فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآية رقم (5):

{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)}
{وَإِنّي خِفْتُ الموالى} هم عصبته أخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقباً صالحاً من صلبه يقتدي به في إحياء الدين {مِن وَرَائِى} بعد موتي، وبالقصر وفتح الياء ك {هداي}: مكى. وهذا الظرف لا يتعلق ب {خفت} لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف، أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي، أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا} عقيماً لا تلد {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ} اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة {وَلِيّاً} ابنا يلي أمرك بعدي.

.تفسير الآيات (6- 8):

{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)}
{يَرِثُنِى وَيَرِثُ} برفعهما صفة ل {ولياً} أي هب لي ولداً وارثاً مني العلم ومن آل يعقوب النبوة، ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى إليه ولم يرد أن نفس النبوة تورث. ويجزمهما: أبو عمرو وعلي على أنه جواب للدعاء يقال: ورثته وورثت منه {مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ} يعقوب بن إسحاق {واجعله رَبّ رَضِيّاً} مرضياً ترضاه أو راضياً عنك وبحكمك فأجاب الله تعالى دعاءه وقال: {يازكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى} تولى الله تسميته تشريفاً له. {نبشرك} بالتخفيف: حمزة {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} لم يسم أحد بيحيى قبله وهذا دليل على أن الاسم الغريب جدير بالأثرة. وقيل: مثلاً وشبيها ولم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وأنه ولد بين شيخ وعجوز وأنه كان حصوراً، فلما بشرته الملائكة به {قَالَ رَبّ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} وليس هذا باستبعاد بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال أم يحولان شابين {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} أي بلغت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود اليابس من أجل الكبر والطعن في السن العالية {عتياً} و{صلياً} و{جثياً} و{بكياً} بكسر الأوائل: حمزة وعلي وحفص إلا في {بكيا}.

.تفسير الآيات (9- 13):

{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)}
{قَالَ كذلك} الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديق له ثم ابتدأ {قَالَ رَبُّكِ} أو نصب ب {قال} وذلك إشارة إلى مبهم يفسره {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي خلق يحيى من كبيرين سهل {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ} أو جدتك من قبل يحيى. {خلقناك} حمزة وعلي {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} لأن المعدوم ليس بشيء {قَالَ رَبّ اجعل لِّى ءايَةً} علامة أعرف بها حبل امرأتي {قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِياً} حال من ضمير تكلم أي حال كونك سوى الأعضاء واللسان يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوارح ما بك خرس ولا بكم. ودل ذكر الليالي هنا والأيام في (آل عمران) على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن، إذ ذكر الأيام يتناول ما بإزائها من الليالي وكذا ذكر الليالي يتناول ما بإزائها من الأيام عرفاً {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} من موضع صلاته وكانوا ينتظرونه ولم يقدر أن يتكلم {فأوحى إِلَيْهِمْ} أشار بإصبعه {أَن سَبّحُواْ} صلوا و{أن} هي المفسرة {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} صلاة الفجر والعصر {يَا يحيى} أي وهبنا له يحيى وقلنا له بعد ولادته وأوان الخطاب يا يحيى {خُذِ الكتاب} التوراة {بِقُوَّةٍ} حال أي بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد {وَآتَيْنَاهُ الحكم} الحكمة وهو فهم التوراة والفقه في الدين {صَبِيّاً} حال. قيل: دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال: ما للعب خلقنا {وَحَنَانًا} شفقة ورحمة لأبويه وغيرهما عطفاً على الحكم {مّن لَّدُنَّا} من عندنا {وزكواة} أي طهارة وصلاحاً فلم يعمد بذنب {وَكَانَ تَقِيّا} مسلماً مطيعا.

.تفسير الآيات (14- 18):

{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)}
{وَبَرّا بوالديه} وباراً بهما لا يعصيهما {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً} متكبراً {عَصِيّاً} عاصياً لربه {وسلام عَلَيْهِ} أمان من الله له {يَوْمَ وُلِدَ} من أن يناله الشيطان {وَيَوْمَ يَمُوتُ} من فتاني القبر {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} من الفزع الأكبر. قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.
{واذكر} يا محمد {فِى الكتاب} القرآن {مَرْيَمَ} أي اقرأ عليهم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها {إِذْ} بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه {انتبذت مِنْ أَهْلِهَا} أي اعتزلت {مَكَاناً} ظرف {شَرْقِياً} أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أو من دارها معتزلة عن الناس. وقيل: قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض {فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً} جعلت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها لتغتسل وراءه {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف، وإنا سمي روحاً لأن الدين يحيا به وبوحيه {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً} أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمى شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر {سَوِيّاً} مستوى الخلق. وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه {قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك.

.تفسير الآيات (19- 22):

{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
{قَالَ} جبريل عليه السلام {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به {لأَِهَبَ لَكِ} بإذن الله تعالى، أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع {ليهب لك} أي الله: أبو عمرو ونافع. {غلاما زَكِيّاً} ظاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير والبركة.
{قَالَتْ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} ابن {وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ} زوج بالنكاح {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين، والبغي فعول عند المبرد (بغوي) فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت العين إتباعاً ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في (امرأة صبور وشكور) وعند غيره هي (فعيل) ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى (مفعولة) وإن كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل {إن رحمة الله قريب} [الأعراف: 56] {قَالَ} جبريل {كذلك} أي الأمر كما قلت: لم يمسسك رجل نكاحاً أو سفاحاً {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي إعطاء الولد بلا أب عليَّ سهل {وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ} تعليل معلله محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك، أو هو معطوف على تعليل مضمر أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهاناً على قدرتنا {وَرَحْمَةً مّنَّا} لمن أمن به {وَكَانَ} خلق عيسى {أَمْراً مَّقْضِيّاً} مقدراً مسطوراً في اللوح فلما أطمأنت إلى قوله دنا منها فنفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى بطنها {فَحَمَلَتْهُ} أي الموهوب وكانت سنها ثلاث عشرة سنة أو عشراً أو عشرين {فانتبذت بِهِ} اعتزلت وهو في بطنها، والجار والمجرور في موضع الحال، عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانت مدة الحمل ساعة واحدة كما حملته نبذته. وقيل: ستة أشهر. وقيل: سبعة. وقيل: ثمانية: ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى. وقيل: حملته في ساعة ووضعته في ساعة {مَكَاناً قَصِيّاً} بعيداً من أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمة.

.تفسير الآيات (23- 24):

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
{فَأَجَاءهَا} جاء بها. وقيل: ألجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، ألا تراك لا تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد {المخاض} وجمع الولادة {إلى جِذْعِ النخلة} أصلها وكان يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخلة معروفة وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه حرسة النفساء أي طعامها. ثم {قَالَتْ} جزعاً مما أصابها {ياليتنى مِتُّ قَبْلَ هذا} اليوم {مِتُّ} مدني وكوفي غير أبي بكر، وغيرهم: بالضم. يقال: مات يموت ومات يمات {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر. بفتح النون: حمزة وحفص، بالكسر: غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} {مَن} أي الذي تحتها ف {من} فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنِه كان بمكان منخفض عنها، أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها من تحت ذيلها. {من تحتها} مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل مضمر وهو عيسى عليه السلام، أو جبريل والهاء في {تحتها} للنخلة. ولشدة ما لقيت سليت بقوله {أَلاَّ تَحْزَنِى} لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس و{أن} بمعنى أي {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ} بقربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جري وإن أمرته أن يقف وقف {سَرِيّاً} نهراً صغيراً عند الجمهور، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السري فقال: هو الجدول. وعن الحسن: سيداً كريماً يعني عيسى عليه السلام. وروي أن خالد بن صفوان قال: له إن العرب تسمي الجدول سرياً فقال الحسن: صدقت ورجع إلى قوله. وقال: ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها:

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}
{وَهْزِّي} حركي {إِلَيْكَ} إلى نفسك {بِجِذْعِ النخلة} قال أبو علي: الباء زائدة أي هزي جذع النخلة.
{تساقط عَلَيْكِ} بإدغام التاء الأولى في الثانية: مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر، والأصل تتساقط بإظهار التاءين {وتساقط} بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين: حمزة. و{يساقط} بفتح الياء والقاف وتشديد السين: يعقوب وسهل وحماد ونصير. و{تساقط} حفص من المفاعلة. و{تُسقِطْ} و{يُسقِطْ} وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراءات {رُطَباً} تمييز أو مفعول به على حسب القراءة {جَنِيّاً} طرياً وقالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت. وقيل: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل {فَكُلِى} من الجني {واشربى} من السري {وَقَرّى عَيْناً} بالولد الرضي و{عينا} تمييز أي طيبي نفساً بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك {فَإِمَّا} أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها {تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فَقُولِى إِنّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} أي فإن رأيت آدمياً يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب. وقيل: صياماً حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان إلتزامُه إلتزامَه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخاً فينا. وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء، وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض. وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاماً وقولاً ألا ترى أن قول الشاعر في وصف القبور:
وتكلمت عن أوجه تبلى

وقيل: كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق {فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيّاً} آدميا.

.تفسير الآيات (27- 30):

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}
{فَأَتَتْ بِهِ} بعيسى {قَوْمَهَا} بعد ما طهرت من نفاسها {تَحْمِلُهُ} حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها {قَالُواْ يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} بديعاً عجيباً والفري القطع كأنه يقطع العادة {يَاأُخْتَ هارون} وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل، أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحداً منهم، أو رجل صالح أو طالح من زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به {مَا كَانَ أَبُوكِ} عمران {امرأ سَوْء} زانياً {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حنة {بَغِيّاً} زانية {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها: لا تحزني وأحيلي بالجواب علي. وقيل: أمرها جبريل بذلك. ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا و{قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ} حدث ووجد {فِى المهد} المعهود {صَبِيّاً} حال {قَالَ إِنّى عَبْدُ الله} ولما أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم، روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع {إني عبد الله} وفيه رد لقول النصارى {آتانيالكتاب} الإنجيل {وَجَعَلَنِى نَبِيّاً} روي عن الحسن أنه كان في المهد نبياً وكلامه معجزته. وقيل: معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد.

.تفسير الآيات (31- 34):

{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}
{وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} نفاعاً حيث كنت أو معلماً للخير {وَأَوْصَانِى} وأمرني {بالصلاة والزكاة} إن ملكت مالاً. وقيل: صدقة الفطر أو تطهير البدن، ويحتمل وأوصاني بأن آمركم بالصلاة والزكاة {مَا دُمْتُ حَياً} نصب على الظرف أي مدة حياتي {وَبَرّاً بِوَالِدَتِى} عطفاً على {مباركاً} أي باراً بها أكرمها وأعظمها {وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً} متكبراً {شَقِيّاً} عاقاً {والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} {يوم} ظرف والعامل فيه الخبر وهو {علي} {وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} أي ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلي إن كان حرف التعريف للعهد، وإن كان للجنس فالمعنى وجنس السلام علي، وفيه تعريض باللعنة على أعداء مريم وابنهالأنه إذا قال: وجنس السلام على، وفيه تعريف باللغة على أعداء مريم وابنها لأنه إذا قال وجنس السلام عليّ، فقد عرض بأن ضده عليكم إذ المقام مقام مناكرة وعناد فكان مئنة لمثل هذا التعريض.
{ذلك} مبتدأ {عِيسَى} خبره {ابن مَرْيَمَ} نعته أو خبر ثان أي ذلك الذي قال: إني كذا وكذا عيسى ابن مريم لا كما قالت النصارى: إنه إله أو ابن الله {قَوْلَ الحق} كلمة الله فالقول الكلمة والحق الله، وقيل: له كلمة الله لأنه ولد بقوله كن بلا واسطة أب. وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من عيسى. ونصبه شامي وعاصم على المدح أو على المصدر أي أقول قول الحق هو ابن مريم وليس بإله كما يدعونه {الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ} يشكون من المرية الشك أو يختلفون من المراء، فقالت اليهود: ساحر كذاب، وقالت النصارى: ابن الله وثالث ثلاثة.