فصل: تفسير الآيات (89- 90):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (89- 90):

{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} اختلفوا في السبب الذي حمل يوسف على هذا القول، قال ابن إسحاق: ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام أدركته الرقة فارفضَّ دمعه، فباح بالذي كان يكتم منهم.
وقال الكلبي: إنما قال ذلك حين حكى لإخوته أن مالك بن ذعر قال: إني وجدت غلاما في بئر، من حاله كيت وكيت، فابتعته بكذا درهما فقالوا: أيها الملك، نحن بعنا ذلك الغلام، فغاظ يوسف ذلك وأمر بقتلهم فذهبوا بهم ليقتلوهم، فولى يهوذا وهو يقول: كان يعقوب يحزن ويبكي لفقد واحد منا حتى كفّ بصره، فكيف إذا أتاه قتل بنيه كلهم؟ ثم قالوا له: إن فعلت ذلك فابعث بأمتعتنا إلى أبينا فإنه بمكان كذا وكذا، فذلك حين رحمهم وبكى، وقال ذلك القول.
وقيل: قاله حين قرأ كتاب أبيه إليه فلم يتمالك البكاء فقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ فرقتُم بينهما، وصنعتُم ما صنعتُم إذ أنتم جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف؟ وقيل: مذنبون وعاصون. وقال الحسن: إذ أنتم شباب ومعكم جهل الشباب.
فإن قيل: كيف قال ما فعلتم بيوسف وأخيه، وما كان منهم إلى أخيه، وهم لم يسعوا في حبسه؟ قيل: قد قالوا له في الصاع ما يزال لنا بلاء، وقيل: ما رأينا منكم يا بني راحيل خيرا. وقيل: لما كانا من أم واحدة كانوا يؤذونه من بعد فَقْدِ يوسف.
{قَالُوا أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ} قرأ ابن كثير وأبو جعفر: {إنَّك} على الخبر، وقرأ الآخرون على الاستفهام.
قال ابن إسحاق: كان يوسف يتكلم من وراء ستر فلما قال يوسف: هل علمتم ما فعلتم، كشف عنهم الغطاء ورفع الحجاب، فعرفوه.
وقال الضحاك عن ابن عباس: لما قال هذا القول تبسم يوسف فرأوا ثناياه كاللؤلؤ المنظوم فشبهوه بيوسف، فقالوا استفهاما أئنك لأنت يوسف؟.
وقال عطاء عن ابن عباس: إن إخوة يوسف لم يعرفوه حتى وضع التاج عن رأسه، وكان له في قرنه علامة وكان ليعقوب مثلها ولإسحاق مثلها ولسارة مثلها شبه الشامة، فعرفوه فقالوا: أئنك لأنت يوسف.
وقيل: قالوه على التوهم حتى، {قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي}، بنيامين، {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} أنعم علينا بأن جمع بيننا.
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} بأداء الفرائض واجتناب المعاصي، {وَيَصْبِرْ} عما حرم الله عز وجل عليه. قال ابن عباس: يتقي الزنى ويصبر عن العزوبة. وقال مجاهد: يتقي المعصية ويصبر على السجن، {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

.تفسير الآيات (91- 93):

{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)}
{قَالُوا} معتذرين، {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي: اختارك الله وفضَّلك علينا، {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} أي: وما كنا في صنيعنا بك إلا مخطئين مذنبين. يقال: خَطِئَ خِطْئاً إذا تعمد، وأخطأ إذا كان غير متعمد.
{قَالَ} يوسف وكان حليما، {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} لا تعيير عليكم اليوم، ولا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم، {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
فلما عّرفهم يوسف نفسه سألهم عن أبيه، فقال: ما فعل أبي بعدي؟ قالوا: ذهبت عيناه فأعطاهم قميصه، وقال: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} أي: يعد مبصرا. وقيل: يأتيني بصيرا لأنه كان قد دعاه.
قال الحسن: لم يعلم أنه يعود بصيرا إلا بعد أن أعلمه الله عز وجل.
وقال الضحاك: كان ذلك القميص من نسج الجنة.
وعن مجاهد قال: أمره جبريل أن يرسل إليه قميصه، وكان ذلك القميص قميص إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه جرد من ثيابه وألقي في النار عريانا، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة، فألبسه إيّاه فكان ذلك القميص عند إبراهيم عليه السلام، فلما مات ورثه إسحاق، فلما مات ورثه يعقوب، فلما شبَّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في قصبة، وسدَّ رأسها، وعلَّقها في عنقه، لما كان يخاف عليه من العين، فكان لا يفارقه. فلما ألقي في البئر عريانا جاءه جبريل عليه السلام وعلى يوسف ذلك التعويذ، فأخرج القميص منه وألبسه إيّاه، ففي هذا الوقت جاء جبريل عليه السلام إلى يوسف عليه السلام وقال: أرسل ذلك القميص، فإن فيه ريح الجنة لا يقع على سقيم ولا مبتلى إلا عوفي، فدفع يوسف ذلك القميص إلى إخوته وقال: ألقوه على وجه أبي يأت بصيرا، {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)}
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} أي خرجت من عريش مصر متوجهة إلى كنعان {قَالَ أَبُوهُمْ} أي: قال يعقوب لولد ولده، {إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.
روي أن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير.
قال مجاهد: أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام. وحكي عن ابن عباس: من مسيرة ثمان ليال.
وقال الحسن: كان بينهما ثمانون فرسخا.
وقيل: هبت ريح فصفقت القميص، فاحتملت ريح القميص إلى يعقوب، فوجد ريح الجنة فعلم أن ليس في الأرض من ريح الجنة، إلا ما كان من ذلك القميص، فلذلك قال: إني لأجد ريح يوسف.
{لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} تُسَفِّهوني، وعن ابن عباس: تُجَهِّلوني. وقال الضحاك: تهرِّمون فتقولون: شيخ كبير قد خرف وذهب عقله. وقيل: تضعِّفوني. وقال أبو عبيدة: تضلّلوني. وأصل الفَنَدِ: الفساد.

.تفسير الآيات (95- 98):

{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}
{قَالُوا} يعني: أولاد أولاده، {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} أي: خطئك القديم من ذكر يوسف لا تنساه، والضلال هو الذهاب عن طريق الصواب، فإن عندهم أن يوسف قد مات ويرون يعقوب قد لهج بذكره.
{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} وهو المبشر عن يوسف، قال ابن مسعود: جاء البشير بين يدي العير. قال ابن عباس: هو يهوذا.
قال السدي: قال يهوذا أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، فأنا أذهب إليه اليوم بالقميص فأخبره أن ولده حي فأفرحه كما أحزنته.
قال ابن عباس: حمله يهوذا وخرج حافيا حاسرا يعدو ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها حتى أتى أباه، وكانت المسافة ثمانين فرسخا.
وقيل: البشير مالك بن ذعر.
{أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} يعني: ألقى البشيرُ قميصَ يوسف على وجه يعقوب، {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} فعاد بصيرا بعدما كان عمِي وعادت إليه قوته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم وسروره بعد الحزن.
{قَال أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} من حياة يوسف وأن الله يجمع بيننا.
ورُوي أنه قال للبشير: كيف تركت يوسف؟ قال: إنه ملك مصر، فقال يعقوب: ما أصنع بالملك على أي دين تركتَه؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمت النعمة.
{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} مذنبين.
{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} قال أكثر المفسرين: أخَّر الدعاء إلى السَّحَر، وهو الوقت الذي يقول الله تعالى: {هل من داع فأستجيب له} فلما انتهى يعقوب إلى الموعد قام إلى الصلاة بالسحر، فلما فرغ منها رفع يديه إلى الله عز وجل وقال: اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه، واغفر لأولادي ما أتوا إلى أخيهم يوسف، فأوحى الله تعالى إليه أني قد غفرتُ لك ولهم أجمعين.
وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: سوف أستغفر لكم ربي يعني ليلة الجمعة. قال وهب: كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة.
وقال طاوس: أخَّر الدعاء إلى السَّحَر من ليلة الجمعة فوافق ليلة عاشوراء. وعن الشعبي قال: سوف أستغفر لكم ربي، قال: أسأل يوسف إن عفا عنكم أستغفر لكم ربي {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
روي أن يوسف كان قد بعث مع البشير إلى يعقوب مائتي راحلة وجهازا كثيرا ليأتوا بيعقوب وأهله وأولاده، فتهيأ يعقوب للخروج إلى مصر، فخرجوا وهم اثنان وسبعون من بين رجل وامرأة. وقال مسروق: كانوا ثلاثة وتسعين، فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه، فخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجنود وركب أهل مصر معهما يتلقون يعقوب، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على يهوذا فنظر إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا هذا فرعون مصر، قال: لا هذا ابنك، فلما دنا كل واحد من صاحبه ذهب يوسف يبدأ بالسلام، فقال جبريل: لا حتى يبدأ يعقوب بالسلام، فقال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان.
وروي أنهما نزلا وتعانقا. وقال الثوري: لما التقى يعقوب ويوسف عليهما السلام عانق كل واحد منهما صاحبه وبكيا، فقال يوسف: يا أبت بكيتَ حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال: بلى يا بني، ولكن خشيتُ أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك.

.تفسير الآيات (99- 100):

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}
فذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ} أي: ضم إليه، {أَبَوَيْهِ} قال أكثر المفسرين: هو أبوه وخالته ليّا، وكانت أمه راحيل قد ماتت في نفاس بنيامين.
وقال الحسن: هو أبوه وأمه، وكانت حيَّة.
وفي بعض التفاسير أن الله عز وجل أحيا أمه حتى جاءت مع يعقوب إلى مصر.
{وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فإن قيل: فقد قال فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه فكيف قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بعدما أخبر أنهم دخلوها؟ وما وجه هذا الاستثناء وقد حصل الدخول؟
قيل: إن يوسف إنما قال لهم هذا القول حين تلقاهم قبل دخولهم مصر. وفي الآية تقديم وتأخير، والاستثناء يرجع إلى الاستغفار وهو من قول يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله.
وقيل: الاستثناء يرجع إلى الأمن من الجواز لأنهم كانوا لا يدخلون مصر قبله إلا بجواز من ملوكهم، يقول: آمنين من الجواز إن شاء الله تعالى، كما قال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح- 27].
وقيل: {إن} هاهنا بمعنى إذْ، يريد: إذْ شاء الله، كقوله تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران- 139]. أي: إذ كنتم مؤمنين.
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} أي: على السرير: أجلسهما. والرفع: هو النقل إلى العلو. {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} يعني: يعقوب وخالته وإخوته.
وكانت تحية الناس يومئذ السجود، ولم يُرِدْ بالسجود وضعَ الجباه على الأرض، وإنما هو الانحناء والتواضع.
وقيل: وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم، لا على طريق العبادة. وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: معناه: خرُّوا لله عز وجل سٌجَدًا بين يدي يوسف. والأول أصح.
{وقال} يوسف عند ذلك: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} وهو قوله: {إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}.
{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} ربي، أي: أنعم عليّ، {إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ولم يقل من الجُبِّ مع كونه أشد بلاء من السجن، استعمالا للكرم، لكيلا يخجل إخوته بعدما قال لهم: {لا تثريب عليكم اليوم}، ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم، لأنه بعد الخروج من الجب صار إلى العبودية والرق، وبعد الخروج من السجن صار إلى الملك، ولأن وقوعه في البئر كان لحسد إخوته، وفي السجن مكافأة من الله تعالى لزلة كانت منه.
{وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم، وكانوا أهل بادية ومواشٍ، يقال: بدَا يبدُو إذا صار إلى البادية. {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ} أفسد، {الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} بالحسد.
{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ} أي: ذُو لُطف، {لِمَا يَشَاءُ} وقيل: معناه بِمَنْ يشاء.
وحقيقة اللطيف: الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.
قال أهل التاريخ: أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة في أغبط حال وأهنأ عيش، ثم مات بمصر، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق، ففعل يوسف ذلك، ومضى به حتى دفنه بالشام، ثم انصرف إلى مصر.
قال سعيد بن جبير: نُقل يعقوب عليه السلام في تابوت من ساج إلى بيت المقدس، فوافق ذلك اليوم الذي مات فيه العيص فَدُفِنَا في قبر واحد، وكانا وُلِدَا في بطن واحد، وكان عمرهما مائة وسبعا وأربعين سنة.
فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله على أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حُسنَ العاقبة، فقال: