فصل: تفسير الآيات (88- 89):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (88- 89):

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)}
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمن له {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} أصنافاً من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس يعني قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم فعليك أن تستغني به ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا. وفي الحديث: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» وحديث أبي بكر: من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظم صغيراً، {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وطب نفساً عن إيمان الأغنياء {وَقُلْ} لهم {إِنِّى أَنَا النذير المبين} أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم.

.تفسير الآيات (90- 94):

{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)}
{كَمَآ أَنْزَلْنَا} متعلق بقوله {ولقد آتيناك} أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا {عَلَى المقتسمين} وهم أهل الكتاب {الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا بعنادهم: بعضه. حق موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه. وقيل كانوا يستهزئون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي، ويقول الآخر سورة آل عمران لي. أو أريد بالقرآن ما يقرؤونه من كتبهم وقد اقتسموه؛ فاليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، ويجوز أن يكون {الذين جعلوا القرآن عضين} منصوباً ب {النذير} أي أنذر المعضين الذين يجزّئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر، ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر فأهلكهم الله. {لا تمدن عينيك} على الوجه الأول اعتراض بينهما، لأنه لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الإلتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بكليته على المؤمنين. {فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أقسم بذاته وربوبيته ليسألن يوم القيامة واحداً واحداً من هؤلاء المقتسمين عما قالوه في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في القرآن أو في كتب الله {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فاجهر به وأظهره. يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً من الصديع وهو الفجر، أو فاصدع فافرق بين الحق والباطل من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به.
{وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} هو أمر استهانة بهم.

.تفسير الآيات (95- 99):

{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمسْتَهْزِئينَ} الجمهور على أنها نزلت في خمسة نفر كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فأهلكهم الله وهم: الوليد بن المغيرة مر بنبّال فتعلق بثوبه سهم فأصاب عرقاً في عقبه فقطعه فمات، والعاص بن وائل دخل في أخمصه شوكة فانفتخت رجله فمات، والأسود بن عبد المطلب عمي، والأسود ابن عبد يغوث جعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات، والحارث بن قيس امتخط قيحاً ومات {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إلها ءَاخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة أمرهم يوم القيامة {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} فيك أو في القرآن أو في الله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين} فافزع فيما نابك إلى الله، والفزع إلى الله هو الذكر الدائم وكثرة السجود يكفك ويكشف عنك الغم {واعبد رَبَّكَ} ودم على عبادة ربك {حتى يَأْتِيَكَ اليقين} أي الموت يعني ما دمت حياً فاشتغل بالعبادة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

.سورة النحل:

.تفسير الآيات (1- 2):

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)}
كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة ونزول العذاب بهم يوم بدر استهزاء وتكذيباً بالوعد فقيل لهم: {أتى أَمْرُ الله} أي هو بمنزلة الآتي الواقع وإن كان منتظراً لقرب وقوعه {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تبرأ جل وعز عن أن يكون له شريك وعن إشراكهم، ف {ما} موصولة أو مصدرية، واتصال هذا باستعجالهم من حيث إن استعجالهم استهزاء وتكذيب وذلك من الشرك {يُنَزِّلُ الملائكة} وبالتخفيف مكي وأبو عمرو {بالروح} بالوحي أو بالقرآن لأن كلاً منهما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد أو يحيي القلوب الميتة بالجهل {مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ} أن مفسرة لأن تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول ومعنى أنذروا {أَنَّهُ لآ إله إِلا أَنَاْ فاتقون} أعلموا بأن الأمر ذلك من نذرت بكذا إذا علمته، والمعنى أعلموا الناس قولي لا إله إلَّا أنا فاتقون فخافون. وبالياء: يعقوب، ثم دل على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو بما ذكر مما لا يقدر عليه غيره من خلق السماوات والأرض وهو قوله:

.تفسير الآيات (3- 6):

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)}
{خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وبالتاء في الموضعين: حمزة وعلي. وخلق الإنسان وما يكون منه وهو قوله {خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} أي فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه مكافح لخصومه مبين لحجته بعدما كان نطفة لا حس به ولا حركة، أو فإذا هو خصيم لربه منكر على خالقه قائل من يحيى العظام وهي رميم. وهو وصف للإنسان بالوقاحة والتمادي في كفران النعمة وخلق ما لابد منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وحمل أثقاله وسائر حاجاته وهو قوله {والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ} وهي الأزواج الثمانية وأكثر ما يقع على الإبل، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله {والقمر قدرناه مَنَازِلَ} [ياس: 39] أو بالعطف على الإنسان أي خلق الإنسان والأنعام ثم قال خلقها لكم أي ما خلقها إلا لكم يا جنس الإنسان {فِيهَا دِفْءٌ} هو اسم ما يدفأ به من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر {ومنافع} وهي نسلها ودرها {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} قدم الظرف وهو يؤذن بالاحتصاص، وقد يؤكل من غيرها لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجاري مجرى التفكه {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ} تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} ترسلونها بالغداة إلى مسارحها. منّ الله تعالى بالتجمل بها كما منّ بالاتنفاع بها لأَنه من أغراض أصحاب المواشي لأَن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها بالغداة تزينت بإراحتها وتسريحها الأَفنية، وفرحت أربابها وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس. وإنما قدمت الإراحة على التسريح لأَن الجمال في الإِراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع.

.تفسير الآيات (7- 9):

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أحمالكم {إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} وبفتح الشين: أبو جعفر وهما لغتان في معنى المشقة. وقيل: المفتوح مصدر شق الأمر عليه وشقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع، وأما الشق فالنصف كأنه يذهب نصف قوته لما ينال من الجهد. والمعنى وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه لو لم تخلق الإبل إلا بجهد ومشقة فضلاً أن تحملوا أثقالكم على ظهوركم، أو معناه لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس. وقيل: أثقالكم أبدانكم ومنه الثقلان للجن والإنس ومنه {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2] أي بني آدم {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} عطف على الأنعام أي وخلق هذه للركوب والزينة، وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله على حرمة أكل لحم الخيل بأنه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الأكل بعدما ذكره في الأنعام، ومنفعة الأكل أقوى، والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم أن يذكر في مواضع المنة أدنى النعمتين ويترك أعلاهما. وانتصاب {زينة} على المفعول له عطفاً على محل {لتركبوها} وخلق مالا تعلمون من أصناف خلائقه وهو قوله {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ومنْ هذا وصفه يتعالى عن أن يشرك به غيره {وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} المراد به الجنس ولذا قال: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد. يقال: سبيل قصد وقاصد أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، ومعناه أن هداية الطريق الموصل إلى الحق عليه كقوله {إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} [الليل: 12] وليس ذلك للوجوب إذ لا يجب على الله شيء ولكن يفعل ذلك تفضلاً. وقيل: معناه وإلى الله. وقال الزجاج: معناه وعلى الله تبيين الطريق الواضح المستقيم والدعاء إليه بالحجج {ومنها جائر} أي من السبيل مائل عن الاستقامة {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} أراد هداية اللطف بالتوفيق والإنعام بعدالهدى العام.

.تفسير الآيات (10- 13):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)}
{هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} {لكم} متعلق ب {أنزل} أو خبر ل {شراب} وهو ما يشرب {وَمِنْهُ شَجَرٌ} يعني الشجر الذي ترعاه المواشي {فِيهِ تُسِيمُونَ} من سامت الماشية إذا رعت فهي سائمة وأسامها صاحبها وهي من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات في الأرض {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والاعناب وَمِن كُلِّ الثمرات} ولم يقل كل الثمرات لأن كلها لا تكون إلا في الجنة وإنما أنبت في الأرض بعض من كل للتذكرة {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيستدلون بها عليه وعلى قدرته وحكمته والآية الدلالة الواضحة {وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} بنصب الكل: عليّ وجعل النجوم مسخرات والنجوم مسخرات فقط: حفص {والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخرات} شامي على الابتداء والخبر {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} جمع الآية. وذكر العقل لأن الآثار العلوية أطهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ في الأرض} معطوف على {الليل والنهار} أي ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك {مُخْتَلِفًا} حال {أَلْوَانُهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون.

.تفسير الآيات (14- 16):

{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}
{وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّاً} هو السمك، ووصفه بالطراوة لأن الفساد، يسرع إليه فيؤكل سريعاً طرياً خيفة الفساد وإنما لا يحنث بأكله إذا حلف لا يأكل لحماً لأن مبني الإيمان على العرف. ومن قال لغلامه: اشتر بهذه الدراهم لحماً، فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً} هي اللؤلؤ والمرجان {تَلْبَسُونَهَا} المراد بلبسهم لبس نسائهم ولكنهن إنما يتزين بها من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم. {وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ} جواري تجري جرياً وتشق الماء شقاً والمخرشق الماء بحيزومها {فِيهِ} في البحر {وَلِتَبْتَغوُا مِن فَضْلِهِ} هو عطف على محذوف أي لتعتبروا ولتبتغوا وابتغاء الفضل التجارة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على ما أنعم عليكم به {وألقى في الأرض رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} كراهية أن تميل بكم وتضطرب أو لئلا تميد بكم لكن حذف المضاف أكثر. قيل: خلق الله الأرض فجعلت تميد فقالت الملائكة: ما هي بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت {وأنهارا} وجعل فيها أنهاراً لأن ألقى فيه معنى جعل {وَسُبُلاً} طرقاً {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى مقاصدكم أو إلى توحيد ربكم {وعلامات} هي معالم الطرق وكل ما يستدل به السابلة من جبل وغير ذلك {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} المراد بالنجم الجنس أو هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدى. فإن قلت: {وبالنجم هم يهتدون} مخرج عن سنن الخطاب مقدم فيه النجم مقحم فيه هم كأنه قيل: وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون فمن المراد بهم؟ قلت: كأنه أراد قريشاً فلهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ولهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم، فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم فخصصوا.

.تفسير الآيات (17- 21):

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
{أَفَمَن يَخْلُقُ} أي الله تعالى: {كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} أي الأصنام وجيء ب {من} الذي هو لأولي العلم لزعمهم حيث سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم، أو لأن المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده. وإنما لم يقل أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزاماً للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله لأنهم حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها فأنكر عليهم ذلك بقوله {أفمن يخلق كمن لا يخلق} وهو حجة على المعتزلة في خلق الأفعال {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فتعرفون فساد ما أنتم عليه {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم فضلاً أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر، وإنما اتبع ذلك ما عدد من نعمه تنبيهاً على أن ما رواءها لا ينحصر ولا يعد {إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم. {والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} من أقوالكم وأفعالكم وهو وعيد {والذين يَدْعُونَ} والآلهة الذين يدعوهم الكفار {مِن دُونِ الله} وبالتاء: غير عاصم {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ} أي هم أموات {غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} نفى عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين وأحياء لا يموتون وعالمين بوقت البعث، وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون أموات جاهلون بالبعث، ومعنى {أموات غير أحياء} أنهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات أي غير جائز عليها الموت وأمرهم بالعكس من ذلك. والضمير في {يبعثون} للداعين أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم، وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء أعمالهم منهم على عبادتهم، وفيه دلالة على أنه لابد من البعث.