فصل: تفسير الآية رقم (55):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (55):

{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}
فـ {قَالَ} يوسف، {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ} الخزائن: جمع خزانة، وأراد خزائن الطعام والأموال، والأرض: أرض مصر، أي: خزائن أرضك.
وقال الربيع بن أنس: على خراج مصر ودخله.
{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} أي: حفيظ للخزائن عليم بوجوه مصالحها. وقيل: حفيظ عليم كاتب حاسب.
وقيل: حفيظ لما استودعتني، عليم بما ولّيتني.
وقيل: حفيظ للحساب عليم بالألسن أعلم لغة كل من يأتيني.
وقال الكلبي: حفيظ بتقديره في السنين الخصبة في الأرض الجدبة عليم بوقت الجوع حين يقع، فقال له الملك. ومن أحق به منك؟! فولاه ذلك وقال له: إنك اليوم لدينا مكين، ذو مكانة ومنزلة، أمين على الخزائن.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الفنجوي، حدثنا مخلد بن جعفر البقرجي، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكنه أخره لذلك سنة فأقام في بيته سنة مع الملك».
وبإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما انصرمت السنة من اليوم الذي سأل الإمارة دعاه الملك فتوجه وقلده بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكلّل بالدر والياقوت، وضرب عليه حلة من إستبرق، وطول السرير ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرة أذرع، عليه ثلاثون فراشا وستون مقرمة، ثم أمره أن يخرج، فخرج متوَّجا، ولونه كالثلج، ووجهه كالقمر، يرى الناظر وجهه في صفاء لون وجهه، فانطلق حتى جلس على السرير، ودانت له الملوك، ودخل الملك بيته وفوّض إليه أمر مصر، وعزل قطفير عمّا كان عليه وجعل يوسف مكانه قاله ابن إسحاق.
وقال ابن زيد: وكان لملك مصر خزائن كثيرة فسلم سلطانه كله إليه وجعل أمره وقضاءه نافذا، قالوا: ثم إن قطفير هلك في تلك الليالي فزوج الملكُ يوسفَ راعيلَ امرأة قطفير، فلما دخل عليها قال: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين؟ فقالت: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك فغلبتني نفسي فوجدها يوسف عذراء فأصابها فولدت له ولدين: أفراثيم بن يوسف، وميشا بن يوسف.
واستوثق ليوسف ملك مصر، أي: اجتمع، فأقام فيهم العدل، وأحبه الرجال والنساء، فذلك قوله تعالى:

.تفسير الآيات (56- 57):

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}
{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ} يعني: أرض مصر ملكناه، {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا} أي: ينزل: {حَيْثُ يَشَاءُ} ويصنع فيها ما يشاء.
قرأ ابن كثير: {نشاء} بالنون ردا على قوله: {مَكَّنَّا} وقرأ الآخرون بالياء ردا على قوله: {يَتَبَوَّأُ}.
{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} أي: بنعمتنا، {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} قال ابن عباس ووهب: يعني الصابرين.
قال مجاهد وغيره: فلم يزل يوسف عليه السلام يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف له حتى أسلم الملك وكثير من الناس. فهذا في الدنيا.
{وَلأجْرُ الآخِرَةِ} ثواب الآخرة، {خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
فلما اطمأن يوسف في ملكه دبَّر في جمع الطعام بأحسن التدبير، وبنى الحصون والبيوت الكثيرة، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة، وأنفق بالمعروف حتى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد الناس بمثله.
ورُوي أنه كان قد دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار، فلما دخلت سنة القحط كان أول من أخذه الجوع هو الملك في نصف الليل فنادى يا يوسف الجوعَ الجوعَ!.
فقال يوسف: هذا أوان القحط.
ففي السنة الأولى من سني الجدب هلك كل شيء أعدُّوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام، فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق في يد أحد عبد ولا أمة، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى استرقهم، ولم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له.
فقال الناس: ما رأينا يوما كاليوم ملكا أجل ولا أعظم من هذا.
ثم قال يوسف للملك: كيف رأيت صنع ربي فيما خوَّلني فما ترى في ذلك؟
فقال له الملك: الرأي رأيك ونحن لك تبع.
قال: فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم، ورددْتُ عليهم أملاكهم.
وروي أن يوسف كان لا يشبع من طعام في تلك الأيام، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟.
فقال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع، وأمر يوسف عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غداءه نصف النهار، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين، فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار.
قال: وقصد الناسُ مصرَ من كل أوبٍ يمتارون الطعام فجعل يوسف لا يمكن أحدا منهم- وإن كان عظيما- من أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس، وتزاحم الناس عليه وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام ما أصاب الناس في سائر البلاد من القحط والشدة، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس، فأرسل بنيه إلى مصر للميرة، وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه، فذلك قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (58):

{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}
{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} وكانوا عشرة، وكان منزلهم بالعرنات من أرض فلسطين، بغور الشام، وكانوا أهل بادية وإبل وشاة، فدعاهم يعقوب عليه السلام وقال: يا بني بلغني أن بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام، فتجهزوا لتشتروا منه الطعام، فأرسلهم فقدموا مصر، {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ} على يوسف، {فَعَرَفَهُمْ} يوسف عليه السلام.
قال ابن عباس ومجاهد: عرفهم بأول ما نظر إليهم.
وقال الحسن: لم يعرفهم حتى تعرفوا إليه.
{وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي: لم يعرفوه. قال ابن عباس: وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة، فلذلك أنكروه.
وقال عطاء: إنما لم يعرفوه لأنه كان على سرير الملك وعلى رأسه تاج الملك.
وقيل: لأنه كان بِزِيِّ ملوك مصر، عليه ثياب من حرير وفي عنقه طوق من ذهب، فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية، قال لهم: أخبروني مَنْ أنتم وما أمركم فإني أنكرت شأنكم؟ قالوا نحن قوم من أرض الشام رعاة، أصابنا الجهد فجئنا نمتار.
فقال: لعلكم جئتم تنظرون عورة بلادي.
قالوا: لا والله ما نحن بجواسيس، إنما نحن إخوة بنو أب واحد، وهو شيخ صديق يقال له يعقوب نبي من أنبياء الله.
قال: وكم أنتم؟ قالوا: كنا اثني عشر، فذهب أخ لنا معنا إلى البرية، فهلك فيها، وكان أحبنا إلى أبينا.
قال: فكم أنتم ها هنا؟.
قالوا: عشرة.
قال: وأين الآخر؟
قالوا: عند أبينا، لأنه أخو الذي هلك لأمه، فأبونا يتسلَّى به.
قال: فمن يعلم أن الذي تقولون حق؟
قالوا: أيها الملك إنا ببلاد لا يعرفنا أحد من أهلها.
فقال يوسف: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين، وأنا أرضى بذلك.
قالوا: فإن أبانا يحزن على فراقه وسنراود عنه أباه.
قال: فَدَعُوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم، فاقترعوا بينهم، فأصابت القرعة شمعون، وكان أحسنهم رأيا في يوسف، فخلّفوه عنده. فذلك قوله عز وجل:

.تفسير الآيات (59- 62):

{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}
{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي: حمَّل لكل واحد بعيرا بعدتهم، {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} يعني ينيامين، {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} أي: أُتمّه ولا أبخس الناس شيئا، فأزيدكم حمل بعير لأجل أخيكم، وأكرم منزلتكم وأحسن إليكم، {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} قال مجاهد: أي خير المضيفين. وكان قد أحسن ضيافتهم.
{فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} أي: ليس لكم عندي طعام أكيله لكم {وَلا تَقْرَبُونِ} أي: لا تقربوا داري وبلادي بعد ذلك وهو جزم على النهي.
{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي: نطلبه ونسأله أن يرسله معنا، {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} ما أمرتنا به.
{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {لِفِتْيَانِهِ} بالألف والنون، وقرأ الباقون: {لفتيته} بالتاء من غير ألف يريد لغلمانه، وهما لغتان مثل الصِّبْيان والصِّبْيَة، {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ} ثمن طعامهم وكانت دراهم.
وقال الضحاك عن ابن عباس: كانت النعال والأدم.
وقيل: كانت ثمانية جرب من سويق المقل. والأول أصح.
{فِي رِحَالِهِمْ} أوعيتهم، وهي جمع رحل، {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا} انصرفوا، {إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
واختلفوا في السبب الذي فعله يوسف من أجله، قيل: أراد أن يريهم كرمه في ردِّ البضاعة وتقديم الضمان في البر والإحسان، ليكون أدعى لهم إلى العود، لعلّهم يعرفونها، أي: كرامتهم علينا.
وقيل: رأى لؤما أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه، فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرُّمًا.
وقال الكلبي: تخوّف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى.
وقيل:فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم تحملهم على ردّ البضاعة نفيا للغلط ولا يستحلون إمساكها.

.تفسير الآيات (63- 64):

{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)}
{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا} إنا قدمنا على خير رجل، أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من أولاد يعقوب ما أكرمنا كرامته، فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فأقرئوه مني السلام، وقولوا له: إنّ أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا، ثم قال: أين شمعون؟ قالوا: ارتهنه ملك مصر، وأخبروه بالقصة، فقال لهم: ولِمَ أخبرتموه؟ قالوا: إنه أخذنا وقال أنتم جواسيس- حيث كلمناه بلسان العبرانية- وقصُّوا عليه القصة، وقالوا يا أبانا: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} قال الحسن: معناه يمنع منا الكيل إن لم تحمل أخانا معنا.
وقيل: معناه أعطى باسم كل واحد حملا ومنع منا الكيل لبنيامين، والمراد بالكيل: الطعام، لأنه يكال.
{فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} بنيامين، {نَكْتَل} قرأ حمزة والكسائي: {يكتل} بالياء، يعني: يكْتَلْ لنفسه كما نحن نكتال، وقرأ الآخرون: {نكتل} بالنون، يعني: نكتل نحن وهو الطعام. وقيل: نكتل له، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} يوسف {مِنْ قَبْلُ} أي: كيف آمنكم عليه وقد فعلتم بيوسف ما فعلتم؟ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {حَافِظًا} بالألف على التفسير، كما يقال: هو خيرٌ رجلا وقرأ الآخرون: {حفظا} بغير ألف على المصدر، يعني: خيركم حفظا، يقول: حفظه خير من حفظكم. {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)}
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} الذي حملوه من مصر، {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ} ثمن الطعام، {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} أي: ماذا نبغي وأي شيء نطلب؟ وذلك أنهم ذكروا ليعقوب عليه السلام إحسان الملك إليهم، وحثّوه على إرسال بنيامين معهم، فلما فتحوا المتاع ووجدوا البضاعة، {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} أيُّ شيء نطلب بالكلام، فهذا هو العيان من الإحسان والإكرام، أَوْفَى لنا الكيل ورَدَّ علينا الثمن. أرادوا تطييب نفس أبيهم، {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي: نشتري لهم الطعام فنحمله إليهم. يقال: مارَ أهله يَمِيْر مَيْرا: إذا حمل إليهم الطعام من بلد إلى بلد آخر. ومثله: امتار يمتار امتيارا. {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} بنيامين، أي: مما تخاف عليه. {وَنَزْدَادُ} على أحمالنا، {كَيْلَ بَعِيرٍ} أي: حمل بعير يكال لنا من أجله، لأنه كان يعطي باسم كل رجل حمل بعير، {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي: ما حملناه قليل لا يكفينا وأهلنا. وقيل: معناه نزداد كيل بعير ذلك كيل يسير لا مؤنة فيه ولا مشقة.
وقال مجاهد: البعير هاهنا هو الحمار. كيل بعير، أي: حمل حمار، وهي لغة، يقال للحمار: بعير. وهم كانوا أصحاب حُمُرٍ، والأول أصح أنه البعير المعروف.
{قال} لهم يعقوب، {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ} تعطوني {مَوْثِقًا} ميثاقا وعهدا، {مِنَ اللَّهِ} والعهد الموثَّق: المؤكّد بالقسم. وقيل: هو المؤكد بإشهاد الله على نفسه {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} وأدخل اللام فيه لأن معنى الكلام اليمين، {إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} قال مجاهد إلا أن تهلكوا جميعا.
وقال قتادة: إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك.
وفي القصة: أن الإخوة ضاق الأمر عليهم وجهدوا أشد الجهد، فلم يجد يعقوب بدا من إرسال بنيامين معهم.
{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} أعطوه عهودهم، {قَال} يعني: يعقوب {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} شاهد. وقيل: حافظ. قال كعب: لما قال يعقوب فالله خير حافظا، قال الله عز وجل: وعزتي لأرُدَّنَّ عليك كليهما بعدما توكَّلْت عليَّ.