فصل: تفسير الآيات (128- 130):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (128- 130):

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ} يعني أرض مصر، {يُورِثُهَا} يعطيها {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} بالنصر والظفر. وقيل: السعادة والشهادة. وقيل: الجنة.
{قَالُوا أُوذِينَا} قال ابن عباس: لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل، فقالوا- يعني قوم موسى- إنا أوذينا، {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} بالرسالة بقتل الأبناء، {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بإعادة القتل علينا. وقيل: فالمراد منه أن فرعون كان يستسخرهم قبل مجيء موسى إلى نصف النهار، فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا أجر. وذكر الكلبي أنهم كانوا يضربون له اللَّبِن بتبن فرعون، فلما جاء موسى أجبرهم أن يضربوه بتبن من عندهم. {قَالَ} موسى {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون، {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ} أي: يسكنكم أرض مصر من بعدهم، {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فحقق الله ذلك بإغراق فرعون واستخلافهم في ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} أي: بالجدوب والقحط. تقول العرب: مستهم السنة، أي: جدب السنة وشدة السنة. وقيل: أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة، {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} والغلات بالآفات والعاهات. وقال قتادة: أما السنين فلأهل البوادي، وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار، {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: يتعظون وذلك لأن الشدة ترقق القوب وترغبها فيما عند الله عز وجل.

.تفسير الآيات (131- 133):

{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} يعني: الخصب والسعة والعافية، {قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي: نحن أهلها ومستحقوها على العادة التي جرت لنا في سعة أرزاقنا ولم يروها تفضلا من الله عز وجل فيشكروا عليها، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} جدب وبلاء ورأوا ما يكرهون، {يَطَّيَّرُوا} يتشاءموا، {بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} وقالوا: ما أصابنا بلاء حتى رأيناهم، فهذا من شؤم موسى وقومه.
قال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر: كان ملك فرعون أربعمائة سنة، وعاش ستمائة وعشرين سنة لا يرى مكروها، ولو كان له في تلك المدة جوع يوم أو حمى ليلة، أو وجع ساعة، لما ادعى الربوبية قط. قال الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: انصباؤهم من الخصب والجدب والخير والشر كله من الله. وقال ابن عباس: طائرهم ما قضى الله عليهم وقدّر لهم. وفي رواية عنه: شؤمهم عند الله ومن قِبَل الله. أي: إنما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله. وقيل: معناه الشؤم العظيم الذي لهم عند الله من عذاب النار، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أن الذي أصابهم من الله.
{وَقَالُوا} يعني: القبط لموسى {مَهْمَا تَأْتِنَا} متى ما كلمة تستعمل للشرط والجزاء، {تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} من علامة، {لِتَسْحَرَنَا بِهَا} لتنقلنا عما نحن عليه من الدين، {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق- دخل كلام بعضهم في بعض-: لما آمنت السحرة، ورجع فرعون مغلوبا، أبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر، فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات، فلما عالج منهم بالآيات الأربع: العصا، واليد، والسنين، ونقص الثمار، فأبوا أن يؤمنوا فدعا عليهم، فقال: يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا وإن قومه قد نقضوا عهدك، رب فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم آية وعبرة، فبعث الله عليهم الطوفان، وهو الماء، أرسل الله عليهم الماء وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ومن جلس منهم غرق، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة، وركد الماء على أرضهم لا يقدرون أن يحرثوا ولا يعملوا شيئا، ودام ذلك عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت.
وقال مجاهد وعطاء: الطوفان الموت. وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة اليمن، وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهم أول من عذبوا به فبقي في الأرض.
وقال مقاتل: الطوفان الماء طغى فوق حروثهم.
وروى ابن ظبيان عن ابن عباس قال: الطوفان أمر من الله طاف بهم، ثم قرأ {فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} [القلم- 19].
قال نحاة الكوفة: الطوفان مصدر لا يُجْمَعُ، كالرجحان والنقصان.
وقال أهل البصرة: هو جمع، واحدها طوفانة، فقال لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئا لم ينتبه لهم قبل ذلك من الكلأ والزرع والثمر وأخصبت بلادهم، فقالوا: ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا، فلم يؤمنوا وأقاموا شهرا في عافية، فبعث الله عليهم الجراد فأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى كانت تأكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم، وابتلي الجراد بالجوع، فكان لا يشبع ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك فعجوا وضجوا، وقالوا: يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، وأعطوه عهد الله وميثاقه، فدعا موسى عليه السلام فكشف الله عنهم الجراد بعدما أقام عليه سبعة أيام من السبت إلى السبت.
وفي الخبر: «مكتوب على صدر كل جرادة جند الله الأعظم».
ويقال إن موسى برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت، وكانت قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا فما نحن بتاركي ديننا، فلم يفوا بما عاهدوا، وعادوا لأعمالهم السوء، فأقاموا شهرا في عافية، ثم بعث الله عليهم القمل.
واختلفوا في القمل فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: القمل السوس الذي يخرج من الحنطة. وقال مجاهد والسدي وقتادة والكلبي: القمل الدَّبى والجراد الطيارة التي لها أجنحة، والدبى الصغار التي لا أجنحة لها. وقال عكرمة: هي بنات الجراد. وقال أبو عبيدة: وهو الحمْنَان وهو ضرب من القراد. وقال عطاء الخرساني: هو القمل. وبه قرأ أبو الحسن {القَمْل} بفتح القاف وسكون الميم.
قالوا: أمر الله موسى أن يمشي إلى كثيب أعفر، بقرية من قرى مصر تدعى عين الشمس، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب وكان أهيل فضربه بعصاه فانثال عليهم القمل، فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم وبناتهم فأكله، ولحس الأرض كلها وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيعضه، وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلئ قملا.
قال سعيد بن المسيب: القمل السوس الذي يخرج من الحبوب، وكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها ثلاثة أقفزة، فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل، وأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كأنه الجدري عليهم ومنعهم النوم والقرار فصرخوا وصاحوا إلى موسى أنا نتوب فادع لنا ربك يكشف عنا البلاء، فدعا موسى عليه السلام الله فرفع الله القمل عنهم بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت، فنكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم. وقالوا: ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم يجعل الرمل دواب. فدعا موسى بعدما أقاموا شهرا في عافية، فأرسل الله عليهم الضفادع فامتلأت منها بيوتهم وأفنيتهم وأطعمتهم وآنيتهم، فلا يكشف أحد إناء ولا طعاما إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل يجلس في الضفادع إلى ذقنه، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، وكانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفئ نيرانهم، وكان أحدهم يضطجع فتركبه الضفادع فتكون عليه ركاما حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى شقه الآخر، ويفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه، ولا يعجن عجينا الإ تشدخت فيه، ولا يفتح قدرا إلا امتلأت ضفادع، فلقوا منها أذى شديدا.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: كانت الضفادع برية، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي، وفي التنانير وهي تفور، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء، فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا ذلك إلى موسى، وقالوا هذه المرة نتوب ولا نعود، فأخذ عهودهم ومواثيقهم، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعدما أقام سبعا من السبت إلى السبت، فأقاموا شهرا في عافية ثم نقضوا العهد وعادوا لكفرهم، فدعا عليهم موسى فأرسل الله عليهم الدم، فسال النيل عليهم دما وصارت مياههم دما وما يستقون من الآبار والأنهار إلا وجدوه دما عبيطا أحمر، فشكوا إلى فرعون وقالوا ليس لنا شراب، فقال: إنه سحركم، فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا دما عبيطا؟ وكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء والقبطي دما ويقومان إلى الجرة فيها الماء فيخرج للإسرائيلي ماء وللقبطي دم حتى كانت المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش فتقول اسقني من مائك فتصب لها من قربتها فيعود في الإناء دما حتى كانت تقول اجعليه في فيك ثم مجيه في فيَّ فتأخذ في فيها ماء فإذا مجَّته في فيها صار دما، وإن فرعون اعتراه العطش حتى إنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه ملحا أجاجا، فمكثوا في ذلك سبعة أيام لا يشربون إلا الدم.
قال زيد بن أسلم: الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف، فأتوا موسى وقالوا يا موسى ادع ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه عز وجل فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، فذلك قوله عز وجل: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} يتبع بعضها بعضا. وتفصيلها أن كل عذاب يمتد أسبوعا، وبين كل عذابين شهرا، {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.

.تفسير الآيات (134- 136):

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} أي: نزل بهم العذاب وهو ما ذكر الله عز وجل من الطوفان وغيره.. وقال سعيد بن جبير: الرجز الطاعون، وهو العذاب السادس بعد الآيات الخمس حتى مات منهم سبعون ألفا في يوم احد، فأمسوا وهو لا يتدافنون {قَالُوا} لموسى {يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} أي: بما أوصاك.
وقال عطاء: بما نبأك. وقيل: بما عهد عندك من إجابة دعوتك {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} وهو الطاعون {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ثنا زاهر بن أحمد ثنا أبو إسحاق الهاشمي ثنا أبو مصعب عن مالك عن محمد بن المنكدر عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه انه سمعه يسأل أسامة بن زيد: أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال أسامة بن زيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه».
قوله عز وجل: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ} يعني: إلى الغرق في اليم {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} ينقضون العهد.
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} يعني: البحر {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} أي: عن النقمة قبل حلولها غافلين. وقيل: معناه عن آياتنا معرضين.

.تفسير الآيات (137- 140):

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} يُقهرون ويُستذلون بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد وهم بنو إسرائيل {مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا} يعني مصر والشام {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بالماء والأشجار والثمار والخصب والسعة {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} يعني: وفَّت كلمة الله وهي وعده إياهم بالنصر والتمكين في الأرض، وذلك قوله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} [القصص- 5] {بِمَا صَبَرُوا} على دينهم وعلى عذاب فرعون {وَدَمَّرْنَا} أهلكنا {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} في أرض مصر من العمارات، {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} قال مجاهد: يبنون من البيوت والقصور. وقال الحسن: يعرشون من الأشجار والثمار والأعناب. وقرأ ابن عامر وأبو بكر {يَعْرِشُونَ} بضم الراء هاهنا وفي النحل، وقرأ الآخرون بكسرها.
قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} قال الكلبي: عبر بهم موسى البحر يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل: {فَأَتَوْا} فمروا {عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ} يقيمون قرأ حمزة والكسائي {يعكفون} بكسر الكاف وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان، {عَلَى أَصْنَامٍ} أوثان {لَهُمْ} يعبدونها من دون الله.
قال ابن جريج: كانت تماثيل بقر، وذلك أول شأن العجل. قال قتادة: كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولا بالرقة، فقالت بنو إسرائيل لما رأوا ذلك: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} أي: مثالا نعبده {كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ولم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في وحدانية الله، وإنما معناه: اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله عز وجل وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم. {قَالَ} موسى {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} عظمة الله.
{إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ} مهلك، {مَا هُمْ فِيهِ} والتتبير الإهلاك، {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
{قَالَ} يعني موسى {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ} أي: أبغي لكم وأطلب، {إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: على عالمي زمانكم.
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار، أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري، أنا إسحاق بن إبراهيم الديري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَلَ حنين، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما كان للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن من قبلكم».