فصل: تفسير الآيات (20- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (20- 21):

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ في الأسواق} كسرت (إن) لأجل اللام في الخبر والجملة بعد {إلا} صفة لموصوف محذوف، والمعنى وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور أي من المرسلين ونحوه {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] أَيُّ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ. قِيلَ: هو احتجاج على من قال: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} وتسلية للنبي عليه الصلاة والسلام {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} أي محنة وابتلاء، وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما عيروه به من الفقر ومشيه في الأسواق يعني أنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء فيغني من يشاء ويفقر من يشاء {أَتَصْبِرُونَ} على هذه الفتنة فتؤجروا أم لا تصبروا فيزداد غمكم. وحكي أن بعض الصالحين تبرم بضنك عيشه فخرج ضجراً فرأى خصياً في مواكب ومراكب فخطر بباله شيء فإذا بمن يقرأ هذه الآية فقال: بلى فصبراً ربنا. أو جعلتك فتنة لهم لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنان لكانت طاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا فإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك خالصة لنا {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} عالماً بالصواب فيما يبتلي به أو بمن يصبر ويجزع.
{وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ} لا يأملون {لِقَاءنَا} بالخير لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث أو لا يخافون عقابنا إما لأن الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف، أو لأن الرجاء في لغة تهامة الخوف {لَوْلاَ} هلا {أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة} رسلاً دون البشر أو شهوداً على نبوته ودعوى رسالته {أَوْ نرى رَبَّنَا} جهرة فيخبرنا برسالته واتباعه {لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ} أي أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم {وَعَتَوْ} وتجاوزوا الحد في الظلم {عُتُوّاً كَبِيراً} وصف العتو بالكبر فبالغ في إفراطه أي أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو. واللام في {لقد} جواب قسم محذوف.

.تفسير الآيات (22- 24):

{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
{يَوْمَ يَرَوْنَ الملئكة} أي يوم الموت أو يوم البعث و{يَوْم} منصوب بما دل عليه {لاَ بشرى} أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى. وقوله {يَوْمَئِذٍ} مؤكد ل {يوم يرون} أو بإضمار اذكر أي اذكر يوم يرون الملائكة، ثم أخبر فقال: لا بشرى بالجنة يومئذ ولا ينتصب ب {يرون} لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا ب {بشرى} لأنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ولأن المنفي بلا لا يعمل فيما قبل (لا) {لّلْمُجْرِمِينَ} ظاهر في موضع ضمير أو عام يتناولهم بعمومه وهم الذين اجترموا الذنوب والمراد الكافرون لأن مطلق الأسماء يتناول أكمل المسميات {وَيَقُولُونَ} أي الملائكة {حِجْراً مَّحْجُوراً} حراماً محرماً عليكم البشرى أي جعل الله ذلك حراماً عليكم إنما البشرى للمؤمنين. والحجر مصدر والكسر والفتح لغتان وقريء بهما وهو من حجره إذا منعه، وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها، و{مَّحْجُوراً} لتأكيد معنى الحجر كما قالوا (موت مائت).
{وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} هو صفة ولا قدوم هنا ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف ونحو ذلك بحال من خالف سلطانه وعصاه فقدم إلى أشيائه وقصد إلى ما تحت يديه فأفسدها ومزقها كل ممزق ولم يترك لها أثراً. والهباء ما يخرج به من الكوة مع ضوء الشمس شبيهاً بالغبار، والمنثور المفرق وهو استعارة عن جعله بحيث لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع. ثم بين فضل أهل الجنة على أهل النار فقال:
{أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} تمييز والمستقر المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم يتجالسون ويتحادثون {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} مكاناً يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم، ولا نوم في الجنة ولكنه سمي مكان استراحتهم إلى الحور مقيلاً على طريق التشبيه. وروي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وفي لفظ الأحسن تهكم بهم.

.تفسير الآيات (25- 28):

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)}
{وَيَوْمَ} واذكر يوم {تَشَقَّقُ السماء} والأصل تتشقق فحذف التاء كوفي وأبو عمرو وغيرهم أدغمها في الشين {بالغمام} لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشقق به السماء كما تقول (شققت السنام بالشفرة فانشق بها) {وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً} {وننزل الملائكة} مكي، {وتنزيلاً} على هذا مصدر من غير لفظ الفعل. والمعنى أن السماء تنفتح بغمام أبيض يخرج منها وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد {الملك} مبتدأ {يَوْمَئِذٍ} ظرفه {الحق} نعته ومعناه الثابت لأن كل ملك يزول يومئذ فلا يبقى إلا ملكه {للرحمن} خبره {وَكَانَ} ذلك اليوم {يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً} شديداً. يقال عسر عليه فهو عسير وعسر ويفهم منه يسره على المؤمنين ففي الحديث: «يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا» {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة ما لا يجده عند لفظ المكنّى عنه، واللام في {الظالم} للعهد وأريد به عقبة لما تبين أو للجنس فيتناول عقبة وغيره من الكفار {يَقُولُ ياليتنى اتخذت} في الدنيا {مَعَ الرسول} محمد عليه الصلاة والسلام {سَبِيلاً} طريقاً إلى النجاة والجنة وهو الإيمان {يا ويلتى} وقرئ {يا ويلتي} بالياء وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي فهذا أوانك. وإنما قلبت الياء ألفاً كما في (صحارى) و(مدارى) {لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} فلان كناية عن الأعلام فإن أريد بالظالم عقبة لما رُوي أنه اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل فقال له أبيّ بن خلف وهو خليله: وجهي من وجهك حرام إلا أن ترجع فارتد. فالمعنى يا ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً، فكنى عن اسمه. وإن أريد به الجنس فكل من اتخذ من المضلين خليلاً كان لخليله اسم علم لا محالة فجعل كناية عنه. وقيل: هو كناية عن الشيطان.

.تفسير الآيات (29- 31):

{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}
{لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذكر} أي عن ذكر الله أو القرآن أو الإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} من الله {وَكَانَ الشيطان} أي خليله سماه شيطاناً لأنه أضله كما يضله الشيطان، أو إبليس لأنه الذي حمله على مخالة المضل ومخالفة الرسول {للإنسان} المطيع له {خَذُولاً} هو مبالغة من الخذلان أي من عادة الشيطان ترك من يواليه وهذا حكاية كلام الله أو كلام الظالم.
{وَقَالَ الرسول} أي محمد عليه الصلاة والسلام في الدنيا {يارب إِنَّ قَوْمِى} قريشاً {اتخذوا هذا القرءان مَهْجُوراً} متروكاً أي تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران وهو مفعول ثان ل {اتخذوا} في هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأن الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حل بهم العذاب ولم ينظروا. ثم أقبل عليه مسلياً ووعده النصرة عليهم فقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ المجرمين وكفى بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} أي كذلك كان كل نبي قبلك مبتلى بعداوة قومه وكفاك بي هادياً إلى طريق قهرهم والانتصار منهم، وناصراً لك عليهم. والعدو يجوز أن يكون واحداً وجمعاً والباء زائدة أي وكفى ربك هادياً وهو تمييز.

.تفسير الآيات (32- 33):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أي قريش أو اليهود {لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً} حال من القرآن أي مجتمعاً {واحدة} يعني هلا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة، وماله أنزل على التفاريق؟ وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته، لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو متفرقاً. و{نزّل} هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعاً بدليل {جملة واحدة} وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور فأبرزوا صفحة عجزهم حتى لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المحاربة وبذلوا المهج وما مالوا إلى الحجج {كذلك} جواب لهم أي كذلك أنزل مفرقاً في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين و(ذلك) في {كذلك} إشارة إلى مدلول قوله {لولا نزل عليه القرآن جملة} لأن معناه لم أنزل عليك القرآن مفرقاً فأعلم أن ذلك {لِنُثَبّتَ بِهِ} بتفريقه {فُؤَادَكَ} حتى تعيه وتحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً بعد شيء وجزأ عقيب جزء ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه، أو لنثبت به فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول وتتابع الرسول لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} معطوف على الفعل الذي تعلق به {كذلك} كأنه قال: كذلك فرقناه ورتلناه أي قدرناه آية بعد آية ووقفة بعد وقفة، أو أمرنا بترتيل قراءته وذلك قوله تعالى: {وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً} [المزمل: 4] أي اقرأه بترسل وتثبت أو بيناه تبييناً، والترتيل التبيين في ترسل وتثبت.
{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان {إِلاَّ جئناك بالحق} إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} وبما هو أحسن معنى ومؤدى من مثلهم أي من سؤالهم. وإنما حذف من مثلهم لأن في الكلام دليلاً عليه كما لو قلت (رأيت زيداً وعمراً وإن عمراً أحسن وجهاً) كان فيه دليل على أنك تريد من زيد. ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل: معناه كذا وكذا. أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفاً لما بعثت عليه ودلالة على صحته يعني أن تنزيله مفرقاً وتحديثهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شيء منها، أدخل في الإعجاز من أن ينزل كله جملة.

.تفسير الآيات (34- 36):

{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}
{الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ} {الذين} مبتدأ و{أولئك} مبتدأ ثان و{شر} خبر {أولئك} و{أولئك} مع {شر} خبر {الذين} أو التقدير: هم الذين أو أعني الذين و{أولئك} مستأنف {مَكَاناً} أي مكانة ومنزلة أو مسكناً ومنزلاً {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} أي وأخطأ طريقاً، وهو من الإسناد المجازي. والمعنى إن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه وسبيلكم أضل من سبيله، وفي طريقته قوله {قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] الآية. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف: صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم» قيل: يا رسول الله، كيف يمشون على وجوههم؟ فقال عليه الصلاة والسلام «الذي أمشاكم على أقداكم يمشيهم على وجوههم» {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} التوراة كما آتيناك القرآن {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون} بدل أو عطف بيان {وَزِيراً} هو في اللغة من يرجع إليه من الوزر وهو الملجأ، والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضاً {فَقُلْنَا اذهبا إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} إلى فرعون وقومه وتقديره فذهبا إليهم وأنذرا فكذبوهما {فدمرناهم تَدْمِيراً} التدمير الإهلاك بأمر عجيب أراد اختصار القصة فذكر أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.

.تفسير الآيات (37- 40):

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)}
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي ودمرنا قوم نوح {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل} يعني نوحاً وإدريس وشيثاً أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيباً للجميع {أغرقناهم} بالطوفان {وجعلناهم} وجعلنا إغراقهم أو قصتهم {لِلنَّاسِ ءايَةً} عبرة يعتبرون بها {وَأَعْتَدْنَا} وهيأنا {للظالمين} لقوم نوح وأصله وأعتدنا لهم إلا أنه أراد تظليمهم فأظهر، أو هو عام لكل من ظلم ظلم شرك ويتناولهم بعمومه {عَذَاباً أَلِيماً} أي النار {وَعَاداً} دمرنا عاداً {وَثَمُودَ} حمزة وحفص على تأويل القبيلة وغيرهما، وثموداً على تأويل الحي أو لأنه اسم الأب الأكبر {وأصحاب الرس} هم قوم شعيب كانوا يعبدون الأصنام فكذبوا شعيباً فبيناهم حول الرس وهي البئر غير مطوية انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم، وقيل: الرس قرية قتلوا نبيهم فهلكوا، أو هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود {وَقُرُوناً} وأهلكنا أمماً {بَيْنَ ذلك} المذكور {كَثِيراً} لا يعلمها إلا الله أرسل إليهم فكذبوهم فأهلكوا {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} أي أهلكنا إهلاكاً، {وَكُلاًّ} الأول منصوب بما دل عليه {ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} وهو أنذرنا أو حذرنا والثاني ب {تبرنا} لأنه فارغ له.
{وَلَقَدْ أَتَوْا} يعني أهل مكة {عَلَى القرية} سدوم وهي أعظم قرى قوم لوط وكانت خمساً أهلك الله أربعاً مع أهلها وبقيت واحدة {التى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} أي أمطر الله عليها الحجارة يعني أن قريشاً مروا مراراً كثيرة في متاجرهم إلى الشام على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء، {ومطر السوء} مفعول ثانٍ والأصل أمطرت القرية مطراً، أو مصدر محذوف الزوائد أي إمطار السوء {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} أما شاهدوا ذلك بأبصارهم عند سفرهم الشام فيتفكروا فيؤمنوا {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً} بل كانوا قوماً كفرة بالبعث لا يخافون بعثاً فلا يؤمنون، أو لا يأملون نشوراً كما يأمله المؤمنون لطمعهم في الوصول إلى ثواب أعمالهم.