فصل: تفسير الآيات (126- 127):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (126- 127):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا} يعني مكة وقيل: الحرم {بَلَدًا آمِنًا} أي ذا أمن يأمن فيه أهله {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع، وفي القصص أن الطائف كانت من مداين الشام بأردن فلما دعا إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه السلام حتى قلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعا ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه، فمنها أكثر ثمرات مكة {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} دعا للمؤمنين خاصة {قَالَ} الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا} قرأ ابن عامر فأمتعه خفيفا بضم الهمزة والباقون مشددا ومعناهما واحد قليلا أي سأرزق الكافر أيضا قليلا إلى منتهى أجله وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم، وإنما قيد بالقلة لأن متاع الدنيا قليل {ثُمَّ أَضْطَرُّه} أي ألجئه في الآخرة {إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي المرجع يصير إليه قال مجاهد: وجد عند المقام كتاب فيه: أن الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السماوات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لها في اللحم والماء.
قوله عز وجل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيل} قال الرواة: إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض استوحش، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر، باب شرقي وباب غربي فوضعه على موضع البيت وقال: يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي، تصلي عنده كما يصلى عند عرشي وأنزل الحجر وكان أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشيا وقيض الله له ملكا يدله على البيت فحج البيت وأقام المناسك، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: حج آدم أربعين حجة من الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أيام الطوفان، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، وبعث جبريل عليه السلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم بعدما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت يذكر فيه، فسأل الله عز وجل أن يبين له موضعه، فبعث الله السكينة لتدله على موضع البيت وهي ريح خجوج لها رأسان شبه الحية فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فتبعها إبراهيم حتى أتيا مكة فتطوت السكينة على موضع البيت كتطوي الحجفة هذا قول علي والحسن.
وقال ابن عباس: بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلها إلى أن وافق مكة ووقفت على موضع البيت فنودي منها إبراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص، وقيل: أرسل الله جبريل ليدله على موضع البيت كقوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت فكان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجر، فذلك قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} يعني أسسه واحدتها قاعدة. وقال الكسائي: جدر البيت، قال ابن عباس: إنما بني البيت من خمسة أجبل، طورسيناء وطور زيتا ولبنان وهو جبل بالشام، والجودي وهو جبل بالجزيرة وبنيا قواعده من حراء وهو جبل بمكة فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل ائتني بحجر حسن يكون للناس علما فأتاه بحجر فقال: ائتني بأحسن من هذا فمضى إسماعيل يطلبه فصاح أبو قبيس يا إبراهيم إن لك عندي وديعة فخذها فأخذ الحجر الأسود فوضعه مكانه وقيل: إن الله تعالى بنى في السماء بيتا وهو البيت المعمور ويسمى الضراح وأمر الملائكة أن يبنوا الكعبة في الأرض بحياله على قدره ومثاله، وقيل أول من بنى الكعبة آدم واندرس زمن الطوفان ثم أظهره الله لإبراهيم حتى بناه.
قوله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} فيه إضمار أي ويقولان: ربنا تقبل منا بناءنا {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ} لدعائنا {الْعَلِيمُ} بنياتنا.

.تفسير الآية رقم (128):

{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك.
{وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا} أي أولادنا {أُمَّة} جماعة والأمة أتباع الأنبياء {مُسْلِمَةً لَك} خاضعة لك.
{وَأَرِنَا} علمنا وعرفنا، قرأ ابن كثير ساكنة الراء وأبو عمرو بالاختلاس والباقون بكسرها ووافق ابن عامر وأبو بكر في الإسكان في حم السجدة، وأصله أرئنا فحذفت الهمزة طلبا للخفة ونقلت حركتها إلى الراء ومن سكنها قال: ذهبت الهمزة فذهبت حركتها، {مَنَاسِكَنَا} شرائع ديننا وأعلام حجنا.
وقيل: مواضع حجنا، وقال مجاهد: مذابحنا والنسك الذبيحة، وقيل: متعبداتنا، وأصل النسك العبادة، والناسك العابد فأجاب الله تعالى دعاءهما فبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال: عرفت يا إبراهيم؟ قال: نعم فسمى الوقت عرفة والموضع عرفات.
{وَتُبْ عَلَيْنَا} تجاوز عنا {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِم}.

.تفسير الآية رقم (129):

{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}
أي في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل وقيل: من أهل مكة {رَسُولا مِنْهُم} أي مرسلا منهم أراد به محمدا صلى الله عليه وسلم.
حدثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى الموسوي حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عباس البلخي أنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أنا محمد بن المكي أنا إسحاق بن إبراهيم أنا ابن أخي ابن وهب أنا عمي أنا معاوية عن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري، أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام».
وأراد بدعوة إبراهيم هذا فإنه دعا أن يبعث في بني إسماعيل رسولا منهم، قال ابن عباس: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
{يَتْلُو} يقرأ {عَلَيْهِمْ آيَاتِك} كتابك يعني القرآن والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه وقيل هي جماعة حروف يقال خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} يعني القرآن {وَالْحِكْمَة} قال مجاهد: فهم القرآن، وقال مقاتل: مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام، قال ابن قتيبة: هي العلم والعمل، ولا يكون الرجل حكيما حتى يجمعهما، وقيل: هي السنة، وقيل: هي الأحكام والقضاء وقيل: الحكمة الفقه.
قال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة.
{وَيُزَكِّيهِمْ} أي يطهرهم من الشرك والذنوب، وقيل: يأخذ الزكاة من أموالهم، وقال ابن كيسان: يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية، وهي التعديل إنك أنت العزيز الحكيم قال ابن عباس: العزيز الذي لا يوجد مثله، وقال الكلبي: المنتقم بيانه قوله تعالى: {والله عزيز ذو انتقام} [4- آل عمران] وقيل: المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء وقيل: القوي، والعزة القوة قال الله تعالى: {فعززنا بثالث} [14- يس] أي قوينا وقيل: الغالب قال الله تعالى إخبارا {وعزني في الخطاب} [23- ص] أي غلبني، ويقال في المثل: من عز بز أي من غلب سلب.

.تفسير الآيات (130- 131):

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما: قد علمتما أن الله عز وجل قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله عز وجل: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} أي يترك دينه وشريعته يقال رغب في الشيء إذا أراده، ورغب عنه إذا تركه.
وقوله: {وَمَن} لفظه استفهام معناه التقريع والتوبيخ يعني: ما يرغب عن ملة إبراهيم {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} قال ابن عباس: من خسر نفسه، وقال الكلبي: ضل من قبل نفسه، وقال أبو عبيدة: أهلك نفسه، وقال ابن كيسان والزجاج: معناه جهل نفسه والسفاهة: الجهل وضعف الرأي: وكل سفيه جاهل، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه. لأنه لم يعرف أن الله خلقها، وقد جاء: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، وفي الأخبار: «إن الله تعالى أوحى إلى داود اعرف نفسك واعرفني، فقال يا رب كيف أعرف نفسي؟ وكيف أعرفك؟ فأوحى الله إليه اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء».
وقال الأخفش: معناه سفه في نفسه، ونفسه على هذا القول نصب بنزع حرف الصفة وقال الفراء: نصب على التفسير، وكان الأصل سفهت نفسه فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس المفسرة ليعلم موضع السفه، كما يقال: ضقت به ذرعا، أي ضاق ذرعي به.
{وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} اخترناه في الدنيا {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} يعني مع الأنبياء في الجنة، وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين.
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} أي استقم على الإسلام، واثبت عليه لأنه كان مسلما.
قال ابن عباس: قال له حين خرج من السرب، وقال الكلبي: أخلص دينك وعبادتك لله، وقال عطاء أسلم إلى الله عز وجل وفوض أمورك إليه.
{قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي فوضت، قال ابن عباس: وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار.

.تفسير الآية رقم (132):

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} قرأ أهل المدينة والشام: {وأوصى} بالألف، وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ الباقون: {ووصى} مشددا، وهما لغتان مثل أنزل ونزل، معناه ووصى بها إبراهيم بنيه ووصى يعقوب بنيه، قال الكلبي ومقاتل: يعني بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله، قال أبو عبيدة: إن شئت رددت الكناية إلى الملة لأنه ذكر ملة إبراهيم، وإن شئت رددتها إلى الوصية: أي وصى إبراهيم بنيه الثمانية إسماعيل وأمه هاجر القبطية، وإسحاق وأمه سارة، وستة أمهم قنطورة بنت يقطن الكنعانية تزوجها إبراهيم بعد وفاة سارة ويعقوب، سمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدم عيص في الخروج من بطن أمه وخرج يعقوب على أثره آخذا بعقبه قاله ابن عباس، وقيل: سمي يعقوب لكثرة عقبه يعني: ووصى أيضا يعقوب بنيه الاثنى عشر {يَا بَنِي} معناه أن يا بني {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} اختار {لَكُمُ الدِّينَ} أي دين الإسلام {فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} مؤمنون وقيل: مخلصون وقيل: مفوضون والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام، معناه: داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون، وعن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: {إلا وأنتم مسلمون} أي محسنون بربكم الظن.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل».

.تفسير الآيات (133- 134):

{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} يعني أكنتم شهداء، يريد ما كنتم شهداء حضورا {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} أي حين قرب يعقوب من الموت، قيل: نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فعلى هذا القول يكون الخطاب لليهود، وقال الكلبي: لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران، فجمع ولده وخاف عليهم ذلك فقال عز وجل: {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} قال عطاء إن الله تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيره بين الحياة والموت فلما خير يعقوب قال: أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم، ففعل الله ذلك به فجمع ولده وولد ولده، وقال لهم قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} وكان إسماعيل عما لهم والعرب تسمي العم أبا كما تسمي الخالة أما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عم الرجل صنو أبيه» وقال في عمه العباس: «ردوا علي أبي فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود». وذلك أنهم قتلوه.
{إِلَهًا وَاحِدًا} نصب على البدل من قوله إلهك وقيل نعرفه إلها واحدا {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
{تِلْكَ أُمَّةٌ} جماعة {قَدْ خَلَتْ} مضت {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من العمل {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يعني: يسأل كل عن عمله لا عن عمل غيره.