فصل: تفسير الآيات (99- 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (99- 101):

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)}
قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ} يا محمد، {لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه كان حريصا على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره الله جل ذكره: أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة.
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} وما ينبغي لنفس. وقيل: ما كانت نفس، {أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} قال ابن عباس: بأمر الله. وقال عطاء: بمشيئة الله. وقيل: بعلم الله. {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} قرأ أبو بكر: {ونجعل} بالنون، والباقون بالياء، أي: ويجعل الله الرجس أي: العذاب وهو الرجز، {عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} عن الله أمره ونهيه.
{قُلِ انْظُرُوا} أي: قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا، {مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} من الآيات والدلائل والعبر، ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها، وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها، {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ} الرسل، {عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} وهذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون.

.تفسير الآيات (102- 105):

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}
{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ} يعني: مشركي مكة، {إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} مضوا، {مِنْ قَبْلِهِمْ} من مكذبي الأمم، قال قتادة: يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود. والعرب تسمى العذاب أياما، والنعيم أياما، كقوله: {وذكِّرهم بأيام الله} [إبراهيم- 5]، وكل ما مضى عليك من خير وشر فهو أيام، {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}.
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} قرأ يعقوب {نُنجي} خفيف مختلف عنه، {وَالَّذِينَ آمَنُوا} معهم عند نزول العذاب معناه: نجينا، مستقبل بمعنى الماضي، {كَذَلِك} كما نجيناهم، {حَقًّا} واجبا، {عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} قرأ الكسائي وحفص ويعقوب {ننجي} بالتخفيف والآخرون بالتشديد، ونجَّى وأنجى بمعنى واحد.
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} الذي أدعوكم إليه.
فإن قيل: كيف قال: إن كنتم في شك، وهم كانوا يعتقدون بطلان ما جاء به؟.
قيل: كان فيهم شاكّون، فهم المراد بالآية، أو أنهم لما رأوا الآيات اضطربوا وشكُّوا في أمرهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل: {فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} من الأوثان، {وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} يميتكم ويقبض أرواحكم، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
قوله: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} قال ابن عباس: عملك. وقيل: استقم على الدين حنيفا. {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

.تفسير الآيات (106- 109):

{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
{وَلا تَدْعُ} ولا تعبد، {مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ} إن أطعته، {وَلا يَضُرُّكَ} إن عصيته، {فَإِنْ فَعَلْتَ} فعبدت غير الله، {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} الضارِّين لأنفسهم الواضعين للعبادة في غير موضعها.
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} أي: يصبك بشدة وبلاء، {فلا كَاشِفَ لَهُ} فلا دافع له، {إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر} رخاء ونعمة وسعة، {فلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} فلا مانع لرزقه، {يُصِيبُ بِهِ} بكل واحد من الضر والخير، {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني: القرآن والإسلام، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي: على نفسه، ووباله عليه، {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بكفيل، أحفظ أعمالكم. قال ابن عباس: نسختها آية القتال.
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} بنصرك وقهر عدوك وإظهار دينه، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} فحكم بقتال المشركين وبالجزية على أهل الكتاب يعطونها عن يد وهم صاغرون.

.سورة هود:

مكية إلا قوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} وهي مائة وثلاث وعشرون آية.

.تفسير الآيات (1- 3):

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
{الر كِتَابٌ} أي: هذا كتاب، {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} قال ابن عباس: لم ينسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع به، {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بُيِّنَتْ بالأحكام والحلال والحرام. وقال الحسن: أحكمت بالأمر والنهي، ثم فُصِّلَتْ بالوعد والوعيد. قال قتادة: أحكمت أحكمها الله فليس فيها اختلاف ولا تناقض وقال مجاهد: فُصِّلت أي: فُسِّرت. وقيل: فصلت أي: أنزلت شيئا فشيئًا، {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}.
{أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ} أي: وفي ذلك الكتاب: أن لا تعبدوا إلا الله، ويكون محل أن رفعًا. وقيل: محله خَفْض، تقديره: بأن لا تعبدوا إلا الله، {إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ} أي: من الله {نَذِيرٌ} للعاصين، {وَبَشِيرٌ} للمطيعين.
{وَأَن} عطف على الأول، {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي: ارجعوا إليه بالطاعة. قال الفراء: {ثم} هنا بمعنى الواو، أي: وتوبوا إليه، لأن الاستغفار هو التوبة، والتوبة هي الاستغفار.
وقيل: أن استغفروا ربكم من المعاصي ثم توبوا إليه في المستأنف.
{يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} يعيشكم عيشًا حسنا في خفض ودعة وأمن وسعة. قال بعضهم: العيش الحسن هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور.
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى حين الموت، {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه} أي: ويؤت كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة. وقال أبو العالية: مَنْ كثرت طاعته في الدنيا زادت درجاته في الآخرة في الجنة، لأن الدرجات تكون بالأعمال.
وقال ابن عباس: مَنْ زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومَنْ زادت سيئاته على حسناته دخل النار، ومَنْ استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، ثم يدخل الجنة بعد.
وقيل: يؤت كل ذي فضل فضله يعني: مَنْ عمل لله عز وجل وفَّقه الله فيما يستقبل على طاعته.
{وَإِنْ تَوَلَّوْا} أعرضوا، {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} وهو يوم القيامة.

.تفسير الآيات (4- 5):

{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، يَلْقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب، وينطوي بقلبه على ما يكره.
قوله: {يثنون صدورهم} أي: يُخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة.
قال عبد الله بن شداد: نزلت في بعض المنافقين كان إذا مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره، وطأطأ رأسه، وغطّى وجهه كي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: كانوا يَحْنُون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره.
وقيل: كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه. ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي.
وقال السدي: يثنون أي: يعرضون بقلوبهم، من قولهم: ثنيت عناني. وقيل: يعطفون، ومنه: ثني الثوب.
وقرأ ابن عباس: {يَثْنَوْنِي} على وزن يَحْلَوْلي جعل الفعل للمصدر، ومعناه المبالغة في الثني.
{لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} أي: من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد: ليستخفوا من الله إن استطاعوا، {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} يغطون رؤوسهم بثيابهم، {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قال الأزهري: معنى الآية من أولها إلى آخرها: إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن محمد بن صَبَّاح، حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} فقال: سألته عنها قال: كان أناس يستحيون أن يتخلَّوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)}
قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ} أي: ليس دابة، {من} صلة. والدابة: كل حيوان يدب على وجه الأرض.
وقوله: {إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} أي: هو المتكفل بذلك فضلا وهو إلى مشيئته إن شاء رزق وإن شاء لم يرزق.
وقيل: {على} بمعنى: من أي: من الله رزقها.
وقال مجاهد: ما جاءها من رزق فمن الله عز وجل، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا.
{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} قال ابن مقسم: ويُروَى ذلك عن ابن عباس، مستقرها: المكان الذي تأوي إليه، وتستقر فيه ليلا ونهارا، ومستودعها: الموضع الذي تدفن فيه إذا ماتت.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: المستقر أرحام الأمهات، والمستودع المكان الذي تموت فيه وقال عطاء: المستقر: أرحام الأمهات والمستودع: أصلاب الآباء.
ورواه سعيد بن جبير، وعلي بن أبي طلحة، وعكرمة عن ابن عباس.
وقيل المستقر: الجنة أو النار، والمستودع القبر، لقوله تعالى في صفة الجنة والنار: {حسنت مستقرا ومقاما} [الفرقان- 76].
{كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} أي: كلٌّ مثبت في اللوح المحفوظ قبل أن خلقها.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} قبل أن خلق السماء والأرض وكان ذلك الماء على متن الريح.
قال كعب: خلق الله عز وجل ياقوتة خضراء، ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد، ثم خلق الريح، فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء.
قال ضمرة: إن الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبَّح الله ومجَّده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم، وهو أعلم، {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} أَعْمَلُ بطاعة الله، وأَوْرَعُ عن محارم الله تعالى. {وَلَئِنْ قُلْتَ} يا محمد، {إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ} أي: {مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} يعنون القرآن.
وقرأ حمزة والكسائي: {ساحر} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (8- 9):

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)}
{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} إلى أجل محدود، وأصل الأمة: الجماعة، فكأنه قال: إلى انقراض أمة ومجيء أمة أخرى {لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} أيُّ شيء يحبسه؟ يقولونه استعجالا للعذاب واستهزاء، يعنون: أنه ليس بشيء.
قال الله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} يعني: العذاب، {لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} لا يكون مصروفا عنهم، {وَحَاقَ بِهِمْ} نزل بهم، {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} أي: وبال استهزائهم.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} نعمة وسعة، {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أي: سلبناها منه، {إِنَّهُ لَيَئُوس} قنوط في الشدة، {كَفُورٌ} في النعمة.

.تفسير الآيات (10- 12):

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} بعد بلاء أصابه، {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} زالت الشدائد عني، {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أشِرٌ بَطِرٌ، والفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى، والفخر: هو التطاول على الناس بتعديد المناقب، وذلك منهيٌّ عنه.
{إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} قال الفراء: هذا استثناء منقطع، معناه: لكن الذين صبروا {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإنهم إن نالتهم شدة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا، {أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لذنوبهم، {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو الجنة.
{فَلَعَلَّك} يا محمد، {تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} فلا تبلِّغه إياهم. وذلك أن كفار مكة لما قالوا: {ائت بقرآن غير هذا} [يونس- 15] ليس فيه سب آلهتنا، همَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يَدَعَ آلهتهم ظاهرا، فأنزل الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} يعني: سب الآلهة، {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} أي: فلعلك يضيق صدرك {أَنْ يَقُولُوا} أي: لأن يقولوا، {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} ينفقه {أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يصدقه، قاله عبد الله بن أمية المخزومي.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} ليس عليك إلا البلاغ، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} حافظ.