فصل: خلافة عثمان رضي الله عنه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***


خلافة عثمان رضي الله عنه

ثالثهم عثمان ذو النورين *** ذو الحلم والحيا بغير مين

بحر العلوم جامع القرآن *** منه استحت ملائك الرحمن

بايع عنه سيد الأكوان *** بكفه في بيعة الرضوان‏.‏

‏(‏ثالثهم‏)‏ في الخلافة والفضل كما في حديث ابن عمر السابق ‏(‏عثمان‏)‏ بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، من السابقين الأولين إلى الإسلام بدعوة الصديق إياه، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ابنته رضي الله عنها، وهاجر الهجرتين وهي معه، وتخلف عن بدر لمرضها، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وبعد وفاتها زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها، وبذلك تسمى ‏(‏ذو النورين‏)‏؛ لأنه تزوج ابنتي نبي، واحدة بعد واحدة، ولم يتفق ذلك لغيره رضي الله عنه‏.‏

‏(‏ذا الحلم‏)‏ التام الذي لم يدركه غيره ‏(‏والحياء‏)‏ الإيماني الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الحياء شعبة من الإيمان، وقال‏:‏ أشدكم حياء عثمان‏.‏ ‏(‏بحر العلوم‏)‏ الفهم التام في كتاب الله تعالى حتى إن كان ليقوم به في ركعة واحدة، فلا يركع إلا في خاتمتها، إلا ما كان من سجود القرآن‏.‏

‏(‏جامع القرآن‏)‏ لما خشي الاختلاف في القرآن والخصام فيه في أثناء خلافته رضي الله عنه، فجمع الناس على قراءة واحدة، وكتب المصحف على القراءة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر سني حياته‏.‏

وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات، وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدراداء، وجماعة من أهل العراق ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بجواز القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره، وربما خطأه الآخر أو كفره، فأدى ذلك إلى خلاف شديد وانتشار الكلام السيء بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم، وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة، فعند ذلك جمع الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه لما رأى في ذلك ممن مصلحة كف المنازعة ودفع الاختلاف، فاستدعى بالصحف التي كان أمر زيد بن ثابت بجمعها، فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين، فاستدعى بها عثمان، وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب، وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش، فكتب لأهل الشام مصحفا، ولأهل مصر آخر، وبعث إلى البصرة مصحفا، وإلى الكوفة بآخر، وأرسل إلى مكة مصحفا، وإلى اليمن مثله، وأقر بالمدينة مصحفا، ويقال لهذه المصاحف ‏"‏ الأئمة ‏"‏، ثم عمد إلى بقية المصاحف التي بأيدي الناس مما يخالف ما كتبه، فحرقه لئلا يقع بسببه اختلاف‏.‏

وروى أبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي داود السجستاني، عن سويد بن غفلة قال‏:‏ قال لي علي رضي الله عنه حين حرق عثمان المصاحف‏:‏ لو لم يصنعه هو، لصنعته‏.‏

وروى البيهقي عنه رضي الله عنه قال‏:‏ قال علي رضي الله عنه‏:‏ أيها الناس، إياكم والغلو في عثمان، تقولون حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو وليت مثل ما ولي، لفعلت مثل الذي فعل‏.‏

‏(‏منه استحت ملائك الرحمن‏)‏ كما في الصحيح، عن عطاء، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها- قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له، وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسوى ثيابه‏.‏ قال محمد- يعني‏:‏ ابن أبي حرملة الراوي عنهم‏:‏ ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة‏:‏ دخل أبو بكر فلم تهتش له، ودخل عمر ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك‏.‏ فقال‏:‏ ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة‏.‏

وعن سعيد بن العاص أن عائشة رضي الله عنها- وعثمان رضي الله عنه حدثاه أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له، وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان‏:‏ ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة‏:‏ اجمعي عليك ثيابك‏.‏ فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة‏:‏ يا رسول الله، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته‏.‏

‏(‏بايع عنه‏)‏ حين ذهب لمكة في حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ‏(‏سيد الأكوان‏)‏ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفه ضرب بها على الأخرى، وقال‏:‏ هذه لعثمان ‏(‏في بيعة الرضوان‏)‏ لما غاب عنها فيما ذكرنا، وكان انحباسه بمكة هو سبب البيعة، كما قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة؛ ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال‏:‏ يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان رضي الله عنه، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته، فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها، فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقال لعثمان رضي الله عنه حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم‏:‏ إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال‏:‏ ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان رضي الله عنه قد قتل، قال ابن اسحاق‏:‏ فحدثني عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان رضي الله عنه قد قتل‏:‏ لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون‏:‏ بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعهم على الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر، فبايع الناس ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة، فكان جابر رضي الله عنه يقول‏:‏ والله لكأني أنظر إليه لاصقا بابط ناقته قد مال إليها يستتر بها من الناس، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي كان من أمر عثمان باطل‏.‏

وفي الصحيحين، عن عثمان بن موهب قال‏:‏ جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوما جلوسا فقال‏:‏ من هؤلاء القوم‏؟‏ قالوا‏:‏ هؤلاء قريش‏.‏ قال‏:‏ فمن الشيخ فيهم‏؟‏ قالوا‏:‏ عبد الله بن عمر‏.‏ قال‏:‏ يا بن عمر، إني سائلك عن شيء، فحدثني عنه، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان، فلم يشهدها‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ الله أكبر‏.‏ قال ابن عمر‏:‏ تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه‏.‏ وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان، لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فكانت بيعه الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى‏:‏ هذه يد عثمان، فضرب بها على يده، فقال‏:‏ هذه لعثمان‏.‏ فقال له ابن عمر رضي الله عنه‏:‏ اذهب بها الآن معك‏.‏

وروى البيهقي، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان، كان عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه خيرا من أيديهم لأنفسهم‏.‏

ورواه الترمذي، وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وفي الصحيحين، عن عروة أن عبد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا‏:‏ ما منعك أن تكلم عثمان لأخيك الوليد، فقد أكثر الناس فيه، فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة، قلت‏:‏ إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، قال‏:‏ يا أيها المرء، أعوذ بالله منك، فانصرفت فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان، فأتيته فقال‏:‏ ما نصيحتك‏؟‏ فقلت‏:‏ إن الله- سبحانه- بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكنت ممن استجاب لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأيت هديه، وقد أكثر الناس في شان الوليد‏.‏ قال‏:‏ أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قلت‏:‏ لا، ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها‏.‏ قال‏:‏ أما بعد، فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين- كما قلت- وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته، فوالله ما عصيته، ولا غششته، حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استخلفت، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم‏؟‏ قلت‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم‏؟‏ أما ما ذكرت من شان الوليد فسآخذ فيه بالحق إن شاء الله، ثم دعا عليا فأمره أن يجلده، فجلده ثمانين‏.‏

وفي المسند والسنن، عن عمرو بن جاوان قال‏:‏ قال الأحنف‏:‏ انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة، فبينا نحن في منزلنا إذ جاءنا آت، فقال‏:‏ الناس في المسجد‏.‏ فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد، قال‏:‏ فتخللتهم حتى قمت عليهم، فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص، قال‏:‏ فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي، فقال‏:‏ ههنا علي‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ههنا الزبير‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ههنا طلحة‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ههنا سعد بن أبي وقاص‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ إني قد ابتعته‏.‏ فقال‏:‏ اجعله في مسجدنا، وأجره لك‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من يبتاع بئر رومة، فابتعتها بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ إني قد ابتعتها- يعني‏:‏ بئر رومة‏.‏ قال‏:‏ اجعلها سقاية للمسلمين، ولك أجرها‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة، فقال‏:‏ من يجهز هؤلاء، غفر الله له‏.‏ فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا‏؟‏ قالوا‏:‏ اللهم نعم‏.‏ فقال‏:‏ اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثم انصرف رضي الله عنه‏.‏

وروى أحمد، والترمذي، والنسائي، عن ثمامة بن جزء القشيري قال‏:‏ شهدت الدار يوم أصيب عثمان، فاطلع عليه اطلاعة، فقال‏:‏ ادعو لي صاحبيكم اللذين ألباكم علي، فدعيا له، فقال‏:‏ أنشدكما الله، تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، ضاق المسجد بأهله، فقال‏:‏ من يشتري هذه البقعة من خالص ماله، فيكون كالمسلمين، وله خير منها في الجنة‏.‏ فاشتريتها من خالص مالي، فجعلتها بين المسلمين، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين، ثم قال‏:‏ أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، لم يكن فيها غير بئر يستعذب منه إلابئر رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يشتريها من خالص ماله، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، وله خير منها في الجنة‏.‏ فاشتريتها من خالص مالي، وأنتم تمنعوني أن أشرب منها، ثم قال‏:‏ هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة‏؟‏ قالوا‏:‏ اللهم نعم‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن‏.‏

وله عن عبد الرحمن بن خباب رضي الله عنه قال‏:‏ شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فقال‏:‏ يا رسول الله، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على جيش، فقام عثمان فقال‏:‏ يا رسول الله، علي مائتي بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقام عثمان فقال‏:‏ علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من على المنبر، وهو يقول‏:‏ ما على عثمان ما عمل بعد هذا، ما على عثمان ما عمل بعد هذا‏.‏

وله عن عبد الرحمن بن سمرة قال‏:‏ جاء عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره، فقال عبد الرحمن‏:‏ فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره، ويقول‏:‏ ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم‏.‏ ‏(‏مرتين‏)‏، حسنه الترمذي‏.‏

وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة توعدهم إياه بالقتل، قال‏:‏ ولم يقتلونني‏؟‏ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏:‏ رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس‏.‏ فوالله ما زنيت في جاهلية، ولا إسلام قط، ولا تمنيت بدلا بديني منذ هداني الله له، ولا قتلت نفسا، فبم يقتلونني‏؟‏

وروى الإمام أحمد، وغيره، عن النعمان بن بشير، عن عائشة رضي الله عنها- قالت‏:‏ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان، أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلمة أن ضرب على منكبه، وقال‏:‏ يا عثمان، إن الله تعالى عسى أن يلبسك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني‏.‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏‏.‏

وروى أحمد والترمذي، وقال‏:‏ حسن غريب‏.‏ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فقال‏:‏ يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما‏.‏ فنظرنا فإذا هو عثمان بن عفان‏.‏

وروى أحمد ب إسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا، أو قال‏:‏ اختلافا وفتنة، فقال قائل من الناس‏:‏ فمن لنا يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك‏.‏

وله عن مرة البهزي قال‏:‏ بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة قال‏:‏ كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي البقر‏؟‏ قالوا‏:‏ نصنع ماذا يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ عليكم هذا وأصحابه، أو اتبعوا هذا وأصحابه‏.‏ قال‏:‏ فأسرعت حتى عييت، فأدركت الرجل، فقلت‏:‏ هذا يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ هذا‏.‏ فإذا هو عثمان بن عفان، فقال‏:‏ هذا وأصحابه يذكره‏.‏

وروى الترمذي في جامعه عنه رضي الله عنه قال‏:‏ لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تكلمت، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل متقنع في ثوب فقال‏:‏ هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه، فقلت‏:‏ هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ثم قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة‏.‏

وروى أحمد، وابن ماجه، وغيرهما، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال‏:‏ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها، قال‏:‏ ثم مر رجل مقنع في ملحفة، فقال‏:‏ هذا يومئذ على الحق‏.‏ قال‏:‏ فانطلقت مسرعا- أو محضرا- وأخذت بضبعيه، فقلت‏:‏ هذا يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ هذا‏.‏

وروى أبو داود الطيالسي بإسناد رجاله ثقات، عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تهجمون على رجل معتجر ببردة من أهل الجنة يبايع الناس، قال‏:‏ فهجمنا على عثمان بن عفان معتجرا يبايع الناس‏.‏

وقد تقدم من الأحاديث التي تشير إلى خلافته، وأشياء من فضائله مع ذكر صاحبيه رضي الله عنهما، وفي فضائله منفردا، ومع غيره من السابقين أحاديث كثيرة، وفيما أشرنا إليه كفاية‏.‏

وكان الإعتداء على حياته رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على الصحيح المشهور، وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما؛ لأنه بويع له في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين، وأما عمره رضي الله عنه فإنه قد جاوز ثنتين وثمانين سنة، والله أعلم‏.‏

خلافة علي، رضي الله عنه‏.‏

والرابع ابن عم خير الرسل *** أعني الإمام الحق ذا القدر العلي

مبيد كل خارجي مارق *** وكل خب رافضي فاسق

من كان للرسول في مكان *** هارون من موسى بلا نكران

ولا في نبوة فقد قدمت ما *** يكفي لمن من سوء ظن سلما‏.‏

‏(‏والرابع‏)‏ في الفضل والخلافة ‏(‏ابن عم‏)‏ محمد صلى الله عليه وسلم خير الرسل، أكرمهم على الله عز وجل- ‏(‏أعني‏)‏ بذلك ‏(‏الإمام الحق‏)‏ بالإجماع بلا مدافعة ولا ممانعة ‏(‏ذا‏)‏ صاحب ‏(‏القدر العلي‏)‏ الرفيع، وهو أمير المؤمنين أبو السبطين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

كان أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم أخا شقيقا لأبيه عبد الله، وأمه فاطمة بنت عمرو، كفل أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت جده عبد المطلب، وهو ابن ثمان سنين، ولما بعث آواه الله تعالى به وحماه، وهو مع ذلك على دين قومه، ولله في ذلك حكمة، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية عمه كل الحرص، ولم يكن ذلك حتى خرجت روحه، وهو يقول‏:‏ على ملة عبد المطلب، وأنزل الله تعالى في ذلك تعزية لنبيه صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء‏)‏، ‏(‏القصص 56‏)‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنهاه الله تعالى عن الاستغفار له بقوله عز وجل‏:‏ ‏(‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم‏)‏، ‏(‏التوبة 113‏)‏ الآيات‏.‏

وفي صحيح مسلم، عن العباس بن عبد المطلب أنه قال‏:‏ يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار‏.‏ وفي لفظ‏:‏ وجدته في غمرات من النار، فأخرجته إلى ضحضاح‏.‏

وفيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال‏:‏ لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه‏.‏

وفيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه‏.‏

وكفل النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وهو صغير، فلما بعث آمن به، وهو ابن ثمان سنين، وهو أول من آمن من الصبيان، كما أن أبا بكر أول من آمن به من الرجال، وخديجة رضي الله عنها- أول من آمن به من النساء، وورقة بن نوفل رضي الله عنه أول من آمن من الشيوخ، وزيد بن حارثة رضي الله عنه أول من آمن به من الموالي، وبلال رضي الله عنه أول من آمن به من الأرقاء صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين‏.‏

وكان علي رضي الله عنه صاحب دعوة قريش حين نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم- ‏(‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏)‏، ‏(‏الشعراء 214‏)‏، فأمر عليا أن يدعوهم له فيجتمعون للنذارة، وهو الذي فاداه بنفسه فنام على فراشه ليلة مكر المشركين كما قدمنا في حديث الهجرة، وهو الذي أدى الأمانات عنه بعدها، وهو الذي برز مع حمزة وعبيدة لخصمائهم يوم بدر، وكان يقول‏:‏ أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة، وشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها إلا تبوك على ما يأتي‏.‏

وهو صاحب عمرو بن ود وخيله يوم الخندق، وفتح الله على يديه يوم خيبر بعد قتل فارسهم مرحب، وكان مع حماة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكان صاحب النداء بسورة براءة تبليغا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الموسم، وشريكه في هديه في حجة الوداع، وخليفته في أهله في غزوة تبوك، وصاحب تجهيزه حين توفي مع جماعة من أهل البيت، رضي الله عنهم‏.‏

وقد ثبت له في الأحاديث الصحاح، والحسان من الفضائل الجمة ما فيه كفاية وغنية عن تلفيق الرافضة، وخرطهم وكذبهم عليه، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقولهم عليه ما لم يقل، قبحهم الله‏.‏

‏(‏مبيد‏)‏ أي مدمر ‏(‏كل خارجي‏)‏ نسبة إلى الخروج من الطاعة، ولكن صار هذا الاسم علما على الحرورية الذين كفروا أهل القبلة والمعاصي، وحكموا بتخليدهم في النار بذلك، واستحلوا دماءهم وأموالهم، حتى الصحابة من السابقين الأولين من أهل بدر وغيرهم، حتى علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وخباب، وأقرانهم رضي الله عنهم- ثم صار هذا الاسم عاما لكل من اتبع مذهبهم الفاسد، وسلك طريقتهم الخائبة‏.‏

وكل ذنب يكفرون به المؤمنين، فهو تكفير لأنفسهم من وجوه عديدة، وهم لا يشعرون‏:‏

فمنها أن تكفير المؤمن إن لم يكن كذلك، كفر فاعله كما في الحديث‏:‏ أيما امرئ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه‏.‏

ومنها أن من أكبر الكبائر التي يكفرون بها المؤمنين قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وهم أسرع الناس في ذلك، يقتلون أهل الإيمان، ويدعون أهل الأوثان‏.‏

ومنها أن المؤمن وإن عمل المعاصي، فهو لا يستحلها، وإنما يقع فيها لغلبة نفسه إياه، وتسويل شيطانه له، وهو مقر بتحريمها، وبما يترتب عليه من الحدود الشرعية فيما ارتكبه، وهم يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ويأخذون الأموال التي حرم الله أخذها إلا بالحق، ويفعلون الأفاعيل القبيحة مستحلين لها، والذي يعمل الكبيرة مستحلا لها أولى بالكفر ممن يعملها مقرا بتحريمها، بل لا مخالف في ذلك إذ هو تكذيب بالكتاب، وبما أرسل الله تعالى به رسله عليهم السلام، وإنما توقف الصحابة عن تكفير أهل النهروان؛ لأنهم كانوا يتأولون، فحكموا أنهم بغاة‏.‏

‏(‏مارق‏)‏ اسم فاعل من المروق، وهو الخروج من جانب غير مقصود الخروج منه، وسمي الخوارج ‏(‏مارقة‏)‏ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم‏:‏ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية‏.‏ وقوله‏:‏ تمرق مارقة‏.‏ الحديث‏.‏

ففي الصحيح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‏:‏ أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفة من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال‏:‏ يا محمد اعدل‏.‏ قال‏:‏ ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل‏؟‏ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل‏.‏ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق‏.‏ فقال‏:‏ معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية‏.‏

وفيه عن أبي سعيد في قصة الذهيبة‏:‏ فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس، فقال‏:‏ اتق الله يا محمد‏.‏ قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فمن يطع الله إن عصيته‏؟‏ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني‏؟‏ قال‏:‏ ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله- يرون أنه خالد بن الوليد- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد‏.‏ وفي لفظ ‏"‏ ثمود ‏"‏، وفي لفظ‏:‏ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ يا رسول الله، ائذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء وهو القدح، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس‏.‏ قال أبو سعيد‏:‏ فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك فالتمس فوجد، فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت‏.‏

وفيه عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته، يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق، قال‏:‏ هم شر الخلق أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق‏.‏ قال‏:‏ فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلا- أو قال قولا- الرجل يرمي الرمية، أو قال‏:‏ الفوق فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة‏.‏ قال‏:‏ قال أبو سعيد‏:‏ وأنتم قتلتموهم ياأهل العراق‏.‏

وفيه عنه رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق‏.‏

وفي رواية يكون في أمتي فرقتان، فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق‏.‏ وفي لفظ قال‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمرق مارقة في فرقة من الناس، فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق‏.‏ وفي رواية‏:‏ يخرجون على فرقة مختلفة، يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق‏.‏

وفيه عن سويد بن غفلة قال‏:‏ قال علي رضي الله عنه‏:‏ إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون‏:‏ من خير قول البرية، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة‏.‏

وفيه عن عبيدة رضي الله عنه قال‏:‏ ذكر الخوارج فقال‏:‏ فيهم رجل مخدج اليد- أو مودن اليد، أو مودون اليد- لولا أن تطروا، لحدثتكم بما وعد الله تعالى الذين يقتلونهم على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ أنت سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة‏.‏

وفيه عن زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي رضي الله عنه‏:‏ أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرءون القرآن يحسبونه أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم، ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لا تكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم‏؟‏ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله‏.‏ قال سلمة بن كهيل‏:‏ فنزلني زيد بن وهب منزلا، حتى مررنا على قنطرة، فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهم‏:‏ ألقوا الرماح، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحشوا برماحهم، وسلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال‏:‏ وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، قال علي رضي الله عنه‏:‏ التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض، قال‏:‏ أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال‏:‏ صدق الله وبلغ رسوله‏.‏ قال‏:‏ فقام إليه عبيدة السلماني فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ أي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثا، وهو يحلف له‏.‏

وفيه عن عبيد بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرورية لما خرجت، وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا‏:‏ لا حكم إلا لله‏.‏ قال علي‏:‏ كلمة حق أريد بها باطل‏.‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لنا، وإني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم، ولا يجوز هذا منهم، وأشار إلىحلقه، من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال‏:‏ ارجعوا فوالله ماكذبت، ولاكذبت- مرتين أو ثلاثا- ثم، وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبدالله‏:‏ وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول علي رضي الله عنه فيهم‏.‏

وفيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن بعدي من أمتي قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة‏.‏ ومثله عن رافع بن عمر الغفاري، رضي الله عنه‏.‏

وفي سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحبون القتل، ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم، قالوا‏:‏ يا رسول الله، ماسيماهم‏؟‏ قال‏:‏ التحليق‏.‏

وله عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأيتموهم‏.‏ قال أبو داود‏:‏ التسبيد استئصال الشعر‏.‏ والأحاديث في ذم الخوارج والأمر بقتالهم والثناء على مقاتليهم كثيرة جدا، وفيما ذكرناه كفاية‏.‏

‏(‏و‏)‏ مبيد ‏(‏كل خب رافضي فاسق‏)‏ الخب الخداع الخائن، والرافضي نسبة إلى الرفض، وهو الترك بازدراء واستهانة، سموا بذلك لرفضهم الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وزعموا أنهما ظلما عليا، واغتصبوه الخلافة، ومنعوا فاطمة رضي الله عنها- فدك، وبذلك يحطون عليهما، ثم على عائشة، ثم على غيرها من الصحابة‏.‏

وهم أقسام كثيرة، لا كثرهم الله تعالى‏:‏

أعظمهم غلوا، وأسوأهم قولا، وأخبثهم اعتقادا بل وأخبث من اليهود والنصارى هم السبيئة أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، قبحه الله‏.‏

كانوا يعتقدون في علي رضي الله عنه الإلهية، كما يعتقد النصارى في عيسى عليه السلام وهم الذين أحرقهم علي رضي الله عنه بالنار، وأنكر ذلك عليه ابن عباس كما في صحيح البخاري، والمسند، وأبي داود، والترمذي، والنسائي عن عكرمة رضي الله عنه قال‏:‏ أتي على رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال‏:‏ لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من بدل دينه فاقتلوه‏.‏

حكي عن أبي المظفر الإسفراييني في الملل والنحل أن الذين أحرقهم علي رضي الله عنه طائفة من الروافض، ادعوا فيه الإلهية وهم السبئية، وكان كبيرهم عبدالله بن سبأ يهوديا، ثم أظهر الإسلام، وابتدع هذه المقالة، وتفصيل ذلك ما ذكره في الفتح من طريق عبد الله بن شريك العامري، عن أبيه قال‏:‏ قيل لعلي رضي الله عنه‏:‏ إن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم‏:‏ ويلكم ما تقولون‏؟‏ قالوا‏:‏ أنت ربنا، وخالقنا، ورازقنا‏.‏ قال‏:‏ ويلكم إنما أنا عبد مثلكم، آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، أن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال‏:‏ قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام‏.‏ فقال‏:‏ أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث، قال‏:‏ لئن قلتم ذلك، لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فأمر علي رضي الله عنه أن يخد لهم أخدود بين المسجد والقصر، وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار، ثم قال لهم‏:‏ إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا، فقدف بهم حتى إذا احترقوا، قال‏:‏

إني إذا رأيت أمرا منكرا *** أوقدت ناري ودعوت قنبرا‏.‏

قال الحافظ ابن حجر‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

ومنهم طائفة يعتقدون أن لا إله إلا علي، وهم النصيرية الذين يقول شاعرهم الملعون، قبحه الله‏:‏

أشهد ألا إله إلا *** حيدرة الأذرع البطين

ولا سبيل إليه إلا *** محمد الصادق الأمين

ولا حجاب عليه إلا *** سلمان ذو القوة المتين‏.‏

منهم من يدعي فيه الرسالة، وأن جبريل خانها، فنزل بها على محمد صلى الله عليه وسلم ‏.‏

ومنهم من يدعي فيه العصمة، ويرى خلافة أبي بكر وعمر وعثمان باطلة، ويشتمون طلحة والزبير وعائشة، ويرمونها بما رماها به ابن سلول، قبحهم الله‏.‏

ومنهم من يدعي أنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى، وسينزل كما ينزل عيسى، وهم أصحاب الرجعة‏.‏

ومنهم من يدعي أنه وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته، وأنه عهد إليه ما يعهده إلى غيره، وبلغه ما كتمه الناس، وغير ذلك من فرقهم الضالة، وشيعهم الخاطئة‏.‏

وأما الزيدية الذين يدعون أنهم أصحاب زيد بن علي وأتباعه، فهؤلاء لا يشتمون الشيخين ولا عائشة ولا سائر العشرة، ولكنهم يفضلون عليا رضي الله عنه، ويقدمونه في الخلافة، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم يسكتون، عن عثمان رضي الله عنه، ويحطون على معاوية، غفر الله له‏.‏

هذا الذي وقفنا في بعض رسائلهم، ثم رأيت في بعضها السكوت عن أبي بكر وعمر، فلا يذكرونهما بخير ولا شر، ولا بخلافة ولا غيرها، ثم يحصرون الخلافة في علي رضي الله عنه وذريته، ففرقة تدعي عصمتهم، وأخرى لا تدعي ذلك، والمقصود أنهم فرق كثيرة، متفاوتون في أقوالهم وأفعالهم واعتقاداتهم، وأخفهم بدعة الزيدية‏.‏

هذا في شأن البيت، طهرهم الله تعالى، وأما في مسألة الصفات والقرآن والقدر، والوعد والوعيد، وسائر المعتقدات، فقد دهى كل فرقة منهم ما دهي غيرهم من الناس، ولكن المشهور من غالبهم الاعتزال، واعتمادهم كتب العلاف والجبائي وأشباهه‏.‏

والزيدية عمدتهم في تفسير القرآن كشاف الزمخشري، وقد شحنه بقول القدرية والمعتزلة، وهم أخف وأهون ممن يكفر بكثير من القرآن بالكلية نعوذ بالله، ومحل بسط مقالاتهم وفرق ضلالاتهم كتب المقالات‏.‏

هذا، وقد قال علي رضي الله عنه في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما قدمناه في الصحيح، وفي كتاب السنة عن علقمة في خطبة علي رضي الله عنه على منبر الكوفة‏:‏ ألا إنه بلغني أن قوما يفضلونني على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه، ولكن أكره العقوبة قبل التقدم، من قال شيئا من ذلك، فهو مفتر، عليه ما على المفتري، وخير الناس كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، ثم أحدثنا بعدهم أحداثا يقضي الله فيها ما شاء‏.‏

وهذا الكلام مشهور عنه من طرق لا تحصى؛ لأنه رضي الله عنه، وكرم الله وجهه- كان يجهر به، ويظهره في المحافل وعلى المنابر، ويذم الرافضة كثيرا، وقد جلد من قيل له إنه تكلم في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، جلده مائة، وكان من أشد الناس على الرافضة، وأسطاهم بهم، رضي الله عنه‏.‏

‏(‏من كان‏)‏ بمعنى صار ‏(‏للرسول‏)‏ صلى الله عليه وسلم أي منزلة ‏(‏هارون من موسى‏)‏- عليهما السلام- في الاستخلاف، فموسى استخلف هارون في مدة الميعاد، ومحمد صلى الله عليه وسلم استخلف عليا في غزوة تبوك، ففي الصحيحين، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه‏:‏ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى‏؟‏

وفيها من رواية مصعب بن سعد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك، واستخلف عليا رضي الله عنه فقال‏:‏ أتخلفني في الصبيان والنساء‏؟‏ قال‏:‏ ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى‏؟‏ إلا أنه ليس بنبى بعدي‏.‏ هذا الاستثناء يزيل الإشكال من الرواية الأولى، ويخصص عموم المنزلة بخصوص الأخوة، والاستخلاف في أهله فقط لا في النبوة كمشاركة هارون لموسى فيها، إذ يقول الله تعالى لموسى‏:‏ ‏(‏اشدد به أزري وأشركه في أمري‏)‏، ‏(‏طه 31‏)‏، وقال لهما‏:‏ ‏(‏فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين‏)‏، ‏(‏الشعراء 16‏)‏، ولهذا قلنا في المتن ‏(‏لا في نبوة‏)‏ لمنزلة هارون من موسى فيها، فلا تتوهم ذلك من اقتصاري على الرواية الأولى، ‏(‏فقد قدمت‏)‏ في فصل النبوة ‏(‏ما يكفي‏)‏ في هذا الباب ‏(‏لمن من سوء ظن‏)‏ بأخيه المسلم ‏(‏سلما‏)‏، وهو قولي‏:‏

وكل من من بعده قد ادعى *** نبوة فكاذب فيما ادعى‏.‏

وما بعده، وفي الصحيحين في تفسير قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏هذان خصمان اختصموا في ربهم‏)‏، ‏(‏الحج 19‏)‏ عن قيس بن عدي، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقسم فيها أن هذه الآية نزلت في حمزة وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه، برزوا في يوم بدر‏.‏

وفيهما عنه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة‏.‏ قال قيس‏:‏ وفيهم نزلت ‏(‏هذان خصمان اختصموا في ربهم‏)‏، ‏(‏الحج 19‏)‏، قال‏:‏ هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة‏.‏

وفيهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر‏:‏ لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله‏.‏ قال‏:‏ فبات الناس يدركون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس، غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال‏:‏ أين علي بن أبي طالب‏؟‏ فقيل‏:‏ هو يا رسول الله يشتكي عينيه‏.‏ قال‏:‏ فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي‏:‏ يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا‏؟‏ فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن تكون لك حمر النعم‏.‏

وعن سلمة بن الأكوع نحوه مختصرا، ونحوه عند مسلم أيضا، وفيهما عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال‏:‏ هذا فلان لأمير المدينة يدعو عليا عند المنبر‏.‏ قال‏:‏ ماذا يقول له‏؟‏ قال‏:‏ يقول أبو تراب‏.‏ فضحك، وقال‏:‏ والله ما سماه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كان له اسم أحب إليه منه، فاستطعمت الحليب سهلا، وقلت‏:‏ يا أبا العباس، كيف قال ‏"‏ دخل علي رضي الله عنه على فاطمة، ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أين ابن عمك‏؟‏ قالت‏:‏ في المسجد‏.‏ فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره، فيقول‏:‏ اجلس يا أبا تراب‏.‏ مرتين‏.‏

وفي رواية مسلم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال‏:‏ استعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال‏:‏ فدعا سهل بن سعد، فأمره أن يشتم عليا، قال‏:‏ فأبي سهل‏.‏ فقال له‏:‏ أما إذا أبيت، فقل‏:‏ لعن الله أبا تراب، فقال سهل‏:‏ ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح إذا دعي به‏.‏ فقال له‏:‏ أخبرنا عن قصته أسمي أبا تراب‏؟‏ فذكره‏.‏

وفي صحيح البخاري، عن سعيد بن عبيدة قال‏:‏ جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسأله عن عثمان، فذكر من محاسن عمله وقال‏:‏ لعل ذلك يسوؤك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فأرغم الله بأنفك‏.‏ ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله، وقال‏:‏ هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال‏:‏ لعل ذاك يسوؤك‏؟‏ قال‏:‏ أجل‏.‏ قال‏:‏ فأرغم الله بأنفك، انطلق وأجهد على جهدك‏.‏

وفيهما عن ابن أبي ليلى قال‏:‏ حدثنا علي رضي الله عنه أن فاطمة- عليها السلام- شكت ما تلقى من أثر الرحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، فوجدت عائشة رضي الله عنها- فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم، فقال‏:‏ على مكانكما، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال‏:‏ ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني‏؟‏ إذا أخذتما مضاجعكما، تكبران أربعا وثلاثين، وتسبحان ثلاثا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم‏.‏

وفي البخاري، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت، كما مات أصحابي، فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي رضي الله عنه الكذب‏.‏

قلت‏:‏ وأكثر ما يكذب على علي رضي الله عنه الرافضة الذين يدعون مشايعته، ونشر فضائله ومثالب غيره من الصحابة، فيسندون ذلك إليه رضي الله عنه وهو بريء منهم، وهم أعدى عدو له‏.‏

وفي الصحيحين من طرق عنه رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار‏.‏

وفي فضائله رضي الله عنه من الأحاديث الصحاح والحسان ما يغني عن أكاذيب الرافضة، وهم يجهلون غالب ما له من الفضائل فيها‏.‏

وفي صحيح مسلم، عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه قال‏:‏ أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا، فقال‏:‏ ما منعك أن تسب أبا تراب‏؟‏ فقال‏:‏ أما ما ذكرت، فثلاث قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تكون لي واحدة منهن، أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، وقد خلفه في مغازيه، فقال له علي رضي الله عنه‏:‏ يا رسول الله، خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى‏؟‏ إلا أنه لا نبوة بعدي‏.‏ وسمعته يقول يوم خيبر‏:‏ لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، قال‏:‏ فتطاولنا لها، قال‏:‏ ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ليلة فتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية ‏(‏فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم‏)‏، ‏(‏آل عمران 61‏)‏، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال‏:‏ اللهم هؤلاء أهلي‏.‏

وفي صحيح مسلم، عن زر قال‏:‏ قال علي رضي الله عنه‏:‏ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق‏.‏

والأحاديث في فضله كثيرة جدا، وقد تقدم الحديث في الإشارة إلى خلافته رضي الله عنه في رؤيا الرجل الصالح، الدلو التى شرب منها أبو بكر، وعمر، وعثمان، ثم جاء علي، وأخذ بعراقيها فانتشطت، وانتضح عليه منها شيء، وكان تأويل ذلك ما أصابه رضي الله عنه من اختلاف الناس عليه، والفتن الهائلة، والدماء المهرقة، والأمور الصعاب، والأسلحة المسلولة بين المسلمين بسبب السبئية، ومن وافقهم من أهل الأمصار على قتل عثمان، وكان غالبهم منافقين، وقليل منهم من أبناء الصحابة مغرورون، فحصل من ذلك في يوم الجمل وصفين وغيرهما وقائع يطول ذكرها‏.‏

فأما وقعة الجمل فكانت بمحض فعل السبئية- قبحهم الله تعالى- ليس باختيار علي رضي الله عنه ولا طلحة، ولا الزبير، ولا أم المؤمنين رضي الله عنهم- بل بات الفريقان متصالحين بخير ليلة، فتواطأ أهل الفتنة، وتمالئوا على أن يفرقوا بين الفريقين، وينشبوا الحرب بين الفئتين من الغلس، فثار الناس من نومهم إلى السلاح، فلم يشعر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالرؤوس تندر، والمعاصم تتطاير، ما يدرون ما الأمر حتى عقر الجمل، وانكشف الحال عن عشرة آلاف قتيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وإنما أنشب أهل الفتنة الحرب بين الفريقين؛ لعلمهم أنهما أن تصالحا دارت الدائرة عليهم، وأخذوا بدم عثمان، وأقيم عليهم كتاب، فقالوا نشغلهم بأنفسهم، وكان أمر الله قدرا مقدورا‏.‏

وأما في قتاله أهل الشام، فكانوا هم مع معاوية، وكان هو رضي الله عنه متأولا يطلب بدم عثمان، ويرى أنه وليه، وإن قتلته في جيش علي، فكان معذورا في خطئه بذلك، وأما علي رضي الله عنه فكان مجتهدا مصيبا وفالجا محقا، يريد جمع كلمة الأمة حتى إذا كانوا جماعة، وخمدت الفتن، وطفئت نارها، أخذ بالحق من قتلة عثمان، وكان رضي الله عنه أعلم بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان، وكان السبئية يخافونه أعظم من خصمائه، وذلك الذي حملهم على ما فعلوه يوم الجمل، فكان أهل الشام بغاة اجتهدوا فأخطئوا، وعلي رضي الله عنه يقاتلهم ليرجعوا إلى الحق، ويفيئوا إلى أمر الله، ولهذا كان أهل بدر الموجودون على وجه الأرض كلهم في جيشه، وعمار قتل معه رضي الله عنه كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد في بناء المسجد، فقال‏:‏ كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه، ويقول‏:‏ ويح عمارا تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار‏.‏ قال‏:‏ يقول عمار‏:‏ أعوذ بالله من الفتن‏.‏

فقتله أهل الشام مصداق ما أخبرهم به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الجماعة والائتلاف، وإلى طاعة الإمام التى هى من أسباب دخول الجنة، ويدعونه إلى الفتنة والفرقة التي هي من أسباب دخول النار، وكان علي رضي الله عنه أسعد منهم، وأولاهم بالحق لقتله الخوارج بالنهروان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، كما قدمنا‏.‏

وفي سنن أبي داود، عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته، فقال له عمر‏:‏ وهل تجدني في الكتاب‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ كيف تجدني‏؟‏ قال‏:‏ أجدك قرنا، فرفع عليه الدرة، فقال‏:‏ قرن مه‏؟‏ فقال‏:‏ قرن حديد، أمين شديد‏.‏ قال‏:‏ كيف تجد الذي يجيء من بعدي‏؟‏ فقال‏:‏ أجده خليفة صالحا، غير أنه يؤثر قرابته‏.‏ قال عمر‏:‏ يرحم الله عثمان، ثلاثا‏.‏ فقال‏:‏ كيف تجد الذي بعده‏؟‏ قال‏:‏ أجده صدأ حديد، فوضع عمر يده على رأسة، فقال‏:‏ يا دفراه دفراه، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، إنه خليفة صالح، ولكنه يستخلف حين يستخلف، والسيف مسلول، والدم مهراق‏.‏ وكان الأمر كما أخبر‏.‏

وكان رضي الله عنه أيام خلافته على طريق الحق والاستقامة، والتمسك بكتاب الله وهدي محمد صلى الله عليه وسلم مجتهدا في جمع شمل الأمة، واطفاء الفتن، والتذفيف على أهل البدع حتى اعتدى على حياته رضي الله عنه الشقي ابن ملجم الخارجي، قبحة الله‏.‏

وقد فعل ذلك يوم الجمعة في وقت الفجر، وهو يقول‏:‏ الصلاة الصلاة، فمكث يوم الجمعة وليلة السبت، وتوفي ليلة الأحد عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة، فكانت مدة خلافته كلها أربع سنين وتسعة أشهر إلا ليال، وهو يومئذ أفضل من على وجه الأرض بالاجماع‏.‏

وذلك مصداق ما روى الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما، عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكا‏.‏ قال سفينة‏:‏ فخذ سنتي أبي بكر، وعشر عمر، واثنتي عشرة عثمان، وست علي، رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

قلت‏:‏ سفينة رضي الله عنه حذف الزائد والناقص عن السنين من الأشهر على ما جرت به عادات العرب في حذف الكسور في الحساب، وعلى ما قدمنا ضبطه فأيام كل منهم لا تكمل ثلاثين إلا بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنه، وهي ستة أشهر، ثم أصلح الله به الفئتين من المسلمين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وولي معاوية بذلك، واجتمع الناس عليه، وكان ذلك العام يسمى عام الجماعة، وكان معاوية رضي الله عنه أول ملوك الإسلام وخيرهم‏.‏

وروى الإمام أحمد، عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا بعده فتنة، فهو ما شاء الله، وفي رواية‏:‏ يقضي الله فيها ما يشاء‏.‏

وله عنه رضي الله عنه قال‏:‏ ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي، وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي‏.‏

وله عنه رضي الله عنه قال‏:‏ يهلك في رجلان‏:‏ مفرط غال، ومبغض‏.‏ قال‏:‏ وله عنه رضي الله عنه قال‏:‏ يهلك في رجلان‏:‏ محب مفرط، ومبغض مفتر‏.‏

وله عن الشعبي، عن علقمة قال‏:‏ أتدري ما مثل علي في هذه الأمة‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ وما مثله‏؟‏ قال‏:‏ مثله كمثل ابن مريم، أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه‏.‏

وقد روى عبد الله بن أحمد هذا المعنى مسندا، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن فيك من عيسى مثلا، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به، ألا وإنه يهلك في اثنان‏:‏ محب مفرط يقرظني بما ليس في، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن بهتني، ألا وإني لست بنبي ولا موصى إلي، ولكن أعمل بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة الله، فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم‏.‏

وكان رضي الله عنه يخبر أصحابه بولاية معاوية رضي الله عنه ويقول‏:‏ لا تكرهوا إمارة معاوية، والذي نفسي بيده، ما بينكم وبين أن تنظروا إلى جماجم الرجال تندر عن كواهلهم كأنها الحنظل إلا أن يفارقكم معاوية‏.‏

وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول‏:‏ لا أعلم أحدا يحفظ من الفضائل في الأحاديث الصحاح ما يحفظ لعلي رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- أجمعين‏.‏

مناقب الستة بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم

فالستة المكملون العشرة *** وسائر الصحب الكرام البررة‏.‏

‏(‏ف‏)‏ يليهم في الفضل ‏(‏الستة المكملون‏)‏ عدد ‏(‏العشرة‏)‏ المشهود لهم بالجنة كما في السنن عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد، فذكر رجل عليا عليه السلام فقام سعيد بن زيد، فقال‏:‏ أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته، وهو يقول‏:‏ عشرة في الجنة، النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر‏.‏ قال‏:‏ فقالوا‏:‏ من هو‏؟‏ فسكت، قال‏:‏ فقالوا‏:‏ من هو‏؟‏ فقال‏:‏ هو سعيد بن زيد، رضي الله عنهم‏.‏

وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال‏:‏ ذاك يوم كله لطلحة‏.‏ وفي الصحيح عن أبي عثمان قال‏:‏ لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد‏.‏

وفيه عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت‏.‏ وفيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب‏:‏ من يأتينا بخبر القوم‏؟‏ فقال الزبير‏:‏ أنا، ثم قال‏:‏ من يأتينا بخبر القوم‏؟‏ فقال الزبير‏:‏ أنا، ثم قال‏:‏ من يأتينا بخبر القوم‏؟‏ فقال الزبير‏:‏ أنا، ثم قال‏:‏ إن لكل نبي حواريا، وحواري الزبير‏.‏

وفيه عن مروان بن الحكم قال‏:‏ أصاب عثمان رضي الله عنه رعاف شديد سنة الرعاف، حتى حبسه عن الحج وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش قال‏:‏ استخلف‏.‏ قال‏:‏ وقالوه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ومن‏؟‏ فسكت، فدخل عليه رجل آخر- أحسبه الحارث- فقال‏:‏ استخلف‏.‏ فقال عثمان‏:‏ وقالوا‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ومن هو‏؟‏ فسكت، فلعلهم قالوا الزبير، قال‏:‏ نعم، أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وفي رواية قال‏:‏ أما والله، إنكم لتعلمون أنه خيركم ‏(‏ثلاثا‏)‏‏.‏

وفيه عن عبد الله بن الزير رضي الله عنهما قال‏:‏ كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر ابن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت‏:‏ يا أبتي رأيتك تختلف‏.‏ قال‏:‏ وهل رأيتني يا بني‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم، فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه، فقال‏:‏ فداك أبي وأمي‏.‏

وعن هشام بن عروة، عن أبيه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم وقعة اليرموك‏:‏ ألا شد فنشد معك، فحمل عليهم، فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة‏:‏ فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات، ألعب وأنا صغير‏.‏

قلت‏:‏ وقد اخترق صفوف الروم يومئذ أربع مرات، مرتين دخولا فيهم ومرتين رجوعا، وكانت الضربتان في رجعته من المرة الأخرى، كما هو مبسوط في موضعه من السير‏.‏

وفي مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اهدأ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد‏.‏ زاد في رواية‏:‏ وسعد بن أبي وقاص‏.‏

وفيه عن عائشة رضي الله عنها- قالت‏:‏ أرق رسول الله ذات ليلة، فقال‏:‏ ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة‏.‏ قالت‏:‏ وسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ سعد بن أبي وقاص يا رسول الله، جئت أحرسك‏.‏ قالت عائشة‏:‏ فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطة‏.‏

وفيهما عن عبد الله بن شداد قال‏:‏ سمعي عليا يقول‏:‏ ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم أحد ارم فداك أبي وأمي‏.‏

وعن عامر بن سعد، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد، قال‏:‏ كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ارم فداك أبي وأمي‏.‏ قال‏:‏ فنزعت له بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جنبه، فسقط فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت إلى نواجذه‏.‏

وفيه عن مصعب بن سعد، عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال‏:‏ حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت‏:‏ زعمت أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، قال‏:‏ مكث ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآيات ‏(‏ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك بي‏)‏، ‏(‏لقمان 15‏)‏، وفيها ‏(‏وصاحبهما في الدنيا معروفا‏)‏، ‏(‏لقمان 15‏)‏ قال‏:‏ وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة، فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ نفلنى هذا السيف فأنا من علمت حاله‏.‏ فقال‏:‏ رده من حيث أخذته‏.‏ فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلت‏:‏ أعطينه‏.‏ قال‏:‏ فشد لي صوته ‏"‏ رده من حيث أخذته ‏"‏ قال‏:‏ فأنزل الله عز وجل ‏(‏يسألونك عن الأنفال‏)‏، ‏(‏الأنفال 1‏)‏، قال‏:‏ ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني، فقلت‏:‏ دعني أقسم مالي حيث شئت‏.‏ قال‏:‏ فأبى‏.‏ قلت‏:‏ فالنصف‏.‏ قال‏:‏ فأبى‏.‏ قلت‏:‏ فالثلث‏.‏ قال‏:‏ فسكت، فكان بعد الثلث جائزا‏.‏ قال‏:‏ وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا‏:‏ تعال نطعمك ونسقيك خمرا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال‏:‏ فأتيتهم في حش- والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق من خمر، قال‏:‏ فأكلت وشربت معهم، قال‏:‏ فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت‏:‏ المهاجرون خير من الأنصار‏.‏ قال‏:‏ فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به، فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله عز وجل في- يعني‏:‏ نفسه- بشأن الخمر ‏(‏إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان‏)‏، ‏(‏المائدة 90‏)‏‏.‏

وعنه رضي الله عنه قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا‏.‏ قال‏:‏ وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فتحدث في نفسه، فأنزل الله عز وجل- ‏(‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه‏)‏، ‏(‏الأنعام 52‏)‏‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن لكل أمة أمينا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح‏.‏

وعنه رضي الله عنه أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام‏.‏ قال‏:‏ فأخذ بيد أبي عبيدة، قال‏:‏ هذا أمين هذه الأمة‏.‏

وعن حذيفة رضي الله عنه قال‏:‏ جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ يا رسول الله، ابعث إلينا رجلا أمينا‏.‏ فقال‏:‏ لأبعثن إليكم رجلا أمينا، حق أمين‏.‏ قال‏:‏ فاستشرف لها الناس، قال‏:‏ فبعث أبا عبيدة بن الجراح‏.‏

وروى ابن اسحاق في قصة خالد مع بني جذيمة، فقال له عبد الرحمن‏:‏ عملت بأمر الجاهلية في الإسلام‏؟‏ فقال‏:‏ إنما ثأرت بأبيك‏.‏ فقال عبد الرحمن‏:‏ كذبت قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ مهلا يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا، ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحه‏.‏

‏(‏وسائر الصحب‏)‏ بقيتهم ‏(‏الكرام البررة‏)‏ الذين هم خير القرون من هذه الأمة، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ونصرة دينه‏.‏

ثم هم على مراتبهم‏:‏ أفضلهم السابقون الأولون من المهاجرين، ثم من الأنصار، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل الثبات في غزوة الأحزاب التي نجم فيها النفاق، ثم بيعة الرضوان، ثم من هاجر من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى‏.‏

أمهات المؤمنين، وبقية أهل بيته، صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأهل بيت المصطفى الأطهار *** وتابعيه السادة الأخيار

فكلهم في محكم القرآن *** أثنى عليهم خالق الأكوان

في الفتح والحديد والقتال *** وغيرها بأكمل الخصال

كذاك في التوراة والإنجيل *** صفاتهم معلومة التفصيل

وذكرهم في سنة المختار *** قد سار سير الشمس في الأقطار‏.‏

‏(‏وأهل بيت‏)‏ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم- ‏(‏المصطفى‏)‏ تقدم معناه، ‏(‏المختار‏)‏ اسم مفعول من الاختيار بمعنى التفضيل، وهن زوجاته اللاتي هن أمهات المؤمنين، كما قال الله تعالى فيهن‏:‏ ‏(‏وأزواجه أمهاتهم‏)‏، ‏(‏الأحزاب 6‏)‏، وخيرهن الله تعالى بين إردة زينة الحياة الدنيا، وبين إرادة الله ورسوله، فاخترن الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الله تعالى فيهن‏:‏ ‏(‏إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة‏)‏، ‏(‏الأحزاب 33‏)‏، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة‏.‏

فمنهن خديجة أم الؤمنين الصديقة الأولى التي هي أول من صدقه صلى الله عليه وسلم فيما بعث به على الاطلاق قبل كل أحد رضي الله عنها‏.‏

وقرأ جبريل عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب ولا وصب، ومازالت تؤويه، وتسكن جأشه، وتعاضده بالنفس والمال حتى توفاها الله عز وجل‏.‏

وعائشة رضي الله عنها- الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سموات بأربع عشرة آية تتلى في المحاريب والكتاتيب في كل زمان ومكان، التي كان ينزل الوحي عليه وهو في حجرها، وتوفي في حجرها، وقد خلط ريقها بريقه صلى الله عليه وسلم في آخر ساعة من الدنيا، وأولها من الآخرة، ودفن في حجرتها، وكانت من أفقه الصحابة في الحديث والتفسير وغير ذلك، حتى كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن أشياء كثيرة، فيجدون منها عندها علما لا سيما ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله في الحضر، أقرأها جبريل السلام أيضا كما أقرأه على خديجة‏.‏

ومنهن أم سلمة رضي الله عنه ذات الهجرتين مع زوجها أبي سلمة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم تزوجها نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها رضي الله عنه‏.‏ وقد رأت جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة، رضي الله عنه‏.‏

ومنهن زينب أم المؤمنين التي زوجه الله إياها من فوق سبع سموات، وهي أطولهن يدا لإنفاقها من كسب يدها، وأسرعهن لحوقا به صلى الله عليه وسلم ، وبسببها نزل الحجاب‏.‏

وصفية بنت حيي من ولد هارون بن عمران رسول الله، وأخي رسوله موسى الكليم، عليهما السلام‏.‏

وجويرية بنت الحارث ملك بني المصطلق التي كانت هي السبب في عتق السبي من قبيلتها‏.‏

وسودة بنت زمعة التي كانت أيضا من أسباب الحجاب، ولما كبرت اختارت نبي الله عز وجل أن تبقى في عصمة نكاحه، ووهبت يومها لعائشة تستحقه مع قسمها‏.‏

وأم حبيبة ذات الهجرتين أيضا‏.‏

وميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنه التي نكحها النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، وهما حلالان على ما حدثت به هي والسفير بينهما، وكلهن زوجاته في الدنيا والآخرة، رضي الله عنهن‏.‏

ويدخل أهل بيته في هذه الآية من باب أولى بل بنص الحديث الخمسة الذين جللهم النبي صلى الله عليه وسلم بكسائه، كما في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها- قالت‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة، وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال‏:‏ ‏(‏إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا‏)‏، ‏(‏الأحزاب 33‏)‏‏.‏

ويدخل في أهل بيته آله الذين حرمت عليهم الصدقة بنو هاشم، وبنو المطلب كما في الصحيح، عن يزيد بن حيان قال‏:‏ انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه، قال له حصين‏:‏ لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمعت حديثه، وغدوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال‏:‏ يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال‏:‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بما يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال‏:‏ أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به‏.‏ فحث على كتاب الله تعالى ورغب فيه، ثم قال‏:‏ وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي‏.‏ فقال له حصين‏:‏ ومن أهل بيته يا زيد‏؟‏ أليس نساؤه من أهل بيته‏؟‏ قال‏:‏ نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال‏:‏ ومن هم‏؟‏ قال‏:‏ هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس‏.‏ قال‏:‏ كل هؤلاء حرم الصدقة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ وفي رواية‏:‏ أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، وفيه‏:‏ فقلنا من أهل بيته، نساؤه‏؟‏ قال‏:‏ لا وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجال العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده‏.‏

وفي الصحيح أيضا، عن المسور بن مخرمة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها‏.‏

وفيه عن عائشة رضي الله عنها- قالت‏:‏ اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ فقال‏:‏ مرحبا بابنتي، فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضا، فقلت لها‏:‏ ما يبكيك‏؟‏ فقالت‏:‏ ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقلت‏:‏ ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن‏.‏ فقلت لها حين بكت‏:‏ أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا، ثم تبكين‏؟‏ وسألتها عما قال، فقالت‏:‏ ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ حتى إذا قبض سألتها، فقالت‏:‏ إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا، ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال‏:‏ ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هده الأمة‏؟‏ فضحكت لذلك‏.‏

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحسن‏:‏ اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه‏.‏ ونحوه عن براء بن عازب‏.‏

وفيه عن أبي بكر رضي الله عنه‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن إلى جنبه، ينظر إلى الناس مرة و إليه مرة، يقول‏:‏ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين‏.‏

وفيه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن، ويقول‏:‏ اللهم إني أحبهما فأحبهما، أو كما قال‏.‏

وللترمذي، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‏.‏ وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وفي الصحيح، عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا‏.‏

وللترمذي- وقال حسن- عن بريدة قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، ووضعهما بين يديه، ثم قال‏:‏ صدق الله ‏(‏إنما أموالكم وأولادكم فتنة‏)‏، ‏(‏التغابن 15‏)‏ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما‏.‏

وله عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك‏.‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏