فصل: تفسير الآيات (80- 81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (80- 81):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)}
قوله تعالى: {وَلُوطًا} أي: وأرسلنا لوطا. وقيل: معناه واذكر لوطا. وهو لوط بن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم، {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} وهم أهل سدوم وذلك أن لوطا شخص من أرض بابل سافر مع عمه إبراهيم عليه السلام مؤمنا به مهاجرا معه إلى الشام، فنزل إبراهيم فلسطين وأنزل لوطا الأردن، فأرسله الله عز وجل إلى أهل سدوم فقال لهم، {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} يعني: إتيان الذكران، {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} قال عمرو بن دينار ما يرى ذكر على ذكر في الدنيا إلا كان من قوم لوط.
{إِنَّكُمْ} قرأ أهل المدينة وحفص {إنكم} بكسر الألف على الخبر، وقرأ الآخرون على الاستئناف، {لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} في أدبارهم، {شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} فسَّر تلك الفاحشة يعني أدبار الرجال أشهى عندكم من فروج النساء، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} مجاوزون الحلال إلى الحرام.
قال محمد بن إسحاق: كانت لهم ثمار وقرى لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس فآذوهم، فعرض لهم إبليس في صورة شيخ، فقال: إن فعلتم بهم كذا نجوتم، فأبوا فلما ألح عليهم الناس قصدوهم فأصابوهم غلمانا صباحا، فأخذوهم وقهروهم على أنفسهم فأخبثوا واستحكم ذلك فيهم. قال الحسن: كانوا لا ينكحون إلا الغرباء.
وقال الكلبي: إن أول من عمل عمل قوم لوط إبليس، لأن بلادهم أخصبت فانتجعها أهل البلدان، أي: فتمثل لهم إبليس في صورة شاب، ثم دعا إلى دبره، فنكح في دبره، فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم وأمر الأرض أن تخسف بهم.

.تفسير الآيات (82- 85):

{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)}
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا} قال بعضهم لبعض: {أَخْرِجُوهُمْ} يعني: لوطا وأهل دينه، {مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهون عن أدبار الرجال.
{فَأَنْجَيْنَاهُ} يعني: لوطا، {وَأَهْلَهُ} المؤمنين، وقيل: أهله: ابنتاه، {إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} يعني: الباقين في العذاب، وقيل: معناه كانت من الباقين المعمرين، قد أتى عليها دهر طويل فهلكت مع من هلك من قوم لوط، وإنما قال: {من الغابرين} لأنه أراد: ممن بقي من الرجال فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قال: {من الغابرين}.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} يعني: حجارة من سجيل. قال وهب: الكبريت والنار، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} قال أبو عبيدة: يقال في العذاب: أمطر، وفي الرحمة: مطر.
قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} أي: وأرسلنا إلى ولد مدين- وهو مدين بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام- وهم أصحاب الأيكة: أخاهم شعيبا في النسب لا في الدين. قال عطاء: هو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم. وقال ابن إسحاق: هو شعيب بن ميكائيل بن يسخر بن مدين بن إبراهيم، وأم ميكائيل بنت لوط. وقيل: هو شعيب بن يثرون بن مدين وكان شعيب أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان.
{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: {قد جاءتكم بينة من ربكم} ولم تكن لهم آية؟.
قيل: قد كانت لهم آية إلا أنها لم تذكر، وليست كل الآيات مذكورة في القرآن.
وقيل: أراد بالبينة مجيء شعيب.
{فَأَوْفُوا الْكَيْلَ} أتموا الكيل، {وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها، {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} أي: ببعث الرسل والأمر بالعدل، وكل نبي بعث إلى قوم فهو صلاحهم، {ذَلِكُمْ} الذي ذكرت لكم وأمرتكم به، {خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} مصدقين بما أقول.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)}
{وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي: على كل طريق، {تُوعِدُونَ} تهددون، {وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} دين الله، {مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} زيغا، وقيل: تطلبون الاعوجاج في الدين والعدول عن القصد، وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطريق فيقولون لمن يريد الإيمان بشعيب، إن شعيب كذاب فلا يفتننك عن دينك ويتوعدون المؤمنين بالقتل ويخوفونهم، وقال السدي: كانوا عشارين. {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ} فكثر عددهم، {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} أي: آخر أمر قوم لوط.

.تفسير الآيات (87- 89):

{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}
{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا} أي: إن اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين مكذبين ومصدقين، {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا} بتعذيب المكذبين وإنجاء المصدقين، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
{قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} يعني الرؤساء الذين تعظموا عن الإيمان به، {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} لترجعن إلى ديننا الذي نحن عليه، {قَالَ} شعيب {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} يعني: لو كنا، أي: وإن كنا كارهين لذلك فتجبروننا عليه؟
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} بعد إذ أنقذنا الله منها، {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} يقول إلا أن يكون قد سبق لنا في علم الله ومشيئته أنا نعود فيها فحينئذ يمضي قضاء الله فينا وينفذ حكمه علينا.
فإن قيل: ما معنى قوله: {أو لتعودن في ملتنا}، {وما يكون لنا أن نعود فيها}، ولم يكن شعيب قط على ملتهم حتى يصح قولهم ترجع إلى ملتنا؟
قيل: معناه: أو لتدخلن في ملتنا، فقال: وما كان لنا أن ندخل فيها.
وقيل: معناه إن صرنا في ملتكم. ومعنى عاد صار.
وقيل: أراد به قوم شعيب لأنهم كانوا كفارا فآمنوا فأجاب شعيب عنهم.
قوله تعال: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أحاط علمه بكل شيء، {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} فيما توعدوننا به، ثم عاد شعيب بعدما أيس من فلاحهم فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا} أي: اقض بيننا، {بِالْحَقِّ} والفتاح: القاضي، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} أي: الحاكمين.

.تفسير الآيات (90- 92):

{وَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)}
{وَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا} وتركتم دينكم، {إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} مغبونون، وقال عطاء: جاهدون. قال الضحاك: عجزة.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} قال الكلبي: الزلزلة، وقال ابن عباس وغيره: فتح الله عليهم بابا من جهنم، فأرسل عليهم حرا شديدا، فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظل ولا ماء، فكانوا يدخلون الأسراب ليتبردوا فيها، فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا من الظاهر، فخرجوا هربا إلى البرية فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فأظلتهم وهي الظلة، فوجدوا لها بردا ونسيما فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحت السحابة، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، ألهبها الله عليهم نارا، ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي، وصاروا رمادا.
وروي أن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ثم سلط عليهم الحر. قال يزيد الجريري: سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم، فذلك قوله: {عذاب يوم الظلة} [الشعراء- 89]، قال قتادة: بعث الله شعيبا إلى أصحاب الأيكة وأصحاب مدين، أما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة، وأما أصحاب مدين فأخذتهم الصيحة، صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة فهلكوا جميعا. قال أبو عبد الله البجلي: كان أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين، وكان ملكهم في زمن شعيب عليه السلام يوم الظلة كلمن، فلما هلك قالت ابنته تبكيه:
كلمن قد هد ركني ** هلكه وسط المحله

سيد القوم أتاه ** الحتف نارا تحت ظله

جعلت نارا عليهم ** دارهم كالمضمحله

وقوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: لم يقيموا ولم ينزلوا فيها، من قولهم: غنيت بالمكان إذا قمت به، والمغاني المنازل واحدها مغنى، وقيل: كأن لم يتنعموا فيها. {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} لا المؤمنين كما زعموا.

.تفسير الآيات (93- 95):

{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)}
{فَتَوَلَّى} أعرض {عَنْهُمْ} شعيب شاخصا من بين أظهرهم حين أتاهم العذاب، {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى} أحزن {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} والأسى: الحزن، والأسى: الصبر.
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ} فيه إضمار، يعني: فكذبوه، {إِلا أَخَذْنَا} عاقبنا {أَهْلَهَا} حين لم يؤمنوا، {بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} قال ابن مسعود: البأساء: الفقر، والضراء: المرض، وهذا معنى قول من قال: البأساء في المال، والضراء في النفس، وقيل: البأساء البؤس وضيق العيش، والضراء والضر سوء الحال. وقيل: البأساء في الحرب والضراء: الجدب، {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} لكي يتضرعوا فيتوبوا.
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} يعني: مكان البأساء والضراء الحسنة، يعني: النعمة والسعة والخصب والصحة، {حَتَّى عَفَوْا} أي: كثروا وازدادوا، وكثرت أموالهم، يقال: عفا الشعر إذا كثر. قال مجاهد: كثرت أموالهم وأولادهم {وَقَالُوا} من غرتهم وغفلتهم بعد ما صاروا إلى الرخاء، {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} أي: هكذا كانت عادة الدهر قديما لنا ولآبائنا، ولم يكن ما مسنا من الضراء عقوبة من الله، فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم فإنهم لم يتركوا دينهم لما أصابهم من الضراء، قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} فجأة آمن ما كانوا {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} بنزول العذاب.

.تفسير الآيات (96- 100):

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100)}
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} يعني: المطر من السماء والنبات من الأرض. وأصل البركة: المواظبة على الشيء، أي: تابعنا عليهم المطر والنبات ورفعنا عنهم القحط والجدب، {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الأعمال الخبيثة.
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} الذين كفروا وكذبوا، يعني: أهل مكة وما حولها، {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} عذابنا، {بَيَاتًا} ليلا {وَهُمْ نَائِمُونَ}.
{أَوَأَمِنَ} قرأ أهل الحجاز والشام: {أوْ أمن} بسكون الواو، والباقون بفتحها، {أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} أي: نهارا، والضحى: صدر النهار، ووقت انبساط الشمس، {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} ساهون لاهون.
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ومكر الله استدراجه إياهم بما أنعم عليهم في دنياهم. وقال عطية: يعني أخذه وعذابه.
{أَوَلَمْ يَهْدِ} قرأ قتادة ويعقوب: {نهد} بالنون على التعظيم، والباقون بالياء على التفريدُ يعني أوَلم نبين، {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ} هلاك {أَهْلِهَا} الذين كانوا فيها قبلهم {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} أي: أخذناهم وعاقبناهم، {بِذُنُوبِهِمْ} كما عاقبنا من قبلهم، {وَنَطْبَعُ} نختم {عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} الإيمان ولا يقبلون الموعظة، قال الزجاج: قوله: {وَنَطْبَعُ عَلَى} منقطع عما قبله لأن قوله: {أَصَبْنَاهُمْ} ماض و{نطبع} مستقبل.