فصل: تفسير الآيات (17- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (17- 19):

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فزعم أن له شريكا أو ولدا {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} لا ينجو المشركون.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ} إن عصوه وتركوا عبادته، {وَلا يَنْفَعُهُمْ} إن عبدوه، يعني: الأصنام، {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ} أتخبرون الله، {بِمَا لا يَعْلَمُ} الله صحته. ومعنى الآية: أتخبرون الله أن له شريكا، أو عنده شفيعا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه شريكا؟! {فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} قرأ حمزة والكسائي: {تشركون} بالتاء، هاهنا وفي سورة النحل موضعين، وفي سورة الروم، وقرأ الآخرون كلها بالياء.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: على الإسلام. وقد ذكرنا الاختلاف فيه في سورة البقرة {فَاخْتَلَفُوا} وتفرَّقوا إلى مؤمن وكافر، {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} بأن جعل لكل أمة أجلا. وقال الكلبي: هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين، وكان ذلك فصلا بينهم، {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وقال الحسن: ولولا كلمة سبقت من ربك، مضت في حكمه أنه: لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة، لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنة والكافر النار، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.

.تفسير الآيات (20- 22):

{وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
{وَيَقُولُون} يعني: أهل مكة، {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} أي: على محمد صلى الله عليه وسلم {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} على ما نقترحه، {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} يعني: قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله، لا يعلم أحد لِمَ لَمْ يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو. وقيل: الغيب نزول الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره، {فَانْتَظِرُوا} نزولها {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} وقيل: فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل.
قوله عز وجل: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ} يعني: الكفار، {رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} أي: راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء. وقيل: القطر بعد القحط، {مَسَّتْهُم} أي: أصابتهم، {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} قال مجاهد: تكذيب واستهزاء. وقال مقاتل بن حيان: لا يقولون: هذا من رزق الله، إنما يقولون: سُقِينَا بِنَوْءِ كذا، وهو قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة- 82].
{قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} أعجل عقوبة وأشدُّ أخذًا وأقدر على الجزاء، يريد عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق، {إِنَّ رُسُلَنَا} حفظتنا، {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} وقرأ يعقوب: {يمكرون} بالياء.
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} يجريكم ويحملكم، وقرأ أبو جعفر وابن عامر: {ينشركم} بالنون والشين من النشر وهو البسط والبث، {في البِرِّ}، على ظهور الدواب، وفي {البحر} على الفلك، {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} أي: في السفن، تكون واحدا وجمعا {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} يعني: جرت السفن بالناس، رجع من الخطاب إلى الخبر، {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} ليِّنة، {وَفَرِحُوا بِهَا} أي: بالريح، {جَاءَتْهَا رِيحٌ} أي: جاءت الفلك ريح، {عَاصِف} شديدة الهبوب، ولم يقل ريح عاصفة، لاختصاص الريح بالعصوف. وقيل: الريح تذكر وتؤنث. {وَجَاءَهُم} يعني: ركبانَ السفينة، {الْمَوْج} وهو حركة الماء واختلاطه، {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا} أيقنوا {أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} دَنَوا من الهلكة، أي: أحاط بهم الهلاك، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدًا سوى الله. وقالوا {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} يا ربنا، {مِنْ هَذِهِ} الريح العاصف، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لك بالإيمان والطاعة.

.تفسير الآيات (23- 24):

{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ} يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض، {بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: بالفساد. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} لأن وباله راجع عليها، ثم ابتدأ فقال: {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: هذا متاع الحياة الدنيا، خبر ابتداء مضمر، كقوله: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} [الأحقاف- 35]، أي: هذا بلاغ. وقيل: هو كلام متصل والبغي: ابتداء، ومتاع: خبره.
ومعناه: إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا، لا يصلح زادًا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله.
وقرأ حفص: {متاع} بالنصب، أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا، {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في فنائها وزوالها، {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ} أي: بالمطر، {نَبَاتُ الأرْضِ} قال ابن عباس: نبت بالماء من كل لون، {مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ} من الحبوب والثمار، {وَالأنْعَامُ} من الحشيش، {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا} حسنها وبهجتها، وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض {وَازَّيَّنَت} أي: تزينت، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود: {تزينت}. {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} على جذاذها وقطافها وحصادها، ردّ الكناية إلى الأرض. والمراد: النبات إذ كان مفهوما، وقيل: ردَّها إلى الغلَّة. وقيل: إلى الزينة. {أَتَاهَا أَمْرُنَا} قضاؤنا، بإهلاكها، {لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا} أي: محصودة مقطوعة، {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ} كأن لم تكن بالأمس، وأصله مِنْ غني بالمكان إذا أقام به. وقال قتادة: معناه إن المتشبِّث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون. {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} قال قتادة: السلام هو الله، وداره: الجنة. وقيل: السلام بمعنى السلامة، سُميت الجنة دار السلام لأنّ مَنْ دخلها سَلِمَ من الآفات. وقيل: المراد بالسلام التحية سُميت الجنة دار السلام، لأن أهلها يحيي بعضُهم بعضا بالسلام والملائكة تسلم عليهم. قال الله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} [الرعد- 23].
وروينا عن جابر قال: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا. قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي: دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي: لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا أوّلُوها له يَفْقَهْهَا، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدًا فقد أطاع الله، ومَنْ عصى محمدًا فقد عصى الله، ومحمد فَرَّق بين الناس.
{وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فالصراط المستقيم هو الإسلام، عمَّ بالدعوة لإظهار الحجة، وخُصَّ بالهداية استغناءً عن الخلق.

.تفسير الآية رقم (26):

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} أي: للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى، وهي الجنة، وزيادة: وهي النظر إلى وجه الله الكريم، هذا قول جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم، وهو قول الحسن، وعكرمة وعطاء، ومقاتل، والضحاك، والسدي.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الْحُمَيْدِيّ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء، حدَّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا الأسود بن عامر، حدَّثنا حماد بن سلمة عن ثابت- يعني البناني- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ نادى منادٍ: يا أهل الجنة إنّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكُمُوه، قالوا: ما هذا الموعود؟ ألم يثقِّلْ موازيننا، ويبيِّضْ وجوهنا، ويدخلْنَا الجنة، ويُجِرِنْا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل. قال: فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه.
وروي عن ابن عباس: أن الحسنى هي: أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وقال مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة، والزيادة المغفرة والرضوان.
{وَلا يَرْهَقُ} لا يغشى {وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} غبار، جمع قترة. قال ابن عباس وقتادة: سواد الوجه، {وَلا ذِلَّةٌ} هَوَان. قال قتادة: كآبة. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم. {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

.تفسير الآيات (27- 30):

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} أي: لهم مثلها، كما قال: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} [الأنعام- 160]. {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} ومن صلة، أي: مالهم من الله عاصم، {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ} ألبست، {وُجُوهُهُمْ قِطَعًا} جمع قطعة، {مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} نصبت على الحال دون النعت، ولذلك لم يقل: مظلمة، تقديره: قِطَعا من الليل في حال ظلمته، أو قطعا من الليل المظلم. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب: {قِطْعا} ساكنة الطاء، أي بعضا، كقوله: {بِقِطْع من الليل} [هود- 81]. {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ} أي: الزموا مكانكم {أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} يعني: الأوثان، معناه: ثم نقول للذين أشركوا: الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم، ولا تبرحوا. {فَزَيَّلْنَا} ميزنا وفرقنا {بَيْنَهُمْ} أي: بين المشركين وشركائهم، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده، {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ} يعني: الأصنام، {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} بطلبتنا فيقولون: بلى، كنا نعبدكم، فتقول الأصنام: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أي: ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.
قال الله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو} أي: تُختبر. وقيل: معناه: تعلم وتقف عليه، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: {تتلو} بتاءين، أي: تقرأ، {كُلُّ نَفْسٍ} صحيفتها. وقيل: معناه تتبع كل نفس {مَا أَسْلَفَتْ} ما قدمت من خير أو شر. وقيل: معناه تعاين، {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ} إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم، {مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} الذي يتولى ويملك أمورهم: فإن قيل: أليس قد قال: {وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد- 11]؟ قيل: المولى هناك بمعنى الناصر، وها هنا بمعنى: المالك، {وَضَلَّ عَنْهُمْ} زال عنهم وبطل، {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} في الدنيا من التكذيب.

.تفسير الآيات (31- 34):

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي: من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَار} أي: من إعطائكم السمع والأبصار، {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي، {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ} أي: يقضي الأمر، {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} هو الذي يفعل هذه الأشياء، {فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار؟.
{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ} الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم، {الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي: فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به؟.
{كَذَلِك} قال الكلبي: هكذا، {حَقَّتْ} وجبت، {كَلِمَةُ رَبِّكَ} حكمه السابق، {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} كفروا، {أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر {كلمات ربك} بالجمع هاهنا موضعين، وفي المؤمن، والآخرون على التوحيد.
قوله: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ} أوثانكم {مَن يَبْدَأُ الْخَلْقَ} ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال، {ثُمَّ يُعِيدُهُ} ثم يحييه من بعد الموت كهيئته، فإن أجابوك وإلا فـ {قُلْ} أنت: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي: تصرفون عن قصد السبيل.