فصل: تفسير الآيات (64- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (64- 68):

{وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)}
{وَقِيلَ} للمشركين {ادعوا شُرَكَاءكُمْ} أي الأصنام لتخلصكم من العذاب {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فلم يجيبوهم {وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} وجواب {لو} محذوف أي لما رأوا العذاب {وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين} الذين أرسلوا إليكم. حكى أولاً ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ثم ما يقوله الشياطين أو أئمة الكفر عند توبيخهم، لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة اعتذروا بأن الشياطين هم الذين استغووهم، ثم ما يشبه الشماتة بهم لاستغاثتهم آلهتهم وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكون به من الاحتجاح عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء يَوْمَئِذٍ} خفيت عليهم الحجج أو الأخبار. وقيل: خفي عليهم الجواب فلم يدروا بماذا يجيبون إذ لم يكن عندهم جواب {فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ} لا يسأل بعضهم بعضاً عن العذر والحجة رجاء أن يكون عنده عذر وحجة لأنهم يتساوون في العجز عن الجواب {فَأَمَّا مَن تَابَ} من الشرك {وءامن} بربه وبما جاء من عنده {وَعَمِلَ صالحا فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} أي فعسى أن يفلح عند الله. و(عسى) من الكرام تحقيق، وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام وترغيب للكافرين على الإيمان. ونزل جواباً لقول الوليد بن المغيرة: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] يعني نفسه أو أبا مسعود.
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء} وفيه دلالة خلق الأفعال، ويوقف على {وَيَخْتَارُ} أي وربك يخلق ما يشاء وربك يختار ما يشاء {مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي ليس لهم أن يختاروا على الله شيئاً ما وله الخيرة عليهم. ولم يدخل العاطف في {ما كان لهم الخيرة} لأنه بيان لقوله {ويختار} إذ المعنى أن الخيرة لله وهو أعلم بوجوه الحكمة في أفعاله فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. ومن وصل على معنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد بل (ما) لنفي اختيار الخلق تقريراً لاختيار الحق، ومن قال: ومعناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال. والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى المتخير كقولهم (محمد خيرة الله من خلقه) {سبحان الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي الله بريء من إشراكهم وهو منزه عن أن يكون لأحد عليه اختيار.

.تفسير الآيات (69- 71):

{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)}
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} تضمر {صُدُورُهُمْ} من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده {وَمَا يُعْلِنُونَ} من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختير عليه غيره في النبوة {وَهُوَ الله} وهو المستأثر بالإلهية المختص بها {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} تقرير لذلك كقولك (القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي). {لَهُ الحمد في الأولى} الدنيا {والآخرة} هو قولهم {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34] {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} [الزمر: 75] والتحميد ثمة على وجه اللذة لا الكلفة {وَلَهُ الحكم} القضاء بين عباده {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالبعث والنشور. وبفتح التاء وكسر الجيم: يعقوب.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أريتم محذوف الهمزة: علي {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اليل سَرْمَداً} هو مفعول ثان ل {جعل} أي دائماً من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم (ثلاثة سرد وواحد فرد) والميم مزيدة ووزنه فعمل {إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} والمعنى أخبروني من يقدر على هذا.

.تفسير الآيات (72- 75):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)}
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} ولم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال: {بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} بل ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثم قرن بالضياء {أفلا تسمعون} لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل {أفلا تبصرون} لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضل الله في النهار فيكون من باب اللف والنشر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه. وقال الزجاج: يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضل الله فيهما، ويكون المعنى جعل لكم الزمان ليلاً ونهاراً لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيه {وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} كرر التوبيخ لاتخاذ الشركاء ليؤذن أن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده {وَنَزَعْنَا} وأخرجنا {مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني نبيهم لأن الأنبياء للأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه {فَقُلْنَا} للأمم {هَاتُواْ برهانكم} فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسل {فَعَلِمُواْ} حينئذ {أَنَّ الحق لِلَّهِ} التوحيد {وَضَلَّ عَنْهُم} وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من ألوهية غير الله والشفاعة لهم.

.تفسير الآيات (76- 77):

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)}
{إِنَّ قارون} لا ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان فاعولاً من قرنت الشيء لانصرف {كَانَ مِن قَوْمِ موسى} كان إسرائيلياً ابن عم لموسى فهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قاهث، وكان يسمى المنور لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري {فبغى عَلَيْهِمْ} من البغي وهو الظلم. قيل: ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم، أو من البغي الكبر تكبر عليهم بكثرة ماله وولده، أو زاد عليهم في الثياب شبراً {وَءَاتيناه من الكنوز ما إِنْ مَفَاتِحَهُ} {ما} بمعنى الذي في موضع نصب ب {اتينا} و{إن} واسمها وخبرها صلة الذي ولهذا كسرت {إن}. والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به أو مفتح بالفتح وهو الخزانة والأصوب أنها المقاليد {لَتَنُوأُ بالعصبة} لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال: ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله، والعصبة الجماعة الكثيرة وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلاً لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على أصبع وكانت من جلود {أُوْلِى القوة} الشدة {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} أي المؤمنون وقيل: القائل موسى عليه السلام ومحل {إذ} نصب ب {تنوء} {لاَ تَفْرَحْ} لا تبطر بكثرة المال كقوله {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم} [الحديد: 23] ولا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن، وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} البطرين بالمال {وابتغ فِيمَا ءاتَاكَ الله} من الغنى والثروة {الدار الأخرة} بأن تتصدق على الفقراء وتصل الرحم وتصرف إلى أبواب الخير {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك. وقيل: معناه واطلب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها {وَأَحْسَنُ} إلى عباد الله {كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أو أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بالإنعام {وَلاَ تَبْغِ الفساد في الأرض} بالظلم والبغي {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين}.

.تفسير الآيات (78- 79):

{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)}
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} أي المال {على عِلْمٍ عِندِى} أي على استحقاق لما فيّ من العلم الذي فضلت به الناس وهو علم التوراة أو علم الكيمياء، وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهباً، أو العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة. و{عندي} صفة ل {علم} قال سهل: ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح، والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة الله تعالى عليه في جميع الأفعال والأقوال، والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله وأحواله ولم يفتح له سبيل رؤية منة الله فافتخر بها وادعاها لنفسه، فشؤمه يهلكه يوماً كما خسف بقارون لما ادّعى لنفسه فضلاً {أَوَ لَمْ يَعْلَمْ} قارون {أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} هو إثبات لعلمه بأن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة كأنه قيل: أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته، أو نفي لعلمه بذلك لأنه لما قال: {أوتيته على علم عندي} قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى. ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين {وَأَكْثَرُ جَمْعاً} للمال أو أكثر جماعة وعدداً {وَلاَ يُسْئلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} لعلمه تعالى بهم بل يدخلون النار بغير حساب، أو يعترفون بها بغير سؤال، أو يعرفون بسيماهم فلا يسئولون، أو لا يسئولون لتعلم من جهتهم بل يسئولون سؤال توبيخ، أو لا يسئل عن ذنوب الماضين المجرمون من هذه الأمة.
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ في زِينَتِهِ} في الحمرة والصفرة. وقيل: خرج يوم السبت على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة الاف على زيه. وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلثمائة غلام وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عليهن الحليّ والديباج. و{فِى زِينَتِهِ} حال من فاعل {خرج} أي متزيناً {قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا} قيل: كانوا مسلمين وإنما تمنوا على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر. وقيل: كانوا كفاراً {ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون} قالوه غبطة والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه من غير أن تزول عنه كهذه الآية، والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له دونه وهو كقوله تعالى؛ {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} [النساء: 32] وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضر الغبطة؟ قال: «لا إلا كما يضر العضاه الخبط» {إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ} الحظ الجد وهو البخت والدولة.

.تفسير الآيات (80- 81):

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)}
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم} بالثواب والعقاب وفناء الدنيا وبقاء العقبى لغابطي قارون {وَيْلَكُمْ} أصل ويلك الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرضى، وفي (التبيان في إعراب القرآن) هو مفعول فعل محذوف أي ألزمكم الله ويلكم {ثَوَابُ الله خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صالحا وَلاَ يُلَقَّاهَا} أي لا يلقن هذه الكلمة وهي {ثواب الله خير} {إِلاَّ الصابرون} على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا وعلى ما قسم الله من القليل عن الكثير.
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة، فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال: إن موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمر بما شئت قال: نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو إسرائيل، فجعل لها ألف دينار أوطستاً من ذهب أو حكمها، فلما كان يوم عيد قام موسى فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه. فقال قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فأحضرت فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت: جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجداً يبكي وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك. فقال: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل. فاعتزلوا جميعاً غير رجلين ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال: خذيهم فانطبقت عليهم فقال الله تعالى: استغاث بك مراراً فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته، فقال بعض بني إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} جماعة {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} يمنعونه من عذاب الله {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب الله. يقال: نصره من عدوه فانتصره أي منعه منه فامتنع.

.تفسير الآيات (82- 83):

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}
{وَأَصْبَحَ} وصار {الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ} منزلته من الدنيا {بالأمس} ظرف ل {تمنوا} ولم يرد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت القريب استعارة {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} (وي) منفصلة عن (كأن) عند البصريين. قال سيبويه: (وي) كلمة تنبه على الخطأ وتندم يستعملها النادم بإظهار ندامته يعني أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم، وقولهم {يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون} وتندموا {لَوْ لاَ أَن مَنَّ الله عَلَيْنَا} بصرف ما كنا نتمناه بالأمس {لَخَسَفَ بِنَا} لخَُسِفَ وبفتحتين: حفص ويعقوب وسهل، وفيه ضمير الله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} أي تندموا ثم قالوا: كأنه لا يفلح الكافرون {تِلْكَ الدار الآخرة} {تلك} تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها، وقوله {نَجْعَلُهَا} خبر {تلك} و{الدار} نعتها {لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً في الأرض} بغياً: ابن جبير، وظلماً: الضحاك أو كبراً {وَلاَ فَسَاداً} عملاً بالمعاصي أو قتل النفس أو دعاء إلى عبادة غير الله. ولم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ} [هود: 113] فعلق الوعيد بالركون. وعن علي رضي الله عنه: إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها. وعن الفضيل: إنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني ههنا. وعن عمر بن عبد العزيز: إنه كان يرددها حتى قبض. وقال بعضهم: حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثاً بقوله {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} {وَلاَ تَبْغِ الفساد في الأرض} {والعاقبة} المحمودة {لّلْمُتَّقِينَ}.