ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ إلَّا وَلَهُ فِي مَالِ الْفَيْءِ أَوْ الصَّدَقَةِ حَقٌّ، وَكَانَ هَذَا أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ ‏{‏قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ، لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مَرَّةٍ مُكْتَسِبٍ‏}‏ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَعْرَابَ لاَ يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ‏.‏

قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَهْلَ الْفَيْءِ كَانُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَعْزِلٍ عَنْ الصَّدَقَةِ وَأَهْلَ الصَّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ فِي الْفَيْءِ لاَ يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ‏.‏

قَالَ ‏{‏ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي‏}‏ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَمَّلَهَا أَعْمَى لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا أَوْ مَنْقُوصُ الْخَلْقِ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ فَرْضُ الْمُقَاتَلَةِ وَأُعْطِيَ عَلَى كِفَايَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالذُّرِّيَّةِ، فَإِنْ فُرِضَ لِصَحِيحٍ ثُمَّ زَمِنَ خَرَجَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، وَإِنْ مَرِضَ طَوِيلاً يُرْجَى أُعْطِيَ كَالْمُقَاتِلَةِ‏.‏

قَالَ وَيَخْرُجُ الْعَطَاءُ لِلْمُقَاتِلَةِ كُلَّ عَامٍ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَالذُّرِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا صَارَ مَالُ الْفَيْءِ إلَى الْوَالِي ثُمَّ مَاتَ مَيِّتٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَهُ أُعْطِيَهُ وَرَثَتُهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ مَالُ ذَلِكَ الْعَامِ لَمْ يُعْطَهُ وَرَثَتُهُ‏.‏

قَالَ وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْفَيْءِ شَيْءٌ بَعْدَمَا وَصَفْت مِنْ إعْطَاءِ الْعَطَايَا وَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي إصْلاَحِ الْحُصُونِ وَالِازْدِيَادِ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ وَكُلُّ مَا قَوِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فَرَّقَ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ ضَاقَ عَنْ مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ لَمْ يَحْبِسْ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ وَيُعْطِي مِنْ الْفَيْءِ رِزْقَ الْحُكَّامِ وَوُلاَةَ الْأَحْدَاثِ وَالصَّلاَةِ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلَّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لاَ غَنَاءَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَنْهُ رُزِقَ مِثْلَهُ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُغْنِي غَنَاءَهُ وَكَانَ أَمِينًا بِأَقَلَّ لَمْ يَزِدْ أَحَدًا عَلَى أَقَلَّ مَا يَجِدُ؛ لِأَنَّ مَنْزِلَةَ الْوَالِي مِنْ رَعِيَّتِهِ مَنْزِلَةُ وَالِي الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ لاَ يُعْطَى مِنْهُ عَنْ الْغَنَاءِ لِلْيَتِيمِ إلَّا أَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمَنْ وُلِّيَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَانَ رِزْقُهُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْهَا لاَ يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ عَلَيْهَا كَمَا لاَ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْفَيْءِ‏.‏

قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَذَهَبُوا مَذَاهِبَ لاَ أَحْفَظُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَهَا وَلاَ أَحْفَظُ أَيَّهُمْ قَالَ مَا أَحْكِي مِنْ الْقَوْلِ دُونَ مَنْ خَالَفَهُ وَسَأَحْكِي مَا حَضَرَنِي مِنْ مَعَانِي كُلِّ مَنْ قَالَ فِي الْفَيْءِ شَيْئًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى دَلَّ عَلَى مَنْ يُعْطَاهُ فَإِذَا اجْتَهَدَ الْوَالِي فَفَرَّقَهُ فِي جَمِيعِ مَنْ سُمِّيَ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ فَضُلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعَطَاءِ فَذَلِكَ تَسْوِيَةٌ إذَا كَانَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَدَّ خَلَّتَهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ صِنْفًا مِنْهُمْ وَيُحْرِمَ صِنْفًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ إذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ نَظَرَ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرَأَى أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ الَّذِي يَصْرِفُهُ إلَيْهِ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ وَكَانَ أَرْفَقَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَرَفَهُ وَحَرَمَ غَيْرَهُ وَيُشْبِهُ قَوْلَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا أَنَّهُ إنَّ طَلَبَ الْمَالِ صِنْفَانِ وَكَانَ إذَا حَرَمَهُ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ تَمَاسَكَ وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ خَلَّةً مُضِرَّةً، وَإِنْ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّنْفِ الْآخَرِ كَانَتْ عَلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ خَلَّةٌ مُضِرَّةٌ أَعْطَاهُ الَّذِينَ فِيهِمْ الْخَلَّةُ الْمُضِرَّةُ كُلَّهُ‏.‏

قَالَ ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ‏:‏ إذَا صَرَفَ مَالَ الْفَيْءِ إلَى نَاحِيَةٍ فَسَدَّهَا وَحَرَمَ الْأُخْرَى ثُمَّ جَاءَهُ مَالٌ آخَرُ أَعْطَاهَا إيَّاهُ دُونَ النَّاحِيَةِ الَّتِي سَدَّهَا فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَجَّلَ أَهْلَ الْخَلَّةِ وَأَخَّرَ غَيْرَهُمْ حَتَّى أَوْفَاهُمْ بَعْدُ‏.‏

قَالَ وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ‏:‏ يُعْطِي مَنْ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ وَلاَ مُجَاهِدًا مِنْ الْفَيْءِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ‏:‏ وَإِنْ أَصَابَتْ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ سَنَةٌ فَهَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَيْءِ فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ مُنِعُوا الْفَيْءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي مَالِ الصَّدَقَاتِ هَذَا الْقَوْلُ يَرُدُّ بَعْضَ مَالِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَحْفَظُ عَمَّنْ أَرْضَى مِمَّنْ سَمِعْت أَنْ لاَ يُؤَخِّرَ الْمَالَ إذَا اجْتَمَعَ وَلَكِنْ يُقَسِّمُ فَإِنْ كَانَتْ نَازِلَةً مِنْ عَدُوٍّ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، وَإِنْ غَشِيَهُمْ عَدُوٌّ فِي دَارِهِمْ وَجَبَ النَّفِيرُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ غَشِيَهُ أَهْلِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَالٌ أُصِيبَ بِالْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ‏:‏ أَلاَ نُدْخِلُهُ بَيْتَ الْمَالِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لاَ يُؤْوَى تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ حَتَّى أُقَسِّمَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ وَوُضِعَتْ عَلَيْهِ الْأَنْطَاعُ وَحَرَسَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا مَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ آخِذًا بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ كَشَفُوا الْأَنْطَاعَ عَنْ الْأَمْوَالِ فَرَأَى مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ الذَّهَبُ فِيهِ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ وَاللُّؤْلُؤُ يَتَلاَْلاَُ فَبَكَى فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا‏:‏ إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِيَوْمِ بُكَاءٍ لَكِنَّهُ وَاَللَّهِ يَوْمُ شُكْرٍ وَسُرُورٍ فَقَالَ‏:‏ إنِّي وَاَللَّهِ مَا ذَهَبْت حَيْثُ ذَهَبْت وَلَكِنْ وَاَللَّهِ مَا كَثُرَ هَذَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا فَإِنِّي أَسْمَعُك تَقُولُ‏:‏ ‏{‏سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمَ‏؟‏ فَإِنِّي بِهِ أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ دَقِيقُهُمَا فَأَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى وَقَالَ‏:‏ الْبِسْهُمَا فَفَعَلَ فَقَالَ‏:‏ قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ‏:‏ فَقُلْ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُ إيَّاهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إلَى ذِرَاعِهِ كَأَنَّ بِك وَقَدْ لَبِسْت سِوَارَيْ كِسْرَى وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَّا سِوَارَيْهِ وَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَعْضَ ذَلِكَ بَعْضًا ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ الَّذِي أَدَّى هَذَا لاََمِينٌ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَنَا أُخْبِرُك أَنَّك أَمِينُ اللَّهِ وَهُمْ يُؤَدُّونَ إلَيْك مَا أَدَّيْت إلَى اللَّهِ فَإِذَا رَتَعْت رَتَعُوا قَالَ‏:‏ صَدَقْت ثُمَّ فَرَّقَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَنْفَقَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَهْلِ الرَّمَادَةِ فِي مُقَامِهِمْ حَتَّى وَقَعَ مَطَرٌ فَتُرَحَّلُوا فَخَرَجَ عُمَرُ رضي الله عنه رَاكِبًا إلَيْهِمْ فَرَسًا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ كَيْفَ يَتَرَحَّلُونَ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ مُحَارِبٍ حِصْفَةٍ أَشْهَدُ أَنَّهَا انْحَسَرَتْ عَنْك وَلَسْت بِابْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه‏:‏ وَيْلُك ذَاكَ لَوْ كُنْت أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِي أَوْ مَالِ الْخَطَّابِ إنَّمَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِينَ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ كُلُّ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِغَيْرِ قِتَالٍ خَيْلٌ وَلاَ رِكَابٌ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْفَيْءِ عَلَى قَسْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَرْضِينَ وَدُورٍ فَهِيَ وَقْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ يُسْتَغَلُّ وَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ كَذَلِكَ أَبَدًا‏.‏

قَالَ وَأَحْسَبُ مَا تَرَكَ عُمَرُ رضي الله عنه بِلاَدَ أَهْلِ الشِّرْكِ هَكَذَا أَوْ شَيْئًا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ فَتَرَكُوهُ، كَمَا اسْتَطَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْفُسَ أَهْلِ سَبْيِ هَوَازِنَ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ وَفِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ رحمه الله أَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْ حَقِّهِ وَعَوَّضَ امْرَأَتَهُ مِنْ حَقِّهَا بِمِيرَاثِهَا كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا قُلْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا‏}‏‏.‏

قَالَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُهَاجِرِينَ شِعَارًا وَلِلْأَوْسِ شِعَارًا وَلِلْخَزْرَجِ شِعَارًا‏.‏

قَالَ وَعَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَلْوِيَةَ فَعَقَدَ لِلْقَبَائِلِ قَبِيلَةً فَقَبِيلَةً حَتَّى جَعَلَ فِي الْقَبِيلَةِ أَلْوِيَةً كُلُّ لِوَاءٍ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ هَذَا لِيَتَعَارَفَ النَّاسُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا فَتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَعَلَى الْوَالِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تَفَرُّقِهِمْ إذَا أُرِيدُوا مُؤْنَةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَالِيهِمْ، فَهَكَذَا أُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَضَعَ دِيوَانَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَيَسْتَظْهِرَ مَنْ غَابَ عَنْهُ وَمَنْ جَهِلَ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَحْسَنَ اقْتِصَاصًا لِلْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا دَوَّنَ الدِّيوَانَ قَالَ‏:‏ أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ قَالَ‏:‏ حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَإِذَا كَانَتْ السِّنُّ فِي الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْمُطَّلِبِيِّ وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُطَّلِبِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ فِي قِدَمِ النَّسَبِ فَقَالَ‏:‏ عَبْدُ شَمْسٍ إخْوَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ نَوْفَلٍ فَقَدَّمَهُمْ ثُمَّ دَعَا بِبَنِي نَوْفَلٍ يَلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدُ الدَّارِ فَقَالَ فِي بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَصْهَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ الْمُطَيَّبِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمْ حِلْفٌ مِنْ الْفُضُولِ وَفِيهِمْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً فَقَدَّمَهُمْ عَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ثُمَّ دَعَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَلُونَهُمْ ثُمَّ انْفَرَدَتْ لَهُ زُهْرَةُ فَدَعَاهَا تَتْلُو عَبْدَ الدَّارِ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ تَيْمٌ وَمَخْزُومٌ قَالَ فِي تَيْمٍ‏:‏ إنَّهُمْ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ وَالْمُطَيَّبِينَ وَفِيهِمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ‏:‏ ذَكَرَ سَابِقَةً وَقِيلَ‏:‏ ذَكَرَ صِهْرًا فَقَدَّمَهُمْ عَلَى مَخْزُومٍ ثُمَّ دَعَا مَخْزُومًا يَلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ سَهْمٌ وَجَمَحَ وَعَدِيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقِيلَ‏:‏ أَبْدَأُ بِعَدِيٍّ فَقَالَ‏:‏ بَلْ أُقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْت فَإِنَّ الْإِسْلاَمَ دَخَلَ وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ وَلَكِنْ اُنْظُرُوا بَيْنَ جُمَحٍ وَسَهْمٍ فَقِيلَ‏:‏ قَدَّمَ بَنِي جُمَحٍ ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ وَكَانَ دِيوَانُ عَدِيٍّ وَسَهْمٍ مُخْتَلِطًا كَالدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ، فَلَمَّا خَلَصَتْ إلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً ثُمَّ قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْصَلَ إلَيَّ حَظِّي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ دَعَا عَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيَّ رضي الله عنه لَمَّا رَأَى مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ أَكُلُّ هَؤُلاَءِ يُدْعَى أَمَامِي‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ اصْبِرْ كَمَا صَبَرْت أَوْ كَلِّمْ قَوْمَك فَمَنْ قَدَّمَك مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ أَمْنَعْهُ فَأَمَّا أَنَا وَبَنُو عَدِيٍّ فَنُقَدِّمُك إنْ أَحْبَبْت عَلَى أَنْفُسِنَا قَالَ‏:‏ فَقَدِمَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ فَفَصَلَ بِهِمْ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَأَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَشَجَرَ بَيْنَ بَنِي سَهْمٍ وَعَدِيٍّ شَيْءٌ فِي زَمَانِ الْمَهْدِيِّ فَافْتَرَقُوا فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ فَقُدِّمُوا عَلَى سَهْمٍ وَجَمَحَ لِسَابِقَةٍ فِيهِمْ‏.‏

قَالَ فَإِذَا فُرِغَ مِنْ قُرَيْشٍ بُدِئَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى الْعَرَبِ لِمَكَانِهِمْ مِنْ الْإِسْلاَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ النَّاسُ عِبَادُ اللَّهِ فَأَوْلاَهُمْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا أَقْرَبُهُمْ بِخَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِرِسَالَتِهِ وَمُسْتَوْدَعُ أَمَانَتِهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَخَيْرُ خَلْقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ فَرَضَ لَهُ الْوَالِي مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ رَأَيْت أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا اسْتَوَوْا قُدِّمَ أَهْلُ السَّابِقَةِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ‏.‏

مُخْتَصَرُ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ مِنْ كِتَابَيْنِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى أَهْلِ دِينِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ لاَ يَسَعُهُمْ حَبْسُهُ عَمَّنْ أُمِرُوا بِدَفْعِهِ إلَيْهِ أَوْ وُلاَتِهِ وَلاَ يَسَعُ الْوُلاَةَ تَرْكُهُ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَهْلِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهُ عَامًا لاَ يَأْخُذُهَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه‏:‏ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ مُسْلِمٍ دُعِيَ لَهُ بِالْأَجْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏ أَيْ اُدْعُ لَهُمْ‏.‏

قَالَ وَالصَّدَقَةُ هِيَ الزَّكَاةُ وَالْأَغْلَبُ عَلَى أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ أَنَّ لِلثَّمَرِ عُشْرًا وَلِلْمَاشِيَةِ صَدَقَةً وَلِلْوَرِقِ زَكَاةً وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا كُلَّهُ صَدَقَةً فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ زَكَاةِ مَالٍ نَاضٍّ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ زَكَاةِ فِطْرٍ أَوْ خُمُسِ رِكَازٍ أَوْ صَدَقَةِ مَعْدِنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ فَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ وَقَسْمُهُ وَاحِدٌ وَقَسْمُ الْفَيْءِ خِلاَفُ هَذَا فَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ تَقْوِيَةً لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ وَلَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَسْمُ الصَّدَقَاتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏ ثُمَّ أَكَّدَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ ‏{‏فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَهِيَ سَهْمَانِ ثَمَانِيَةٌ لاَ يُصْرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلاَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ أَهْلِهِ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ وَلاَ يَخْرُجُ عَنْ بَلَدٍ وَفِيهِ أَهْلُهُ، ‏{‏وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ فَإِنْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَتُرَدُّ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ وَيَجْمَعُ أَهْلُ السُّهْمَانِ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَالِهِمْ مِنْهَا وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ الزَّمْنَى الضِّعَافُ الَّذِينَ لاَ حِرْفَةَ لَهُمْ وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ الَّذِينَ لاَ تَقَعُ فِي حِرْفَتِهِمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ وَلاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ وَقَالَ وَفِي الْجَدِيدِ زَمِنًا كَانَ أَوْلَى أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ سَائِلاً أَوْ مُتَعَفِّفًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمَسَاكِينُ السُّؤَالُ وَمَنْ لاَ يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ لاَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلاَ تُغْنِيهِ وَلاَ عِيَالَهُ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ سَائِلاً كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ أَهْلَ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ يَسْتَحِقُّونَهُمَا بِمَعْنَى الْعَدَمِ وَقَدْ يَكُونُ السَّائِلُ بَيْنَ مَنْ يَقِلُّ مُعْطِيهِمْ وَصَالِحٌ مُتَعَفِّفٌ بَيْنَ مَنْ يُبْدُونَهُ بِعَطِيَّتِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله إنْ كَانَ رَجُلٌ جَلْدٌ يَعْلَمُ الْوَالِي أَنَّهُ صَحِيحٌ مُكْتَسِبٌ يُغْنِي عِيَالَهُ أَوْ لاَ عِيَالَ لَهُ يُغْنِي نَفْسَهُ بِكَسْبِهِ لَمْ يُعْطِهِ، فَإِنْ قَالَ الْجَلْدُ‏:‏ لَسْت مُكْتَسِبًا لِمَا يُغْنِينِي وَلاَ يُغْنِي عِيَالِي، وَلَهُ عِيَالٌ وَلَيْسَ عِنْدَ الْوَالِي يَقِينُ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ ‏{‏رَجُلَيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلاَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنْ شِئْتُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مَرَّةٍ مُكْتَسِبٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رَأَى عليه الصلاة والسلام صِحَّةً وَجَلَدًا يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُمَا مَعَ الِاكْتِسَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَمُكْتَسِبَانِ أَمْ لاَ فَقَالَ ‏"‏ إنْ شِئْتُمَا ‏"‏ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكُمَا أَنْ لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِمُكْتَسِبٍ فَعَلْت‏.‏

قَالَ وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَمَنْ لاَ غِنَى لِلْوَالِي عَنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي لاَ يَلِي قَبْضَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَا مِنْ الْقَائِمِينَ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِهَا فَلَيْسَا عِنْدَنَا مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لاَ يَلِيَانِ أَخْذَهَا وَشَرِبَ عُمَرُ رضي الله عنه لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نِعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعُهُ فَاسْتَقَاءَهُ‏.‏

قَالَ وَيُعْطَى الْعَامِلُ بِقَدْرِ غَنَائِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ‏.‏

قَالَ وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي مُتَقَدِّمِ الْأَخْبَارِ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ مُسْلِمُونَ أَشْرَافٌ مُطَاعُونَ يُجَاهِدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَلاَ يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِهِمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِ غَيْرِهِمْ فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَأَرَى أَنْ يُعْطُوا مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مَا يَتَأَلَّفُونَ بِهِ سِوَى سِهَامِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا السَّهْمَ خَالِصًا لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْخُمُسِ مِثْلَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَأَصْحَابِهَا وَلَمْ يُعْطِ عَبَّادَ بْنَ مِرْدَاسٍ وَكَانَ شَرِيفًا عَظِيمَ الْغَنَاءِ حَتَّى اسْتَعْتَبَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله لَمَّا أَرَادَ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَيْءٌ حِينَ رَغِبَ عَمَّا صُنِعَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَعْطَاهُ عَلَى مَعْنَى مَا أَعْطَاهُمْ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا لِلتَّقْوِيَةِ بِالْعَطِيَّةِ وَلاَ نَرَى أَنْ قَدْ وُضِعَ مِنْ شَرَفِهِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَى مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ النَّفْلِ، وَغَيْرِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَلَكِنَّهُ أَعَارَهُ أَدَاةً فَقَالَ فِيهِ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ أَوَّلَ النَّهَارِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ غَلَبَتْ هَوَازِنُ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِفِيك الْحَجَرُ فَوَاَللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ كَأَنَّهُ لاَ يَشُكُّ فِي إسْلاَمِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا رَأَيْت أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِلِاقْتِدَاءِ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ كَانَ هَذَا السَّهْمُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ سَهْمَهُ حَيْثُ يَرَى فَقَدْ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ رِجَالاً مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى وَلاَ يُعْطِي أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَعْطَى أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَوْ قِيلَ‏:‏ لَيْسَ لِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ السَّهْمَيْنِ كَانَ مَذْهَبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ وَلِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ سَهْمٌ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَحْسَبُهُ بِثَلاَثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلاَثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلاَءً حَسَنًا وَاَلَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلاَلِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ، فَإِمَّا زَادَهُ تَرْغِيبًا فِيمَا صَنَعَ وَإِمَّا لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ‏.‏

قَالَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ- وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ بِمَوْضِعِ مُنْتَاطٍ لاَ يَنَالُهُ الْجَيْشُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَيَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأَعَانَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ إمَّا بَلِيَّةً فَأَرَى أَنْ يَقْوَوْا بِسَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَإِمَّا أَنْ لاَ يُقَاتِلُوا إلَّا بِأَنْ يُعْطُوا سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ أَوْ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا انْتَاطَ الْعَدُوُّ وَكَانُوا أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ يُوَجَّهُونَ إلَيْهِ بِبُعْدِ دِيَارِهِمْ وَثِقَلِ مُؤْنَاتِهِمْ وَيَضْعُفُونَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِمَّا كَانَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ امْتِنَاعِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الرِّدَّةِ وَغَيْرِهَا لَمْ أَرَ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيًّا رضي الله عنهم أَعْطَوْا أَحَدًا تَأَلُّفًا عَلَى الْإِسْلاَمِ وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ- فَلَهُ الْحَمْدُ- الْإِسْلاَمَ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ‏.‏ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لاَ يُعْطَى مُشْرِكٌ يَتَأَلَّفُ عَلَى الْإِسْلاَمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً فِيهِمْ‏.‏

قَالَ وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ حَيِّزٍ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَلاَ يُعْتَقُ عَبْدٌ يُبْتَدَأُ عِتْقُهُ فَيُشْتَرَى وَيُعْتَقُ وَالْغَارِمُونَ صِنْفَانِ صِنْفٌ دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطُونَ فِي غُرْمِهِمْ لِعَجْزِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ عُرُوضٌ يَقْضُونَ مِنْهَا دُيُونَهُمْ فَهُمْ أَغْنِيَاءٌ لاَ يُعْطُونَ حَتَّى يَبْرَءُوا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ لاَ يَبْقَى لَهُمْ مَا يَكُونُونَ بِهِ أَغْنِيَاءً، وَصِنْفٌ دَانُوا فِي صَلاَحِ ذَاتِ بَيْنٍ وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ تَحْمِلُ حَمَّالاَتهمْ أَوْ عَامَّتَهَا، وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلاَءِ وَتُوَفَّرُ عُرُوضُهُمْ كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ حَتَّى يَقْضُوا سَهْمَهُمْ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ ‏{‏قَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ قَالَ‏:‏ تَحَمَّلْت بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْته فَقَالَ نُؤَدِّيهَا عَنْك أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْك إذَا قَدِمَ نَعَمُ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ الْمَسْأَلَةُ حَرُمَتْ إلَّا فِي ثَلاَثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ حَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ أَوْ تَكَلَّمَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ بِهِ فَاقَةً أَوْ حَاجَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله بِهَذَا قُلْت فِي الْغَارِمِينَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ‏}‏ يَعْنِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لاَ الْغَارِمِينَ وَقَوْلُهُ ‏{‏حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ‏}‏ يَعْنِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَقَلَّ اسْمِ الْغَنَاءِ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ‏:‏ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ‏}‏ فَبِهَذَا قُلْت‏:‏ يُعْطَى الْغَازِي وَالْعَامِلُ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ وَالْغَارِمُ فِي الْحَمَالَةِ عَلَى مَا أَبَانَ عليه السلام لاَ عَامًّا، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ابْنِ السَّبِيلِ إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَوِيٍّ حَتَّى تَعْلَمَ قُوَّتَهُ بِالْمَالِ، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ يَغْزُو أُعْطِيَ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ غَارِمٌ أَوْ عَبْدٌ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّاسِ أَنَّهُ غَيْرُ غَارِمِينَ حَتَّى يُعْلَمَ غُرْمُهُمْ وَالْعَبِيدُ غَيْرُ مُكَاتَبِينَ حَتَّى تَعْلَمَ كِتَابَتَهُمْ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِأَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ، وَمَا وَصَفْت أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِهِ وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا وَلاَ يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُهُمْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُمْ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ، وَابْنُ السَّبِيلِ عِنْدِي ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَلَدَ غَيْرَ بَلَدِهِ لِأَمْرٍ يَلْزَمُهُ‏.‏

بَابُ كَيْفَ تَفْرِيقُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ يَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يَأْمُرَ بِإِحْصَاءِ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي عَمَلِهِ حَتَّى يَكُونَ فَرَاغُهُ مِنْ قَبْضِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ تَنَاهِي أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَحَالاَتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيُحْصِي مَا صَارَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَيَعْزِلُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنْ جَاوَزَ سَهْمَ الْعَامِلِينَ رَأَيْت أَنْ يُعْطِيَهُمْ سَهْمَ الْعَامِلِينَ، وَيَزِيدُهُمْ قَدْرَ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَلَوْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ السُّهْمَانِ مَا رَأَيْت ذَلِكَ ضَيِّقًا أَلاَ تَرَى أَنَّ مَالَ الْيُتْمِ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ فَيَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ إذَا خِيفَ ضَيْعَتُهُ مَنْ يَحُوطُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ لِمَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَتُفْضَ جَمِيعُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا أَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ الْفُقَرَاءُ عَشْرَةً وَالْمَسَاكِينُ عِشْرِينَ وَالْغَارِمُونَ خَمْسَةً وَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ وَكَانَ سُهْمَانُهُمْ الثَّلاَثَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ فَلِكُلِّ صِنْفٍ أَلْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفُقَرَاءُ يَغْتَرِقُونَ سَهْمَهُمْ كَفَافًا يَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى أَدْنَى الْغِنَى أُعْطُوهُ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُمْ مِنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ إلَى أَدْنَى الْغِنَى أَقَلَّ وَقَفَ الْوَالِي مَا بَقِيَ مِنْهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ عَلَى الْمَسَاكِينِ سَهْمَهُمْ هَكَذَا وَعَلَى الْغَارِمِينَ سَهْمَهُمْ هَكَذَا وَإِذَا خَرَجُوا مِنْ اسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَصَارُوا إلَى أَدْنَى اسْمِ الْغِنَى وَمِنْ الْغُرْمِ فَبَرِئَتْ ذِمَمُهُمْ وَصَارُوا غَيْرَ غَارِمِينَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

قَالَ وَلاَ وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى أَقَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لاَ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ يُعْطَاهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلاَ مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفَقِيرًا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِقَدْرِ حَالِ الرِّجَالِ وَيَأْخُذُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِهِمْ فِي مِثْلِ كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيُعْطِي الْعَرِيفَ وَمَنْ يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكُلْفَتِهِ وَذَلِكَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بِلاَدِهِ وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ وَالْمُكَاتَبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَقَ، وَإِنْ دُفِعَ إلَى سَيِّدِهِ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُعْطَى الْغَازِي الْحُمُولَةَ وَالسِّلاَحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُبْلِغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَحُمُولَتِهِ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا وَكَانَ جَلْدًا الْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهِ لَوْ كَانَ غَنِيًّا الْمَشْيُ إلَيْهَا أُعْطِيَ مُؤْنَتَهُ وَنَفَقَتَهُ بِلاَ حُمُولَةٍ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَرْجِعَ أُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى السَّهْمِ كُلِّهِ أُعْطِيَهُ كُلَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ابْنُ سَبِيلٍ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَأْتِي إلَّا عَلَى سَهْمٍ، سَهْمٌ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ وَيُقْسَمُ لِلْعَامِلِ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ وَابْنِ السَّبِيلِ بِمَعْنَى الْبَلاَغِ؛ لِأَنَّى لَوْ أَعْطَيْت الْعَامِلَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَازِيَ بِالِاسْمِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْعَامِلِ اسْمُ الْعَامِلِ مَا لَمْ يُعْزَلْ وَلاَ عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ اسْمُ ابْنِ السَّبِيلِ مَا دَامَ مُجْتَازًا أَوْ يُرِيدُ الِاجْتِيَازَ وَلاَ عَنْ الْغَازِي مَا كَانَ عَلَى الشُّخُوصِ لِلْغَزْوِ، وَأَيُّ السُّهْمَانِ فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ رُدَّ عَلَى عَدَدٍ مِنْ عَدَدِ مَنْ بَقِيَ السُّهْمَانُ كَانَ بَقِيَ فُقَرَاءُ وَمَسَاكِينُ لَمْ يَسْتَغْنُوا وَغَارِمُونَ لَمْ تُقْضَ كُلُّ دُيُونِهِمْ فَيُقْسَمْ مَا بَقِيَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ فَإِنْ اسْتَغْنَى الْغَارِمُونَ رُدَّ بَاقِي سَهْمِهِمْ عَلَى هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ نِصْفَيْنِ حَتَّى تَنْفَدَ السُّهْمَانُ، وَإِنَّمَا رَدَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ هَذَا الْمَالَ لاَ مَالِكَ لَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ يُرَدُّ إلَيْهِ كَمَا تُرَدُّ عَطَايَا الْآدَمِيِّينَ وَوَصَايَاهُمْ لَوْ أُوصِيَ بِهَا لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي كَانَتْ وَصِيَّتُهُ رَاجِعَةً إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَالُ مُخَالِفًا لِلْمَالِ يُورَثُ هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْرَبَ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ، وَهَؤُلاَءِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يَبْقَ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ إلَّا وَلَهُ حَقٌّ سِوَاهُ أَمَّا أَهْلُ الْفَيْءِ فَلاَ يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الصَّدَقَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ مَقْسُومٌ لَهُمْ صَدَقَتُهُمْ فَلَوْ كَثُرَتْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّهَا فَكَمَا كَانُوا لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ فَكَذَلِكَ لاَ يَدْخُلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا‏.‏

قَالَ وَإِنْ اسْتَغْنَى أَهْلُ عَمَلٍ بِبَعْضِ مَا قُسِمَ لَهُمْ وَفَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ رَأَيْت أَنْ يُنْقَلَ الْفَضْلُ مِنْهُمْ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ فِي الْجِوَارِ، وَلَوْ ضَاقَتْ السُّهْمَانُ قُسِمَتْ عَلَى الْجِوَارِ دُونَ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ إنْ خَالَطَهُمْ عَجَمٌ غَيْرُهُمْ فَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْجِوَارِ فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ بَادِيَةٍ عِنْدَ النُّجْعَةِ يَتَفَرَّقُونَ مَرَّةً وَيَخْتَلِطُونَ أُخْرَى فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ قَسَمَهَا عَلَى النَّسَبِ إذَا اسْتَوَتْ الْحَالاَتُ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْحَالاَتُ فَالْجِوَارُ أَوْلَى مِنْ النَّسَبِ، وَإِنْ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ‏:‏ إنَّ لَنَا فُقَرَاءَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ وَهُمْ كَمَا وَصَفْت يَخْتَلِطُونَ فِي النُّجْعَةِ قَسَمَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ، وَلَوْ كَانُوا بِالطَّرَفِ مِنْ بَادِيَتِهِمْ فَكَانُوا أَلْزَمَ لَهُ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَكَانَتْ كَالدَّارِ لَهُمْ وَهَذَا إذَا كَانُوا مَعًا أَهْلَ نُجْعَةٍ لاَ دَارَ لَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَا فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُمْ دَارٌ يَكُونُونَ لَهَا أَلْزَمَ فَإِنِّي أُقْسِمُهَا عَلَى الْجِوَارِ بِالدَّارِ‏.‏ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ إذَا اسْتَوَى فِي الْقُرْبِ أَهْلُ نَسَبِهِمْ وَعِدًى قَسَمْت عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ دُونَ الْعِدَى، وَإِنْ كَانَ الْعِدَى أَقْرَبَ مِنْهُمْ دَارًا وَكَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ قَسَمْت عَلَى الْعِدَى إذَا كَانَتْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ حَضْرَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَالْعِدَى أَقْرَبُ مِنْهُمْ قَسَمْت عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْبَادِيَةِ غَيْرَ خَارِجِينَ مِنْ اسْمِ الْجِوَارِ وَكَذَلِكَ هُمْ فِي الْمَنَعَةِ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَلِيَ الرَّجُلُ إخْرَاجَ زَكَاةِ مَالِهِ قَسَمَهَا عَلَى قَرَابَتِهِ وَجِيرَانِهِ مَعًا، فَإِنْ ضَاقَتْ فَآثَرَ قَرَابَتَهُ فَحَسَنٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَاسَبُ عَلَيْهَا وَالْمَسْئُولُ عَنْهَا وَأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَأَقَلُّ مَنْ يُعْطَى مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ ثَلاَثَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ كُلَّ صِنْفٍ جَمَاعَةً فَإِنْ أَعْطَى اثْنَيْنِ وَهُوَ يَجِدُ الثَّالِثَ ضَمِنَ ثُلُثَ سَهْمٍ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةً؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى أَهْلَهُ بِالِاسْمِ، وَإِنْ تَرَكَ الْجِوَارَ، وَإِنْ أَعْطَى قَرَابَتَهُ مِنْ السُّهْمَانِ مِمَّنْ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْبَعِيدِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ قَرَابَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ خَاصَّتُهُ وَمَنْ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ مَا عَدَا وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ وَلاَ يُعْطِي وَلَدَ الْوَلَدِ صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا زَمِنًا وَلاَ أَخًا وَلاَ جَدًّا وَلاَ جِدَّةً زَمِنَيْنِ وَيُعْطِيهِمْ غَيْرَ زَمْنَى؛ لِأَنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إلَّا زَمْنَى وَلاَ يُعْطِي زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ فَإِنْ ادَّانُوا أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَكَذَلِكَ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنْهُمْ وَلاَ حَمْلُهُمْ إلَى بَلَدٍ أَرَادُوهُ فَلاَ يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ عَنْ هَذَا بِهِ كَمَا كَانُوا بِهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَأَمَّا آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ الْخُمُسُ عِوَضًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَلاَ يُعْطُونَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَإِنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَغَارِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ الشُّعَبِ وَهُمْ صُلْبِيَّةُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ ‏{‏وَقَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ‏}‏ وَذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ بَرِيرَةَ تَطَوُّعٌ لاَ صَدَقَةٌ وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ غَارِمُونَ لاَ أَمْوَالَ لَهُمْ فَقَالُوا‏:‏ أَعْطِنَا بِالْغُرْمِ وَالْفَقْرِ قِيلَ‏:‏ لاَ، إنَّمَا نُعْطِيكُمْ بِأَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ شِئْتُمْ فَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِاسْمِ الْفَقْرِ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّا فِي يَدَيْهِ حُقُوقَهُمْ وَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِمَعْنَى الْغُرْمِ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَلَّى دَفْعَهُ عَنْهُ وَإِلَّا فَجَائِزٌ كَمَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ وَلِمَ لاَ يُعْطَى بِمَعْنَيَيْنِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ الْفَقِيرُ مِسْكِينٌ وَالْمِسْكِينُ فَقِيرٌ يَجْمَعُهُمَا اسْمٌ وَيَتَفَرَّقُ بِهِمَا اسْمٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى إلَّا بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُعْطَى رَجُلٌ بِفَقْرٍ وَغُرْمٍ وَبِأَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ وَغَازٍ وَمُؤَلَّفٌ فَيُعْطَى بِهَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا فَالْفَقِيرُ هُوَ الْمِسْكِينُ وَمَعْنَاهُ أَنْ لاَ يَكُونَ غَنِيًّا بِحِرْفَةٍ وَلاَ مَالٍ فَإِذَا جُمِعَا مَعًا فَقُسِمَ لِصِنْفَيْنِ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالَيْهِمَا بِأَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ الَّذِي بُدِئَ بِهِ أَشُدَّهُمَا فَقْرًا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ ضُرِبَ عَلَيْهِ الْبَعْثُ فِي الْغَزْوِ وَلَمْ يُعْطَ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ أَغْزُو وَاحْتَاجَ أُعْطِيَ فَإِنْ هَاجَرَ بَدْوِيٌّ وَاقْتَرَضَ وَغَزَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَأَخَذَ فِيهِ، وَلَوْ احْتَاجَ وَهُوَ فِي الْفَيْءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّدَقَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْفَيْءِ وَيَعُودَ إلَى الصَّدَقَاتِ فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِقَابٌ وَلاَ مُؤَلَّفَةٌ وَلاَ غَارِمُونَ اُبْتُدِئَ الْقَسْمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ أَخْمَاسًا عَلَى مَا وَصَفْت، فَإِنْ ضَاقَتْ الصَّدَقَةُ قُسِمَتْ عَلَى عَدَدِ السُّهْمَانِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلاَ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سَهْمٍ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ وَقَلَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ سَهْمِ غَيْرِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ثُمَّ يُرَدُّ فَضْلٌ إنْ كَانَ عَنْهُ وَيُقْسَمُ فَإِنْ اجْتَمَعَ حَقُّ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ اجْتَمَعَ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ أَوْ أَكْثَرُ أُعْطُوهُ، وَيُشْرَكُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَلَمْ يُبَدَّلْ بِغَيْرِهِ كَمَا يُعْطَاهُ مَنْ أَوْصَى لَهُمْ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ، وَإِذَا أَعْطَى الْوَالِي مَنْ وَصَفْنَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ نَزَعَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ فَاتَ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ لِمَنْ يُعْطِيهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ لاَ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ كُلِّفَ فِيهِ الظَّاهِرُ، وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ وَالْآخَرُ كَالْوَالِي لاَ يَضْمَنُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَضْمَنُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُعْطَى الْوُلاَةُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ وَالْمَعْدِنُ وَالْمَاشِيَةُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْوُلاَةُ لَمْ يَسَعْ أَهْلَهَا إلَّا قَسْمُهَا فَإِنْ جَاءَ الْوُلاَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذُوهُمْ بِهَا، وَإِنْ ارْتَابُوا بِأَحَدٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُحْلِّفُوهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَسَمَهَا فِي أَهْلِهَا، وَإِنْ أَعْطَوْهُمْ زَكَاةَ التِّجَارَاتِ وَالْفِطْرَةِ وَالرِّكَازِ أَجْزَأَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ السُّهْمَانِ سِوَى الْعَامِلِينَ حَقَّهُمْ يَوْمَ يَكُونُ الْقَسْمُ

بَابُ مِيسَمِ الصَّدَقَاتِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله يَنْبَغِي لِوَالِي الصَّدَقَاتِ أَنْ يَسِمَ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْهَا مِنْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ فِي أَفْخَاذِهَا وَيَسِمَ الْغَنَمَ فِي أُصُولِ آذَانِهَا وَمِيسَمُ الْغَنَمِ أَلْطَفُ مِنْ مِيسَمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَيَجْعَلَ الْمِيسَمَ مَكْتُوبًا لِلَّهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا أَدَّاهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُتِبَ لِلَّهِ وَمِيسَمُ الْجِزْيَةِ مُخَالِفٌ لِمِيسَمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ صِغَارًا لاَ أَجْرَ لِصَاحِبِهَا فِيهَا وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَّالِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِمُونَ وَقَالَ أَسْلَمُ لِعِمْرَانَ فِي الظَّهْرِ نَاقَةٌ عَمْيَاءُ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه نَدْفَعُهَا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْت‏:‏ كَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ‏؟‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لاَ بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ أَرَدْتُمْ وَاَللَّهِ أَكْلَهَا فَقُلْت‏:‏ إنَّ عَلَيْهَا مِيسَمَ الْجِزْيَةِ قَالَ‏:‏ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَنُحِرَتْ قَالَ‏:‏ فَكَانَتْ عِنْدَهُ صِحَافٌ تَسَعُ فَلاَ تَكُونُ فَاكِهَةً وَلاَ طَرِيفَةً إلَّا وَجُعِلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ فَيُبْعَثُ بِهَا إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُ الَّذِي يُبْعَثُ بِهِ إلَى حَفْصَةَ رضي الله عنها مِنْ آخِرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّهَا قَالَ‏:‏ فَجُعِلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَبُعِثَ بِهِ إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ اللَّحْمِ فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ‏.‏

قَالَ وَلاَ أَعْلَمُ فِي الْمِيسَمِ عِلَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَعْلُومًا فَلاَ يَشْتَرِيهِ الَّذِي أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ لِلَّهِ، كَمَا ‏{‏أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه فِي فَرَسٍ حُمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَآهُ يُبَاعُ أَنْ لاَ يَشْتَرِيَهُ‏}‏ وَكَمَا تَرَكَ الْمُهَاجِرُونَ نُزُولَ مَنَازِلِهِمْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏

بَابُ الِاخْتِلاَفِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله قَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ لاَ مُؤَلَّفَةَ فَيُجْعَلُ سَهْمُهُمْ وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ابْنُ السَّبِيلِ مَنْ مَرَّ يُقَاسِمُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الصَّدَقَاتُ وَقَالَ أَيْضًا حَيْثُ كَانَتْ الْحَاجَةُ أَكْثَرَ فَهِيَ وَاسِعَةٌ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ فَوْضَى بَيْنَهُمْ يَقْسِمُونَهُ عَلَى الْعَدَدِ وَالْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ‏:‏ إذَا تَمَاسَكَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَأَجْدَبَ آخَرُونَ نُقِلَتْ إلَى الْمُجْدِبِينَ إذَا كَانُوا يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتُ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ هَذَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَهُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِمَعْنَى صَلاَحِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَأَحْسَبُهُ يَقُولُ‏:‏ وَتُنْقَلُ سُهْمَانُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ إنْ جَهَدُوا وَضَاقَ الْفَيْءُ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ إنْ جَهَدُوا وَضَاقَتْ الصَّدَقَاتُ عَلَى مَعْنَى إرَادَةِ صَلاَحِ عِبَادِ اللَّهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْت بِخِلاَفِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ جَعَلَ الْمَالَ قِسْمَيْنِ‏:‏ أَحَدَهُمَا فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي هِيَ طَهِرَةٌ فَسَمَّاهَا اللَّهُ الثَّمَانِيَةَ أَصْنَافَ وَوَكَّدَهَا، وَجَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ لاَ فُقَرَاءِ غَيْرِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ فُقَرَاءُ فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا عِنْدِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ فِيهَا غَيْرُ مَا قُلْت مِنْ أَنْ لاَ تُنْقَلَ عَنْ قَوْمٍ وَفِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلاَ يَخْرُجُ سَهْمُ ذِي سَهْمٍ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْنَافًا فَيَكُونُونَ مَوْجُودِينَ مَعًا فَيُعْطَى أَحَدٌ سَهْمَهُ وَسَهْمَ غَيْرِهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا عِنْدِي جَازَ أَنْ يُجْعَلَ فِي سَهْمِ وَاحِدٍ جَمِيعُ سِهَامِ سَبْعَةٍ مَا فُرِضَ لَهُمْ وَيُعْطَى وَاحِدٌ مَا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا يَقُولُ‏:‏ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُقَرَاءِ بَنِي فُلاَنٍ وَغَارِمِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلٌ آخَرُ وَبَنِي سَبِيلٍ بَنِي فُلاَنٍ رَجُلٌ آخَرُ إنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ يُعْطَوْنَ مِنْ ثُلُثِهِ وَأَنْ لَيْسَ لِوَصِيٍّ وَلاَ وَالٍ أَنْ يُعْطِيَ الثُّلُثَ صِنْفًا دُونَ صِنْفٍ، وَإِنْ كَانَ أَحْوَجَ وَأَفْقَرَ مِنْ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا ذُو حَقٍّ بِمَا سُمِّيَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ قَائِلٍ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا أَعْطَى الْآدَمِيُّونَ أَنْ لاَ يَجُوزَ أَنْ يَمْضِيَ إلَّا عَلَى مَا أَعْطَوْا فَعَطَاءُ اللَّهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ أَنْ يَمْضِيَ إلَّا عَلَى مَا أَعْطَى‏.‏

قَالَ وَإِذَا قَسَمَ اللَّهُ الْفَيْءَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَّلَ ذَا غَنَاءٍ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَلَمْ يُفَضِّلْ الْمُسْلِمُونَ الْفَارِسَ أَعْظَمَ النَّاسِ غَنَاءً عَلَى جَبَانٍ فِي الْقَسْمِ وَكَيْفَ جَازَ لِمُخَالِفِنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ قَسَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَبْيَنَ الْقَسْمِ فَيُعْطِي بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ وَيَنْقُلُهَا عَنْ أَهْلِهَا الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهَا إلَى غَيْرِهِمْ؛ لاََنْ كَانُوا أَحْوَجَ مِنْهُمْ أَوْ يُشْرِكُهُمْ مَعَهُمْ أَوْ يَنْقُلُهَا عَنْ صِنْفٍ مِنْهُمْ إلَى صِنْفٍ غَيْرِهِ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ لِقَوْمِ أَهْلِ غَزْوٍ كَثِيرٍ‏:‏ أَوْجَفُوا عَلَى عَدُوٍّ أَنْتُمْ أَغْنِيَاءٌ فَآخُذُ مَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ فَأَقْسِمُهُ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الْمُحْتَاجِينَ إذَا كَانَ عَامُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عِيَالِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ بِحَقٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يُقْسَمْ لَهُ أَحْوَجَ مِنْهُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَهَكَذَا لِأَهْلِ الْمَوَارِيثِ لاَ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ سَهْمَ غَيْرِهِ وَلاَ يُمْنَعُ مِنْ سَهْمِهِ لِفَقْرٍ وَلاَ لِغِنًى‏.‏ وَقَضَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه أَيُّمَا رَجُلٌ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ إلَى غَيْرِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ‏.‏ فَفِي هَذَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ جَعَلَ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ لِأَهْلِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ لَمْ يَقُلْ لِقَرَابَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِخْلاَفِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا ثَبَتَتْ لِأَهْلِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ لَمْ تُحَوَّلْ عَنْهُمْ صَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ بِتَحَوُّلِهِ عَنْهُمْ وَكَانَتْ كَمَا يَثْبُتُ بَدَأَ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَقَدْ جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه بِصَدَقَاتِ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَهُمَا، وَإِنْ جَاءَا بِهَا فَقَدْ تَكُونُ فَضْلاً عَنْ أَهْلِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِمْ نَسَبًا وَدَارًا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى سَعَةٍ مِنْ مُضَرَ وَطِيء مِنْ الْيَمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ حَوْلَهُمْ ارْتَدُّوا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا حَقٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ثُمَّ يَرُدَّهَا إلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ نَصِيرُ إلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَبِالْمَدِينَةِ صَدَقَاتُ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَالنَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ وَلِلْمَدِينَةِ سَاكِنٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَاءَ لَهُمْ وَأَشْجَعُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيِّنَة بِهَا وَبِأَطْرَافِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَعِيَالُ سَاكِنِ الْمَدِينَةِ بِالْمَدِينَةِ وَعِيَالُ عَشَائِرِهِمْ وَجِيرَانِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ عِيَالُ سَاكِنِي أَطْرَافِهَا بِهَا وَعِيَالُ جِيرَانِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ فَيُؤْتَوْنَ بِهَا وَتَكُونُ مَجْمَعًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ كَمَا تَكُونُ الْمِيَاهُ وَالْقُرَى مَجْمَعًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَعَلَّهُمْ اسْتَغْنَوْا فَنَقَلَهَا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ، وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَحْمِلُ عَلَى إبِلٍ كَثِيرَةٍ إلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَإِنَّمَا هِيَ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ مِنْ الْإِبِلِ وَأَكْثَرُ فَرَائِضِ الْإِبِلِ لاَ تَحْمِلُ أَحَدًا وَقَدْ كَانَ يُبْعَثُ إلَى عُمَرَ بِنَعَمِ الْجِزْيَةِ فَيَبْعَثُ فَيَبْتَاعُ بِهَا إبِلاً جُلَّةً فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَقَالُوا‏:‏ وَالرِّكَازُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَرَوَوْا مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ‏}‏ وَقَالَ ‏{‏الْمَعَادِنُ مِنْ الرِّكَازِ وَكُلُّ مَا أُصِيبَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ رِكَازٌ‏}‏ ثُمَّ عَادَ لِمَا شَدَّدَ فِيهِ فَأَبْطَلَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ رِكَازًا فَوَاسِعٌ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكْتُمَهُ، وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَوْ يَدَعَهُ لَهُ فَقَدْ أُبْطِلَ بِهَذَا الْقَوْلِ السُّنَّةُ فِي أَخْذِهِ، وَحَقُّ اللَّهِ فِي قَسْمِهِ لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ فِي جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ‏.‏

قَالَ فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ أَرْبَعَةَ أَوْ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لاََقْضِيَنَّ فِيهَا قَضَاءً بَيِّنًا أَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَلَكَ، وَخُمُسٌ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا إذَا زُعِمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ‏:‏ وَالْخُمُسُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَدَعَهُ لَهُ وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُسْتَنْكَرٌ، وَقَدْ رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَك وَاقْسِمْ الْخُمُسَ فِي فُقَرَاءِ أَهْلِك فَهَذَا الْحَدِيثُ أَشْبَهُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَعَلَّ عَلِيًّا عَلِمَهُ أَمِينًا وَعَلِمَ فِي أَهْلِهِ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ فِيهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَهُمْ يُخَالِفُونَ مَا رَوَوْا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ وَلاَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ السُّهْمَانِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ مِنْ الصَّدَقَاتِ تَطَوُّعًا، وَاَلَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا تَرَكَ لَهُ خُمُسَ رِكَازِهِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْهُ وَاجِبًا فِي مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ يَعُولُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَوْ وَلِيَهَا هُوَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا وَلاَ دَفْعُهَا إلَى أَحَدٍ يَعُولُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَتَرْكُهَا وَأَخْذُهَا سَوَاءٌ وَقَدْ أَبْطَلُوا بِهَذَا الْقَوْلِ السُّنَّةَ فِي أَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ وَأَبْطَلُوا حَقَّ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ يَصْلُحُ هَذَا إلَّا فِي الرِّكَازِ قِيلَ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ لَك‏:‏ لاَ يَصْلُحُ فِي الرِّكَازِ وَيَصْلُحُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ صَدَقَةٍ وَمَاشِيَةٍ وَعُشْرِ زَرْعٍ وَوَرَقٍ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْك‏؟‏ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏