فصل: تفسير الآيات (88- 92):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (88- 92):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)}
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً} أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات، أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك؛ والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدّني الأمر أثقلني وعظم عليّ أدًّا {تَكَادُ السماوات} تقرب وبالياء نافع وعليّ {يَتَفَطَّرْنَ} وبالنون بصري وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر. الانفطار من فطره إذا شقه والتفطر من فطره إذا شققه {مِنْهُ} من عظم هذا القول: {وَتَنشَقُّ الأرض} تنخسف وتنفصل أجزاؤها {وَتَخِرُّ الجبال} تسقط {هَدّاً} كسراً أو قطعاً أو هدماً، والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدّا من سماع قولهم أو مفعول له أو حال أي مهدودة {أَن دَعَوْا} لأن سموا ومحله جر بدل من الهاء في {منه} أو نصب مفعول له، علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن، أو رفع فاعل {هداًّ} أي هدها دعاؤهم {للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} (انبغى) مطاوع بغى إذ طلب أي ما يتأتي له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلاً لأنه محال غير داخل تحت الصحة، وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما. وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره، لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك غطاؤه فمن أضاف إليه ولداً فقد جعله كبعض خلقه وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن.

.تفسير الآيات (93- 96):

{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)}
{إِن كُلُّ مَن} نكرة موصوفة صفتها {فِى السماوات والأرض} وخبر {كل} {إِلاَّ ءَاتِي الرحمن} ووحد {آتى} و{آتيه} حملاً على لفظ {كل} وهو اسم فاعل من أتى وهو مستقبل أي يأتيه {عَبْداً} حال أي خاضعاً ذليلاً منقاداً، والمعنى ما كل من في السموات والأرض من الملائكة والناس إلا هو يأتي الله يوم القيامة مقراً بالعبودية، والعبودية والبنوة تتنافيان حتى لو ملك الأب ابنه يعتق عليه ونسبة الجميع إليه نسبة العبد إلى المولى فكيف يكون البعض ولداً والبعض عبداً! وقرأ ابن مسعود {آت الرحمن} على أصله قبل الإضافة {لَّقَدْ أحصاهم وَعَدَّهُمْ عَدّاً} أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم {وَكُلُّهُمْ ءاتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً} أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفرداً بلا مال ولا ولد أو بلا معين ولا ناصر.
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً} مودة في قلوب العباد قال الربيع يحبهم ويحببهم إلى الناس وفي الحديث: «يعطى المؤمن مِقَةً في قلوب الأبرار ومهابة في قلوب الفجار». وعن قتادة وهرم: ما أقبل العبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه. وعن كعب: ما يستقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر له في السماء.

.تفسير الآيات (97- 98):

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
{فَإِنَّمَا يسرناه} سهلنا القرآن {بِلَسَانِكَ} بلغتك حال {لِتُبَشّرَ بِهِ المتقين} المؤمنين {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} شداداً في الخصومة بالباطل أي الذين يأخذون في كل لديد أي شق من المراء والجدال جمْع ألدّ يَراد به أهل مكْة {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} تخويف لهم وإنذار {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ} أي هل تجد أو ترى أو تعلم والإحساس الإدراك بالحاسة {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} صوتاً خفياً ومنه الركاز أي لما أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى ولا صوت يسمع يعني هلكوا كلهم فكذا هؤلاء إن أعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك فعاقبتهم الهلاك فليهن عليك أمرهم، والله أعلم.

.سورة طه:

.تفسير الآيات (1- 3):

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}
{طه} فخم الطاء لاستعلائها وأمال الهاء، أبو عمرو، وأمالهما حمزة وعلي وخلف وأبو بكر، وفخمهما على الأصل غيرهم. وما رُوي عن مجاهد والحسن والضحاك وعطاء وغيرهم أن معناه يا رجل فإن صح فظاهر وإلا فالحق ما هو المذكور في سوة البقرة {مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان} إن جعلت {طه} تعديداً لأسماء الحروف فهو ابتداء كلام، وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ، و{القرءان} ظاهر أوقع موقع المضمر لأنها قرآن وأن يكون جواباً لها وهي قسم {لتشقى} لتتعب لفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا، أو بقيام الليل فإنه رُوي أنه عليه السلام صلى بالليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل: أبق على نفسك فإن لها عليك حقاً أي ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة {إِلاَّ تَذْكِرَةً} استثناء منقطع أي لكن أنزلناه تذكرة أو حال {لّمَن يخشى} لمن يخاف الله أو لمن يئول أمره إلى الخشية.

.تفسير الآيات (4- 9):

{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)}
{تَنْزِيلاً} بدل من {تَذْكِرَةٌ} إذا جعل حالاً ويجوز أن ينتصب ب (نزل) مضمراً أو على المدح أو ب {يخشى} مفعولاً أي أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله {مّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات} {مِنْ} يتعلق ب {تَنْزِيلاً} صلة له {العلى} جمع العليا تأنيث الأعلى ووصف السماوات بالعلى دليل ظاهر على عظم قدرة خالقها {الرحمن} رفع على المدح أي هو الرحمن {عَلَى العرش} خبر مبتدأ محذوف {استوى} استولى. عن الزجاج، ونبه بذكر العرش وهو أعظم المخلوقات على غيره. وقيل: لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقال استوى فلان على العرش أي ملك وإن لم يقعد على السرير ألبتة وهذا كقولك «يد فلان مبسوطة» أي جواد وإن لم يكن له يد رأساً، والمذهب قول علي رضي الله عنه: الاستواء غير مجهول والتكييف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لأنه تعالى كان ولا مكان فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان.
{لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} خبر ومبتدأ ومعطوف {وَمَا بَيْنَهُمَا} أي ذلك كله ملكه {وَمَا تَحْتَ الثرى} ما تحت سبع الأراضين أو هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة {وَإِن تَجْهَرْ بالقول} ترفع صوتك {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر} ما أسررته إلى غيرك {وَأَخْفَى} منه وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى} أي هو واحد بذاته وإن افترقت عبارات صفاته رد لقولهم إنك تدعو آلهة حين سمعوا أسماءه تعالى والحسنى تأنيث الأحسن.
{وَهَلْ} أي وقد {أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} خبره قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى.

.تفسير الآيات (10- 12):

{إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)}
{إِذْ رَأَى} ظرف لمضمر أي حين رأى {نَارًا} كان كيت وكيت أو مفعول به لاذكر. رُوي أن موسى عليه السلام استأذن شعيباً في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فولد له ابن في الطريق في ليلة مظلمة مثلجة، وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فرأى عند ذلك ناراً في زعمه وكان نوراً {فَقَالَ لأَِهْلِهِ امكثوا} أقيموا في مكانكم {إِنّى آنَسْتُ} أبصرت {نَارًا} والإيناس رؤية شيء يؤنس به {لعلِّي ءاتيكم منها} بنى الأمر على الرجاء لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به {بِقَبَسٍ} نار مقتبسة في رأس عود أو فتيله {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} ذوي هدى أو قوماً يهدونني الطريق. ومعنى الاستعلاء في {عَلَى النار} أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها.
{فَلَمَّا أتاها} أي النار وجد ناراً بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها، وكانت شجرة العناب أو العوسج ولم يجد عندها أحداً. ورُوي أنه كلما طلبها بعدت عنه فإذا تركها قربت منه فثم {نُودِىَ} موسى {يَا موسى إِنّى} بكسر الهمزة أي نود فقيل {يَا موسى إِنّى} أو لأن النداء ضرب من القول فعومل معاملته، وبالفتح: مكي وأبو عمرو أي نودي بأني {أَنَاْ رَبُّكَ} {أَنَاْ} مبتدأ أو تأكيد أو فصل وكرر الضمير لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. رُوي أنه لما نودي يا موسى قال: مَن المتكلم؟ فقال الله عز وجل: {أَنَاْ رَبُّكَ}. فعرف أنه كلام الله عز وجل بأنه سمعه من جميع جهاته الست وسمعه بجميع أعضائه.
{فاخلع نَعْلَيْكَ} انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس، أو لأنها كانت من جلد حمار ميت غير مدبوغ، أو لأن الحفوة تواضع لله ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها فخلعهما وألقاهما من وراء الوادي {إِنَّكَ بالواد المقدس} المطهر أو المبارك {طُوًى} حيث كان منوّن: شامي وكوفي لأنه اسم علم للوادي وهو بدل منه، وغيرهم بغير تنوين بتأويل البقعة. وقرأ أبو زيد بكسر الطاء بلا تنوين.

.تفسير الآيات (13- 17):

{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)}
{وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك للنبوة، {وإنا اخترناك} حمزة {فاستمع لِمَا يُوحَى} إليك للذي يوحى أو للوحي، واللام يتعلق ب {استمع} أو ب {اخترتك} {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى} وحدني وأطعني {وأقم الصلاة لذكري} لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها، أو لأن أذكرك بالمدح والثناء، أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، أو لتكون لي ذاكراً غير ناس، أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103] وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها وذا يصح بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي، وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها.
{إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} لا محالة {أَكَادُ} أريد عن الأخفش وقيل صلة {أُخْفِيهَا} قيل: هو من الأضداد أي أظهرها أو أسترها عن العباد فلا أقول هي آتية لإرادتي إخفاءها، ولولا ما في الأخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من الحكمة وهو أنهم إذا لم يعلموا متى تقوم كانوا على وجل منها في كل وقت لما أخبرت به {لتجزى} متعلق ب {ءاتِيَةٌ} {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} بسعيها من خير أو شر {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فلا يصرفنك عن العمل للساعة أو عن إقامة الصلاة أو عن الإيمان بالقيامة فالخطاب لموسى والمراد به أمته {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا} لا يصدق بها {واتبع هَوَاهُ} في مخالفة أمره {فتردى} فتهلك {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} (ما) مبتدأ و{تِلْكَ} خبره وهي بمعنى هذه و{بِيَمِينِكَ} حال عمل فيها معنى الإشارة أي قارة أو مأخوذة بيمينك. أو {تِلْكَ} موصول صلته {بِيَمِينِكَ} والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت، أو للتوطين لئلا يهوله انقلابها حية، أو للإيناس ورفع الهيبة للمكالمة.

.تفسير الآيات (18- 24):

{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)}
{قَالَ هي عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا} أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى} أخبط ورق الشجر على غنمي لتأكل {وَلِيَ فِيهَا مَأَرِبُ} {وَلِيُّ} حفص جمع مأربة بالحركات الثلاث وهي الحاجة {أخرى} والقياس أخر. وإنما قال: {أخرى} رداً إلى الجماعة أو لنسق الآي وكذا {الكبرى} ولما ذكر بعضها شكراً أجمل الباقي حياء من التطويل، أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الإكرام. والمآرب الأخر أنها كانت تماشيه وتحدثه وتحارب العدو والسباع وتصير رشاء فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها فتثمر ثمرة يشتهيها ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب، وكانت تقيه الهوام. والزيادة على الجواب لتعداد النعم شكراً، أو لأنها جواب سؤال آخر لأنه لما قال: {هِىَ عَصَايَ} قيل له: ما تصنع بها فأخذ يعدد منافعها.
{قَالَ أَلْقِهَا ياموسى} اطرح عصاك لتفزع مما تتكئ عليه فلا تسكن إلا بنا وترى فيها كنه ما فيها من المآرب فتعتمد علينا في المطالب {فألقاها} فطرحها {فَإِذَا هي حَيَّةٌ تسعى} تمشي سريعاً قيل انقلبت ثعباناً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآها تبتلع كل شيء خاف. وإنما وصفت بالحية هنا وبالثعبان وهو العظيم من الحيات وبالجان وهو الدقيق في غيرها لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير، وجاز أن تنقلب حية صفراء دقيقة ثم يتزايد جرمها حتى تصير ثعباناً فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها، أو لأنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان. وقيل: كان بين لحييها أربعون ذراعاً. ولما {قَالَ} له ربه {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} بلغ من ذهاب خوفه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها {سَنُعِيدُهَا} سنردها {سِيَرتَهَا الأولى} تأنيث الأول، والسيرة: الحالة التي يكون عليها الإنسان غريزية كانت أو مكتسبة وهي في الأصل فعلة من السير كالركبة من الركوب ثم استعملت بمعنى الحالة والطريقة. وانتصبت على الظرف أي سنعيدها في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا. والمعنى نردها عصاً كما كانت، وأرى ذلك موسى عند المخاطبة لئلا يفزع منها إذا انقلبت حية عند فرعون، ثم نبه على آية أخرى فقال.
{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} إلى جنبك تحت العضد وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما أي يميلهما عند الطيران والمعنى أدخلها تحت عضدك {تَخْرُجْ بَيْضَاء} لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص {آيةً أُخرى} لنبوتك بيضاء وآية حالان معاً ومن غير سوء صلة بيضاء كقولك (ابيضت من غير سوء) وجاز أن ينتصب {ءايَةً} بفعل محذوف يتعلق به الأَمر.
{لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} أي خذ هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى العظمى، أو نريك بهما الكبرى من آياتنا أو المعنى فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى.
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} جاوز حد العبودية إلى دعوى الربوبية، ولما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي وعرف أنه كلف أمراً عظيماً يحتاج إلى صدر فسيح.