فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (1- 3):

{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} أي: البيِّن حلاله وحرامه، وحدوده وأحكامه. قال قتادة: مبين- والله- بركتُه وهداه ورشدُه، فهذا مِنْ بان أي: ظهر.
وقال الزجاج: مبيّن الحق من الباطل والحلال من الحرام، فهذا من أبان بمعنى أظهر.
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} يعني: الكتاب، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: أنزلناه بلغتكم، لكي تعلموا معانيه، وتفهموا ما فيه.
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} أي: نقرأ عليك {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} والقاصُّ هو الذي يتبع الآثار ويأتي بالخبر على وجهه.
معناه: نبّين لك أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية أحسن البيان.
وقيل: المراد منه: قصة يوسف عليه السلام خاصة، سماها أحسن القصص لِمَا فيها من العِبَر والحِكَم والنُّكَتِ والفوائد التي تصلح للدين والدنيا، من سِيَرِ الملوك والمماليك، والعلماء، ومكر النساء، والصبر على أذى الأعداء، وحسن التجاوز عنهم بعد الالتقاء، وغير ذلك من الفوائد.
قال خالد بن معدان: سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة.
وقال ابن عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون الا استراح إليها.
قوله عز وجل: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ما المصدر، أي: بإيحائنا إليك، {هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ} وقد كنت، {مِنْ قَبْلِهِ} أي: قبل وحينا {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} لمن الساهين عن هذه القصة لا تعلمها.
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فأنزل الله عز وجل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر- 23] فقالوا: يا رسول الله لو قصصتَ علينا، فأنزل الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فقالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا، فأنزل الله عز وجل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد- 16].

.تفسير الآية رقم (4):

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
قوله عز وجل: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ} أي: واذكر إذ قال يوسف لأبيه، ويوسف اسم عبري عُرِّبَ، ولذلك لا يجري عليه الإعراب وقيل هو عربي.
سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف؟ فقال: الأسف في اللغة: الحزن، والأسيف: العبد، واجتمعا في يوسف عليه السلام فسُمّي به.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل قال: قال عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الصمد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الكريمَ ابن الكريمِ ابنِ الكريم ابنِ الكريم يوسفُ بنُ يعقوبَ بن إسحاق بن إبراهيم».
{يَا أَبَتِ} قرأ أبو جعفر وابن عامر {يَا أَبَتَ} بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير: يا أبتاه.
وقرأ الآخرون: {يَا أَبَتِ} بكسر التاء لأن أصله: يا أبتْ، والجزم يحرك إلى الكسر.
{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} أي نجما من نجوم السماء، ونصب الكواكب على التفسير.
{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ولم يقل رأيتها إليَّ ساجدة، والهاء والميم والياء والنون من كنايات مَنْ يعقل، لأنه لما أخبر عنها بفعل مَنْ يعقل عبر عنها بكناية من يعقل كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنََكُمْ} [النمل- 18].
وكان النجوم في التأويل أخواته، وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم، والشمس أبوه، والقمر أمه. قاله قتادة.
وقال السدي: القمر خالته، لأن أمه راحيل كانت قد ماتت.
وقال ابن جريج: القمر أبوه والشمس أمه؛ لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر.
وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة حين رأى هذه الرؤيا.
وقيل: رآها ليلة الجمعة ليلة القدر فلما قصها على أبيه.

.تفسير الآية رقم (5):

{قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)}
{قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} وذلك أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي فعلم يعقوب أن الإخوة إذا سمعوها حسدوه فأمره بالكتمان، {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} فيحتالوا في إهلاكك لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك. واللام في قوله: {لك} صلة، كقوله تعالى: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف- 154]. وقيل: هو مثل قولهم نصحتك ونصحت لك، وشكرتك وشكرت لك. {إِنَّ الشَّيْطَانَ للإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} أي: يزين لهم الشيطان، ويحملهم على الكيد، لعداوته القديمة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال: سمعت أبا سلمة قال: كنت أرى الرؤيا تهمني حتى سمعتُ أبا قتادة يقول: كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «الرؤيا الصالحة من الله تعالى، والحُلْمُ من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدِّثْ به إلا مَنْ يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرِّها، ومن شرِّ الشيطان وَلْيَتْفُلْ ثلاثا، ولا يحدِّثْ به أحدا فإنها لن تضر».
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا جزءٌ من أربعينَ أو ستةٍ وأربعينَ جزءاً من النبوة وهو على رِجْل طائرٍ فإذا حدَّث بها وقعت»، وَأَحْسبُهُ قال: «لا تُحدِّثْ بها إلا حبيبا أو لبيبا».

.تفسير الآية رقم (6):

{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يصطفيك ربك يقوله يعقوب ليوسف، أي: كما رفع منزلتك بهذه الرؤيا، فكذلك يصطفيك ربك، {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} يريد تعبير الرؤيا، سمي تأويلا لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في منامه، والتأويل ما يؤول إلى عاقبة الأمر، {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} يعني: بالنبوة، {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} أي: على أولاده فإنّ أولاده كلهم كانوا أنبياء، {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} فجعلهما نبيين، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وقيل: المراد من إتمام النعمة على إبراهيم الخلَّة.
وقيل: إنجاؤه من النار، وعلى إسحاق إنجاؤه من الذبح.
وقيل: بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بين رؤيا يوسف هذه وبين تحقيقها بمصير أبويه وإخوته إليه أربعون سنة، وهو قول أكثر أهل التفسير.
وقال الحسن البصري: كان بينهما ثمانون سنة. فلما بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه فَبَغَوْهُ.

.تفسير الآية رقم (7):

{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)}
يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} أي: في خبره وخبر إخوته. وأسماؤهم: روبيل، وهو أكبرهم، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وزبالون، وقيل: زبلون، وآشر، وأمهم ليا بنت ليان وهي ابنة خال يعقوب عليه السلام، ووُلِدَ له من سريتين له، اسم إحداهما زلفة والأخرى يلهمة أربعة أولاد: دان، ونفتالي، وقيل: نفتولي، وجاد، وأشير. ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب عليه السلام أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين. وقيل: وابن يامين، فكان بنو يعقوب عليه السلام اثني عشر رجلا.
{آيَاتٌ} قرأ ابن كثير {آية} على التوحيد، أي: عظة وعبرة، وقيل: عجب.
وقرأ الآخرون: {آيَاتٌ} على الجمع.
{لِلسَّائِلِينَ} وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف عليه السلام.
وقيل: سألوه عن سبب انتقال ولد يعقوب من كنعان إلى مصر. فذكر لهم قصة يوسف، فوجدوها موافقة لما في التوراة فتعجبوا منها. فهذا معنى قوله: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} أي: دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: آيات للسائلين ولمن لم يسأل، كقوله: {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت- 10].
وقيل: معناه عبرة للمعتبرين، فإنها تشتمل على حسد إخوة يوسف، وما آل إليه أمرهم في الحسد، وتشتمل على رؤياه، وما حقق الله منها، وتشتمل على صبر يوسف عليه السلام عن قضاء الشهوة، وعلى الرق وفي السجن، وما آل إليه أمره من الملك، وتشتمل على حزن يعقوب وصبره وما آل إليه أمره من الوصول إلى المراد وغير ذلك من الآيات.

.تفسير الآية رقم (8):

{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8)}
{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ} اللام فيه جواب القسم تقديره: والله ليوسف، {وَأَخُوهُ} بنيامين، {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} كان يوسف وأخوه بنيامين من أم واحدة، وكان يعقوب عليه السلام شديد الحب ليوسف عليه السلام، وكان إخوته يرون من الميل إليه ما لا يرونه مع أنفسهم فقالوا هذه المقالة، {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} جماعة وكانوا عشرة.
قال الفراء: العصبة هي العشرة فما زاد.
وقيل: العصبة ما بين الواحد إلى العشرة.
وقيل: ما بين الثلاثة إلى العشرة.
وقال مجاهد: ما بين العشرة إلى خمسة عشر.
وقيل: ما بين العشرة إلى الأربعين.
وقيل: جماعة يتعصب بعضها لبعض لا واحد لها من لفظها كالنَّفَر والرَّهْط.
{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي خطأ بيِّن في إيثاره يوسف وأخاه علينا، وليس المراد من الضلال عن الدين، ولو أرادوه لكفروا به، بل المراد منه: الخطأ في تدبير أمر الدنيا، يقولون: نحن أنفع له في أمر الدنيا وإصلاح أمر معاشه ورعي مواشيه، فنحن أولى بالمحبة منه، فهو مخطئ في صرف محبته إليه.

.تفسير الآيات (9- 10):

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
{اقْتُلُوا يُوسُفَ} اختلفوا في قائل هذا القول؛ فقال وهب: قاله شمعون. وقال كعب: قاله دان.
{أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} أي: إلى أرض يُبْعَدُ عن أبيه. وقيل: في أرض تأكله السباع.
{يَخْلُ لَكُمْ} يخلصْ لكم وَيصْفُ لكم. {وَجْهُ أَبِيكُمْ} عن شغله بيوسف، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ} من بعد قتل يوسف، {قَوْمًا صَالِحِينَ} تائبين، أي: توبوا بعدما فعلتم هذا يعفُ الله عنكم. وقال مقاتل: يُصْلِحْ أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} وهو يهوذا، وقال قتادة: روبيل، وكان ابن خالة يوسف، وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه. والأول أصح أنه يهوذا، نهاهم عن قتله، وقال: القتل كبيرة عظيمة. {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} قرأ أبو جعفر، ونافع: {غيابات الجب} على الجمع في الحرفين، وقرأ الباقون {غيابة الجب} على الواحد، أي: في أسفل الجب وظلمته. والغيابةُ: كلُّ موضعٍ ستر عنك الشيء وغيَّبه. والجُبُّ: البئر غير المطوية لأنه جُبَّ، أي: قطع ولم يطوَ.
{يَلْتَقِطْهُ} يأخذه، والالتقاط: أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه، {بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية أخرى، فتستريحوا منه، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: إن عزمتم على فعلكم، وهم كانوا يومئذ بالغين، ولم يكونوا أنبياء بعد.
وقيل: لم يكونوا بالغين، وليس بصحيح؛ بدليل أنهم قالوا: {وتكونوا من بعده قوما صالحين}.
{وقالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا} والصغير لا ذنب له.
وقال محمد بن إسحاق: اشتمل فعلهم على جرائم من قطع الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير، الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد والكذب مع أبيهم. وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييئس أحد من رحمة الله.
وقال بعض أهل العلم إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى.
وسئل أبو عمرو بن العلاء: كيف قالوا {نرتع ونلعب} وهم أنبياء؟ قال: كان ذلك قبل أن نَبَّأهم الله تعالى، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل.

.تفسير الآية رقم (11):

{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)}
{قَالُوا} ليعقوب، {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} قرأ أبو جعفر: {تَأْمَنَّا} بلا إشمام، وهو رواية عن نافع وقرأ الباقون: {تَأْمَنَّا} بإشمام الضمة في النون الأولى المدغمة، وهو إشارة إلى الضمة، من غير إمحاض، ليعلم أن أصله: لا تأمنُنا بنونين على تفعلنا، فأدغمتِ النون الاولى في الثانية، بدؤوا بالإنكار عليه في ترك إرساله معهم كأنهم قالوا: إنك لا ترسله معنا أتخافنا عليه؟.
{وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} قال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، وذلك أنهم قالوا لأبيهم: {أرسله معنا} فقال أبوهم: {إني ليحزنني أن تذهبوا به} فحينئذ قالوا: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} النصح هاهنا هو: القيام بالمصلحة، وقيل: البر والعطف، معناه: إنا عاطفون عليه، قائمون بمصلحته، نحفظه حتى نردَّه إليك.