فصل: تفسير الآيات (2- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (2- 4):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} يقول ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله، إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم، {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خافت وفرقت قلوبهم، وقيل: إذا خُوِّفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه. {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} تصديقا ويقينا. وقال عمير بن حبيب وكانت له صحبة: إن للإيمان زيادة ونقصانا، قيل: فما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه فذلك زيادته، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائط وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي: يفوضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره ولا يخافون سواه.
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} يعني يقينا: قال ابن عباس: برئوا من الكفر. قال مقاتل: حقا لا شك في إيمانهم. وفيه دليل على أنه ليس لكل أحد أن يصف نفسه بكونه مؤمنا حقا لأن الله تعالى إنما وصف بذلك قوما مخصوصين على أوصاف مخصوصة، وكل أحد لا يتحقق وجود تلك الأوصاف فيه.
وقال ابن أبي نجيح: سأل رجل الحسن فقال: أمؤمن أنت؟ فقال: إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب، فأنا بها مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} الآية، فلا أدري أمنهم أنا أم لا؟
وقال علقمة: كنا في سفر فلقينا قوما فقلنا: من القوم؟ قالوا: نحن المؤمنون حقا، فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود فأخبرناه بما قالوا، قال: فما رددتم عليهم؟ قلنا: لم نرد عليهم شيئا، قال أفلا قلتم أمن أهل الجنة أنتم؟ إن المؤمنين أهل الجنة.
وقال سفيان الثوري: من زعم أنه مؤمن حقا أو عند الله، ثم لم يشهد أنه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف.
{لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قال عطاء: يعني درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم. وقال الربيع بن أنس: سبعون درجة ما بين كل درجتين حَضَرُ الفرس المئُضَمَّر سبعين سنة. {وَمَغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} حسن يعني ما أعد لهم في الجنة.

.تفسير الآيات (5- 7):

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}
قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} قال المبرد: تقديره الأنفال لله وللرسول وإن كرهوا، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل: تقديره امض لأمر الله في الأنفال وإن كرهوا كما مضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون.
وقال عكرمة: معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم، كما أن إخراج محمد صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق خير لكم، وإن كرهه فريق منكم.
وقال مجاهد: معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه.
وقيل: هو راجع إلى قوله: {لهم درجات عند ربهم}، تقديره: وَعْدُ الله الدرجات لهم حق ينجزه الله عز وجل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، فأنجز الوعد بالنصر والظفر.
وقيل: الكاف بمعنى على، تقديره: امض على الذي أخرجك ربك.
وقال أبو عبيدة: هي بمعنى القسم مجازا، والذي أخرجك، لأن {ما} في موضع الذي، وجوابه {يجادلونك}، وعليه يقع القسم، تقديره: يجادلونك والله الذي أخرجك ربك من بيتك بالحق. وقيل: الكاف بمعنى إذ تقديره: واذكر إذ أخرجك ربك.
قيل: المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة. والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر، أي: كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق قيل: بالوحي لطلب المشركين {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} منهم، {لَكَارِهُونَ}.
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} أي: في القتال، {بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} وذلك أن المؤمنين لما أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك، وقالوا: لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم، وإنما خرجنا للعير، فذلك جدالهم بعدما تبين لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك، وتبين صدقك في الوعد، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} لشدة كراهيتهم القتال، {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} فيه تقديم وتأخير، تقديره: وإن فريقا من المؤمنين لكارهون كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون يجادلونك في الحق بعدما تبيّن. قال ابن زيد: هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهيتهم إياه وهم ينظرون.
قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكبا من كفار قريش، فيهم: عمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل الزهري، وفيها تجارة كثيرة، وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريبا من بدر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد، وقال: هذه عير قريش فيها أموالكم فاخرجوا إليها لعل الله تعالى أن ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا.
فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي صلى الله عليه وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة.
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم عليّ ما أحدثك. قال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضَّت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة.
فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا رأيت! فاكتميها ولا تذكريها لأحد.
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش.
قال العباس: فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا، قال: فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم، فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبيَّة فيكم؟
قلت: وما ذاك؟
قال: الرؤيا التي رأت عاتكة؟
قلت: وما رأت؟
قال: يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها انه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك ما قالت حقا فسيكون، وإن تمض الثلاث، ولم يكن من ذلك شيء، نكتب عليكم كتابا إنكم أكذب أهل بيت في العرب.
فقال العباس: والله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا، ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت؟
قال: قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كثير، وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكه.
قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه، قال: فدخلت المسجد فرأيته، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به، وكان رجلا خفيفا، حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر، إذ خرج نحو باب المسجد يشتد.
قال: قلت في نفسي: ما له لعنه الله؟ أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه؟ قال: فإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره، وقد جدع بعيره وحوّل رحله وشق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث. قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر، فتجهز الناس سراعا فلم يتخلف من أشراف قريش أحد إلا أن أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة.
فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث، فقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.
فخرجوا سراعا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، في ليال مضت من شهر رمضان، حتى إذا بلغ واديا يقال له ذَفِران، فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بهم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى عبد الله بن أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل وقال: إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا، وكانت العير أحب إليهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك فوالله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا علي أيها الناس» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟
قال: أجل.
قال: قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق أعطيناك على ذلك عهودا ومواثيق على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق في اللقاء ولعل الله تعالى يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك، ثم قال: «سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم».
قال ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان»، قال ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا، قال فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} أي: الفريقين إحداهما أبو سفيان مع العير والأخرى أبو جهل مع النفير.
{وَتَوَدُّونَ} أي: تريدون {أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} يعني العير التي ليس فيها قتال. والشوكة: الشدة والقوة. ويقال السلاح.
{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ} أي يظهره ويعليه، {بِكَلِمَاتِهِ} بأمره إياكم بالقتال. وقيل بعداته التي سبقت من إظهار الدين وإعزازه، {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} أي: يستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد، يعني: كفار العرب.

.تفسير الآيات (8- 9):

{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ} ليثبت الإسلام، {وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} أي: يفني الكفر {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} المشركون. وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان.
قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} تستجيرون به من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر. روي عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا دخل العريش هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، واستقبل القبلة ومد يده فجعل يهتف بربه عز وجل: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه عز وجل مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك منا شدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: {إذ تستغيثون ربكم}، {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ} مرسل إليكم مددا وردءا لكم، {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} قرأ أهل المدينة ويعقوب {مردفين} بفتح الدال، أي: أردف الله المسلمين وجاء بهم مددا. وقرأ الآخرون بكسر الدال، أي: متتابعين بعضهم في إثر بعض، يقال: أردفته وردفته بمعنى تبعته.
يُروى أنه نزل جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسمائة في صورة الرجال على خيل بلق عليهم ثياب بيض وعلى رءوسهم عمائم بيض، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناشد ربه عز وجل وقال أبو بكر: إن الله منجز لك ما وعدك فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه، فقال: «يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا عبد الوهاب، ثنا خالد، عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب».
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين عمائم خضر، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام، وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا.
وروي عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قد شهد بدرا أنه قال بعدما ذهب بصره: لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة.