فصل: تفسير الآيات (35- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (35- 37):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)}
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني نوحا عليه السلام. وقال مقاتل: يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أي: إثمي ووبال جرمي. والإجرام: كسب الذنب. {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} لا أؤاخذ بذنوبكم.
قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} روى الضحاك عن ابن عباس: أن قوم نوح عليه السلام كانوا يضربون نوحا حتى يسقط، فيلقونه في لبد ويلقونه في قعر بيت، يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل.
روي أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصا، ومعه ابنه، فقال: يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون، فقال له: يا أبت أمكني من العصا، فأخذ العصا من أبيه، فضرب نوحا حتى شجه شجة منكرة، فأوحى الله عز وجل إليه {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} {فَلا تَبْتَئِسْ} أي: فلا تحزن، {بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا نوح عليهم: {فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [نوح- 26].
وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: ربِّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا، فشكا إلى الله تعالى فقال: {رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا} إلى أن قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا}، فأوحى الله تعالى إليه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} قال ابن عباس بمرأى منا. وقال مقاتل: بعلمنا. وقيل: بحفظنا.
{وَوَحْيِنَا} بأمرنا. {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} بالطوفان، قيل: معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار، فإني قد حكمت بإغراقهم. وقيل: لا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك واعلة فإنهما هالكان مع القوم.
وفي القصة أن جبريل أتى نوحا عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يأمرك أن تصنع الفلك، قال: كيف أصنع ولست بنجار؟ فقال: إن ربك يقول اصنع فإنك بعيني، فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ. وقيل: أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)}
قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} فلما أمره الله تعالى أن يصنع الفلك أقبل نوح عليه السلام على عمل الفلك ولَهَا عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهيئ عدة الفلك من القارّ وغيره، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله ويسخرون منه، ويقولون: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة؟ وأعقم الله أرحام نسائهم فلا يولد لهم ولد.
وزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه من أَزْوَر، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله في السماء ثلاثين ذراعا، والذراع إلى المنكب، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلى ووسطى وعليا ويجعل فيه كوى، ففعله نوح كما أمره الله عز وجل.
وقال ابن عباس: اتخذ نوح السفينة في سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون، فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد.
وقال قتادة: كان بابها في عرضها.
ورُوي عن الحسن: كان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ست مائة ذراع. والمعروف الأول: أن طولها ثلاثمائة ذراع.
وعن زيد بن أسلم قال: مكث نوح عليه السلام مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها، ومائة سنة يعمل الفلك.
وقيل: غرس الشجر أربعين سنة وجفَّفه أربعين سنة.
وعن كعب الأحبار أن نوحا عمل السفينة في ثلاثين سنة، ورُوي أنها كانت ثلاث طبقات، الطبقة السفلى للدواب والوحوش، والطبقة الوسطى فيها الإنس، والطبقة العليا فيها الطير، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اِغْمِزْ ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، فلما وقع الفار بجوف السفينة فجعل يقرضها ويقرض حبالها، فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفار.
قوله تعالى: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} كانوا يقولون: إن هذا الذي يزعم أنه نبي قد صار نجارا، وروي أنهم كانوا يقولون له: يا نوح ماذا تصنع؟ فيقول أصنع بيتا يمشي على الماء، فيضحكون منه، {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} إذا عاينتم عذاب الله، {كَمَا تَسْخَرُونَ} فإن قيل: كيف تجوز السخرية من النبي؟ قيل: هذا على ازدواج الكلام، يعني إن تستجهلوني فإني أستجهلكم إذا نزل العذاب بكم. وقيل: معناه إن تسخروا منا فسترون عاقبة سخريتكم.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)}
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يهينه، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عليه، {عَذَابٌ مُقِيمٌ} دائم.

.تفسير الآية رقم (40):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ (40)}
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} عذابنا، {وَفَارَ التَّنُّورُ} اختلفوا في التنور قال عكرمة والزهري: هو وجه الأرض، وذلك أنه قيل لنوح: إذا رأيت الماء فار على وجه الأرض فاركب السفينة.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: فار التنور أي: طلع الفجر ونور الصبح.
وقال الحسن ومجاهد والشعبي: إنه التنور الذي يخبز فيه، وهو قول أكثر المفسرين.
ورواية عطية عن ابن عباس قال الحسن: كان تنورا من حجارة، كانت حواء تخبز فيه فصار إلى نوح عليه السلام، فقيل لنوح: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك.
واختلفوا في موضعه، قال مجاهد والشعبي: كان في ناحية الكوفة، وكان الشعبي يحلف: ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة. وقال: اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة. وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة، وكان فوران الماء منه عَلَمًا لنوح عليه السلام.
وقال مقاتل: كان ذلك تنور آدم، وكان بالشام بموضع يقال له: عين وردة.
وروي عن ابن عباس: أنه كان بالهند.
والفوران: الغليان.
قوله تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا} أي في السفينة، {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} الزوجان: كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر، يقال لكل واحد منهما زوج، يقال: زوج خف وزوج نعل، والمراد بالزوجين ها هنا: الذكر والأنثى.
قرأ حفص هاهنا وفي سورة المؤمنين {مِنْ كُلٍّ} بالتنوين أي: من كل صنف زوجين اثنين، ذكره تأكيدا.
وفي القصة: أن نوحا عليه الصلاة والسلام قال: يا رب كيف أحمل من كل زوجين اثنين؟ فحشر الله إليه السباع والطير، فجعل يضرب بيده في كل جنس فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى، فيحملها في السفينة.
{وَأَهْلَك} أي: واحمل أهلك، أي: ولدك وعيالك، {إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} بالهلاك، يعني: امرأته واعلة وابنه كنعان، {وَمَنْ آمَنَ} يعني: واحمل مَنْ آمن بك، كما قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ} واختلفوا في عددهم: قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي: لم يكن في السفينة إلا ثمانية نفر: نوح، وامرأته، وثلاثة بنين له سام وحام ويافث، ونساؤهم.
وقال الأعمش: كانوا سبعة نوح وثلاثة بنين له، وثلاث كنائن له.
وقال ابن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم، نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعا.
وقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين نفرًا رجلا وامرأةً وبنيه الثلاثة ونساءَهم، فجميعهم ثمانية وسبعون، نصفهم رجال ونصفهم نساء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم.
قال مقاتل: حمل نوح معه جسد آدم فجعله معترضا بين الرجال والنساء وقصد نوحًا جميعُ الدواب والطيور ليحملها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما حمل نوح الدرة وآخر ما حمل الحمار، فلما دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه، فلم يستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك ادخل: فنهض فلم يستطع، حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن الشيطان معك كلمة زلت على لسانه، فلما قالها نوح خلَّى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان، فقال له نوح: ما أدخلك عليَّ يا عدو الله؟ قال: ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك، قال: اخرج عني يا عدو الله، قال: مالك بُدٌّ من أن تحملني معك، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك.
وروي عن بعضهم: أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا: احملنا، فقال: إنكما سبب الضر والبلاء، فلا أحملكما، فقالتا له: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك فمن قرأ حين خاف مضرتهما {سلام على نوح في العالمين} ما ضرَّتَاه.
قال الحسن: لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما ما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا.

.تفسير الآيات (41- 43):

{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي: وقال لهم نوح اركبوا فيها أي في السفينة، {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {مَجْريها} بفتح الميم أي: جريها {ومُرْساها} بضمها، وقرأ محمد بن محيصن {مَجْريها ومَرساها} بفتح الميمين من جرت ورست، أي بسم الله جريها ورسوها، وهما مصدران. وقرأ الآخرون: {مُجراها ومُرساها} بضم الميمين من أجريت وأرسيت، أي: بسم الله إجراؤها وإرساؤها وهما أيضا مصدران، كقوله: {أنزلني منزلا مباركا} [المؤمنون- 29] و{أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} [الإسراء 80] والمراد منها: الإنزال والإدخال والإخراج. {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال: بسم الله، فجرت، وإذا أراد أن ترسوَ قال: بسم الله، فَرَسَتْ.
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} والموج ما ارتفع من الماء إذا اشتدت عليه الريح، شبَّهه بالجبال في عظمه وارتفاعه على الماء. {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} كنعان، وقال عبيد بن عمير: سام، وكان كافرا، {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} عنه لم يركب في السفينة: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بإظهار الباء، والآخرون يدغمونها في الميم، {وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} فتهلك.
{قَالَ} له ابنه {سَآوِي} سأصير وألتجئ، {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} يمنعني من الغرق، {قَالَ} له نوح {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} من عذاب الله، {إِلا مَنْ رَحِمَ} قيل: {من} في محل الرفع، أي لا مانع من عذاب الله إلا الله الراحم. وقيل: {من} في محل النصب، معناه لا معصوم إلا من رحمه الله، كقوله: {في عِيشَة راضية} [الحاقة- 21] أي: مرضية، {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ} فصار، {مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.
وروي أن الماء علا على رؤوس الجبال قدر أربعين ذراعا. وقيل: خمسة عشر ذراعا.
وروي أنه لما كثر الماء في السكك خشيت أم لصبي عليه، وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبي بيديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
{وَقِيلَ} يعني: بعدما تناهى أمر الطوفان: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي} تَشَرَّبِي، {مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} أمسكي، {وَغِيضَ الْمَاءُ} نقص ونضب، يقال: غاض الماء يغيض غيضا إذا نقص، وغاضه الله أي أنقصه، {وَقُضِيَ الأمْرُ} فرغ من الأمر وهو هلاك القوم {وَاسْتَوَت} يعني السفينة استقرت، {عَلَى الْجُودِيِّ} جبل بالجزيرة بقرب الموصل، {وَقِيلَ بُعْدًا} هلاكا، {لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وروي أن نوحا عليه السلام بعث الغراب ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها ولطخت رجليها بالطين، فعلم نوح أن الماء قد نضب، فقيل إنه دعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يألف البيوت، وطوق الحمامة الخضرة التي في عنقها ودعا لها بالأمان، فمن ثم تأمن وتألف البيوت.
وروي أن نوحا عليه السلام ركب السفينة لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر، ومرت بالبيت فطافت به سبعا وقد رفعه الله من الغرق وبقي موضعه، وهبطوا يوم عاشوراء، فصام نوح، وأمر جميع من معه بالصوم شكرا لله عز وجل.
وقيل: ما نجا من الكفار من الغرق غير عُوج بن عُنُق كان الماء إلى حجزته، وكان سبب نجاته أن نوحا احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقله فحمله عوج إليه من الشام، فنجاه الله تعالى من الغرق لذلك.