فصل: مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ، وَمَا دَخَلَ فِيهِمَا مِنْ الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ اخْتِلاَفِ الْحَدِيثِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***


مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ، وَمَا دَخَلَ فِيهِمَا مِنْ الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ اخْتِلاَفِ الْحَدِيثِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏أَنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ قَذْفِ الْمَرْأَةِ بِالْتِعَانِهِ كَمَا أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْرَ الزَّوْجَةِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ مِمَّا قَذَفَهَا بِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ أَنْ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَ حَتَّى تَطْلُبَ الْمَقْذُوفَةُ كَمَا لَيْسَ عَلَى قَاذِفِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَدٌّ حَتَّى تَطْلُبَ حَدَّهَا قَالَ‏:‏ وَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ وَلاَ إجْمَاعٌ كَانَ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ جَازَ طَلاَقُهُ وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجَةٍ لَزِمَهَا الْفَرْضُ وَلِعَانُهُمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْفُرْقَةُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ‏.‏

وَتَخْتَلِفُ الْحُدُودُ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَعَلَيْهِ وَسَوَاءٌ قَالَ‏:‏ زَنَتْ، أَوْ رَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ يَا زَانِيَةُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءً إذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ إمْلاَءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَلَوْ جَاءَتْ بِحَمْلٍ وَزَوْجُهَا صَبِيٌّ دُونَ الْعَشْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنَّهُ لاَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ كَانَ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَيَكُونَ وَلَدُهُ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا مَجْبُوبًا كَانَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لاَ يُحِيطُ أَنَّهُ لاَ يُحْمَلُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَذَفْتُك وَعَقْلِي ذَاهِبٌ فَهُوَ قَاذِفٌ إلَّا إنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يُصِيبُهُ فَيُصَدَّقُ‏.‏

وَيُلاَعِنُ الْأَخْرَسُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ لاَ يُلاَعِنُ، وَإِنْ طَلَّقَ وَبَاعَ بِإِيمَاءٍ أَوْ بِكِتَابٍ يُفْهَمُ جَازَ قَالَ‏:‏ وَأَصْمَتَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ فَقِيلَ لَهَا‏:‏ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا؛ فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ فَرَأَيْت أَنَّهَا وَصِيَّةٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا فَالْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ إنْ انْتَفَى مِنْهُ وَلاَ تُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَلَوْ طَلَبَهُ وَلِيُّهَا أَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً فَطَلَبَهُ سَيِّدُهَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ فَطَلَبَهُ وَلِيُّهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَعْنَ أَوْ يُحَدَّ لِلْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ وَيُعَزَّرَ لِغَيْرِهَا، وَلَوْ الْتَعَنَ وَأَبَيْنَ اللِّعَانَ فَعَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ الْحَدُّ وَالْمَمْلُوكَةِ نِصْفُ الْحَدِّ وَنَفْيُ نِصْفِ سَنَةٍ وَلاَ لِعَانَ عَلَى الصَّبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا‏.‏

وَلاَ أَجْبُرُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى اللِّعَانِ إلَّا أَنْ تَرْغَبَ فِي حُكْمِنَا فَتَلْتَعِنْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَدَدْنَاهَا إنْ ثَبَتَتْ عَلَى الرِّضَا بِحُكْمِنَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحُدَّهَا لِأَنَّهَا رَضِيَتْ وَلَزِمَهَا حُكْمُنَا، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ إذَا بُتَّ عَلَيْهَا فَأَبَتْ الرِّضَا بِهِ سَقَطَ عَنْهَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُنَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ إذَا لَزِمَهَا بِالْحُكْمِ مَا تَكْرَهُ أَنْ لاَ تُقِيمَ عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ قَدَرَ اللَّذَانِ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا بِالرَّجْمِ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى أَنْ لاَ يَرْجُمَهُمَا بِتَرْكِ الرِّضَا لَفَعَلاَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ إنْ أَبَتْ أَنْ تُلاَعِنَ حَدَدْنَاهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مَحْدُودَةً فِي زِنًا فَقَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِزِنًا كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عُزِّرَ إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهَا فَجَاءَتْ بِشَاهِدَيْنِ لاَعَنَ وَلَيْسَ جُحُودُهُ الْقَذْفَ إكْذَابًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلاَ لِعَانٌ وَلَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ، وَلَوْ بَانَتْ فَقَذَفَهَا بِزِنًا نَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ كَانَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ حُدَّ وَلاَ لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ بِهِ وَلَدًا أَوْ حَمْلاً فَيَلْتَعِنْ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَلِمَ لاَعَنْت بَيْنَهُمَا وَهِيَ بَائِنٌ إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ كَمَا أَلْحَقْت الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَكَذَلِكَ لاَعَنْت بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كَهِيَ وَهِيَ تَحْتَهُ وَإِذَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلَدَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَإِذَا زَالَ الْفِرَاشُ كَانَ الْوَلَدُ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ أَوْلَى أَنْ يُنْفَى أَوْ فِي مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ تَبَيَّنَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَصَابَكِ رَجُلٌ فِي دُبُرِكِ حُدَّ أَوْ لاَعَنَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ يَا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَطَلَبَتْ حَدَّ أُمِّهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا وَحُدَّ لِأُمِّهَا إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ وَكِيلُهَا وَالْتَعَنَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ إلَّا أَنْ يَلْتَعْنَ وَمَتَى أَبَى اللِّعَانَ فَحَدَدْته إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْت رُجُوعَهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الضَّرْبِ كَمَا يَقْذِفُ الْأَجْنَبِيَّةَ وَيَقُولُ‏:‏ لاَ آتِي بِشُهُودٍ فَيُضْرَبُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ أَنَا آتِي بِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ فَضُرِبَتْ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ تَقُولُ‏:‏ أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْنَا‏.‏

وَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ لاَعَنْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا بِوَلَدٍ وَاَللَّهُ يَقُولُ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ فَقُلْت لَهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَالِكُ الْإِصَابَةِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ هَذَا الْفِرَاشُ قُلْت‏:‏ وَالزِّنَا لاَ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ وَلاَ يَكُونُ بِهِ مَهْرٌ وَلاَ يُدْرَأُ فِيهِ حَدٌّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت‏:‏ فَإِذَا حَدَثَتْ نَازِلَةٌ لَيْسَتْ بِالْفِرَاشِ الصَّحِيحِ وَلاَ الزِّنَا الصَّرِيحِ وَهُوَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ أَلَيْسَ سَبِيلُهَا أَنْ نَقِيسَهَا بِأَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهَا شَبَهًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت‏:‏ فَقَدْ أَشْبَهَ الْوَلَدُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ الْوَلَدَ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي إثْبَاتِ الْوَلَدِ وَإِلْزَامِ الْمَهْرِ وَإِيجَابِ الْعِدَّةِ فَكَذَلِكَ يَشْتَبِهَانِ فِي النَّفْيِ بِاللِّعَانِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ لاَ يُلاَعِنُ إلَّا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَتَرْكِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ يَمِينٌ، وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً مَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ وَلَكَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلاَ كَانَ عَلَى شَاهِدِ يَمِينٍ وَلَمَا جَازَ الْتِعَانُ الْفَاسِقِينَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لاَ تَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ يَتُوبَانِ فَيَجُوزَانِ قِيلَ‏:‏ فَكَذَلِكَ الْعَبْدَانِ الصَّالِحَانِ قَدْ يُعْتَقَانِ فَيَجُوزَانِ مَكَانَهُمَا وَالْفَاسِقَانِ لَوْ تَابَا لَمْ يُقْبَلاَ إلَّا بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ يُخْتَبَرَانِ فِيهَا فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِعَانَ الأعميين النَّحِيفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عِنْدَهُمْ لاَ تَجُوزُ أَبَدًا كَمَا لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودَيْنِ

بَابُ أَيْنَ يَكُونُ اللِّعَانُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رُوِيَ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَإِذَا لاَعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فِي مَكَّةَ فَبَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي مَسْجِدِهِ وَكَذَا كُلِّ بَلَدٍ قَالَ‏:‏ وَيَبْدَأُ فَيُقِيمُ الرَّجُلَ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً فَيَلْتَعِنُ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَرْأَةَ قَائِمَةً فَتَلْتَعِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ مُشْرِكَةً الْتَعَنَتْ فِي الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ، وَإِنْ شَاءَتْ الْمُشْرِكَةُ أَنْ تَحْضُرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَضَرَتْهُ إلَّا أَنَّهَا لاَ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله إذَا جَعَلَ لِلْمُشْرِكَةِ أَنْ تَحْضُرَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَعَسَى بِهَا مَعَ شِرْكِهَا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى‏.‏

قَالَ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ وَلاَ دِينَ لَهُمَا تَحَاكَمَا إلَيْنَا لاَعَنَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ

بَابُ سُنَّةُ اللِّعَانِ وَنَفْيُ الْوَلَدِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْأُمِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ

مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ وَمِنْ اخْتِلاَفِ الْحَدِيثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ‏{‏أَنَّ رَجُلاً لاَعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ‏}‏ وَقَالَ سَهْلٌ وَابْنُ شِهَابٍ‏:‏ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا‏:‏ فُرْقَةٌ بِلاَ طَلاَقِ الزَّوْجِ‏.‏

قَالَ وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ فُرْقَةِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ‏.‏

قَالَ وَإِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ‏؟‏‏}‏ فَحَكَمَ عَلَى الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ حُكْمًا وَاحِدًا وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ الْحَدِّ وَقَالَ ‏{‏وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ فَلاَ أُرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ عليه السلام إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلاَ مَا حَكَمَ اللَّهُ‏}‏ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ دَلاَلَةَ صِدْقِهِ عَلَيْهَا وَحَكَمَ بِالظَّاهِرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْوُلاَةِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَسْتَعْمِلَ دَلاَلَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَلاَ يَقْضِيَ إلَّا بِالظَّاهِرِ أَبَدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ‏}‏‏.‏

بَابُ كَيْفَ اللِّعَانُ

مِنْ كِتَابِ اللِّعَانِ وَالطَّلاَقِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَمَّا حَكَى سَهْلٌ شُهُودَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ مَعَ حَدَاثَتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لاَ يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَحْضُرُ أَمْرًا يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِتْرَهُ وَلاَ يَحْضُرُهُ إلَّا وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ الزِّنَا يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْهُمْ وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ وَفِي حِكَايَةِ مَنْ حَكَى اللِّعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُمْلَةً بِلاَ تَفْسِيرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَبَ اللِّعَانَ حِكَايَةً فِي كِتَابِهِ فَإِنَّمَا لاَعَنَ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ بِمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَاللِّعَانُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلزَّوْجِ قُلْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ زَوْجَتِي فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُهَا حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقِفُهُ الْإِمَامُ وَيُذَكِّرُهُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَقُولُ إنِّي أَخَافُ إنْ لَمْ تَكُنْ صَدَقْت أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَإِنْ رَآهُ يُرِيدُ أَنْ يُمْضِيَ أَمَرَ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَيَقُولُ إنَّ قَوْلَك وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ مُوجِبَةٌ فَإِنْ أَبَى تَرَكَهُ وَقَالَ قُلْ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ فُلاَنَةَ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ قَذَفَهَا بِأَحَدٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ مَعَ كُلِّ شَهَادَةٍ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلاَنٍ أَوْ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَقَالَ عِنْدَ الِالْتِعَانِ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلاَنٍ أَوْ بِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ‏.‏ قَالَ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَنَفَاهُ أَوْ بِهَا حَمْلٌ فَانْتَفَى مِنْهُ قَالَ مَعَ كُلِّ شَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ وَلَدُ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي وَإِنْ كَانَ حَمْلاً قَالَ وَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ إنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ لِحَمْلٍ مِنْ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي فَإِنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ فَرَغَ مِنْ الِالْتِعَانِ فَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَذْكُرْ نَفْيَ الْوَلَدِ أَوْ الْحَمْلِ فِي اللِّعَانِ قَالَ لِلزَّوْجِ إنْ أَرَدْت نَفْيَهُ أَعَدْت اللِّعَانَ وَلاَ تُعِيدُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ إعَادَةِ الزَّوْجِ اللِّعَانَ إنْ كَانَتْ فَرَغَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ وَإِنْ أَخْطَأَ وَقَدْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ وَلَمْ يَلْتَعِنْ بِقَذْفِهِ فَأَرَادَ الرَّجُلُ حَدَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِ اللِّعَانَ وَإِلَّا حَدَّ لَهُ إنْ لَمْ يَلْتَعِنْ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَفِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ يَرْمِي الْمَرْأَةَ بِالْقَذْفِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَنْ يُسَمِّيَ مَنْ يَرْمِيهَا بِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ ‏{‏وَرَمَى الْعَجْلاَنِيُّ امْرَأَتَهُ بِابْنِ عَمِّهِ أَوْ بِابْنِ عَمِّهَا شَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ وَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَآهُ عَلَيْهَا‏}‏ وَقَالَ فِي الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَالْتَعَنَ وَلَمْ يُحْضِرْ صلى الله عليه وسلم الْمَرْمِيَّ بِالْمَرْأَةِ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَعَنَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ لِلَّذِي قَذَفَهُ بِامْرَأَتِهِ حَدُّ وَلَوْ كَانَ لَهُ لاََخَذَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَبَعَثَ إلَى الْمَرْمِيَّ فَسَأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ حُدَّ وَإِنْ أَنْكَرَ حُدَّ لَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا فَأَنْكَرَ فَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَلَمْ يَحُدَّهُ بِالْتِعَانِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحُدَّ الْعَجْلاَنِيُّ الْقَاذِفَ لَهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ ‏{‏وَلاَ تَجَسَّسُوا‏}‏ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا‏}‏ فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ فَإِنْ أَقَرَّتْ حُدَّتْ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاذِفُهَا زَوْجَهَا‏.‏ قَالَ وَلَمَّا كَانَ الْقَاذِفُ لِامْرَأَتِهِ إذَا الْتَعَنَ لَوْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ الْحَدُّ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَةِ الْمَقْذُوفِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يُسْأَلَ لِيَحُدَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَقْذُوفَةَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ لِلْحَدِّ الَّذِي يَقَعُ لَهَا إنْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَلْتَعِنْ الزَّوْجُ وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ أَعْجَمِيًّا الْتَعَنَ بِلِسَانِهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ الْتَعَنَ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ انْطَلَقَ لِسَانُهُ بَعْدَ الْخَرَسِ لَمْ يُعِدْ ثُمَّ تُقَامُ الْمَرْأَةُ فَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ زَوْجِي فُلاَنًا وَتُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ تَعُودُ حَتَّى تَقُولَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِذَا فَرَغَتْ وَقَّفَهَا الْإِمَامُ وَذَكَّرَهَا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ احْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ إنْ لَمْ تَكُونِي صَادِقَةً فِي أَيْمَانِك فَإِنْ رَآهَا تَمْضِي وَحَضَرَتْهَا امْرَأَةٌ أَمَرَهَا أَنْ تَضَعَ يَدَهَا عَلَى فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهَا وَرَآهَا تَمْضِي قَالَ لَهَا قُولِي وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَغَتْ قَالَ وَإِنَّمَا أَمَرْت بِوَقْفِهِمَا وَتَذْكِيرِهِمَا اللَّهَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه حَكَى ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلاً حِينَ لاَعَنَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ فِي الْخَامِسَةِ وَقَالَ إنَّهَا مُوجِبَةٌ‏}‏ وَلِمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَاتِ أَرْبَعًا ثُمَّ فَصَلَ بَيْنَهُنَّ بِاللَّعْنَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْغَضَبِ فِي الْمَرْأَةِ دَلَّ عَلَى حَالِ افْتِرَاقِ اللِّعَانِ وَالشَّهَادَاتِ وَأَنَّ اللَّعْنَةَ وَالْغَضَبَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مُوجِبَانِ عَلَى مَنْ أَوْجَبَا عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ ثُمَّ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاَللَّهِ بَاطِلاً ثُمَّ يَزِيدُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَلْتَعْنَ وَعَلَى أَنْ يَدْعُوَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا عَرَفَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَهِلاَ أَنْ يَقِفَهُمَا نَظَرًا لَهُمَا بِدَلاَلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

بَابُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ مِنْ الْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَحَدِّ الْمَرْأَةِ

مِنْ كِتَابَيْنِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَإِذَا أَكْمَلَ الزَّوْجُ الشَّهَادَةَ وَالِالْتِعَانَ فَقَدْ زَالَ فِرَاشُ امْرَأَتِهِ وَلاَ تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا بِحَالٍ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ الْتَعَنَتْ أَوْ لَمْ تَلْتَعِنْ وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لاَ سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تُكَذِّبَ نَفْسَك وَقَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا ‏{‏حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏‏.‏

وَلَمَّا قَالَ عليه الصلاة والسلام ‏{‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏}‏ وَكَانَتْ فِرَاشًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ عَنْ الْفِرَاشِ إلَّا بِأَنْ يَزُولَ الْفِرَاشُ وَكَانَ مَعْقُولاً فِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ أَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَإِنَّ نَفْيَهُ عَنْهُ بِيَمِينِهِ بِالْتِعَانِهِ لاَ بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ بِنَفْيِهِ وَمَعْقُولٌ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَجُلِدَ الْحَدَّ إذْ لاَ مَعْنَى لِلْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لِلزَّوْجِ فِيمَا وَصَفْت مِنْ نَفْيِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا مَعْنًى فِي يَمِينِ الزَّوْجِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَإِلْحَاقِهِ‏.‏ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ قَالَتْ‏:‏ لَيْسَ هُوَ مِنْك إنَّمَا اسْتَعَرْته لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا شَيْئًا إذَا عَرَفَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ إلَّا بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ هُوَ ابْنِي، وَقَالَتْ‏:‏ بَلْ زَنَيْت فَهُوَ مِنْ زِنًا كَانَ ابْنَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إلَيْهِ دُونَ أُمِّهِ فَكَذَلِكَ نَفْيُهُ بِالْتِعَانِهِ دُونَ أُمِّهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ إذَا الْتَعَنَ ثُمَّ قَالَتْ‏:‏ صَدَقَ إنِّي زَنَيْت فَالْوَلَدُ لاَحِقٌ وَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا وَلاَ لِعَانَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مَحْدُودَةً فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ فَاسِقًا قَذَفَ عَفِيفَةً مُسْلِمَةً وَالْتَعَنَا نَفْيَ الْوَلَدِ وَهِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَصْدَقُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً فَصَدَّقَتْهُ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ فَجَعَلَ وَلَدَ الْعَفِيفَةِ لاَ أَبَ لَهُ وَأَلْزَمَهَا عَارَهُ وَوَلَدُ الْفَاسِقَةِ لَهُ أَبٌ لاَ يُنْفَى عَنْهُ قَالَ‏:‏ وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الزَّوْجُ اللِّعَانَ وَرِثَ صَاحِبُهُ وَالْوَلَدُ غَيْرُ مَنْفِيٍّ حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَنْ يُكْمِلَ اللِّعَانَ حُدَّ لَهَا، وَإِنْ طَلَبَ الْحَدَّ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ حُدَّ فِيهِ مَرَّةً وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ- فَلاَ يَنْفِي إلَّا عَلَى مَا نَفَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّ الْعَجْلاَنِيَّ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَنَفَى حَمْلَهَا لِمَا اسْتَبَانَهُ فَنَفَاهُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ‏.‏

وَلَوْ أَكْمَلَ اللِّعَانَ وَامْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ أَوْ فِي بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَكَانَتْ ثَيِّبًا رُجِمَتْ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَصِحَّ وَيَنْقَضِيَ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ ثُمَّ تُحَدُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَالْعَذَابُ الْحَدُّ فَلاَ يُدْرَأُ عَنْهَا إلَّا بِاللِّعَانِ وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ لاَ يُلاَعَنُ بِحَمْلٍ لَعَلَّهُ رِيحٌ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنْ لَيْسَ حَمْلٌ أَمَا تُلاَعِنُ بِالْقَذْفِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى، قِيلَ‏:‏ فَلِمَ لاَ يُلاَعِنُ مَكَانَهُ‏؟‏ وَزَعَمَ لَوْ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا فَلَمَّا وَضَعَتْ تَرَكَهَا تِسْعًا وَثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَهِيَ فِي الدَّمِ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ نَفَى الْوَلَدَ مَعَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَيَتْرُكُ مَا حَكَمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَجْلاَنِيّ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ اللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ عَنْهُ كَمَا قُلْنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا قُلْنَا سُنَّةً كَانَ يَجْعَلُ السُّكَاتَ فِي مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ فَزَعَمَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا عَلِمَ فَسَكَتَ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالتَّسْلِيمِ‏.‏ وَفِي الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ إذَا اسْتَخْدَمَهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَحَيْثُ شَاءَ جَعَلَهُ رِضًا ثُمَّ جَاءَ إلَى الْأَشْبَهِ بِالرِّضَا وَالْإِقْرَارِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ رِضًا وَجَعَلَ صَمْتَهُ عَنْ إنْكَارِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كَالْإِقْرَارِ وَأَبَاهُ فِي تِسْعٍ وَثَلاَثِينَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتَيْنِ‏؟‏ وَزَعَمَ بِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الشَّهَادَةَ لِيَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْحَدِّ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْنَى الْقَذْفِ لَزِمَهُ الْحَدُّ قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَحَلَفَتْهُ لِيَخْرُجَ مِنْ شَيْءٍ وَكَذَلِكَ قُلْت‏:‏ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِي مَالٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ جُرْحٍ عَمْدٍ حَكَمْت عَلَيْهِ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ فَلِمَ لاَ تَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ‏:‏ إنَّك تُحَلِّفُهَا لِتَخْرُجَ مِنْ الْحَدِّ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَدْرَأُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهَا الْعَذَابَ فَإِذَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ فَلِمَ لَمْ تُوجِبْ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَمَا قُلْت فِي الزَّوْجِ وَفِيمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ حَدًّا وَفِي التَّنْزِيلِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدْرَأَ بِالشَّهَادَةِ الْعَذَابَ وَهُوَ الْحَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَهُوَ الْمَعْقُولُ وَالْقِيَاسُ وَقُلْت لَهُ‏:‏ لَوْ قَالَتْ لَك‏:‏ لِمَ حَبَسْتَنِي وَأَنْتَ لاَ تَحْبِسُ إلَّا بِحَقٍّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَقُولُ حَبَسْتُك لِتَحْلِفِي فَتَخْرُجِي بِهِ مِنْ الْحَدِّ فَقَالَتْ‏:‏ فَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ فَأَقِمْ الْحَدَّ عَلَيَّ، قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَتْ‏:‏ فَالْحَبْسُ حَدٌّ، قَالَ‏:‏ لاَ، فَقَالَ‏:‏ قَالَتْ‏:‏ فَالْحَبْسُ ظُلْمٌ لاَ أَنْتَ أَقَمْت عَلَيَّ الْحَدَّ وَلاَ مَنَعْت عَنِّي حَبْسًا وَلَنْ تَجِدَ حَبْسِي فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ إجْمَاعٍ وَلاَ قِيَاسٍ عَلَى أَحَدِهَا قَالَ‏:‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ فَالْعَذَابُ الْحَبْسُ فَهَذَا خَطَأٌ فَكَمُّ ذَلِكَ مِائَةُ يَوْمٍ أَوْ حَتَّى تَمُوتَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ أَفَتَرَاهُ عَنَى الْحَدَّ أَمْ الْحَبْسَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ الْحَدَّ وَمَا السَّجْنُ بِحَدٍّ وَالْعَذَابُ فِي الزِّنَا الْحُدُودُ وَلَكِنَّ السَّجْنَ قَدْ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قُلْت‏:‏ وَالسَّفَرُ وَالدَّهَقُ وَالتَّعْلِيقُ كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قَالَ‏:‏ وَاَلَّذِينَ يُخَالِفُونَنَا فِي أَنْ لاَ يَجْتَمِعَا أَبَدًا، وَرَوَى فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضوان الله عليهم لاَ يَجْتَمِعُ الْمُتَلاَعِنَانِ أَبَدًا رَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا قُلْنَا وَأَبَى بَعْضُهُمْ

بَابُ مَا يَكُونُ قَذْفًا وَلاَ يَكُونُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ بِلاَ قَذْفٍ وَقَذْفُ ابْنِ الْمُلاَعِنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَقَالَ‏:‏ لَيْسَ مِنِّي فَلاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ حَتَّى يَقِفَهُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَقْذِفْهَا وَلَمْ تَلِدْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي وَقَدْ عُرِفَ نِكَاحُهَا قَبْلَهُ فَلاَ يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ لِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فِيهِ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ، وَإِنْ سَأَلَتْ يَمِينَهُ أَحَلَفْنَاهُ وَبَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَلَفْنَاهَا وَلَحِقَهُ فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ لَمْ يَلْحَقْهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَمْ أُصِبْهَا قِيلَ‏:‏ قَدْ تُخْطِئُ فَلاَ يَكُونُ حَمْلاً فَيَكُونُ صَادِقًا وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ فَلاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ، فَمَتَى اسْتَيْقَنَّا أَنَّهُ حَمْلٌ قُلْنَا‏:‏ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلَهَا فَتَحْمِلَ مِنْك فَتَكُونَ صَادِقًا بِأَنَّك لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُك فَإِنْ قَذَفْت لاَعَنْت فَإِنْ نَفَى وَلَدَهَا وَقَالَ‏:‏ لاَ أُلاَعِنُهَا وَلاَ أَقْذِفُهَا لَمْ يُلاَعِنْهَا وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ قَذَفَهَا لاَعَنَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لاَعَنَهَا بِغَيْرِ قَذْفٍ فَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ وَقَدْ حَكَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ فَلاَ يَجِبُ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ لَمْ تَزْنِ بِهِ وَلَكِنَّهَا عَصَتْ لَمْ يُنْفَ عَنْهُ إلَّا بِلِعَانٍ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ لِابْنِ مُلاَعَنَةٍ‏:‏ لَسْت ابْنَ فُلاَنٍ أُحْلِفَ مَا أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ وَلاَ حُدَّ فَإِنْ أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ حَدَدْنَاهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ الَّذِي نَفَاهُ حُدَّ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً إنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ إنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ‏:‏ لَسْت بِابْنِي إنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأُمِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْزِيَهُ إلَى حَلاَلٍ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ‏.‏

قَالَ وَإِذَا نَفَيْنَا عَنْهُ وَلَدَهَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ لِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مَا يَلْزَمُهُ لَهُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَبْتُوتَةِ فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ فَهُمَا ابْنَاهُ وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ وَاحِدٌ بِوَلَدَيْنِ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِنْ كَانَ نَفْيُهُ بِقَذْفِهِ لِأُمِّهِ فَعَلَيْهِ لَهَا الْحَدُّ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْتَعَنَ نُفِيَ عَنْهُ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ، وَلَوْ نَفَى وَلَدَهَا بِلِعَانٍ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَأَقَرَّ بِهِ لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ وَحُدَّ لَهَا إنْ كَانَ قَذَفَهَا، وَلَوْ لَمْ يَنْفِهِ وَقَفَ فَإِنْ نَفَاهُ وَقَالَ‏:‏ الْتِعَانِي الْأَوَّلُ يَكْفِينِي؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَلْتَعِنَ مِنْ الْآخَرِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لاَعَنَ وَلَزِمَهُ الْوَلَدَانِ وَهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يُلاَعِنُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَرِثَ الْمَيِّتَ قُلْت لَهُ‏:‏ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرِثُهُ‏؟‏

وَقَالَ أَيْضًا لَوْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ وَمَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْأَبُ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلَمْ يَرِثْهُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ الْمَنْفِيُّ تَرَكَ وَلَدًا حُدَّ أَبُوهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَوَرِثَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ إذَا مَاتَ مَنْفِيَّ النَّسَبِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَعُدْ إلَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَ الْحَيَاةَ بِحَالٍ فَلاَ يَنْتَقِلُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمَنْفِيِّ فِي مَعْنَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ لاَ يَكُونُ ابْنًا بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنُهُ بِالْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ الَّذِي قَدْ انْقَطَعَ نَسَبُ الْحَيِّ مِنْهُ وَاَلَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ نَسَبُ الْحَيِّ يَنْقَطِعُ بِهِ نَسَبُ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ قُتِلَ وَقُسِّمَتْ دِيَتُهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لَحِقَهُ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَمْرِهِ أَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْفِيٌّ مَا كَانَ أَبُوهُ مُلاَعِنًا مُقِيمًا عَلَى نَفْيِهِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ‏:‏ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ‏:‏ زَنَيْت بِك وَطَلَبَا جَمِيعًا مَا لَهُمَا سَأَلْنَا فَإِنْ قَالَتْ‏:‏ عَنَيْت أَنَّهُ أَصَابَنِي وَهُوَ زَوْجِي أُحْلِفَتْ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا وَيَلْتَعِنُ أَوْ يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَتْ‏:‏ زَنَيْت بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَنِي فَهِيَ قَاذِفَةٌ لَهُ وَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ لَهُ بِالزِّنَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي كَانَتْ قَالَتْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقَذْفِ إذَا لَمْ تُرِدْ بِهِ قَذْفًا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ أَزْنَى مِنْ فُلاَنَةَ أَوْ أَزْنَى النَّاسِ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَذْفًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَذْفًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ يَا زَانٍ كَانَ قَذْفًا وَهَذَا تَرْخِيمٌ كَمَا يُقَالُ لِمَالِكٍ يَا مَالٍ وَلِحَارِثٍ يَا حَارٍ، وَلَوْ قَالَتْ‏:‏ يَا زَانِيَةُ أَكْمَلَتْ الْقَذْفَ وَزَادَتْهُ حَرْفًا أَوْ اثْنَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا قَالَ لَهَا يَا‏:‏ زَانٍ لاَعَنَ أَوْ حُدَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَقَالَ نِسْوَةٌ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ‏:‏ يَا زَانِيَةُ لَمْ تُحَدَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَهَذَا جَهْلٌ بِلِسَانِ الْعَرَبِ إذَا تَقَدَّمَ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ مِنْ النِّسَاءِ كَانَ الْفِعْلُ مُذَكَّرًا مِثْلَ قَالَ نِسْوَةٌ وَخَرَجَ النِّسْوَةُ وَإِذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَالْفِعْلُ مُؤَنَّثٌ مِثْلَ قَالَتْ وَجَلَسَتْ وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ‏:‏ لَوْ قَالَ رَجُلٌ‏:‏ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ حُدَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّهُ صَعِدَتْ فِي الْجَبَلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى يَحْلِفُ مَا أَرَادَ إلَّا الرُّقِيَّ فِي الْجَبَلِ وَلاَ حُدَّ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُدَّ إذَا حَلَفَ الْمَقْذُوفُ لَقَدْ أَرَادَ الْقَذْفَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، أَوْ قَالَ‏:‏ وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَدْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ قَالَ مُسْتَكْرَهَةً أَوْ زَنَى بِك صَبِيٌّ لاَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَيُعَزَّرُ لِلْأَذَى إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك حُدَّ وَلاَ لِعَانَ؛ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكَلَّمَ بِهِ وَيَوْمِ تُوقِعُهُ‏.‏

وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا وَلاَعَنَهَا وَطَلَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ قَبْلَ النِّكَاحِ حُدَّ لَهَا، وَلَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حَتَّى حَدَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْقَذْفِ بَعْدَ النِّكَاحِ لاَعَنَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ قَاذِفًا غَيْرَ زَوْجَتِهِ الْحَدُّ وَحُكْمَهُ قَاذِفًا زَوْجَتَهُ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَهُ‏:‏ بَلْ أَنْتَ زَانٍ لاَعَنَهَا وَحُدَّتْ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ فَأَبْطَلَ الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا وَكَانَتْ حُجَّتُهُ أَنْ قَالَ‏:‏ أَسْتَقْبِحُ أَنْ أُلاَعِنَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَحُدَّهَا وَمَا قَبُحَ فَأَقْبَحُ مِنْهُ تَعْطِيلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ قَذَفَهَا وَأَجْنَبِيَّةً بِكَلِمَةٍ لاَعَنَ وَحُدَّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لاَعَنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَشَاحَحْنَ أَيَّتُهُنَّ تَبْدَأُ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَأَيَّتُهُنَّ بَدَأَ الْإِمَامُ بِهَا رَجَوْت أَنْ لاَ يَأْثَمَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ إلَّا وَاحِدًا وَاحِدًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَالَ فِي الْحُدُودِ‏:‏ وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ فَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ كَانَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ حَدٌّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَصَابَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي رَمَاهَا فِيهِ فَلَهُ أَنْ يُلاَعِنَ وَالْوَلَدُ لَهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْفَى الْوَلَدُ إذَا قَالَ‏:‏ اسْتَبْرَأْتهَا كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى نَفْيِ وَلَدِ الْعَجْلاَنِيِّ إذَا قَالَ‏:‏ لَمْ أُقِرَّ بِهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا قِيلَ فَالْعَجْلاَنِي سَمَّى الَّذِي رَأَى بِعَيْنِهِ يَزْنِي وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ أَشْهُرًا وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلاَمَةً تُثْبِتُ صِدْقَ الزَّوْجِ فِي الْوَلَدِ فَلاَ يُلاَعِنُ وَيُنْفَى عَنْهُ الْوَلَدُ إذًا إلَّا بِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَمَا حُجَّتُك فِي أَنَّهُ يُلاَعِنُ وَيَنْفِي الْوَلَدَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ قُلْت‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَكَانَتْ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ رَامٍ لِمُحْصَنَةٍ قَالَ الرَّامِي لَهَا‏:‏ رَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ لَمْ يَقُلْ رَأَيْتهَا تَزْنِي؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الرَّامِي، وَقَالَ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ فَكَانَ الزَّوْجُ رَامِيًا قَالَ‏:‏ رَأَيْت أَوْ عَلِمْت بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ وَقَدْ يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ وَتَلِدُ مِنْهُ فَلاَ مَعْنَى لَهُ مَا كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ زَنَتْ بَعْدَ الْقَذْفِ أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا فَيَلْتَعِنَ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله كَيْفَ يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى صِدْقِهِ وَالْوَقْتُ الَّذِي رَمَاهَا فِيهِ كَانَتْ فِي الْحُكْمِ غَيْرَ زَانِيَةٍ‏؟‏ وَأَصْلُ قَوْلِهِ‏:‏ إنَّمَا يُنْظَرُ فِي حَالِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالرَّمْيِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَزْنِ قَطُّ قَالَ‏:‏ وَلَوْ لاَعَنَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا فَلاَ حَدَّ لَهَا كَمَا لَوْ حُدَّ لَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا لَمْ يُحَدَّ ثَانِيَةً وَيُنْهَى فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ‏.‏

وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَطَلَبَا الْحَدَّ فَإِنْ الْتَعَنَ فَلاَ حَدَّ لَهُ إذَا بَطَلَ الْحَدُّ لَهَا بَطَلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ لَهُمَا أَوْ لِأَيِّهِمَا طَلَبَ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدِّ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ لِعَانٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ رَمَى الْعَجْلاَنِيُّ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ وَهُوَ ابْنُ السَّحْمَاءِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَلاَعَنَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَحُدَّهُ لَهُ، وَلَوْ قَذَفَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ حُدَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حِينَ لَزِمَهَا الْحُكْمُ بِالْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ زَانِيَةً حُدَّتْ وَلَزِمَهَا اسْمُ الزِّنَا وَلَكِنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا هَكَذَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهَا حُبِسَ حَتَّى يَعْدِلُوا‏.‏

وَلاَ يُكَفَّلُ رَجُلٌ فِي حَدٍّ وَلاَ لِعَانٍ وَلاَ يُحْبَسُ بِوَاحِدٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِهِ كَفَالَةَ الْوَجْهِ فِي غَيْرِ الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ زَنَى فَرْجُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك فَهُوَ قَذْفٌ وَكُلُّ مَا قَالَهُ وَكَانَ يُشْبِهُ الْقَذْفَ إذَا احْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَقَدْ ‏{‏أَتَى رَجُلٌ مِنْ فَزَارَةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ صلى الله عليه وسلم قَذْفًا‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏ فَكَانَ خِلاَفًا لِلتَّصْرِيحِ وَلاَ يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ عُدُولٍ يَبْعَثُهُمْ السُّلْطَانُ‏.‏

بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا جَاءَ الزَّوْجُ وَثَلاَثَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى امْرَأَتِهِ مَعًا بِالزِّنَا لاَعَنَ الزَّوْجُ فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّوْجِ غَيْرُ حُكْمِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لاَ يُلاَعِنُونَ وَيَكُونُونَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَذَفَةً يُحَدُّونَ إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً، وَإِذَا عَلِمَ بِأَنَّهَا قَدْ وَتَّرَتْهُ فِي نَفْسِهِ بِأَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَأْخُذَ كَثِيرَ مَالِهِ أَوْ تَشْتُمَ عِرْضَهُ أَوْ تَنَالَهُ بِشَدِيدٍ مِنْ الضَّرْبِ بِمَا يُبْقِي عَلَيْهِ مِنْ الْعَارِ فِي نَفْسِهِ بِزِنَاهَا تَحْتَهُ وَعَلَى وَلَدِهِ فَلاَ عَدَاوَةَ تَصِيرُ إلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ تَكَادُ تَبْلُغُ هَذَا وَنَحْنُ لاَ نُجِيزُ شَهَادَةَ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَوْ قَذَفَهَا وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا فَجَاءَ بِأَرْبَعَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهَا زَنَتْ لَمْ يُلاَعِنْ حَتَّى تَلِدَ فَيَلْتَعِنَ إذَا أَرَادَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَلَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ تُحَدُّ قَالَ‏:‏ وَلَوْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا لَمْ يُلاَعِنْ وَلَمْ يُحَدَّ وَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَذَفَهَا وَقَالَ‏:‏ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُشْرِكَةً فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا يَوْمَ قَذَفَهَا حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ الْحَدَّ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيُعَزَّرُ إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَادَّعَى أَنَّهَا مُرْتَدَّةٌ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا فَسَأَلَ الْأَجَلَ لَمْ أُؤَجِّلْهُ إلَّا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا حُدَّ أَوْ لاَعَنَ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَهَا كَبِيرَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَهَا صَغِيرَةً فَهَذَانِ قَذْفَانِ مُفْتَرَقَانِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ شُهُودُهَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مُتَصَادِمَةٌ وَلاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَذَفَهُمَا وَقَذَفَ امْرَأَتَهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهَا إلَّا أَنْ يَعْفُوَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا وَيَرَى مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ حَسُنَ فَيَجُوزَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَجُوزَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلاَمَيْنِ غَيْرُ الْآخَرِ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي بِقَذْفِهَا وَتُقْبَلُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحُدُودِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ أَوْ يَأْخُذَ اللِّعَانَ أَحْضَرَ الْمَأْخُوذَ لَهُ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ وَأَمَّا حُدُودُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ‏.‏

الْوَقْتُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ وَنَفْيِ وَلَدِ الْأَمَةِ

مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِذَا عَلِمَ الزَّوْجُ بِالْوَلَدِ فَأَمْكَنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ يَلْقَاهُ لَهُ إمْكَانًا بَيِّنًا فَتَرَكَ اللِّعَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ كَمَا يَكُونُ بَيْعُ الشِّقْصِ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ تَرَكَ الشَّفِيعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ تَكُنْ الشُّفْعَةُ لَهُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْوَلَدِ فَيَكُونُ لَهُ نَفْيُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ جَازَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ شَيْخًا وَهُوَ مُخْتَلِفٌ مَعَهُ اخْتِلاَفَ الْوَلَدِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يَكُونُ لَهُ نَفْيُهُ ثَلاَثًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا كَانَ مَذْهَبًا وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ مَنْ قَضَى بِعَذَابِهِ ثَلاَثًا وَأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلْمُهَاجِرِ بَعْد قَضَاءَ نُسُكِهِ فِي مَقَامِ ثَلاَثٍ بِمَكَّةَ‏}‏ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ‏:‏ إنْ لَمْ يُشْهِدْ مَنْ حَضَرَهُ بِذَلِكَ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ لَوْ جَازَ فِي يَوْمَيْنِ جَازَ فِي ثَلاَثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ فِي مَعْنَى ثَلاَثَةٍ وَقَدْ قَالَ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ نَفْيَهُ فِي تِسْعٍ وَثَلاَثِينَ وَأَبَاهُ فِي أَرْبَعِينَ‏:‏ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتَيْنِ‏؟‏ فَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ عِنْدِي بِمَعْنَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ وَأَيُّ مُدَّةٍ‏؟‏ قُلْت لَهُ‏:‏ نَفْيُهُ فِيهَا فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْيِهِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِمَا يَخَافُ قُوَّتَهُ أَوْ بِمَرَضٍ لَمْ يَنْقَطِعْ نَفْيُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَبَلَغَهُ فَأَقَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ إلَّا بِأَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْيِهِ ثُمَّ يَقْدَمُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَمْ أُصَدِّقْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَالَ‏:‏ لَمْ أَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ رَآهَا حُبْلَى فَلَمَّا وَلَدَتْ نَفَاهُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَدْرِ لَعَلَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ لاَعَنَ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ قُلْت‏:‏ لَعَلَّهُ بِمَوْتٍ فَأَسْتُرُ عَلَيَّ وَعَلَيْهَا لَزِمَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ، وَلَوْ هُنِّئَ بِهِ فَرَدَّ خَيْرًا وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ يُكَافِئُ الدُّعَاءَ بِالدُّعَاءِ‏.‏

وَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ ‏{‏فَإِنَّ سَعْدًا قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَك يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ فَأَعْلَمَ أَنَّ الْأَمَةَ تَكُون فِرَاشًا مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ تَعْتَرِفُ لِسَيِّدِهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عُمَرُ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ وَهَذَا إنْ حَمَلَتْ وَكَانَ عَلَى إحَاطَةٍ مِنْ أَنَّهَا مَنْ تَحْمِلُ مِنْهُ فَوَاسِعٌ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ أَنْ يَنْفِيَ وَلَدَهَا قَالَ‏:‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا أَلْحَقْت الْوَلَدَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءً بَعْدَ الْوَطْءِ فَيَكُونُ دَلِيلاً لَهُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ لَوْ وَلَدَتْ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَلَيْسَ هُوَ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِوَاحِدٍ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ بِآخَرَ فَلَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْأَوَّلِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالثَّانِي وَلَهُ عَبْدُهُ أَنْ يُقِرَّ بِوَاحِدٍ وَيَنْفِيَ ثَانِيًا وَبِثَالِثٍ وَيَنْفِيَ رَابِعًا ثُمَّ قَالُوا‏:‏ لَوْ أَقَرَّ بِوَاحِدٍ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ بِوَلَدٍ فَلَمْ يَنْفِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ قَطُّ ثُمَّ قَالُوا‏:‏ لَوْ أَنَّ قَاضِيًا زَوَّجَ امْرَأَةً رَجُلاً فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَفَارَقَهَا سَاعَةَ مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ثَلاَثًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَ الزَّوْجَ قَالُوا‏:‏ هَذَا فِرَاشٌ قِيلَ‏:‏ وَهَلْ كَانَ فِرَاشًا قَطُّ يُمْكِنُ فِيهِ الْجِمَاعُ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيّ رحمه الله إذَا أَحَاطَ الْعِلْمَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ الزَّوْجِ فَالْوَلَدُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِلاَ لِعَانٍ‏.‏

كِتَابُ الْعِدَدِ

عِدَّةُ الْمَدْخُولِ بِهَا

مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَمِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَالرِّسَالَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَالْأَقْرَاءُ عِنْدَهُ الْأَطْهَارُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- بِدَلاَلَتَيْنِ أُولاَهُمَا‏:‏ الْكِتَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْأُخْرَى اللِّسَانُ‏.‏

قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي غَيْرِ حَدِيثٍ ‏{‏لَمَّا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَرْتَجِعُهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِك‏}‏ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ فِي قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ‏}‏ الشَّافِعِيُّ شَكَّ فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ الْأَطْهَارُ دُونَ الْحَيْضِ وَقَرَأَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا، وَلَوْ طَلُقَتْ حَائِضًا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدَّتَهَا إلَّا مِنْ بَعْدِ الْحَيْضِ وَالْقُرْءُ اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنًى فَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ وَالطُّهْرُ دَمًا يُحْتَبَسُ فَلاَ يَخْرُجُ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَبْسُ تَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ هُوَ يُقْرِي الْمَاءَ فِي حَوْضِهِ وَفِي سِقَائِهِ وَتَقُولُ هُوَ يُقْرِي الطَّعَامَ فِي شِدْقِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها هَلْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَقَالَتْ إذَا طَعَنَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَالنِّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلاَ تَرِثُهُ وَلاَ يَرِثُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا إلَّا وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الطُّهْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ وَكَانَ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ كَامِلَيْنِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ كَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ طُهْرَانِ كَامِلاَنِ وَبَعْضُ طُهْرٍ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلاَ فِي السُّنَّةِ لِلْغُسْلِ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مَعْنًى تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ‏.‏

وَلَوْ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةٍ فَذَلِكَ قُرْءٌ وَتُصَدَّقُ عَلَى ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ فِي أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَأَقَلُّ مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلْمِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَوْمًا بِلَيْلَةٍ فَيَكُونُ الْمُفَسَّرُ مِنْ قَوْلٍ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ وَهَكَذَا أَصْلُهُ فِي الْعِلْمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ طُهْرَ امْرَأَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ جَعَلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَهَا وَكَذَلِكَ تُصَدَّقُ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ فِي الثَّلاَثَةِ دَفْعَةً ثُمَّ ارْتَفَعَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّفْعَةَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً أَوْ لَمْ تَرَ طُهْرًا حَتَّى يُكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَكَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ وَالْحَيْضَ قَبْلَهُ قَدْرُ طُهْرٍ، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَلَوْ طَبَقَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ فِي أَيَّامٍ أَحْمَرَ قَانِيًا مُحْتَدِمًا كَثِيرًا وَفِي أَيَّامٍ بَعْدَهُ رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ الْمُحْتَدِمِ الْكَثِيرِ وَطُهْرُهَا أَيَّامُ الرَّقِيقِ الْقَلِيلِ إلَى الصُّفْرَةِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَبِهًا كَانَ حَيْضُهَا بِقَدْرِ أَيَّامِ حَيْضِهَا فِيمَا مَضَى قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا تَرَكَتْ الصَّلاَةَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَاسْتَقْبَلْنَا بِهَا الْحَيْضَ مِنْ أَوَّلِ هِلاَلٍ يَأْتِي عَلَيْهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلاَقِ فَإِذَا هَلَّ هِلاَلُ الرَّابِعِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ جَعَلَتْ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً فَلاَ أَجِدُ مَعْنًى أَوْلَى بِعِدَّتِهَا مِنْ الشُّهُورِ‏.‏

وَلَوْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ حَتَّى تَبْلُغَ السِّنَّ الَّتِي مَنْ بَلَغَهَا لَمْ تَحِضْ بَعْدَهَا مِنْ الْمُؤَيِّسَاتِ اللَّاتِي جَعَلَ اللَّهُ عِدَّتَهُنَّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فَاسْتَقْبَلَتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِثْلُ هَذَا وَهُوَ يُشْبِهُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي امْرَأَةِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ طَلَّقَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ تُرْضِعُ فَأَقَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا لاَ تَحِيضُ ثُمَّ مَرِضَ‏:‏ مَا تَرَيَانِ‏؟‏ قَالاَ‏:‏ نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْحَيْضِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْأَبْكَارِ اللَّاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ الْمَحِيضَ ثُمَّ هِيَ عَلَى عِدَّةِ حَيْضِهَا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ ابْنَتَهُ فَلَمَّا فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ قَبْلَ الثَّالِثَةِ فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَوَرِثَتْهُ‏.‏ وَقَالَ عَطَاءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا يَئِسَتْ اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ فِي قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الَّتِي رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي امْرَأَةٍ قَدْ بَلَغَتْ السِّنَّ الَّتِي مَنْ بَلَغَهَا مِنْ نِسَائِهَا يَئِسْنَ فَلاَ يَكُونُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَذَلِكَ وَجْهٌ عِنْدَنَا‏.‏

قَالَ وَإِنْ مَاتَ صَبِيٌّ لاَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَوَضَعَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرِ وَعَشْرٍ أَتَمَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ فَإِنْ مَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَلَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ يَغِيبُ فِي الْفَرْجِ أَوْ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَكَانَ وَالْخَصِيُّ يُنْزِلاَنِ لَحِقَهُمَا الْوَلَدُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتَاهُمَا كَمَا تَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْفَحْلِ، وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ مَيِّتًا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا‏.‏

وَإِنْ طَلَّقَ مَنْ لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَشَهْرًا ثَلاَثِينَ لَيْلَةً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا تِلْكَ السَّاعَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا مِنْ الشَّهْرِ‏.‏

وَلَوْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلاَثَةِ الْأَشْهُرِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ انْقِضَائِهَا بِطَرْفَةٍ خَرَجَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَاسْتَقْبَلَتْ الْأَقْرَاءَ‏.‏

قَالَ وَأَعْجَبُ مَنْ سَمِعْت بِهِ مِنْ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءُ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ فَتَعْتَدُّ إذَا حَاضَتْ مِنْ هَذِهِ السِّنِّ بِالْأَقْرَاءِ فَإِنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَحِضْ قَطُّ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، وَلَوْ طَرَحَتْ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ مُضْغَةً أَوْ غَيْرَهَا حَلَّتْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَالَ فِي كِتَابَيْنِ‏:‏ لاَ تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى يُبَيَّنَ فِيهِ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ وَهَذَا أَقْيَسُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَمْلِ تَرَكَتْ الصَّلاَةَ وَاجْتَنَبَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَنْقَضِ بِالْحَيْضِ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً بِهِ وَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَلاَ تَنْكِحُ الْمُرْتَابَةُ، وَإِنْ أَوْفَتْ عِدَّتَهَا؛ لِأَنَّهَا لاَ تَدْرِي مَا عِدَّتُهَا فَإِنْ نَكَحَتْ لَمْ يُفْسَخْ وَوَقَفْنَاهُ فَإِنْ بَرِئَتْ مِنْ الْحَمْلِ فَهُوَ ثَابِتٌ وَقَدْ أَسَاءَتْ، وَإِنْ وَضَعَتْ بَطَلَ النِّكَاحُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله جَعَلَ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِحَيْضِهَا مَعْنًى يَعْتَدُّ بِهِ كَمَا تَكُونُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَإِذَا حَدَثَ الْحَيْضُ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ وَالشُّهُورِ كَمَا كَانَتْ تَمُرُّ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْحَيْضُ يَمُرُّ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كُلُّ حَيْضٍ عِدَّةً كَمَا لَيْسَ كُلُّ شُهُورٍ عِدَّةً‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ حَامِلاً بِوَلَدَيْنِ فَوَضَعَتْ الْأَوَّلَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ ارْتَجَعَهَا وَخَرَجَ بَعْضُ وَلَدِهَا وَبَقِيَ بَعْضُهُ كَانَتْ رَجْعَةً وَلاَ تَخْلُو حَتَّى يُفَارِقَهَا كُلُّهُ، وَلَوْ أَوْقَعَ الطَّلاَقَ فَلَمْ يَدْرِ أَقَبْلَ أَوْلاَدِهَا أَمْ بَعْدَهُ فَقَالَ وَقَعَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ فَلِي الرَّجْعَةُ وَكَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ وَالْخُلُوُّ مِنْ الْعِدَّةِ حَقٌّ لَهَا وَلَمْ يَدْرِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ وَلاَ نُزِيلُهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَالْوَرَعُ أَنْ لاَ يَرْتَجِعَهَا‏.‏

وَلَوْ طَلَّقَهَا فَلَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً وَلاَ نِكَاحًا حَتَّى وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَهُوَ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الطَّلاَقِ لِمَا لاَ يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَهُ مِنْهُ فَلاَ مَعْنَى لِلِّعَانِ بِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ‏:‏ كُلَّمَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ بِالْآخَرِ وَلَمْ نُلْحِقْ بِهِ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ طَلاَقَهُ وَقَعَ بِوِلاَدَتِهَا ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا نِكَاحًا وَلاَ رَجْعَةً، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فَكَانَ الْوَلَدُ مُنْتَفِيًا عَنْهُ بِلاَ لِعَانٍ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ فِي الظَّاهِرِ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَوَضْعُهَا لِمَا لاَ يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ مِنْ ذَلِكَ أَبْعَدُ وَبِأَنْ لاَ يَحْتَاجَ إلَى لِعَانٍ بِهِ أَحَقُّ‏.‏

قَالَ وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ نَكَحَهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ أَصَابَهَا وَهِيَ تَرَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَعَلَى وَرَثَتِهِ عَلَى عِلْمِهِمْ إنْ كَانَ مَيِّتًا، وَلَوْ نَكَحَ فِي الْعِدَّةِ وَأُصِيبَتْ فَوَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ نِكَاحِ الْآخَرِ وَتَمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فِرَاقِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فِرَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ ابْنٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَهَذَا قَدْ نَفَاهُ بِلاَ لِعَانٍ فَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ‏.‏

قَالَ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَكَيْفَ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ إذَا أَقَرَّتْ أُمُّهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ إقْرَارِهَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لِمَا أَمْكَنَ أَنْ تَحِيضَ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْحَمْلُ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَلْزَمْنَاهُ الْأَبَ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَمْلاً مِنْهُ وَكَانَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلاَ يَمْلِكُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كِلْتَيْهِمَا تَحِلَّانِ بِانْقِضَاءٍ لِلْأَزْوَاجِ، وَقَالَ فِي بَابِ اجْتِمَاعِ الْعِدَّتَيْنِ‏:‏ وَالْقَافَّةُ إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ دَعَا لَهُ الْقَافَّةَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ لِلثَّانِي‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَجَمَعَ بَيْنَ مَنْ لَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا وَمَنْ لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَحِلَّ فِي بَابِ اجْتِمَاعِ الْعِدَّتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

لاَ عِدَّةَ عَلَى الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ قَالَ وَالْمَسِيسُ الْإِصَابَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمَا‏:‏ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا بِالْإِصَابَةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَكَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَإِنْ وَلَدَتْ الَّتِي قَالَ زَوْجُهَا‏:‏ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَكْثَرَ مَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ مِنْ يَوْمِ عَقَدَ نِكَاحَهَا لَحِقَ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إذَا أَلْزَمْنَاهُ الْوَلَدَ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُصِيبٌ مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ خَلاَ بِهَا فَقَالَ‏:‏ لَمْ أُصِبْهَا وَقَالَتْ‏:‏ قَدْ أَصَابَنِي وَلاَ وَلَدَ فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِشَاهِدٍ بِإِقْرَارِهِ أَحَلَفْتهَا مَعَ شَاهِدِهَا وَأَعْطَيْتهَا الصَّدَاقَ

بَابُ الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْتِ وَالطَّلاَقِ وَزَوْجٍ غَائِبٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ يَقِينَ مَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ طَلاَقِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَيِّ عِلْمٍ اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ كَانَتْ فِيهِ الْوَفَاةُ وَالطَّلاَقُ، وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ حَتَّى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ‏:‏ تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ تَكُونُ الْوَفَاةُ أَوْ الطَّلاَقُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ‏.‏

بَابٌ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَقَالَ فِي الْإِمَاءِ ‏{‏فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ وَذَكَرَ الْمَوَارِيثَ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته أَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ وَفَرَضَ اللَّهُ الْعِدَّةَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَفِي الْمَوْتِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَسَنَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْتَبْرِئَ الْأَمَةُ بِحَيْضَةٍ، وَكَانَتْ الْعِدَّةُ فِي الْحَرَائِرِ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وَكَانَتْ الْحَيْضَةُ فِي الْأَمَةِ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ مَعْدُودٌ فَلَمْ يَجُزْ إذَا وَجَدْنَا مَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّلاَئِلِ عَلَى الْفَرْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ نَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ، فَأَمَّا الْحَيْضَةُ فَلاَ يُعْرَفُ لَهَا نِصْفٌ فَتَكُونُ عِدَّتِهَا فِيهِ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ مِنْ النِّصْفِ إذَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْ النِّصْفِ شَيْءٌ وَذَلِكَ حَيْضَتَانِ‏.‏ وَأَمَّا الْحَمْلُ فَلاَ نِصْفَ لَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَطْعِ نِصْفٌ فَقَطَعَ الْعَبْدَ وَالْحُرَّ‏.‏ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه‏:‏ يُطَلِّقُ الْعَبْدُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا قَالَ‏:‏ وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَكْمَلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ وَهِيَ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي عَامَّةِ أَمْرِهَا وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّتِهَا بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلاَقٍ وَتُكْمِلُ مِنْهُ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلاَقِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَحْدَثَ لَهَا رَجْعَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُصِبْهَا بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ لَمْ تُمْسَسْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ بَلْ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلاَقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَصَارَتْ فِي مَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لاَ بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبِلٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ ابْتَدَأَ طَلاَقَهَا مَدْخُولاً بِهَا، وَلَوْ كَانَ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ عَتَقَتْ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ تَبْنِيَ عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى وَلاَ خِيَارَ لَهَا وَلاَ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَالثَّانِي أَنْ تُكْمِلَ عِدَّةَ حُرَّةٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ثُمَّ تَحِيضُ‏:‏ إنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْحَيْضَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي بَعْضِ عِدَّتِهَا حُرَّةً وَهِيَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ وَكَذَلِكَ قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ مُقِيمًا وَيُصَلِّيَ صَلاَةَ مُسَافِرٍ، وَقَالَ هَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقِيَاسِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ هَذَا يَقْضِي عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ لِمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ ظِهَارٍ ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً أَنْ يَصُومَ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِدُ رَقَبَةً وَيُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ وَلاَ لِمَنْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ بِالتَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجِدُ الْمَاءَ وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ كَمَا قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي عِدَّتِهَا مِمَّنْ تَحِيضُ وَتَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَقَاوِيلِهِ، وَقَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَرْءُ وَمَا بَيْنَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ فَجَعَلَ الْمُسْتَقْبِلَ فِيهِ كَالْمُسْتَدْبِرِ‏.‏

قَالَ وَالطَّلاَقُ إلَى الرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَثَرِ وَمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا سِوَى هَذَا مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ تُقَامُ عَلَيْهِمَا أَلاَ تَرَى أَنَّ الْحُرَّ الْمُحْصَنَ يَزْنِي بِالْأَمَةِ فَيُرْجَمُ وَتُجْلَدُ الْأَمَةُ خَمْسِينَ وَالزِّنَا مَعْنًى وَاحِدٌ فَاخْتَلَفَ حُكْمُهُ لِاخْتِلاَفِ حَالِ فَاعِلِيهِ فَكَذَلِكَ يُحْكَمُ لِلْحُرِّ حُكْمُ نَفْسِهِ فِي الطَّلاَقِ ثَلاَثًا، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً وَعَلَى الْأَمَةِ عِدَّةُ أَمَةٍ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا‏.‏

عِدَّةُ الْوَفَاةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ‏}‏ الآيَةَ‏.‏، فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا عَلَى الْحُرَّةِ غَيْرِ ذَاتِ الْحَمْلِ ‏{‏لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لسبيعة الْأَسْلَمِيَّةِ وَوَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت‏}‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه‏:‏ لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ لَحَلَّتْ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إذَا وَضَعَتْ حَلَّتْ قَالَ‏:‏ فَتَحِلُّ إذَا وَضَعَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَمَفْسُوخٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَفَقَةٌ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ لِأَنَّ مَالِكَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً فَإِنْ مَاتَ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْهِلاَلِ عَشْرُ لَيَالٍ أَحْصَتْ مَا بَقِيَ مِنْ الْهِلاَلِ فَإِنْ كَانَ عِشْرِينَ حَفِظْتهَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الشَّهْرَ الرَّابِعَ فَأَحْصَتْ عِدَّةَ أَيَّامِهِ فَإِذْ كَمُلَ لَهَا ثَلاَثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَقَدْ أَوْفَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاسْتَقْبَلَتْ عَشْرًا بِلَيَالِيِهَا فَإِذَا أَوْفَتْ لَهَا عَشْرًا إلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ فِيهَا بِحَيْضٍ كَمَا لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ فِي الْحَيْضِ بِشُهُورٍ وَلِأَنَّ كُلَّ عِدَّةٍ حَيْثُ جَعَلَهَا اللَّهُ إلَّا أَنَّهَا إنْ ارْتَابَتْ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا مِنْ الرِّيبَةِ‏.‏

وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثَلاَثًا فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَقَدْ قِيلَ‏:‏ لاَ تَرِثُ مَبْتُوتَةً وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ لِمَنْ قَالَ بِهِ قُلْت‏:‏ فَالِاسْتِخَارَةُ شَكٌّ، وَقَوْلُهُ‏:‏ يَصِحُّ، إبْطَالٌ لِلشَّكِّ وَقَالَ فِي اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى‏:‏ إنَّ الْمَبْتُوتَةَ لاَ تَرِثُ وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَبِمَعْنَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَّثَ الزَّوْجَةَ مِنْ زَوْجٍ يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلَمَّا كَانَتْ إنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَعْتَدَّ مِنْهُ عِدَّةً مِنْ وَفَاتِهِ خَرَجَتْ مِنْ مَعْنَى حُكْمِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْقُرْآنِ‏.‏ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى مَنْ وَرِثَ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ مِنْ ابْنٍ ادَّعَيَاهُ وَوَرِثَ الِابْنُ إنْ مَاتَا قَبْلَهُ الْجَمِيعَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ إنَّمَا يَرِثُ النَّاسُ مِنْ حَيْثُ يُوَرِّثُونَ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَا يَرِثَانِهِ نِصْفَيْنِ بِالْبُنُوَّةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْأُبُوَّةِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَكَذَلِكَ إنَّمَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ مِنْ حَيْثُ يَرِثُ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ بِمَعْنَى النِّكَاحِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِإِجْمَاعٍ ارْتَفَعَ حُكْمُهُ والموارثة بِهِ وَلِمَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لاَ يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لاَ تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ قِيلَ‏:‏ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي حَيَاتِهِ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنهما إنْ مَاتَ أَنْ يُوَرِّثَهَا مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ‏:‏ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَرَ أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ وَهَذَا اخْتِلاَفٌ وَسَبِيلُهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ مَا قُلْنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثَلاَثًا فَمَاتَ وَلاَ تُعْرَفُ اعْتَدَّتَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا تُكْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِيهَا ثَلاَثَ حِيَضٍ‏.‏

بَاب مَقَام الْمُطَلَّقَةِ فِي بَيْتِهَا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا

مِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ ‏{‏لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ‏}‏ ‏{‏وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ حِين أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ أَنْ تَبْدُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِذَا بَدَتْ فَقَدْ حَلَّ إخْرَاجُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله هُوَ مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَمَرَ بِهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إلَى مَرْوَانَ فِي مُطَلَّقَةٍ انْتَقَلَهَا اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا قَالَ مَرْوَانُ أَمَا بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ لاَ عَلَيْك أَنْ تَذْكُرَ فَاطِمَةُ فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ بِك شَرٌّ فَحَسْبُك مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ تَعْتَدُّ الْمَبْتُوتَةُ فِي بَيْتِهَا فَقِيلَ لَهُ‏:‏ فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَدْ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ فِي لِسَانِهَا ذَرَابَةٌ فَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَعَائِشَةُ وَمَرْوَانُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ يَعْرِفُونَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ كَمَا حَدَّثَتْ وَيَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِلشَّرِّ وَكَرِهَ لَهَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا كَتَمَتْ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ غَيْرِ زَوْجِهَا خَوْفًا أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ سَامِعٌ فَيَرَى أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَلَمْ يَقُلْ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْت بَلْ خَصَّهَا إذْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَمْلِكُهَا فَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ فَهُوَ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَفِي مَالِ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ وَلِزَوْجِهَا إذَا تَرَكَهَا فِيمَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ وَتَسْتُرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَنْ يَسْكُنَ فِي سِوَى مَا يَسَعُهَا، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ‏:‏ لاَ يُغْلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا حُجْرَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ بَالِغٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى زَوْجِهَا دَيْنٌ لَمْ يَبِعْ مَسْكَنَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا مَلَكَتْ عَلَيْهِ سُكْنَى مَا يَكْفِيهَا حِينَ طَلَّقَهَا كَمَا يَمْلِكُ مَنْ يَكْتَرِي، وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ لاَ يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَكْتَرِهِ فَلِأَهْلِهِ إخْرَاجُهَا وَعَلَيْهِ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ فَتَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَقَلِّ قِيمَةِ سُكْنَاهَا وَتَتْبَعُهُ بِفَضْلِهِ مَتَى أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي مَوْتِهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ مَا وَصَفْت وَمَنْ قَالَهُ احْتَجَّ ‏{‏بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِفُرَيْعَةَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ وَالثَّانِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَسْكُنُوهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ مَلَكُوا دُونَهُ فَلاَ سُكْنَى لَهَا كَمَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا، وَمَنْ قَالَهُ قَالَ‏:‏ إنَّ ‏{‏قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِفُرَيْعَةَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك مَا لَمْ يُخْرِجْك مِنْهُ أَهْلُك‏}‏؛ لِأَنَّهَا وَصَفَتْ أَنَّ الْمَنْزِلَ لَيْسَ لِزَوْجِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَامِلاً وَغَيْرَ حَامِلٍ وَقَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ وَكَذَلِكَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ السُّكْنَى بِالْمَوْتِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ نَفَقَةٌ وَسُكْنَى مِنْ وَلَدٍ وَوَالِدٍ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ لَهُمْ وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مِيرَاثًا لَهُمْ فَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ وَسَائِرُ وَرَثَتِهِ يَرِثُونَ جَمِيعَ مَالِهِ‏.‏

قَالَ وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسَكِّنُوهَا حَيْثُ شَاءُوا إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا حِرْزًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَخُصَّهَا حَيْثُ تَرْضَى لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالزَّوْجِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ فَنَقَلَ مَتَاعَهَا وَخَدَمَهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ بِبَدَنِهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ طَلَّقَ اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا بِهَا أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَزَايَلَتْ مَنْزِلَهُ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَسَوَاءٌ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَمْضِيَ لِسَفَرِهَا ذَاهِبَةً وَجَائِيَةً وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ سَفَرَهَا وَلاَ تُقِيمَ فِي الْمِصْرِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهَا فِي الْمَقَامِ فِيهِ أَوْ النَّقْلَةِ إلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْمِصْرَ فَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهَا مُسَافِرَةً أَقَامَتْ مَا يُقِيمُ الْمُسَافِرُ مِثْلَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ وَأَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي زِيَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ لَيْسَتْ مَقَامًا وَلاَ تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلاَ إلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ وَتَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ، وَلَوْ صَارَتْ إلَى بَلَدٍ أَوْ مَنْزِلٍ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا‏:‏ أَقِيمِي وَلاَ تُقِيمِي ثُمَّ طَلَّقَهَا فَقَالَ‏:‏ لَمْ أَنْقُلْك وَقَالَتْ‏:‏ نَقَلَتْنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّهُ كَانَ لِلزِّيَارَةِ أَوْ مُدَّةً تُقِيمُهَا فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ وَفِي مَقَامِهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُقِيمَ إلَى الْمُدَّةِ كَمَا جَعَلَ لَهَا أَنْ تُقِيمَ فِي سَفَرِهَا إلَى غَايَةٍ‏.‏

قَالَ وَتَنْتَوِيَ الْبَدْوِيَّةُ حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنَّمَا هُوَ سُكْنَى مَقَامِ غِبْطَةٍ وَظَعْنِ غِبْطَةٍ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَذَاءِ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا كَانَ الْعُذْرُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ‏.‏

قَالَ وَيُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ فِيمَا يَلْزَمُهَا فَإِذَا فَرَغَتْ رَدَّهَا وَيَكْتَرِي عَلَيْهِ إذَا غَابَ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى أَكْرَى مَنْزِلاً إنَّمَا كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ بِإِنْزَالِ مَنَازِلِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ مَعَ مَنَازِلِهِمْ، وَلَوْ تَكَارَتْ فَإِنْ طَلَبَتْ الْكِرَاءَ كَانَ لَهَا مِنْ يَوْمِ تَطْلُبُهُ وَمَا مَضَى حَقُّ تَرِكَتِهِ فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً مَعَهُ فَكَالْمَرْأَةِ الْمُسَافِرَةِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ بِهِ

بَابُ الْإِحْدَادِ

مِنْ كِتَابَيْ الْعِدَدِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَمَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏ وَكَانَتْ هِيَ وَالْمُطَلَّقَةُ الَّتِي لاَ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا مَعًا فِي عِدَّةٍ وَكَانَتَا غَيْرَ ذَوَاتَيْ زَوْجَيْنِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ إحْدَادٌ كَهُوَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا وَلاَ يَبِينُ أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَخْتَلِفَانِ فِي حَالٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَتَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْقِيَاسُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ كُلِّ الْوُجُوهِ بَطَلَ، الْقِيَاسُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَدْ جَعَلَهُمَا فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءً، وَقَالَ فِيهِ وَلاَ تَجْتَنِبْ الْمُعْتَدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَأُمُّ الْوَلَدِ مَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَيَسْكُنَّ حَيْثُ شِئْنَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكِ زِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى الْبَدَنِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ زِينَةً أَوْ طِيبًا يَظْهَرُ عَلَيْهَا فَيَدْعُوَ إلَى شَهْوَتِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ سَوَاءٌ، وَهَكَذَا الْمُحْرِمُ يَفْتَدِي بِأَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ لِمَا وَصَفْت، وَأَمَّا مَدُّ يَدَيْهَا فَلاَ بَأْسَ إلَّا الطِّيبَ كَمَا لاَ يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ خَالَفَتْ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلاَ خَيْرَ فِيهِ لَهَا، فَأَمَّا الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إذْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ بَلْ يَزِيدُ الْعَيْنَ مَرَهًا وَقُبْحًا وَمَا اُضْطُرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ لَيْلاً وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ ‏{‏دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادُّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ، فَقَالَ عليه السلام اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ بِطِيبٍ فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لاَ يُرَى وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ حَيْثُ يُرَى وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ‏.‏

قَالَ وَفِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ إحْدَاهُمَا جَمَالُ اللَّابِسِينَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا، فَإِذَا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزَيُّنَ عَلَى بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا مِنْ الصَّبْغِ خَاصَّةً وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْ الْبَيَاضِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صَبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَبْغٍ لَمْ يُرَدْ بِهِ تَزْيِينُ الثَّوْبِ مِثْلَ السَّوَادِ وَمَا صُبِغَ لِيَقْبُحَ لِحُزْنٍ أَوْ لِنَفْيِ الْوَسَخِ عَنْهُ وَصِبَاغُ الْغَزْلِ بِالْخَضِرَةِ يُقَارِبُ السَّوَادَ لاَ الْخَضِرَةَ الصَّافِيَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ‏.‏ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ زِينَةٍ أَوْ وَشْيٍ فِي ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ فَلاَ تَلْبَسُهُ الْحَادُّ وَكَذَلِكَ كُلُّ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ نَصْرَانِيَّةٌ نَصْرَانِيًّا فَأَصَابَهَا أَحَلَّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَيُحْصِنُهَا؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ أَلاَ تَرَى ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا‏}‏ وَلاَ يُرْجَمُ إلَّا مُحْصَنًا‏.‏

اجْتِمَاعُ الْعِدَّتَيْنِ وَالْقَافَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِنِيَّةِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ الثَّانِي وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا حَقَّيْنِ بِسَبَبِ الزَّوْجَيْنِ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقَّيْنِ لَزِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا الثَّانِي وَحَمَلَتْ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا اعْتَدَّتْ بِالْحَمْلِ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا الْآخَرُ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ وَكَانَ طَلاَقُهُ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَهُوَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَتَدَاعَيَاهُ أَوْ لَمْ يَتَدَاعَيَاهُ وَلَمْ يُنْكِرَاهُ وَلاَ وَاحِدًا مِنْهُمَا أُرِيهِ الْقَافَّةُ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي، وَلَهُ خِطْبَتُهَا فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالثَّانِي فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَتَبْتَدِئُ فَتُكْمِلُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَلَوْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ قَافَّةٌ أَوْ مَاتَ قَبْلَ يَرَاهُ الْقَافَّةُ أَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلاَ يَكُونُ ابْنٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ وَقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ الصَّحِيحِ النِّكَاحِ وَلاَ آخُذُهُ بِنَفَقَتِهَا حَتَّى تَلِدَهُ، فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ أَعْطَيْتهَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ لَمْ آخُذْهُ بِنَفَقَتِهِ حَتَّى يُنْتَسَبَ إلَيْهِ فَإِنْ أُلْحِقَ بِصَاحِبِهِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله خَالَفَ الشَّافِعِيُّ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ‏.‏

عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ثُمَّ مَاتَ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَوَرِثَتْ، وَلَوْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلاَقِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ‏:‏ رَجْعَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ فَكَذَلِكَ لاَ تَعْتَدُّ مِنْ طَلاَقٍ أَحْدَثَهُ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعَةً إذَا لَمْ يَمَسَّهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْحَقِّ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَجَعَهَا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا وَصَارَتْ فِي مَعْنَاهَا الْقَدِيمِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لاَ بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبِلٍ فَإِنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَةً مَدْخُولاً بِهَا فِي غَيْرِ عِدَّةٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ ابْتَدَأَ طَلاَقَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ أَوَّلِ طَلاَقِهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِدَّةَ لَمْ تَبْطُلْ حَتَّى طَلَّقَ وَإِنَّمَا زَادَهَا طَلاَقًا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ بِإِجْمَاعٍ فَلاَ نُبْطِلُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ عِدَّةٍ قَائِمَةٍ إلَّا بِإِجْمَاعٍ مِثْلِهِ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى نَظِيرِهِ‏.‏

امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَعِدَّتُهَا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فِي امْرَأَةِ الْغَائِبِ أَيَّ غَيْبَةٍ كَانَتْ لاَ تَعْتَدُّ وَلاَ تَنْكِحُ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ وَفَاتِهِ وَتَرِثُهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ وَفَاتِهِ وَمِثْلُهَا يَرِثُ إلَّا وَرِثَتْ زَوْجَهَا الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ وَفَاتِهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ‏:‏ إنَّهَا لاَ تَتَزَوَّجُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ خَفِيُّ الْغَيْبَةِ أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْحَاضِرَ، وَلَوْ اعْتَدَّتْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَوْ نَكَحَتْ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ كَانَ حُكْمُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِحَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ فَرْجِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ، وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا مِنْ حِينِ نَكَحَتْ وَلاَ فِي حِينِ عِدَّتِهَا مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهَا مُخْرِجَةٌ نَفْسَهَا مِنْ يَدَيْهِ وَغَيْرِ وَاقِفَةٍ عَلَيْهِ وَمُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَخَلَتْ فِيهِ وَلَمْ أُلْزِمْ الْوَاطِئَ بِنَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجَيْنِ إلَّا لُحُوقَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ فِرَاشٌ بِالشُّبْهَةِ وَإِذَا وَضَعَتْ فَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إلَّا اللِّبَأَ وَمَا إنْ تَرَكَتْهُ لَمْ يَتَعَدَّ غَيْرَهَا وَلاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي رَضَاعِهَا وَلَدَ غَيْرِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ أَرَيْته الْقَافَّةَ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَلاَ يَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَاتَ أَوَّلاً بَدَأَتْ فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلاَثَةِ قُرُوءٍ

بَابُ اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ

مِنْ كِتَابَيْنِ‏:‏ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَعِدَّتُهَا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ تَحِلُّ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ إمْلاَءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَحِيضُ فَشَهْرٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً فَإِنْ تَضَعْ حَمْلَهَا، وَإِنْ اسْتَبْرَأَتْ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ الْمُسْتَبْرَأَةِ، وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ فَلاَ اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَاحَهُ لِزَوْجِهَا فَإِنْ مَاتَا فَعُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلاَ نَعْلَمُ أَيَّهُمَا أَوَّلاً اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ مَاتَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا حَيْضَةٌ وَإِنَّمَا لَزِمَهَا إحْدَاهُمَا فَإِذَا جَاءَتْ بِهِمَا فَذَلِكَ أَكْمَلُ مَا عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا إلَّا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَلاَ مَعْنَى لِلْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا كَانَ مَاتَ أَوَّلاً فَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ مَشْغُولَةٌ بِهِ عَنْ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُ الزَّوْجِ أَوَّلاً فَلَمْ يَنْقَضِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِعِدَّةِ الزَّوْجِ عَنْ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَقَدْ أَمْكَنَتْ الْحَيْضَةُ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلاَ تَرِثُ زَوْجَهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ سَيِّدَهَا مَاتَ قَبْلَ زَوْجِهَا فَتَرِثُهُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ يَطَؤُهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَهَا فَمَفْسُوخٌ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُكَاتِبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ وَمَنَعَتْهُ الْوَطْءَ وَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لاَ يَبِيعُهَا بِحَالٍ؛ لِأَنِّي حَكَمْت لِوَلَدِهَا بِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ إنْ عَتَقَ أَبُوهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ لَهُ بَيْعَهَا خَافَ الْعَجْزَ أَوْ لَمْ يَخَفْهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا كَمَا لاَ يَبِيعُ وَلَدَهَا‏.‏

بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ

مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِمْلاَءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ سَبْيِ أَوْطَاسَ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ‏}‏ وَلاَ يُشَكُّ أَنَّ فِيهِنَّ أَبْكَارًا وَحَرَائِرَ كُنَّ قَبْلَ أَنْ يستأمين وَإِمَاءً وَوَضِيعَاتٍ وَشَرِيفَاتٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ وَاحِدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَكُلُّ مِلْكٍ يَحْدُثُ مِنْ مَالِكٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْوَطْءُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ الْمِلْكِ ثُمَّ حَلَّ بِالْمِلْكِ فَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَقَبَضَتْهَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اسْتَقَالَهَا فَأَقَالَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرْجَ حُرِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَّ لَهُ بِالْمِلْكِ الثَّانِي‏.‏

قَالَ وَالِاسْتِبْرَاءُ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي طَاهِرًا بَعْدَ مِلْكِهَا ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً مَعْرُوفَةً فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا فَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ اسْتَبْرَأَتْ أَمْسَكَتْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ لَمْ تَكُنْ حَمْلاً، وَلاَ أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَوْ حَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَهِيَ تَرَى أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَمْلاً فَلاَ يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ التَّلَذُّذُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلاَ نَظَرٌ بِشَهْوَةٍ إلَيْهَا وَقَدْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلاً لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبِلَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ حِينَ تَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مُكَاتَبَةً فَعَجَزَتْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةُ الْفَرْجِ مِنْهُ ثُمَّ أُبِيحَ بِالْعَجْزِ وَلاَ يُشْبِهُ صَوْمُهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهَا وَحَيْضَتَهَا ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَمَسَّهَا وَيُقَبِّلَهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْرُمُ إذَا زُوِّجَهَا وَإِنَّمَا قُلْت‏:‏ طُهْرٌ ثُمَّ حَيْضَةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ بِقَوْلِهِ فِي ابْنِ عُمَرَ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِمَاءِ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ الْأُولَى أَمَامَهَا طُهْرٌ كَمَا كَانَ الطُّهْرُ أَمَامَهُ الْحَيْضُ فَكَانَ قَصْدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِبْرَاءِ إلَى الْحَيْضِ وَفِي الْعِدَّةِ إلَى الْأَطْهَارِ‏.‏

مُخْتَصَرُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ

مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فِيمَنْ حُرِّمَ مَعَ الْقَرَابَةِ ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏}‏ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَحْرُمُ كَمَا تَحْرُمُ وِلاَدَةُ الْأَبِ وَسَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلاَمًا وَالْأُخْرَى جَارِيَةً هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلاَمُ الْجَارِيَةَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ وَقَالَ مِثْلَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فَكُلُّ مَا حُرِّمَ بِالْوِلاَدَةِ وَبِسَبَبِهَا حُرِّمَ بِالرَّضَاعِ وَكَانَ بِهِ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ وَأَكْثَرَ إلَى كَمَالِ الْحَوْلَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ رَضَاعٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَوَجَبَ طَلَبُ الدَّلاَلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها‏:‏ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ‏"‏ ثُمَّ نُسِخْنَ ‏"‏ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ‏"‏ فَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلاَ الْمَصَّتَانِ وَلاَ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَفَسَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَحَفِظَ عَنْهُ وَكَانَ يَوْمَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ، وَعَنْ عُرْوَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَحْرُمُ بِهِنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ فَدَلَّ مَا وَصَفْت أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ كَمَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَدَلَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ السَّارِقِينَ دُونَ بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ أَبَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ لاَ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَزِنًا وَكَذَلِكَ أَبَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ وَاحْتَجَّ فِيمَا ‏{‏قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَهْلَةَ بِنْتِ سَهْلٍ لَمَّا قَالَتْ لَهُ‏:‏ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَأْمُرُنِي‏؟‏ فَقَالَ عليه السلام فِيمَا بَلَغَنَا أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ‏}‏ فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ رضي الله عنها فِيمَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ‏:‏ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ وَحْدَهُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ فِي الْحَدِيثِ‏:‏ هُوَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَإِذَا كَانَ خَاصًّا فَالْخَاصُّ مُخْرَجٌ مِنْ الْعَامِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ‏}‏ فَجَعَلَ الْحَوْلَيْنِ غَايَةً وَمَا جُعِلَ لَهُ غَايَةً فَالْحُكْمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ خِلاَفُ الْحُكْمِ قَبْلَ الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ فَإِذَا مَضَتْ الْأَقْرَاءُ فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا خِلاَفُ حُكْمِهِنَّ فِيهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عِنْدِي عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِتَأْقِيتِ حَمْلِهِ وَفِصَالِهِ ثَلاَثِينَ شَهْرًا كَمَا نَفَى تَوْقِيتُ الْحَوْلَيْنِ الرَّضَاعَ لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه لاَ يَرَى رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه‏:‏ لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، قَالَ‏:‏ وَلاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ قَالَ‏:‏ وَتَفْرِيقُ الرَّضَعَاتِ أَنْ تُرْضِعَ الْمَوْلُودَ ثُمَّ تَقْطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ تُرْضِعَ ثُمَّ تَقْطَعَ كَذَلِكَ فَإِذَا رَضَعَ فِي مَرَّةٍ مِنْهُنَّ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ، وَإِنْ الْتَقَمَ الثَّدْيَ فَلَهَا قَلِيلاً وَأَرْسَلَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ كَانَتْ رَضْعَةً وَاحِدَةً كَمَا يَكُونُ الْحَالِفُ لاَ يَأْكُلُ بِالنَّهَارِ إلَّا مَرَّةً فَيَكُونُ يَأْكُلُ وَيَتَنَفَّسُ بَعْدَ الِازْدِرَادِ وَيَعُودُ يَأْكُلُ فَذَلِكَ أَكْلُ مَرَّةٍ، وَإِنْ طَالَ، وَإِنْ قَطَعَ ذَلِكَ قَطْعًا بَيِّنًا بَعْدَ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ثُمَّ أَكَلَ حَنِثَ وَكَانَ هَذَا أَكْلَتَيْنِ، وَلَوْ أَنْفَدَ مَا فِي إحْدَى الثَّدْيَيْنِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْأُخْرَى فَأَنْفَدَ مَا فِيهَا كَانَتْ رَضْعَةً وَاحِدَةً‏.‏

وَالْوُجُورُ كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ السُّعُوطُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ، وَلَوْ حُقِنَ بِهِ كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ جَوْفٌ وَذَلِكَ أَنَّهَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ وَالْآخَرُ أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ كَمَا وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَغْتَذِي مِنْ الْمَعِدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُقْنَةُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ جَعَلَ الْحُقْنَةَ فِي مَعْنَى مَنْ شَرِبَ الْمَاءَ فَأَفْطَرَ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى مَنْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَإِذْ جَعَلَ السُّعُوطُ كَالْوُجُورِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ عِنْدَهُ جَوْفٌ فَالْحُقْنَةُ إذَا وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ عِنْدِي أَوْلَى، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏ وَأَدْخَلَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ مَا خُلِطَ بِاللَّبَنِ أَغْلَبَ لَمْ يُحَرِّمْ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الْأَغْلَبَ حَرَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ خَلَطَ حَرَامًا بِطَعَامٍ وَكَانَ مُسْتَهْلِكًا فِي الطَّعَامِ أَمَا يُحَرِّمُ‏؟‏ فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلَوْ جَبُنَ اللَّبَنُ فَأَطْعَمَهُ كَانَ كَالرَّضَاعِ‏.‏

وَلاَ يُحَرِّمُ لَبَنُ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ‏}‏ وَقَالَ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ حَلَبَ مِنْهَا رَضْعَةً خَامِسَةً ثُمَّ مَاتَتْ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ كَانَ ابْنَهَا، وَلَوْ رَضَعَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يُحَرِّمْ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُحِلُّ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ‏.‏

وَلَوْ حُلِبَ مِنْ امْرَأَةٍ لَبَنٌ كَثِيرٌ فَفَرَّقَ ثُمَّ أُوجِرَ مِنْهُ صَبِيٌّ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً لَمْ يَكُنْ إلَّا رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَاللَّبَنِ يَحْدُثُ فِي الثَّدْيِ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ حَدَثَ غَيْرُهُ‏.‏

وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ ابْنَتُهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ بِلَبَنِ ابْنِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّغِيرَةُ أَبَدًا وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَرَجَعَ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ صَدَاقِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَفْسَدَ شَيْئًا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ بِخَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ لَهُ كَبِيرَةٌ لَمْ يُصِبْهَا حَرُمَتْ الْأُمُّ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَلاَ نِصْفَ مَهْرٍ لَهَا وَلاَ مُتْعَةَ؛ لِأَنَّهَا الْمُفْسِدَةُ وَفَسَدَ نِكَاحُ الْمُرْضِعَةِ بِلاَ طَلاَقٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَأُمُّهَا فِي مِلْكِهِ فِي حَالٍ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا‏.‏

وَلَوْ تَزَوَّجَ ثَلاَثًا صِغَارًا فَأَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ مَعًا فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ وَنِكَاحُ الصَّبِيَّتَيْنِ مَعًا وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَيَرْجِعُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِمِثْلِ نِصْفِ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَحِلُّ لَهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنَتَا امْرَأَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْ الثَّالِثَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ؛ لِأَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُنَّ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ ثُمَّ الْأُخْرَيَيْنِ الْخَامِسَةَ مَعًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَاَلَّتِي أَرْضَعَتْهَا أَوَّلاً؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا وَحَرُمَتْ الْأُخْرَيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعًا، وَلَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ لَمْ يَحْرُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إلَّا بَعْدَمَا بَانَتْ مِنْهُ هِيَ وَالْأُولَى فَيَثْبُتُ نِكَاحُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُمَا بَعْدَمَا بَانَتْ الْأُولَى وَيَفْسُدُ نِكَاحُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ امْرَأَتِهِ فَكَانَتْ كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى أُخْتِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ لَيْسَ يَنْظُرُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ إلَّا إلَى وَقْتِ الرَّضَاعِ فَقَدْ صَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعًا بِرَضَاعِ الْآخِرَةِ مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ لَهُ كَبِيرَةٍ أَرْضَعَتْ امْرَأَةً لَهُ صَغِيرَةً فَصَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا فِي وَقْتٍ مَعًا وَبَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ أَرْضَعَتْ لَهُ امْرَأَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ فَصَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعًا، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ إذَا أَرْضَعَتْ صَغِيرَةً ثُمَّ صَغِيرَةً كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى أُخْتِهَا لَزِمَ إذَا نَكَحَ كَبِيرَةً ثُمَّ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أَنْ تَكُونَ كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى أُمِّهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْت أَنَا وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ‏:‏ لَوْ تَزَوَّجَ صَبِيَّتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاءٌ وَهُوَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلَوْ كَانَ لِلْكَبِيرَةِ بَنَاتُ مَرَاضِعَ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ فَأَرْضَعْنَ الصِّغَارَ كُلَّهُنَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ مَعًا وَرَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِنِصْفِ مَهْرِ الَّتِي أَرْضَعَتْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَيَرْجِعُ عَلَيْهِنَّ بِنِصْفِ مَهْرِ امْرَأَتِهِ الْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ جَدَّةً مَعَ بَنَاتِ بَنَاتِهَا مَعًا وَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَيَتَزَوَّجُ الصِّغَارَ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ حَرُمْنَ جَمِيعًا أَبَدًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ أُمُّ امْرَأَتِهِ الْكَبِيرَةِ أَوْ جَدَّتُهَا أَوْ أُخْتُهَا أَوْ بِنْتُ أُخْتِهَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي بَنَاتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ مَوْلُودًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعَةُ أَبَاهُ وَيَتَزَوَّجُ الْأَبُ ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ، وَلَوْ شَكَّ أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ ابْنًا لَهَا بِالشَّكِّ

بَابُ لَبَنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَاللَّبَنُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا الْوَلَدُ لَهُمَا، وَالْمُرْضَعُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ وَلَدُهُمَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ وَلَدَتْ ابْنًا مِنْ زِنًا فَأَرْضَعَتْ مَوْلُودًا فَهُوَ ابْنُهَا وَلاَ يَكُونُ ابْنَ الَّذِي زَنَى بِهَا وَأَكْرَهُ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَنْ يَنْكِحَ بَنَاتِ الَّذِي وَلَدُهُ مِنْ زِنًا فَإِنْ نَكَحَ لَمْ أَفْسَخْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ فِي حُكْمِ ‏{‏النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ لِزَمْعَةَ وَأَمَرَ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَلَمْ يَرَهَا وَقَدْ حَكَمَ أَنَّهُ أَخُوهَا‏}‏؛ لِأَنَّ تَرْكَ رُؤْيَتِهَا مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ أَخَاهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَدْ كَانَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًا وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ رُؤْيَةَ ابْنِ زَمْعَةَ لِسَوْدَةِ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَرِهَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لاَ يَفْسَخُ نِكَاحَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَ ابْنِهِ مِنْ زِنَا بَنَاتِهِ مِنْ حَلاَلٍ لِقَطْعِ الْأُخُوَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًا لَمْ يُفْسَخْ وَإِنْ كَرِهَهُ لِقَطْعِ الْأُبُوَّةِ وَتَحْرِيمِ الْأُخُوَّةِ كَتَحْرِيمِ الْأُبُوَّةِ وَلاَ حُكْمَ عِنْدَهُ لِلزِّنَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَبِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَأَصَابَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ مَوْلُودًا كَانَ ابْنَهَا وَأَرَى الْمَوْلُودَ الْقَافَّةَ فَبِأَيِّهِمَا أُلْحِقَ لَحِقَ وَكَانَ الْمُرْضِعُ ابْنَهُ وَسَقَطَتْ أُبُوَّةُ الْآخَرِ، وَلَوْ مَاتَ فَالْوَرَعُ أَنْ لاَ يَنْكِحَ ابْنَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلاَ يَكُونُ مُحَرِّمًا لَهَا، وَلَوْ قَالُوا‏:‏ الْمَوْلُودُ هُوَ ابْنُهُمَا جُبِرَ إذَا بَلَغَ عَلَى الِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا وَتَنْقَطِعُ أُبُوَّةُ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ مَعْتُوهًا لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَمُوتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا أَوْ لاَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا، وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ مَوْلُودٍ نَفَاهُ أَبُوهُ بِاللِّعَانِ لَمْ يَكُنْ أَبًا لِلْمُرْضَعِ فَإِنْ رَجَعَ لَحِقَهُ وَصَارَ أَبًا لِلْمُرْضَعِ‏.‏

وَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلاَثِ حِيَضٍ وَثَبَتَ لَبَنُهَا أَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا فَأَصَابَهَا فَثَابَ لَهَا لَبَنٌ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ لَبَنُهَا ثَبَتَ فَحَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي فَنَزَلَ بِهَا لَبَنٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ لَهَا فِيهِ لَبَنٌ مِنْ الْحَمْلِ الْآخَرِ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّا عَلَى عِلْمٍ مِنْ لَبَنِ الْأَوَّلِ وَفِي شَكٍّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَلَطَهُ لَبَنُ الْآخَرِ فَلاَ أُحَرِّمُ بِالشَّكِّ وَأُحِبُّ لِلْمُرْضَعِ لَوْ تَوَقَّى بَنَاتِ الزَّوْجِ الْآخَرِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏:‏ هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَلَوْ انْقَطَعَ فَلَمْ يَثِبْ حَتَّى كَانَ الْحَمْلُ الْآخَرُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ مِنْ الْأَوَّلِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا يَثُوبُ بِأَنْ تَرْحَمَ الْمَوْلُودَ أَوْ تَشْرَبَ دَوَاءً فَتُدِرَّ عَلَيْهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا فَهُوَ مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَكُونُ مِنْ الْآخَرِ لَبَنٌ تُرْضِعُ بِهِ حَتَّى تَلِدَ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ، وَإِنْ كَانَ يَثُوبُ شَيْءٌ تُرْضِعُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْوَلَدِ قَالَ‏:‏ هُوَ لِلْأَوَّلِ وَمَنْ فَرَّقَ قَالَ‏:‏ هُوَ مِنْهُمَا مَعًا، وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ اللَّبَنُ حَتَّى وَلَدَتْ مِنْ الْآخَرِ فَالْوِلاَدَةُ قَطْعٌ لِلَبَنِ الْأَوَّلِ فَمَنْ أَرْضَعَتْ فَهُوَ ابْنُهَا وَابْنُ الزَّوْجِ الْآخَرِ‏.‏

الشَّهَادَاتُ فِي الرَّضَاعِ وَالْإِقْرَارُ

مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لاَ يَحِلُّ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْمَحَارِمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ إلَيْهِ لِغَيْرِ شَهَادَةٍ مِنْ وِلاَدَةِ الْمَرْأَةِ وَعُيُوبِهَا الَّتِي تَحْتَ ثِيَابِهَا وَالرَّضَاعُ عِنْدِي مِثْلُهُ لاَ يَحِلُّ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَلاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَضَاعِهَا بِغَيْرِ رُؤْيَةِ ثَدْيَيْهَا وَلاَ يَجُوزُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الرَّضَاعِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ حَرَائِرَ بَوَالِغ عُدُولٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَجَازَ شَهَادَتِهِنَّ فِي الدَّيْنِ جَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُنْكِرُ الرَّضَاعَ فَكَانَتْ فِيهِنَّ أُمُّهَا أَوْ ابْنَتُهَا جُزْنَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَدَّعِي الرَّضَاعَ لَمْ يَجُزْ فِيهَا أُمُّهَا وَلاَ أُمَّهَاتُهَا وَلاَ ابْنَتُهَا وَلاَ بَنَاتُهَا وَيَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَتُهَا الَّتِي أَرْضَعَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلاَ عَلَيْهَا مَا تَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ وَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَتُهَا عَلَى فِعْلِهَا وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أُمِّهَا وَأُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا فَهُنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ عَلَى فِعْلِهَا أَجْوَزُ فِي الْقِيَاسِ مِنْ شَهَادَتِهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَيُوقَفْنَ حَتَّى يَشْهَدْنَ أَنْ قَدْ رَضَعَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَخْلُصْنَ كُلُّهُنَّ إلَى جَوْفِهِ وَتَسَعُهُنَّ الشَّهَادَةُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ عِلْمِهِنَّ ‏{‏وَذَكَرَتْ السَّوْدَاءُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ رَجُلاً وَامْرَأَةً تَنَاكَحَا فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ فَقَالَ وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمْت السَّوْدَاءُ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا‏؟‏‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إعْرَاضُهُ صلى الله عليه وسلم يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَرَ هَذَا شَهَادَةً تَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ السَّوْدَاءُ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا‏؟‏‏}‏ يُشْبِهُ أَنْ يُكْرَهَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قُلْنَا يَتْرُكُهَا وَرَعًا لاَ حُكْمًا‏.‏

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ‏:‏ هَذِهِ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ قَالَتْ‏:‏ هَذَا أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ وَكَذَّبَتْهُ أَوْ كَذَّبَهَا فَلاَ يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهَا أَنْ يَنْكِحَ الْآخَرَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ أَخَذَتْ نِصْفَ مَا سَمَّى لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أَفْتَيْته أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيَدَعَ نِكَاحَهَا بِطَلْقَةٍ لِتَحِلَّ بِهَا لِغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً وَأُحَلِّفُهُ لَهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا‏.‏

بَابٌ‏:‏ رَضَاعُ الْخُنْثَى

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ إنْ كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ الْخُنْثَى أَنَّهُ رَجُلٌ نَكَحَ امْرَأَةً وَلَمْ يُنْزِلْ فَنَكَحَهُ رَجُلٌ فَإِذَا نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا يُحَرِّمُ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَنَزَلَ لَهُ لَبَنٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرْضَعَ صَبِيًّا حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ مُشْكَلاً فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَبِأَيِّهِمَا نَكَحَ بِهِ أَوَّلاً؛ أَجَزْته وَلَمْ أَجْعَلْ لَهُ يَنْكِحُ الْآخَرَ‏.‏

‏[‏كتاب النفقة‏]‏

وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ

مِنْ كِتَابِ النَّفَقَةِ وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمِنْ الطَّلاَقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ النِّكَاحِ إمْلاَءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا‏}‏ أَيْ لاَ يَكْثُرُ مَنْ تَعُولُونَ‏.‏

قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ فَأُحِبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ الرَّجُلُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ أَكْثَرُ ‏{‏وَجَاءَتْ هِنْدُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لاَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ‏؟‏ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏{‏وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك قَالَ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك قَالَ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ، فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك قَالَ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك قَالَ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ‏}‏ قَالَ سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ وَلَدُك‏:‏ أَنْفِقْ عَلَيَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي‏؟‏ وَتَقُولُ‏:‏ زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك‏:‏ أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بَيَانُ أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ مَا لاَ غِنَى بِامْرَأَتِهِ عَنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخِدْمَةٍ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ تَقْدِرُ عَلَى مَا لاَ صَلاَحَ لِبَدَنِهَا مِنْ زَمَانَةٍ وَمَرَضٍ إلَّا بِهِ‏.‏ وَقَالَ فِي كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لِخَادِمِهَا نَفَقَةً إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَخْدُمُ نَفْسَهَا، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا‏:‏ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ فَلاَ يَبِينُ أَنْ يُعْطِيَهَا خَادِمًا وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى مَنْ يَصْنَعُ لَهَا الطَّعَامَ الَّذِي لاَ تَصْنَعُهُ هِيَ وَيُدْخِلُ عَلَيْهَا مَا لاَ تَخْرُجُ لِإِدْخَالِهِ مِنْ مَاءٍ وَمَا يُصْلِحُهَا وَلاَ يُجَاوِزُ بِهِ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا نَفَقَةَ خَادِمٍ وَقَالَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إمْلاَءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ، وَقَالَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ وَهُوَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ خَادِمِهَا فَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَخْرَجَهُنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُنْفِقُ الْمُكَاتِبُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُكَاتَبَةً وَلَيْسَتْ كِتَابَتُهُمَا وَاحِدَةً وَلاَ مَوْلاَهُمَا وَاحِدًا وَوُلِدَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْلاَدٌ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِهِمْ وَيُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَلاَ أَمَةٍ‏.‏

قَدْرُ النَّفَقَةِ

مِنْ ثَلاَثَةِ كُتُبٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏:‏ النَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ‏:‏ نَفَقَةُ الْمُوسِعِ، وَنَفَقَةُ الْمُقْتِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَأَمَّا مَا يَلْزَمُ الْمُقْتِرِ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَانَ الْأَغْلَبُ بِبَلَدِهَا أَنَّهَا لاَ تَكُونُ إلَّا مَخْدُومَةً عَالَهَا وَخَادِمًا وَاحِدًا بِمَا لاَ يَقُومُ بَدَنٌ عَلَى أَقَلِّ مِنْهُ وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ الْأَغْلَبِ فِيهَا مِنْ قُوتِ مِثْلِهَا وَلِخَادِمِهَا مِثْلُهُ وَمَكِيلَةٌ مِنْ أُدُمِ بِلاَدِهَا زَيْتًا كَانَ أَوْ سَمْنًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي مَا وَصَفْت وَيَفْرِضُ لَهَا فِي دُهْنٍ وَمُشْطٍ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهَا وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ لِخَادِمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لَهَا وَقِيلَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ رَطْلُ لَحْمٍ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهَا وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يُكْسِي مِثْلَهَا بِبَلَدِهَا عِنْدَ الْمُقْتِرِ مِنْ الْقُطْنِ الْكُوفِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِخَادِمِهَا كِرْبَاسُ وَمَا أَشْبَهَهُ وَفِي الْبَلَدِ الْبَارِدِ أَقَلُّ مَا يَكْفِي الْبَرْدَ مِنْ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَقَطِيفَةٍ أَوْ لِحَافٍ يَكْفِي السَّنَتَيْنِ وَقَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ أَوْ مُقَنَّعَةٌ وَلِجَارِيَتِهَا جُبَّةُ صُوفٍ وَكِسَاءٌ تلتحفه يُدْفِئُ مِثْلَهَا وَقَمِيصٌ وَمُقَنَّعَةٌ وَخُفٌّ وَمَا لاَ غِنَى بِهَا عَنْهُ وَيَفْرِضُ لَهَا فِي الصَّيْفِ قَمِيصًا وَمِلْحَفَةً وَمُقَنَّعَةً، وَإِنْ كَانَتْ رَغِيبَةً لاَ يُجْزِئُهَا هَذَا دَفَعَ إلَيْهَا ذَلِكَ وَتَزَيَّدَتْ مِنْ ثَمَنِ أُدُمٍ وَلَحْمٍ وَمَا شَاءَتْ فِي الْحَبِّ، وَإِنْ كَانَتْ زَهِيدَةً تَزَيَّدَتْ فِيمَا لاَ يَقُوتُهَا مِنْ فَضْلِ الْمَكِيلَةِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مُوسِعًا فُرِضَ لَهَا مُدَّانِ وَمِنْ الْأُدُمِ وَاللَّحْمِ ضِعْفُ مَا وَصَفْت لِامْرَأَةِ الْمُقْتِرِ وَكَذَلِكَ فِي الدُّهْنِ وَالْمُشْطِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ وَسَطُ الْبَغْدَادِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَلَيِّنِ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَيُحْشَى لَهَا إنْ كَانَتْ بِبِلاَدٍ يَحْتَاجُ أَهْلُهَا إلَيْهِ وَقَطِيفَةٌ وَسَطٌ وَلاَ أُعْطِيهَا فِي الْقُوتِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَبِيعَهُ فَتَصْرِفَهُ فِيمَا شَاءَتْ صَرَفَتْهُ وَأَجْعَلُ لِخَادِمِهَا مُدًّا وَثُلُثًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَعَةً لِمِثْلِهَا وَفِي كِسْوَتِهَا الْكِرْبَاسُ وَغَلِيظُ الْبَصْرِيِّ وَالْوَاسِطِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلاَ أُجَاوِزُهُ بِمُوسِعٍ مَنْ كَانَ، وَمَنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ وَلِامْرَأَتِهِ فِرَاشٌ وَوِسَادَةٌ مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِخَادِمِهَا فَرْوَةٌ وَوِسَادَةٌ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ عَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ غَلِيظٍ فَإِذَا بَلِيَ أَخْلَفَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْت أَقَلَّ الْفَرْضِ فِي هَذَا بِالدَّلاَلَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَفْعِهِ إلَى الَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِرْقًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرً صَاعًا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا، وَإِنَّمَا جَعَلْت أَكْثَرَ مَا فَرَضْت مُدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فِي فِدْيَةِ الْأَذَى مُدَّانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏}‏ فَلَمْ أُقَصِّرْ عَنْ هَذَا وَلَمْ أُجَاوِزْ هَذَا مَعَ أَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَقَلَّ الْقُوتِ مُدٌّ وَأَنَّ أَوْسَعَهُ مُدَّانِ وَالْفَرْضُ الَّذِي عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ بِالْمُوسِعِ وَلاَ الْمُقْتِرِ بَيْنَهُمَا مُدٌّ وَنِصْفٌ لِلْخَادِمَةِ مُدٌّ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْوِيَّةً فَمَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ بِقَدْرِ مَا يَلْبَسُونَ لاَ وَقْتَ فِي ذَلِكَ إلَّا قَدْرَ مَا يَرَى بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يُضَحِّيَ لِامْرَأَتِهِ وَلاَ يُؤَدِّيَ عَنْهَا أَجْرَ طَبِيبٍ وَلاَ حَجَّامٍ‏.‏

الْحَالُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَمَا لاَ يَجِبُ

مِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَكِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَمِنْ الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَخَلَّتْ أَوْ أَهْلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ وَقَالَ فِي كِتَابَيْنِ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إذَا كَانَ الْحَبْسُ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ يُنْفِقُ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ مَذْهَبًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ قَطَعَ بِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُخِلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى قَالَ‏:‏ فَإِنْ ادَّعَتْ التَّخْلِيَةَ فَهِيَ غَيْرُ مَخْلِيَّةٍ حَتَّى يُعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ فِي جِمَاعِهَا شِدَّةُ ضَرَرٍ مُنِعَ وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهَا، وَلَوْ ارْتَتَقَتْ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى جِمَاعِهَا فَهَذَا عَارِضٌ لاَ مَنْعَ بِهِ مِنْهَا وَقَدْ جُومِعَتْ‏.‏

وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَأَحْرَمَتْ أَوْ اعْتَكَفَتْ أَوْ لَزِمَهَا نَذْرُ كَفَّارَةٍ كَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا‏.‏

وَلَوْ هَرَبَتْ أَوْ امْتَنَعَتْ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَنَعَهَا سَيِّدُهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلاَ يُبْرِئُهُ مِمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهَا إلَّا إقْرَارَهَا أَوْ بَيِّنَةً تَقُومُ عَلَيْهَا‏.‏

وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَثَنِيَّةٌ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ أَسْلَمَ وَكَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ فِي أَيَّامِ كُفْرِهَا، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهَا فَلَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلاَ حَقَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهَا، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ‏:‏ فَإِنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَهَا النَّفَقَةُ فِي حَالِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَمْنَعُ الْمُسْلِمَةَ النَّفَقَةَ بِامْتِنَاعِهَا فَكَيْفَ لاَ تَمْنَعُ الْوَثَنِيَّةَ بِامْتِنَاعِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَعَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا وَإِذَا احْتَاجَ سَيِّدُهَا إلَى خِدْمَتِهَا فَذَلِكَ لَهُ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا قَالَ‏:‏ وَنَفَقَتُهُ نَفَقَةُ الْمُقْتِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ إلَّا وَهُوَ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ، وَإِنْ اتَّسَعَ لِسَيِّدٍ‏.‏

وَمَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَكَالْمَمْلُوكِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله إذَا كَانَتْ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ حُرًّا فَهُوَ يَجْعَلُ لَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ مَا يَمْلِكُ وَيَرِثُهُ مَوْلاَهُ الَّذِي أَعْتَقَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ فَكَيْفَ لاَ يُنْفِقُ عَلَى قَدْرِ سَعَتِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَالْمَمْلُوكِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ‏:‏ إذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَجَعَلَهُ كَالْحُرِّ بِبَعْضِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِبَعْضِ الْحُرِّيَّةِ هَا هُنَا كَالْحُرِّ بَلْ جَعَلَهُ كَالْعَبْدِ فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْحُرَّ مِنْهُ يُنْفِقُ بِقَدْرِ سَعَتِهِ وَالْعَبْدَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ عَلَى الْحُرِّ مِنْهُ بِقَدْرِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الرِّقِّ مِنْهُ فَالْقِيَاسُ مَا قُلْنَا فَتَفَهَّمُوهُ تَجِدُوهُ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

الرَّجُلُ لاَ يَجِدُ نَفَقَةً

مِنْ كِتَابَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ لَمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعُولَهَا احْتَمَلَ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَمْنَعَهَا حَقَّهَا وَلاَ يُخَلِّيَهَا تَتَزَوَّجُ مَنْ يُغْنِيهَا وَأَنْ تُخَيَّرَ بَيْنَ مَقَامِهَا مَعَهُ وَفِرَاقِهِ‏.‏ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ يَأْمُرهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا‏.‏ وَهَذَا يُشْبِهُ مَا وَصَفْت‏.‏ وَسَأَلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ‏:‏ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قِيلَ لَهُ‏:‏ فَسُنَّةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ سُنَّةٌ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ سُنَّةٌ أَنْ يَكُونَ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا وَجَدَ نَفَقَتَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يُؤَجَّلْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ وَلاَ تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ فِي ثَلاَثٍ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فَتَعْمَلَ أَوْ تَسْأَلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا خُيِّرَتْ كَمَا وَصَفْت فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَتَهَا وَلَمْ يَجِدْ نَفَقَةَ خَادِمِهَا لَمْ تُخَيَّرْ؛ لِأَنَّهَا تُمَاسِك بِنَفَقَتِهَا وَكَانَتْ نَفَقَةُ خَادِمِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ مَتَى أَيْسَرَ أَخَذَتْهُ بِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي إذَا لَمْ يَجِدْ صَدَاقَهَا أَنْ يُخَيِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِنَفَقَتِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أُعْسِرَ بِالصَّدَاقِ وَلَمْ يُعْسَرْ بِالنَّفَقَةِ فَاخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِرَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى بَدَنِهَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي اسْتِئْخَارِ صَدَاقِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لاَ خِيَارَ لَهَا فِيهِ كَالنَّفَقَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ اخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ فَمَتَى شَاءَتْ أُجِّلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَفْوٌ عَمَّا مَضَى، وَلَوْ عَلِمَتْ عُسْرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُوسِرَ وَيَتَطَوَّعَ عَنْهُ بِالْغُرْمِ وَلَهَا أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْهِ إذَا أَعْسَرَ بِصَدَاقِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى مُخَالِفِهِ فَقَالَ‏:‏ إذَا خَيَّرْتهَا فِي الْعِنِّينِ يُؤَجَّلُ سَنَةً وَرَضِيَتْ مِنْهُ بِجِمَاعٍ مَرَّةً فَإِنَّمَا هُوَ فَقْدُ لَذَّةٍ وَلاَ صَبْرَ لَهَا عَلَى فَقْدِ النَّفَقَةِ فَكَيْفَ أَقْرَرْتهَا مَعَهُ فِي أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا فِي أَصْغَرِ الضَّرَرَيْنِ‏.‏

نَفَقَةُ الَّتِي لاَ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا نَفَقَةً بِالْحَمْلِ دَلَّ عَلَى أَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا بِخِلاَفِ الْحَمْلِ وَلاَ أَعْلَمُ خِلاَفًا أَنَّ الَّتِي يُمْلَكُ رَجْعَتُهَا فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَسُكْنَاهَا وَأَنَّ طَلاَقَهُ وَإِيلاَءَهُ وَظِهَارَهُ وَلِعَانَهُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا فَكَانَتْ الْآيَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَهِيَ الَّتِي لاَ يُمْلَكُ رَجْعَتُهَا وَبِذَلِكَ جَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ‏{‏فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بَتَّ زَوْجُهَا طَلاَقَهَا فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ‏}‏ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ مَا لَمْ تَحْرُمْ ‏"‏ وَعَنْ عَطَاءٍ لَيْسَتْ الْمَبْتُوتَةُ الْحُبْلَى مِنْهُ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الْحَبَلِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حُبْلَى فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا‏.‏

قَالَ وَكُلُّ مَا وَصَفْت مِنْ مُتْعَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ سُكْنَى فَلَيْسَتْ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ مَفْسُوخًا فَلاَ نَفَقَةَ حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ فَإِنْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ بِيَقِينٍ حَتَّى تَلِدَ فَتُعْطَى نَفَقَةُ مَا مَضَى لَهَا، وَهَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ غَائِبًا فَلاَ يُعْطَى إلَّا بِيَقِينٍ أَرَأَيْت لَوْ أَعْطَيْنَاهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ ثُمَّ أَنْفَسَ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْنَا مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تُحْصِيَ مِنْ يَوْمِ فَارَقَهَا فَإِذَا قَالَ النِّسَاءُ‏:‏ بِهَا حَمْلٌ، أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ وَلِمَا مَضَى‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا عِنْدِي أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ بِالْحَمْلِ النَّفَقَةَ وَحَمْلُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَنَفَاهُ وَقَذَفَهَا لاَعَنَهَا، وَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ ثُمَّ أَخَذَتْ مِنْهُ النَّفَقَةَ الَّتِي بَطَلَتْ عَنْهُ، وَلَوْ أَعْطَاهَا بِقَوْلِ الْقَوَابِلِ أَنَّ بِهَا حَمْلاً ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَجَاوَزَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ، وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَلَمْ تُقِرَّ بِثَلاَثِ حِيَضٍ أَوْ كَانَ حَيْضُهَا يَخْتَلِفُ فَيَطُولُ وَيَقْصُرُ لَمْ أَجْعَلْ لَهَا إلَّا الْأَقْصَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينُ وَأَطْرَحُ الشَّكَّ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله إذَا حَكَمَ بِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ فِي الْقِيَاسِ لَهَا بِالْعِدَّةِ قَائِمَةٌ، وَلَوْ جَازَ قَطْعُ النَّفَقَةِ بِالشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَجَازَ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلاَ أَعْلَمُ حُجَّةً بِأَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَى الْأَمَةِ الْحَامِلِ، وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ كَانَتْ نَفَقَةَ الْحَمْلِ لاَ تَبْلُغُ بَعْضَ نَفَقَةِ أَمَةٍ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلاَءِ‏:‏ النَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ اللَّهِ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ مَفْسُوخًا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلاَ سُكْنَى حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُصِيبُ لَهَا بِذَلِكَ لِيُحْصِنَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهَا بِتَطَوُّعِهِ وَلَهُ تَحْصِينُهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَقَارِبِ

مِنْ كِتَابِ النَّفَقَةِ وَمِنْ ثَلاَثَةِ كُتُبٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بَيَانُ أَنَّ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَقُومَ بِالْمُؤْنَةِ فِي إصْلاَحِ صِغَارِ وَلَدِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخِدْمَةٍ دُونَ أُمِّهِ وَفِيهِ دَلاَلَةُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قوله تعالى ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ‏}‏ مِنْ أَنْ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لاَ أَنَّ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ‏.‏

قَالَ فَيُنْفِقُ الرَّجُلُ عَلَى وَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا الْحُلُمَ أَوْ الْمَحِيضَ ثُمَّ لاَ نَفَقَةَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى فَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لاَ يُغْنُونَ أَنْفُسَهُمْ وَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَنَفَقَتُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَيِّعَ شَيْئًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ هُوَ ابْنُهُ إذَا كَانَ الْوَالِدُ زَمِنًا لاَ يُغْنِي نَفْسَهُ وَلاَ عِيَالَهُ وَلاَ حِرْفَةَ لَهُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَلَدٌ وَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَعْظَمُ وَمَنْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى النَّفَقَةِ بِعْنَا فِيهَا الْعَقَارَ وَلاَ تُجْبَرُ امْرَأَةٌ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا شَرِيفَةً كَانَتْ أَوْ دَنِيئَةً مُوسِرَةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً وَأَحْكَامُ اللَّهِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، وَإِذَا طَلَبَتْ رَضَاعَ وَلَدِهَا وَقَدْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِمَا وَجَدَ الْأَبُ أَنْ يُرْضِعَ بِهِ فَإِنْ وَجَدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لِلْأُمِّ أُجْرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ إنْ أَرْضَعَتْ أَعْطَاهَا أَجْرَ مِثْلِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏‏.‏

بَابٌ‏:‏ أَيُّ الْوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ

مِنْ كُتُبٍ عِدَّةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏خَيَّرَ غُلاَمًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ‏}‏ وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ خَيَّرَ غُلاَمًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ‏:‏ خَيَّرَنِي عَلِيٌّ رضي الله عنه بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي ثُمَّ قَالَ لِأَخٍ لِي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا أَيْضًا لَوْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْته وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ‏:‏ وَكُنْت ابْنَ سَبْعِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ سَبْعَ سِنِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ يَعْقِلُ عَقْلَ مِثْلِهِ خُيِّرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ‏:‏ إذَا بَلَغَ سَبْعًا أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ خُيِّرَ إذَا كَانَتْ دَارُهُمَا وَاحِدَةً وَكَانَا جَمِيعًا مَأْمُونِينَ عَلَى الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَهُوَ عِنْدَ الْمَأْمُونِ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ وَإِذَا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ وَهُمَا فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَعَلَى أَبِيهِ نَفَقَتُهُ وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ تَأْدِيبِهِ وَيَخْرُجُ الْغُلاَمُ إلَى الْكُتَّابِ أَوْ الصِّنَاعَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَيَأْوِي إلَى أُمِّهِ، فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ وَتَأْتِيهِ فِي الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ تُمْنَعْ أُمَّهَا مِنْ أَنْ تَأْتِيَهَا وَلاَ أَعْلَمُ عَلَى أَبِيهَا إخْرَاجَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَمْرَضَ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهَا عَائِدَةً، وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ لَمْ تُمْنَعْ الْأُمُّ مِنْ أَنْ تَلِيَهَا حَتَّى تُدْفَنَ وَلاَ تُمْنَعُ فِي مَرَضِهَا مِنْ أَنْ تَلِيَ تَمْرِيضَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَخْبُولاً فَهُوَ كَالصَّغِيرِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ وَلاَ يُخَيَّرُ أَبَدًا وَإِذَا خُيِّرَ فَاخْتَارَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ حُوِّلَ، وَلَوْ مُنِعَتْ مِنْهُ بِالزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا طَلاَقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَمْلِكُهَا رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ بِوَجْهٍ فَإِذَا ذَهَبَ فَهِيَ كَمَا كَانَتْ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَكَيْفَ تَعُودُ إلَى مَا بَطَلَ بِالنِّكَاحِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لَوْ كَانَ بَطَلَ مَا كَانَ لِأُمِّهَا أَنْ تَكُونَ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِمْ وَكَانَ يَنْبَغِي إذَا بَطَلَ عَنْ الْأُمِّ أَنْ يَبْطُلَ عَنْ الْجَدَّةِ الَّتِي إنَّمَا حَقُّهَا لِحَقِّ الْأُمِّ، وَقَدْ قَضَى أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنهما بِأَنَّ جَدَّةَ ابْنِهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَمَا حَقُّ الْأُمِّ فِيهِمْ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ كَحَقِّ الْأَبِ هُمَا وَالِدَانِ يَجِدَانِ بِالْوَلَدِ فَلَمَّا كَانَ لاَ يَعْقِلُ كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى بِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ لاَ لِلْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَحْنَى عَلَيْهِ وَأَرَقَّ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ وَلِيَ نَفْسَهُ إذَا أُونِسَ رُشْدُهُ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَأَخْتَار لَهُ بِرَّهُمَا وَتَرَكَ فِرَاقَهُمَا، وَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ مَعَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَزَوَّجَ فَتَكُونَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنْ أَبَتْ وَكَانَتْ مَأْمُونَةً سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ مَا لَمْ تَرَ رِيبَةً، وَأَخْتَارُ لَهَا أَنْ لاَ تُفَارِقَ أَبَوَيْهَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَتَنَازَعْنَ الْمَوْلُودَ فَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُ أُمِّهَا، وَإِنْ بَعُدْنَ ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ ثُمَّ الْعَمَّةِ وَلاَ وِلاَيَةَ لِأُمِّ أَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهَا بِأَبٍ لاَ بِأُمٍّ فَقَرَابَةُ الصَّبِيِّ مِنْ النِّسَاءِ أَوْلَى، وَلاَ حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَ الْأَبِ غَيْرُ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا فَأَمَّا أَخَوَاتُهُ وَغَيْرُهُنَّ فَإِنَّمَا حُقُوقُهُنَّ بِالْأَبِ فَلاَ يَكُونُ لَهُنَّ حَقٌّ مَعَهُ وَهُنَّ يُدْلِينَ بِهِ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَذَلِكَ أَبُو أَبِي الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْعُصْبَةُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ مِنْهُمْ مَعَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِهَا، وَإِذَا أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي نَكَحَ بِهِ الْمَرْأَةَ كَانَ بَلَدُهُ أَوْ بَلَدُهَا فَسَوَاءٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا قَالَ‏:‏ أَرَدْت النَّقْلَةَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مُرْضِعًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَكَذَلِكَ الْعُصْبَةُ إلَّا أَنْ تَخْرُجَ الْأُمُّ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَتَكُونُ أَوْلَى وَلاَ حَقَّ لِمَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي وَلَدِ الْحُرِّ وَإِذَا كَانَ وَلَدُ الْحُرِّ مَمَالِيكَ فَسَيِّدُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ وَإِذَا كَانُوا مِنْ حُرَّةٍ وَأَبُوهُمْ مَمْلُوكٌ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِمْ وَلاَ يُخَيَّرُونَ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ‏.‏

بَابٌ‏:‏ نَفَقَةُ الْمَمَالِيكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ بَكْرٍ أَوْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ شَكَّ ‏"‏ عَنْ عَجْلاَنَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لاَ يُطِيقُ‏}‏‏.‏

قَالَ فَعَلَى مَالِكِ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَيْنِ إذَا شَغَّلَهُمَا فِي عَمَلٍ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا وَيَكْسُوَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ نَفَقَةُ رَقِيقِ بَلَدِهِمَا الشِّبَعَ لِأَوْسَاطِ النَّاسِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ مِنْ أَيِّ الطَّعَامِ كَانَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ تَمْرًا وَكِسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ الْأَغْلَبَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَانَ لاَ يُسَمَّى مِثْلُهُ ضِيقًا بِمَوْضِعِهِ وَالْجَوَارِي إذَا كَانَتْ لَهُنَّ فَرَاهَةٌ وَجَمَالٌ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُنَّ يُكْسَيْنَ أَحْسَنَ مِنْ كِسْوَةِ اللَّائِي دُونَهُنَّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَمْلُوكِينَ‏:‏ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ هَذَا كَلاَمٌ مُجْمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَوَابِ فَيَسْأَلُ السَّائِلُ عَنْ مَمَالِيكِهِ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا وَيَلْبَسُ صُوفًا فَقَالَ‏:‏ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَالسَّائِلُونَ عَرَبٌ وَلُبُوسُ عَامَّتِهِمْ وَطَعَامُهُمْ خَشِنٌ وَمَعَاشُهُمْ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِمْ مُتَقَارِبٌ فَأَمَّا مَنْ خَالَفَ مَعَاشَ السَّلَفِ فَأَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَحْسَنَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ فَأَمَّا مَنْ لَبِسَ الْوَشْيَ وَالْمَرْوِيَّ وَالْخَزَّ، وَأَكَلَ النَّقِيَّ وَأَلْوَانَ لُحُومِ الدَّجَاجِ فَهَذَا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لِلْمَمَالِيكِ وَقَالَ عليه السلام ‏{‏إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمَهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً فَيُنَاوِلْهُ إيَّاهَا‏}‏ أَوْ كَلِمَةً هَذَا مَعْنَاهَا، فَلَمَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً ‏"‏ كَانَ هَذَا عِنْدَنَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- عَلَى وَجْهَيْنِ أَوْلاَهُمَا بِمَعْنَاهُ أَنَّ إجْلاَسَهُ مَعَهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إذْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وَإِلَّا فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً ‏"‏؛ لِأَنَّ إجْلاَسَهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يُرَوِّغَ لَهُ لُقْمَةً دُونَ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ أَوْ يَكُونَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَوْ يُجْلِسَهُ وَقَدْ يَكُونُ أَمَرَ اخْتِيَارٍ غَيْرِ الْحَتْمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ بَيَانِ طَعَامِ الْمَمْلُوكِ وَطَعَامِ سَيِّدِهِ وَالْمَمْلُوكُ الَّذِي يَلِي طَعَامَ الرَّجُلِ مُخَالِفٌ عِنْدِي لِلْمَمْلُوكِ الَّذِي لاَ يَلِي طَعَامَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يُقَرَّبُ إلَيْهِ، وَلَوْ لُقْمَةً، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنْ لاَ يَكُونَ يَرَى طَعَامًا قَدْ وَلِيَ الْعَمَلَ فِيهِ ثُمَّ لاَ يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ وَأَقَلُّ مَا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ لُقْمَةٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَمْ يَلِهِ وَلَمْ يَرَهُ، وَالسُّنَّةُ خَصَّتْ هَذَا مِنْ الْمَمَالِيكِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُوَافِقُ بَعْضَ مَعْنَى هَذَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ يُرْزَقُ مِثْلُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْغَنَائِمِ، وَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ وَيُعْطَوْنَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي بِلاَ تَوْقِيتٍ وَلاَ يُحْرَمُونَ وَمَعْنَى لاَ يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ يَعْنِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- إلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ لاَ مَا يُطِيقُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ يَعْجَزُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ مَا لاَ يَضُرُّ بِبَدَنِهِ الضَّرَرَ الْبَيِّنَ، وَإِنْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَوْلاَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْضِعَ الْأَمَةَ غَيْرَ وَلَدِهَا فَيَمْنَعُ مِنْهَا وَلَدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونَ وَلَدُهَا يَغْتَذِي بِالطَّعَامِ فَيُقِيمُ بَدَنَهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَمْنَعُهُ الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أَمَتِهِ خَرَاجًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عَمَلٍ وَاجِبٍ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْكَسْبَ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه فِي خُطْبَتِهِ ‏"‏ لاَ تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَيَسْرِقَ وَلاَ الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْسِبَ بِفَرْجِهَا ‏"‏‏.‏

صِفَةُ نَفَقَةِ الدَّوَابِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ دَابَّةٌ فِي الْمِصْرِ أَوْ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ عَلَفَهُ بِمَا يُقِيمُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِعَلَفِهِ أَوْ بَيْعِهِ فَإِنْ كَانَ بِبَادِيَةٍ غَنَمٌ أَوْ إبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أُخِذَتْ عَلَى الْمَرْعَى خَلاَهَا وَالرَّعْيُ فَإِنْ أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ عَلَفَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ بَاعَهَا وَلاَ يَحْبِسُهَا فَتَمُوتُ هَزَلاً إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مَا فِي الْأَرْضِ تُتَّخَذُ وَلَيْسَتْ كَالدَّوَابِّ الَّتِي لاَ تَرْعَى وَالْأَرْضُ مُخْصِبَةٌ إلَّا رَعْيًا ضَعِيفًا وَلاَ تَقُومُ لِلْجَدْبِ قِيَامَ الرَّوَاعِي‏.‏

قَالَ وَلاَ تُحْلَبُ أُمَّهَاتُ النَّسْلِ إلَّا فَضْلاً عَمَّا يُقِيمُ أَوْلاَدَهُنَّ لاَ يَحْلُبْهُنَّ فَيَمُتْنَ هَزَلاً‏.‏