فصل: تفسير الآيات (17- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (17- 32):

{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}
{والذين اهتدوا} بالإيمان واستماع القرآن {زَادَهُمْ} الله {هُدًى} أي بصيرة وعلماً أو شرح صدورهم {وءاتاهم تقواهم} أعانهم عليها أو آتاهم جزاء تقواهم أو بين لهم ما يتقون {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي ينتظرون {أَن تَأْتِيهُم} أي إتيانها فهو بدل اشتمال من {الساعة} {بَغْتَةً} فجأة {فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} علاماتها وهو مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وإنشقاق القمر والدخان. وقيل: قطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام {فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} قال الأخفش: التقدير فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم {فاعلم أَنَّهُ} أن الشأن {لآ إله إِلاَّ الله واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} والمعنى فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانية الله وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك. وفي شرح التأويلات جاز أن يكون له ذنب فأمره بالاستغفار له ولكنا لا نعلمه، غير أن ذنب الأنبياء ترك الأفضل دون مباشرة القبيح، وذنوبنا مباشرة القبائح من الصغائر والكبائر. وقيل: الفاآت في هذه الآيات لعطف جملة على جملة بينهما اتصال {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في معايشكم ومتاجركم {وَمَثْوَاكُمْ} ويعلم حيث تستقرون من منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثوا كم في القبور، أو متقلبكم في أعمالكم ومثوا كم في الجنة والنار، ومثله حقيق بأن يتقى ويخشى وأن يستغفره وسئل سفيان ابن عيينة عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلائَ الله واستغفر لِذَنبِكَ} فأمر بالعمل بعد العلم.
{وَيَقُولُ الذين ءَامَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ} فيها ذكر الجهاد {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} في معنى الجهاد {مُّحْكَمَةٌ} مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجهاً إلا وجوب القتال. وعن قتادة: كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة لأن النسخ لا يرد عليها من قبل أن القتال نسخ ما كان من الصفح والمهادنة وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} أي أمر فيها بالجهاد {رَأَيْتَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} نفاق أي رأيت المنافقين فيما بينهم يضجرون منها {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} أي تشخص أبصارهم جبناً وجزعاً كما ينظر من أصابته الغشية عند الموت {فأولى لَهُمْ} وعيد بمعنى فويل لهم وهو أفعل من الولى وهو القرب ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} كلام مستأنف أي طاعة وقول معروف خير لهم {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} فإذا جد الأمر ولزمهم فرض القتال {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} في الإيمان والطاعة {لَكَانَ} الصدق {خَيْراً لَّهُمْ} من كراهة الجهاد. ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب بضرب من التوبيخ والإرهاب فقال:
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ في الأرض وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} أي فلعلكم إن أعرضتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضاً ووأد البنات.
وخبر عسى {أَن تُفْسِدُواْ} والشرط اعتراض بين الاسم والخبر والتقدير: فهل عسيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم إن توليتم {أولئك} إشارة إلى المذكورين {الذين لَعَنَهُمُ الله} أبعدهم عن رحمته {فَأَصَمَّهُمْ} عن استماع الموعظة {وأعمى أبصارهم} عن إبصارهم طريق الهدى.
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} فيعرفوا ما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة حتى لا يجسروا على المعاصي. و{أم} في {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} بمعنى بل وهمزة التقرير للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكره. ونكرت القلوب لأن المراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك، والمراد بعض القلوب وهي قلوب المنافقين، وأضيفت الأقفال إلى القلوب لأن المراد الأقفال المختصة بها وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح نحو الرين والختم والطبع.
{إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} أي المنافقون رجعوا إلى الكفر سراً بعد وضوح الحق لهم {الشيطان سَوَّلَ} زين {لَهُمْ} جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبراً ل (إن) نحو: إن زيداً عمرو مر به {وأملى لَهُمْ} ومدّ لهم في الآمال والأماني {وَأُمْلِىَ} أبو عمرو أي امهلوا ومد في عمرهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله} أي المنافقون قالوا لليهود {سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأمر} أي عدواة محمد والقعود عن نصرته {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} على المصدر من أسر: حمزة وعلي وحفص. {أسْرَارَهُمْ} غيرهم جمع سر {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} أي فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره {ذلك} إشارة إلى التوفي الموصوف {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم {اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} من معاونة الكافرين {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} من نصرة المؤمنين {فَأَحْبَطَ أعمالهم أَمْ حَسِبَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم} أحقادهم. والمعنى أظن المنافقون أن الله تعالى لا يبرز بغضهم وعداوتهم للمؤمنين {وَلَوْ نَشَآءُ لأريناكهم} لعرّفناكهم ودللناك عليهم {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} بعلامتهم وهو أن يسمهم الله بعلامة يعلمون بها وعن أنس رضي الله عنه: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحد من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القول} في نحوه وأسلوبه الحسن من فحوى كلامهم لأنهم كانوا لا يقدرون على كتمان ما في أنفسهم.
واللام في {فَلَعَرَفْتَهُم} داخلة في جواب (لو) كالتي في {لأريناكهم} كررت في المعطوف، وأما اللام في {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف {والله يَعْلَمُ أعمالكم} فيميز خيرها من شرها.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} بالقتال إعلاماً لا استعلاماً أو نعاملكم معاملة المختبر ليكون أبلغ في إظهار العدل {حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} على الجهاد أي نعلم كائناً ما علمناه أنه سيكون {وَنَبْلُوَ أخباركم} أسراركم وليبلونكم حتى يعلم. {ويبلو} أبو بكر وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها بكى وقال: اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله وَشَآقُّواْ الرسول} وعادوه يعني المطعمين يوم بدر وقد مر {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} من بعد ما ظهر لهم أنه الحق وعرفوا الرسول {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} التي عملوها في مشاقة الرسول أي سيبطلها فلا يصلون منها إلى أغراضهم.

.تفسير الآيات (33- 38):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}
{ياأيها الذين ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} بالنفاق أو بالرياء.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} قيل: هم أصحاب القليب والظاهر العموم {فَلاَ تَهِنُواْ} فلا تضعفوا ولا تذلوا للعدو {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} وبالكسر: حمزة وأبو بكر وهما المسالة أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} أي الأغلبون وتدعوا مجزوم لدخوله في حكم النهي {والله مَعَكُمْ} بالنصرة أي ناصركم {وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم} ولن ينقصكم أجر أعمالكم {إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} تنقطع في أسرع مدة {وَإِن تُؤْمِنُواْ} بالله ورسوله {وَتَتَّقُواْ} الشرك {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} ثواب إيمانكم وتقواكم {وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} أي لا يسألكم جميعها بل ربع العشر، والفاعل الله أو الرسول وقال سفيان بن عيينة: غيضاً من فيض {إِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} أي يجهدكم ويطلبه كله والإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال: أحفاه في المسئلة إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح، وأحفى شاربه إذا استأصله {تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ} أي الله أو البخل {أضغانكم} عند الامتناع أو عند سؤال الجميع لأنه عند مسئلة المال تظهر العداوة والحقد.
{هَآأَنتُمْ} ها للتنبيه {هؤلاءآء} موصول بمعنى الذين صلته {تَدْعُونَ} أي أنتم الذين تدعون {لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله} هي النفقة في الغزو أو الزكاة كأنه قيل: الدليل على أنه لو أحفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء أنكم تدعون إلى أداء ربع العشر {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} بالرفع لأن من هذه ليست للشرط أي فمنكم ناس يبخلون به {وَمَن يَبْخَلْ} بالصدقة وأداء الفريضة {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} أي يبخل عن داعي نفسه لا عن داعي ربه. وقيل: يبخل على نفسه يقال بخلت عليه وعنه {والله الغنى وَأَنتُمُ الفقرآء} أي أنه لا يأمر بذلك لحاجته إليه لأنه غني عن الحاجات ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} وإن تعرضوا أيها العرب عن طاعته وطاعة رسوله والإنفاق في سبيله، وهو معطوف على {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ} {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} يخلق قوماً خيراً منكم وأطوع وهم فارس وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال: «هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناله رجال من فارس» {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} أي ثم لا يكونوا في الطاعة أمثالكم بل أطوع منكم.

.سورة الفتح:

.تفسير الآيات (1- 15):

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحاً بحرب أو بغير حرب، لأنه مغلق ما لم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح، ثم قيل هو فتح مكة وقد نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية عدة له بالفتح. وجيء به على لفظ الماضي لأنها في تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر عنه وهو الفتح ما لا يخفى. وقيل: هو فتح الحديبية ولم يكن فيه قتال شديد ولكن ترامٍ بين القوم بسهام وحجارة، فرمى المسلمون المشركين حتى أدخلوهم ديارهم وسألوا الصلح فكان فتحاً مبيناً وقال الزجاج: كان في فتح الحديبية آية للمسلمين عظيمة، وذلك أنه نزح ماؤها ولم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مجه في البئر فدرت بالماء حتى شرب جميع الناس. وقيل: هو فتح خيبر. وقيل: معناه قضينا لك قضاء بيناً على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهي الحكومة. {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} قيل: الفتح ليس بسبب للمغفرة والتقدير: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً فاستغفر ليغفر لك الله ومثله {إِذَا جَاء نَصْرُ الله والفتح} إلى قوله {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ واستغفره} [النصر: 1، 3] ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سبباً للغفران. وقيل: الفتح لم يكن ليغفر له بل لإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز، ولكنه لما عدد عليه هذه النعم وصلها بما هو أعظم النعم كأنه قيل: يسرّنا لك فتح مكة أو كذا لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} يريد جميع ما فرط منك أو ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بإعلاء دينك وفتح البلاد على يدك {وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيماً} ويثبتك على الدين المرضي {وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً} قوياً منيعاً لا ذل بعده أبداً.
{هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة في قُلُوبِ المؤمنين لِيَزْدَادُوآ إيمانا مَّعَ إيمانهم} السكينة للسكون كالبهيتة للبهتان أي أنزل الله في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح ليزدادوا يقيناً إلى يقينهم. وقيل: السكينة الصبر على ما أمر الله والثقة بوعد الله والتعظيم لأمر الله {وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} أي ولله جنود السماوات والأرض يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم أن يفتح لهم، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكروها فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه {الظآنين بالله ظَنَّ السوء} وقع السوء عبارة عن رداءة الشيء وفساده.
يقال: فعل سوء أي مسخوط فاسد، والمراد ظنهم أن الله تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهراً {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} مكي وأبو عمرو أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، والسوء الهلاك والدمار وغيرهما {دَائِرَة السوء} بالفتح إلا أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء، وأما السوء فجارٍ مجرى الشر الذي هو نقيض الخير {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً} جهنم {وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض} فيدفع كيد من عادى نبيه عليه السلام والمؤمنين بما شاء منها {وَكَانَ الله عَزِيزاً} غالباً فلا يرد بأسه {حَكِيماً} فيما دبر.
{إِنَّآ أرسلناك شَاهِداً} تشهد على أمتك يوم القيامة وهذه حال مقدرة {وَمُبَشِّراً} للمؤمنين بالجنة {وَنَذِيرًا} للكافرين من النار {لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته {وَتُعَزِّرُوهُ} وتقووه بالنصر {وَتُوَقِّرُوهُ} وتعظموه {وَتُسَبِّحُوهُ} من التسبيح أو من السبحة، والضمائر لله عز وجل. والمراد بتعزيز الله تعزيز دينه ورسوله، ومن فرق الضمائر فجعل الأولين للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أبعد {لِيُؤْمِنُواْ} مكي وأبو عمرو والضمير للناس وكذا الثلاثة الأخيرة بالياء عندهما {بُكْرَةً} صلاة الفجر {وَأَصِيلاً} الصلوات الأربع {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ} أي بيعة الرضوان. ولما قال: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} أكده تأكيداً على طريقة التخييل فقال: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] و{إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} خبر (إن) {فَمَن نَّكَثَ} نقض العهد ولم يف بالبيعة {فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه. قال جابر بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت وعلى أن لا نفر فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقاً اختبأ تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم {وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد} يقال: وفيت بالعهد وأوفيت به ومنه قوله {أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] {والموفون بِعَهْدِهِمْ} [البقرة: 177] {عَلَيْهِ الله} حفص {فَسَيُؤْتِيهِ} وبالنون حجازي وشامي {أَجْراً عَظِيماً} الجنة.
{سَيَقُولُ لَكَ} إذا رجعت من الحديبية {المخلفون مِنَ الأعراب} هم الذين خلّفوا عن الحديبية وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدئل، وذلك أنه عليه السلام حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حرباً، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فيقاتلهم وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة {شَغَلَتْنَآ أموالنا وَأَهْلُونَا} هي جمع أهل اعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس من يقوم بأشغالهم {فاستغفر لَنَا} ليغفر لنا الله تخلفنا عنك {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في اعتذارهم وأن الذي خلفهم ليس ما يقولون، وإنما هو الشك في الله والنفاق فطلبهم الاستغفار أيضاً ليس بصادر عن حقيقة {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً} فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً} ما يضركم من قتل أو هزيمة {ضَرّا} حمزة وعلي {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} من غنيمة وظفر.
{بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلك في قُلُوبِكُمْ} زينه الشيطان {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} من علو الكفر وظهور الفساد {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً} جمع بائر كعائذ وعوز من بار الشيء هلك وفسد أي وكنتم قوماً فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم، أو هالكين عند الله مستحقين لسخطه وعقابه {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين} أي لهم فأقيم الظاهر مقام الضمير للإيذان بأن من لم يجمع بين الإيمانين: الإيمان بالله والإيمان برسوله، فهو كافر ونكّر {سَعِيراً} لأنها نار مخصوصة كما نكر {نَاراً تلظى} [الليل: 14] {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} يدبره تدبير قادر حكيم {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} يغفر ويعذب بمشيئته وحكمته وحكمته المغفرة للمؤمنين والتعذيب للكافرين {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} سبقت رحمته غضبه.
{سَيَقُولُ المخلفون} الذين تخلفوا عن الحديبية {إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ} إلى غنائم خيبر {لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كلام الله} {كَلِمَ الله}: حمزة وعلي أي يريدون أن يغيروا موعد الله لأهل الحديبية، وذلك أنه وعدهم أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئاً {قُل لَّن تَتَّبِعُونَا} إلى خيبر وهو إخبار من الله بعدم اتباعهم ولا يبدل القول لديه {كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِن قَبْلُ} من قبل انصرافهم إلى المدينة إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية دون غيرهم {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} أي لم يأمركم الله به بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنيمة {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} من كلام الله {إِلاَّ قَلِيلاً} إلا شيئاً قليلاً يعني مجرد القول. والفرق بين الإضرابين أن الأول رد أن يكون حكم الله أن لا يتّبعوهم وإثبات الحسد، والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أطم منه وهو الجهل وقلة الفقه.