فصل: تفسير الآيات (101- 102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (101- 102):

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}
{تِلْكَ الْقُرَى} أي: هذه القرى التي ذكرت لك أمرها وأمر أهلها، يعني: قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب، {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا} أخبارها لما فيها من الاعتبار، {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بالآيات والمعجزات والعجائب، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ} أي: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذبوا من قبل رؤيتهم تلك العجائب، نظيره قوله عز وجل: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} [المائدة- 102].
قال ابن عباس والسدي: يعني فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم، فأقروا باللسان وأضمروا التكذيب. وقال مجاهد: معناه فما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم، لقوله عز وجل: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام- 28].
قال يمان بن رباب: هذا على معنى أن كل نبي أنذر قومه بالعذاب فكذبوه، يقول: ما كانوا ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الخالية، بل كذبوا بما كذب أوائلهم، نظيره قوله عز وجل: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} [الذاريات- 52]. {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} أي: كما طبع الله على قلوب الأمم الخالية التي أهلكها، كذلك يطبع الله على قلوب الكفار الذين كتب عليهم أن لا يؤمنوا من قومك.
{وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} أي: وفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق، حين أخرجهم من صلب آدم {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} أي: ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين ناقضين للعهد.

.تفسير الآيات (103- 107):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)}
قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد نوح وهود وصالح وشعيب، {مُوسَى بِآيَاتِنَا} بأدلتنا، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا} فجحدوا بها، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فظلمهم وضع الكفر موضع الإيمان، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وكيف فعلنا بهم.
{وَقَالَ مُوسَى} لما دخل على فرعون، {يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إليك، فقال فرعون: كذبت فقال موسى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} أي: أنا خليق بأن لا أقول على الله إلا الحق، فتكون {على} بمعنى الباء كما يقال: رميت بالقوس ورميت على القوس، وجئت على حال حسنة وبحال حسنة، يدل عليه قراءة أبيّ والأعمش {حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق} وقال أبو عبيدة: معناه حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق، وقرأ نافع {عَلَيَّ} بتشديد الياء أي حق واجب علي أن لا أقول على الله إلا الحق. {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني العصا، {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أطلق عنهم وخلّهم يرجعون إلى الأرض المقدسة، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ونقل التراب ونحوهما.
فقال فرعون مجيبا لموسى: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
{فَأَلْقَى} موسى {عَصَاهُ} من يده {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} والثعبان: الذكر العظيم من الحيات، فإن قيل: أليس قال في موضع: {كأنها جان} [النمل- 10]، والجان الحية الصغيرة؟ قيل: إنها كانت كالجان في الحركة والخفة، وهي في جثتها حية عظيمة.
قال ابن عباس والسدي: إنه لما ألقى العصا صارت حية عظيمة صفراء شعراء فاغرة فاها ما بين لحييها ثمانون ذراعا وارتفعت من الأرض بقدر ميل، وقامت له على ذنبها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر، وتوجهت نحو فرعون لتأخذه، وروي أنها أخذت قبة فرعون بين نابيها فوثب فرعون من سريره هاربا وأحدث.
قيل: أخذه البطن في ذلك اليوم أربعمائة مرة، وحملت على الناس فانهزموا وصاحوا ومات منهم خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذها وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت ثم قال فرعون: هل معك آية أخرى؟ قال: نعم.

.تفسير الآيات (108- 112):

{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} فأدخل يده في جيبه ثم نزعها، وقيل: أخرجها من تحت إبطه فإذا هي بيضاء لها شعاع غلب نور الشمس، وكان موسى آدم، ثم أدخلها جيبه فصارت كما كانت.
{قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} يعنون أنه ليأخذ بأعين الناس حتى يخيل إليهم العصا حية والآدم أبيض، ويُري الشيء بخلاف ما هو به.
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ} يا معشر القبط، {مِنْ أَرْضِكُمْ} مصر، {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي: تشيرون إليه، هذا يقوله فرعون وإن لم يذكره، وقيل: هذا من قول الملأ لفرعون وخاصته.
{قَالُوا} يعني الملأ {أَرْجِهْ} قرأ ابن كثير وأهل البصرة وابن عامر بالهمزة وضم الهاء، وقرأ الآخرون بلا همز، ثم نافع برواية ورش والكسائي يشبعان الهاء كسرا، ويسكنها عاصم وحمزة، ويختلسها أبو جعفر وقالون.
قال عطاء، معناه أخره. وقيل: احبسه، {وَأَخَاهُ} معناه أشاروا عليه بتأخير أمره وترك التعرض له بالقتل، {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} يعني الشرط والمدائن، وهي مدائن الصعيد من نواحي مصر، قالوا: أرسل إلى هذا المدائن رجالا يحشرون إليك من فيها من السحرة، وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، فإن غلبهم موسى صدقناه وإن غلبوا علمنا أنه ساحر.
فذلك قوله: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} قرأ حمزة والكسائي: {سحار} هاهنا وفي سورة يونس، ولم يختلفوا في الشعراء أنه {سحار}.
قيل: الساحر: الذي يَعْلمُ السحر ولا يُعَلِّم، والسحَّار: الذي يعلّم، وقيل: الساحر من يكون سحره في وقت دون وقت، والسحار من يديم السحر.
قال ابن عباس وابن إسحاق والسدي: قال فرعون لما رأى من سلطان الله في العصا ما رأى: إنا لا نغالب إلا بمن هو أعلم منه، فاتخذ غلمانا من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية يقال لها الفرحاء يعلمونهم السحر، فعلموهم سحرا كثيرا، وواعد فرعون موسى موعدا فبعث إلى السحرة فجاءوا ومعلمهم معهم، فقال له: ماذا صنعت؟ قال: قد علمتهم سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء، فإنه لا طاقة لهم به، ثم بعث فرعون في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحرا إلا أتى به.
واختلفوا في عددهم، فقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين، اثنان من القبط، وهما رأسا القوم، وسبعون من بني إسرائيل.
وقال الكلبي: كان الذين يعملونهم رجلين مجوسيين من أهل نينوي، وكانوا سبعين غير رئيسهم.
وقال كعب: كانوا اثني عشر ألفا. وقال السدي: كانوا بضعة وثلاثين ألفا.
وقال عكرمة: كانوا سبعين ألفا. وقال محمد بن المنكدر: كانوا ثمانين ألفا، وقال مقاتل: كان رئيس السحرة شمعون. وقال ابن جريج: رئيس السحرة يوحنا.

.تفسير الآيات (113- 117):

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}
{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ} واجتمعوا، {قَالُوا} لفرعون {إِنَّ لَنَا لأجْرًا} أي جُعْلا ومالا.
{إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} قرأ أهل الحجاز وحفص: {أن لنا} على الخبر، وقرأ الباقون بالاستفهام، ولم يختلفوا في الشعراء أنه مستفهم.
{قَالَ} فرعون {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} في المنزلة الرفيعة عندي مع الأجر، قال الكلبي: يعني أول من يدخل وآخر من يخرج.
{قَالُوا} يعني السحرة {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عصاك {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} لعصيّنا وحبالنا.
{قَالَ} موسى بل {أَلْقُوا} أنتم، {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} أي: صرفوا أعينهم عن إدراك حقيقة ما فعلوه من التمويه والتخييل، وهذا هو السحر، {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أي: أرهبوهم وأفزعوهم، {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا. وفي القصة أن الأرض كانت ميلا في ميل صارت حيات وأفاعي في أعين الناس.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها فصارت حية عظيمة حتى سدت الأفق. قال ابن زيد: كان اجتماعهم بالإسكندرية. ويقال: بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا، {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} قرأ حفص: {تلقف} ساكنة اللام، خفيفة، حيث كان، وقرأ الآخرون: بفتح اللام وتشديد القاف، أي: تبتلع، {مَا يَأْفِكُونَ} يكذبون من التخاييل وقيل: يزوِّرون على الناس. فكانت تلتقم حبالهم وعصيهم واحدا واحدا حتى ابتعلت الكل وقصدت القوم الذين حضروا فوقع الزحام عليهم فهلك منهم في الزحام خمسة وعشرون ألفا، ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت.

.تفسير الآيات (118- 124):

{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
{فَوَقَعَ الْحَقُّ} قال الحسن ومجاهد: ظهر الحق، {وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من السحرُ وذلك أن السحرة قالوا: لو كان ما يصنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصيّنا فلما فقدت علموا أن ذلك من أمر الله.
{فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} ذليلين مقهورين.
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} لله تعالى. قال مقاتل: ألقاهم الله. وقيل: ألهمهم الله أن يسجدوا فسجدوا. وقال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا.
{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فقال فرعون: إياي تعنون فقالوا، {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} قال مقاتل: قال موسى لكبير السحرة تؤمن بي إن غلبتك؟ فقال: لآتين بسحر لا يغلبه سحر، ولئن غلبتني لأومنن بك، وفرعون ينظر.
{قَالَ} لهم {فِرْعَوْنُ} حين آمنوا {آمَنْتُمْ بِهِ} قرأ حفص {آمنتم} على الخبر هاهنا وفي طه والشعراء، وقرأ الآخرون بالاستفهام أآمنتم به، {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} أصدقتم موسى من غير أمري إياكم، {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ} أي: صنيع صنعتموه أنتم وموسى: {فِي الْمَدِينَةِ} في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر، {لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما أفعل بكم.
{لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} وهو أن يقطع من كل شق طرفا. قال الكلبي: لأقطعن أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى، {ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} على شاطئ نهر مصر.

.تفسير الآيات (125- 127):

{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
{قَالُوا} يعني السحرة لفرعون، {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} راجعون في الآخرة.
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا} أي: ما تكره منا. وقال الضحاك وغيره: وما تطعن علينا. وقال عطاء: ما لنا عندك من ذنب تعذبنا عليه، {إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} ثم فزعوا إلى الله عز وجل فقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ} اصبب، {عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} ذكر الكلبي: أن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وذكر غيره: أنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى: {فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} [القصص- 35].
{وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} له {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ} وأرادوا بالإفساد في الأرض دعاءهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته، {وَيَذَرَكَ} أي: وليذرك، {وَآلِهَتَكَ} فلا يعبدك ولا يعبدها. قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها، وكان إذا رأى بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فلذلك أخرج السامري لهم عجلا. وقال الحسن: كان قد علق على عنقه صليبا يعبده. وقال السدي: كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها، وقال لقومه هذه آلهتكم وأنا ربها وربكم، فذلك قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات- 24]، وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك: {ويذرك وإلاهتك} بكسر الألف، أي: عبادتك فلا يعبدك، لأن فرعون كان يُعْبَد ولا يَعْبُد وقيل: أراد بالآلهة الشمس. وكانوا يعبدونها قال الشاعر:
تروحنا من اللعباء قصرا ** وأعجلنا الإلاهة أن تؤبا

{قَالَ} فرعون {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} قرأ أهل الحجاز: {سنقتل} بالتخفيف من القتل، وقرأ الآخرون بالتشديد من التقتيل على التكثير، {وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} نتركهن أحياء، {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} غالبون. قال ابن عباس: كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في العام الذي قيل أنه يولد مولود يذهب بملكك، فلم يزل يقتلهم حتى أتاهم موسى بالرسالة، وكان من أمره ما كان، فقال فرعون: أعيدوا عليهم القتل، فأعادوا عليهم القتل، فشكت ذلك بنو إسرائيل.