فصل: تفسير الآيات (148- 156):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (148- 156):

{فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}
{فئاتاهم الله ثَوَابَ الدنيا} أي النصرة والظفر والغنيمة {وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة} المغفرة والجنة. وخص بالحسن دلالة على فضله وتقدمه وأنه هو المعتد به عنده {والله يُحِبُّ المحسنين} أي هم محسنون والله يحبهم. {ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ على أعقابكم} يرجعوكم إلى الشرك {فَتَنقَلِبُواْ خاسرين} قيل: هو عام في جميع الكفار وعلى المؤمنين أن يجانبوهم ولا يطيعوهم في شيء حتى لا يستجروهم إلى موافقتهم. وعن السدي: إن تستكينوا لأبي سفيان وأصحابه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينهم. وقال علي رضي الله عنه: نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم {بَلِ الله مولاكم} ناصركم فاستغنوا عن نصرة غيره {وَهُوَ خَيْرُ الناصرين سَنُلْقِى في قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} {الرعب} شامي وعلي وهما لغتان. قيل: قذف الله في قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة {بِمَا أَشْرَكُواْ بالله} بسبب إشراكهم أي كان السبب في إلقاء الله الرعب في قلوبهم إشراكهم به {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} آلهة لم ينزل الله بإشراكها حجة، ولم يرد أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل عليهم لأن الشرك لا يستقيم أن تقوم عليه حجة، وإنما المراد نفي الحجة ونزولها جميعاً كقوله:
ولا ترى الضب بها ينجحر

أي ليس بها ضب فينجحر، ولم يعن أن بها ضباً ولا ينجحر {وَمَأْوَاهُمُ} مرجعهم {النار وَبِئْسَ مثوى الظالمين} النار فالمخصوص بالذم محذوف.
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة قال ناس من أصحابه، من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزل {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ} أي حقق {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} تقتلونهم قتلاً ذريعاً. وعن ابن عيسى: حسه أبطل حسه بالقتل {بِإِذْنِهِ} بأمره وعلمه {حتى إِذَا فَشِلْتُمْ} جبنتم {وتنازعتم في الأمر} أي اختلفتم {وَعَصَيْتُمْ} أمر نبيكم بترككم المركز واشتغالكم بالغنيمة {مِن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ} من الظفر وقهر الكفار. ومتعلق {إذا} محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره، وجاز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} أي الغنيمة وهم الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا كانت الدولة للمسلمين أو عليهم فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا، والمسلمون على آثارهم يقتلونهم.
حتى إذا فشلوا وتنازعوا فقال بعضهم: قد انهزم المشركون فما موقفنا هاهنا، فادخلوا عسكر المسلمين وخذوا الغنيمة مع إخوانكم، وقال بعضهم: لا تخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن ثبت مكانه عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله {وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الأخرة} فكر المشركون على الرماة وقتلوا عبد الله ابن جبير وأقبلوا على المسلمين حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا وهو قوله {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} أي كف معونته عنكم فغلبوكم {لِيَبْتَلِيَكُمْ} ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم عندها وحقيقته ليعاملكم معاملة المختبر لأنه يجازي على ما يعمله العبد لا على ما يعلمه منه {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} حيث ندمتم على ما فرط منكم من عصيان رسول الله صلى الله عليه وسلم {والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين} بالعفو عنهم وقبول توبتهم، أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم، لأن الابتلاء رحمة كما أن النصرة رحمة. وانتصب.
{إِذْ تُصْعِدُونَ} تبالغون في الذهاب في صعيد الأرض، والإصعاد الذهاب في صعيد الأرض أو الإبعاد فيه بصرفكم، أو بقوله {ليبتليكم} أو بإضمار {اذكروا} {وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ} ولا تلتفون وهو عبارة عن غاية انهزامهم وخوف عدوهم {والرسول يَدْعُوكُمْ} يقول: «إليّ عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة» والجملة في موضع الحال {فِى أُخْرَاكُمْ} في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة. يقال جئت في آخر الناس وأخرهم كما تقول في أولهم وأولاهم بتأويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى {فأثابكم} عطف على {صرفكم} أي فجازاكم الله {غَمّاً} حين صرفكم عنهم وابتلاكم {بِغَمّ} بسبب غم أذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم أمره أو غماً مضاعفاً، غماً بعد غم وغماً متصلاً بغم، من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله عليه السلام والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر {لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ} لتتمرنوا على تجرع الغموم فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع {وَلاَ مَا أصابكم} ولا على مصيب من المضار {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} عالم بعملكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهذا ترغيب في الطاعة وترهيب عن المعصية. {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً} ثم أنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. عن أبي طلحة: غشينا النعاس ونحن في مصافنا فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ثم يسقط فيأخذه. والأمنة الأمن، و{نعاساً} بدل من {أمنة} أو هو مفعول و{أمنة} حال منه مقدمة عليه نحو (رأيت راكباً رجلاً) والأصل أنزل عليكم نعاساً ذا أمنة إذ النعاس ليس هو الأمن، ويجوز أن يكون {أمنة} مفعولاً له أو حالاً من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة {يغشى} يعني النعاس.
{تغشى} بالتاء والإمالة: حمزة وعلي أي الأمنة {طَائِفَةٌ مّنكُمْ} هم أهل الصدق واليقين {وَطَائِفَةٌ} هم المنافقون {قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} ما يهمهم إلا هم أنفسهم وخلاصها لا همّ الدين ولا همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين رضوان الله عليهم {يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق} في حكم المصدر أي يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به وهو أن لا ينصر محمداً صلى الله عليه وسلم {ظَنَّ الجاهلية} بدل منه والمراد الظن المختص بالملة الجاهلية، أو ظن أهل الجاهلية أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} هل لنا معاشر المسلمين من أمر الله نصيب قط يعنون النصر والغلبة على العدو {قُلْ إِنَّ الأمر} أي النصر والغلبة {كُلُّهُ لِلهِ} ولأوليائه المؤمنين {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 173] {كله} تأكيد للأمر و{لله} خبر {أن} {كله} بصري وهو مبتدأ و{لله} خبره والجملة خبر {إن} {يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ} خوفاً من السيف {يَقُولُونَ} في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم {إن الأمر كله لله} {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَئ مَّا قُتِلْنَا هاهنا} أي لو كان الأمر كما قال محمد: «إن الأمر كله لله ولأوليائه وأنهم الغالبون» لما غلبنا قط، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة. {قد أهمتهم} صفة ل {طائفة} و{يظنون} خبر ل {طائفة} أو صفة أخرى، أو حال أي قد أهمتهم أنفسهم ظانين. و{يقولون} بدل من {يظنون} و{يخفون} حال من {يقولون} و{قل إن الأمر كله لله} اعتراض بين الحال وذي الحال و{يقولون} بدل من {يخفون} أو استئناف {قُل لَّوْ كُنتُمْ في بُيُوتِكُمْ} أي من علم الله منه أنه يقتل في هذه المعركة وكتب ذلك في اللوح لم يكن به من وجوده، فلو قعدتم في بيوتكم {لَبَرَزَ} من بينكم {الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل إلى مَضَاجِعِهِمْ} مصارعهم بأحد ليكون ما علم الله أنه يكون، والمعنى أن الله كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين وكتب مع ذلك أنهم الغالبون لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم، وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله، وأن ما ينكبون به في بعض الأوقات تمحيص لهم {وَلِيَبْتَلِىَ الله مَا في صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا في قُلُوبِكُمْ} وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص ويمحص ما في قلوبهم من وساوس الشيطان فعل ذلك.
أو فعل ذلك لمصالح جمة وللابتلاء والتمحيص {والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بخفياتها.
{إِنَّ الذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ} انهزموا {يَوْمَ التقى الجمعان} جمع محمد عليه السلام وجمع أبي سفيان للقتال بأحد {إِنَّمَا استزلهم الشيطان} دعاهم إلى الزلة وحملهم عليها {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} بتركهم المركز الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات فيه فالإضافة إلى الشيطان لطف وتقريب والتعليل بكسبهم وعظ وتأديب. وكان أصحاب محمد عليه السلام تولوا عنه يوم أحد إلا ثلاثة عشر رجلاً منهم أبو بكر وعلي وطلحة وابن عوف وسعد بن أبي وقاص والباقون من الأنصار {وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} تجاوز عنهم {إِنَّ الله غَفُورٌ} للذنوب {حَلِيمٌ} لا يعاجل بالعقوبة {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} كابن أبيّ وأصحابه {وَقَالُواْ لإخوانهم} أي في حق إخوانهم في النسب أو في النفاق {إِذَا ضَرَبُواْ في الأرض} سافروا فيها للتجارة أو غيرها {أَوْ كَانُواْ غُزًّى} جمع غازٍ كعافٍ وعفّى وأصابهم موت أو قتل {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ} اللام يتعلق ب {لا تكونوا} أي لا تكونوا كهؤلاء في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم، أو ب {قالوا} أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون ذلك حسرة في قلوبهم والحسرة الندامة على فوت المحبوب {والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ} رد لقولهم (إن القتال يقطع الآجال) أي الأمر بيده قد يحيي المسافر والمقاتل. ويميت المقيم والقاعد {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم على أعمالكم. {يعملون} مكي وحمزة وعلي أي الذين كفروا.

.تفسير الآيات (157- 170):

{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}
{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ} متم وبابه بالكسر: نافع وكوفي غير عاصم، تابعهم حفص إلا في هذه السورة كأنه أراد الوفاق بينه وبين قتلتم. غيرهم: بضم الميم في جميع القرآن، فالضم من مات يموت، والكسر من مات يمات كخاف يخاف فكما تقول خفت تقول مت {لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} {ما} بمعنى {الذي} والعائد محذوف وبالياء: حفص {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} لإلى الرحيم الواسع الرحمة المثيب العظيم الثواب تحشرون. ولوقوع اسم الله في هذا الموضع مع تقديمه وإدخال اللام على الحرف المتصل به شأن غني عن البرهان. {لمغفرة} جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط، وكذلك {لالى الله تحشرون} كذب الكافرين أولاً في زعمهم أن من سافر من إخوانهم أو غزا لو كان بالمدينة لما مات، ونهى المسلمين عن ذلك لأنه سبب التقاعد عن الجهاد ثم قال لهم: ولئن تم عليكم ما تخافونه من الهلاك بالموت أو القتل في سبيل الله فإن ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت في سبيل الله خير مما تجمعون من الدنيا، فإن الدنيا زاد المعاد فإذا وصل العبد إلى المراد لم يحتج إلى الزاد.
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} {ما} مزيدة للتوكيد والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله. ومعنى الرحمة ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً} جافياً {غَلِيظَ القلب} قاسيه {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم {فاعف عَنْهُمْ} ما كان منهم يوم أحد مما يختص بك {واستغفر لَهُمُ} فيما يختص بحق الله إتماماً للشفقة عليهم {وَشَاوِرْهُمْ في الأمر} أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييباً لنفوسهم وترويحاً لقلوبهم ورفعاً لأقدارهم، ولتقتدي بك أمتك فيها. في الحديث: «ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم» وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى شاورت فلاناً أظهرت ما عندي وما عنده من الرأي. وشرت الدابة استخرجب جريها، وشرت العسل أخذته من مآخذه، وفيه دلالة جواز الاجتهاد وبيانا أن القياس حجة {فَإِذَا عَزَمْتَ} فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} في إمضاء أمرك على الأرشد لا على المشورة {إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} عليه والتوكل الاعتماد على الله والتفويض في الأمور إليه. وقال ذو النون: خلع الأرباب وقطع الأسباب {إِن يَنصُرْكُمُ الله} كما نصركم يوم بدر {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فلا أحد يغلبكم وإنما يدرك نصر الله من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه وقدرته {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} كما خذلكم يوم أحد {فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ} من بعد خذلانه وهو ترك المعونة، أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان تريد إذا جاوزته، وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنه لا ناصر سواه، ولأن إيمانهم يقتضي ذلك.
{وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ} مكي وأبو عمرو وحفص وعاصم أي يخون، وبضم الياء وفتح الغين: غيرهم. يقال غلّ شيئاً من المغنم غلولاً وأغلّ إغلالاً إذا أخذه في خفية، ويقال أغله إذا وجده غالاً، والمعنى ما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول، وكذا من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى هذا لأن معناه: وما صح له أن يوجد غالاً ولا يوجد غالاً إلا إذا كان غالاً. روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض المنافقين: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت الآية {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة} أي يأت بالشيء الذي غله بعينه حاملاً له على ظهره كما جاء في الحديث: «أو يأت بما احتمل من وباله وإثمه» {ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} تعطي جزاءها وافياً ولم يقل {ثم يوفى ما كسب} ليتصل بقوله {ومن يغلل} بل جيء بعام ليدخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى وهو أبلغ، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيراً أو شراً مجزي فموفى جزاءه علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي جزاء كل على قدر كسبه {أَفَمَنِ اتبع رضوان الله} أي رضا الله قيل هم المهاجرون والأنصار {كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مّنَ الله} وهم المنافقون والكفار {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير} المرجع {هُمْ درجات عِندَ الله} هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات أو ذوو درجات، والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين أو التفاوت بين الثواب والعاقب {والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم على حسبها.
{لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين}.
على من آمن مع رسول الله عليه السلام من قومه، وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون بمبعثه {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ} من جنسهم عربياً مثلهم أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده، والمنة في ذلك من حيث إنه إذا كان منهم كان اللسان واحد فيسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه، وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه، وكان لهم شرف بكونه منهم.
وفي قراءة رسول الله {من أنفسهم} أي من أشرفهم {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياته} أي القرآن بعدما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي {وَيُزَكّيهِمْ} ويطهرهم بالإيمان من دنس الكفر والطغيان أو يأخذ منهم الزكاة {وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} القرآن والسنة {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ} من قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم {لَفِى ضلال} عمى وجهالة {مُّبِينٍ} ظاهر لا شبهة فيه {إن} مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والتقدير: وإن الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال مبين.
{أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ} يريد ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم {قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا} يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين وهو في موضع رفع صفة ل {مصيبة} {قُلْتُمْ أنى هذا} من أين هذا {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} لاختياركم الخروج من المدينة أو لترككم المركز. لما نصب ب {قلتم} و{أصابتكم} في محل الجر بإضافة {لما} إليه وتقديره: أقلتم حين أصابتكم. {وأنى هذا} نصب لأنه مقول والهمزة للتقرير والتقريع، وعطفت الواو هذه الجملة على ما مضى من قصة أحد من قوله: {ولقد صدقكم الله وعده}. أو على محذوف كأنه قيل: أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا {إِنَّ الله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ} يقدر على النصر وعلى منعه.
{وَمَا أصابكم} (ما) بمعنى {الذي} وهو مبتدأ {يَوْمَ التقى الجمعان} جمعكم وجمع المشركين بأحد والخبر {فَبِإِذْنِ الله} فكائن بأذن الله أي بعلمه وقضائه {وَلِيَعْلَمَ المؤمنين * وَلِيَعْلَمَ الذين نَافَقُواْ} وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء {وَقِيلَ لَهُمْ} للمنافقين وهو كلام مبتدأ {تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ في سَبِيلِ الله} أي جاهدوا للآخرة كما يقاتل المؤمنون {أَوِ ادفعوا} أي قاتلوا دفعاً على أنفسكم وأهليكم وأموالكم إن لم تقاتلوا للآخرة. وقيل: أو ادفعوا العدو بتكثيركم سواد المجاهدين إن لم تقاتلوا لأن كثرة السواد مما تروع العدو {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتبعناكم} أي لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتبعناكم يعنون أن ما أنتم فيه لخطإ رأيكم ليس بشيء، ولا يقال لمثله قتال إنما هو إلقاء النفس في التهلكة {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان} يعني أنهم كانوا يتظاهرون بالإيمان قبل ذلك وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم، فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر، أو هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان لأن تقليلهم سواد المؤمنين بالانخذال تقوية للمشركين {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} أي يظهرون خلاف ما يضمرون من الإيمان وغيره والتقييد بالأفواه للتأكيد ونفي المجاز {والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} من النفاق {الذين قَالُواْ} أي ابن أبيّ وأصحابه وهو في موضع رفع على {هم الذين قالوا} أو على الإبدال من واو {يكتمون} أو نصب بإضمار {أعني}، أو على البدل من {الذين نافقوا} أو جر على البدل من الضمير {في أفواههم} أو {قلوبهم} {لإخوانهم} لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد {وَقَعَدُواْ} أي قالوا وقد قعدوا عن القتال {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل {قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صادقين} بأن الحذر ينفع من القدر فخذوا حذركم من الموت، أو معناه قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلاً وهو القعود عن القتال فجدوا إلى دفع الموت سبيلاً.
وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقاً.
ونزل في قتلى أحد {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} شامي وحمزة وعلي وعاصم، وبكسر السين غيرهم: والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد {الذين قَتَلُواْ} {قتلوا}: شامي {فِى سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاء} بل هم أحياء {عِندَ رَبّهِمْ} مقربون عنده ذوو زلفى {يُرْزَقُونَ} مثل ما يرزق سائر الأحياء يأكلون ويشربون، وهو تأكيد لكونهم أحياء ووصف لحالهم التي هم عليها من التنعم برزق الله {فرحين} حال من الضمير في {يرزقون} {بِمَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} وهو التوفيق في الشهادة وما ساق إليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين معجلاً لهم رزق الجنة ونعيمها. وقال النبي عليه السلام: «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش» وقيل: هذا الرزق في الجنة يوم القيامة وهو ضعيف لأنه لا يبقى للتخصيص فائدة {وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين} بإخوانهم المجاهدين الذين {لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم} لم يقتلوا فيلحقوا بهم {مّنْ خَلْفِهِمْ} يريد الذين من خلفهم قد بقوا من بعدهم وهم قد تقدموهم أو لم يلحقوا بهم لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بدل من {الذين} والمعنى: ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة، بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به. وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم، بعثٌ للباقين بعدهم على الجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.