فصل: تفسير الآيات (28- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (28- 30):

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا} أي: سأخلق بشرًا {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}.
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} عَدَّلْتُ صورته، وأتممت خلقه، {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} فصار بشرًا حيًا، والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان، وأضافه إلى نفسه تشريفًا {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} سجود تحية لا سجود عبادة.
{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} الذين أمروا بالسجود {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}.
فإن قيل: لِمَ قال: {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وقد حصل المقصود بقوله فسجد الملائكة؟
قلنا: زعم الخليل وسيبويه أنه ذكر ذلك تأكيدا.
وذكر المبرِّد: أن قوله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} كان من المحتمل أنه سجد بعضهم فذكر {كلهم} ليزول هذا الإشكال، ثم كان يحتمل أنهم سجدوا في أوقات مختلفة فزال ذلك الإشكال بقوله: {أجمعون}.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه: إن الله عز وجل قال لجماعة من الملائكة: اسجدوا لآدم فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم، ثم قال لجماعة أخرى: اسجدوا لآدم فسجدوا.

.تفسير الآيات (31- 40):

{إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}
{قَالَ لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} أراد: أنا أفضل منه لأنه طينيّ، وأنا ناريّ، والنار تأكل الطين.
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي: من الجنة {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} طريد.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} قيل: إن أهل السموات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض، فهو ملعون في السماء والأرض.
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أراد الخبيث أن لا يموت.
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} أي: الوقت الذي يموت فيه الخلائق، وهو النفخة الأولى.
ويقال: إن مدة موت إبليس أربعون سنة وهي ما بين النفختين.
ويقال: لم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكراما له، بل كانت زيادة في بلائه وشقائه.
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} أضللتني. وقيل: خيَّبتَني من رحمتك {لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ} حُبَّ الدنيا ومعاصيك {وَلأغْوِيَنَّهُمْ} أي: لأضلنَّهم، {أَجْمَعِينَ}.
{إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} المؤمنين الذين أخلصوا لك الطاعة والتوحيد، ومن فتح اللام، أي: مَنْ أخلصته بتوحيدك واصطفيته.

.تفسير الآيات (41- 44):

{قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)}
{قَالَ} الله تعالى: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} قال الحسن: معناه صراط إلي مستقيم.
وقال مجاهد: الحق يرجع إلى الله تعالى، وعليه طريقه، ولا يعوج عليه شيء.
وقال الأخفش: يعني: عليَّ الدلالة على الصراط المستقيم.
قال الكسائي: هذا على التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه: طريقك عليَّ، أي: لا تفلت مني، كما قال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر- 14].
وقيل: معناه على استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية.
وقرأ ابن سيرين، وقتادة، ويعقوب: عَلِيٌّ، من العُلُوّ أي: رفيع، وعبَّر بعضهم عنه: رفيع أن يُنال، مستقيم أن يُمال.
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أي: قوة.
قال أهل المعاني: يعني على قلوبهم.
وسُئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال: معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي، وهؤلاء ثنية الله الذين هداهم واجتباهم. {إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}.
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} يعني موعد إبليس ومن تبعه.
{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} أطباق.
قال علي رضي الله عنه: تدرون كيف أبواب النار؟ هكذا، ووضع شعبة إحدى يديه على الأخرى أي: سبعة أبواب بعضها فوق بعض وإن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض.
قال ابن جريج: النار سبع دَرَكاتٍ: أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
{لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} أي: لكل دركةٍ قَومٌ يسكنونها.
وقال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين أدخلوا النار، يعذَّبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون، وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشرك، وفي السابعة المنافقون، فذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء- 145].
وروي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لجهنَّم سبعة أبواب باب منها لمن سلَّ السيف على أمتي أو قال على أمة محمد».

.تفسير الآيات (45- 49):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)}
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي: في بساتين وأنهار.
{ادْخُلُوهَا} أي: يقال لهم ادخلوا الجنة {بِسَلامٍ} أي: بسلامة {آمِنِينَ} من الموت والخروج والآفات.
{وَنَزَعْنَا} أخرجنا {مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} هو الشحناء والعداوة والحقد والحسد، {إِخْوَانًا} نصب على الحال {عَلَى سُرُرٍ} جمع سرير {مُتَقَابِلِينَ} يقابل بعضهم بعضا، لا ينظر أحد منهم إلى قفا صاحبه.
وفي بعض الأخبار: إن المؤمن في الجنة إذا وَدَّ أن يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان.
{لا يَمَسُّهُمْ} لا يصيبهم {فِيهَا نَصَبٌ} أي: تعب {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} هذه أنصُّ آية في القرآن على الخلود.
قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} قال ابن عباس: يعني لمن تاب منهم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومًا على نفر من أصحابه وهم يضحكون، فقال: «أتضحكون وبين أيديكم النار» فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، وقال: «يقول لك ربك يا محمد لِمَ تقنط عبادي من رحمتي».

.تفسير الآيات (50- 54):

{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَي (54)}
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ} قال قتادة: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائةَ رحمةٍ، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة، وأرسل في خَلْقِهِ كلهم رحمةً واحدة، فلو يعلمُ الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة، ولو يعلمُ المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار».
قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} أي: عن أضيافه. والضيف: اسم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وهم الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ليبشروا إبراهيم عليه السلام بالولد، ويهلكوا قوم لوط.
{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ} إبراهيم: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون لأنهم لم يأكلوا طعامه.
{قَالُوا لا تَوْجَلْ} لا تخف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} أي: غلام في صِغَرِه، عليم في كبره، يعني: إسحاق، فتعجب إبراهيم عليه السلام من كبره وكبر امرأته.
{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي} أي: بالولد {عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ} أي: على حال الكبر، قاله على طريق التعجب {فَبِمَ تُبَشِّرُونِ} فبأي شيء تبشرون؟ قرأ نافع بكسر النون وتخفيفها أي: تبشرون، وقرأ ابن كثير بتشديد النون أي: تبشرونني، أدغمت نون الجمع في نون الإضافة، وقرأ الآخرون بفتح النون وتخفيفها.

.تفسير الآيات (55- 60):

{قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
{قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} أي بالصدق {فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}.
{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ} قرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب: بكسر النون، والآخرون بفتحها، وهما لغتان: قَنِطَ يَقْنَط، وقَنَطَ يَقْنِط أي: من ييئس {مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} أي: الخاسرون، والقنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره.
{قَالَ} إبراهيم لهم {فَمَا خَطْبُكُمْ} ما شأنكم {أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}؟
{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} مشركين.
{إِلا آلَ لُوطٍ} أتباعه وأهل دينه، {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} خفف الجيم حمزة والكسائي، وشدده الباقون.
{إِلا امْرَأَتَهُ} أي: امرأة لوط، {قَدَّرْنَا} قضينا {إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} الباقين في العذاب، والاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، فاستثنى امراة لوط من الناجين فكانت ملحقة بالهالكين.
قرأ أبو بكر {قدرنا} هاهنا وفي سورة النمل بتخفيف الدال. والباقون بتشديدها.

.تفسير الآيات (61- 66):

{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
{قَالَ} لوط لهم {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} أي: أنا لا أعرفكم.
{قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي: يشكُّون في أنه نازلٌ بهم، وهو العذاب، لأنه كان يوعدهم بالعذاب ولا يصدقونه.
{وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} باليقين. وقيل: بالعذاب {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ} أي: سِرْ خلفهم {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} حتى لا يرتاعوا من العذاب إذا نزل بقومهم.
وقيل: جعل الله ذلك علامة لمن ينجو من آل لوط.
{وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قال ابن عباس: يعني الشام. وقال مقاتل: يعني زُغَر وقيل: الأردن.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ} أي: فرغنا إلى آل لوط من ذلك الأمر، أي: أحكمنا الأمر الذي أمرنا في قوم لوط، وأخبرناه: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ} يدل عليه قراءة عبد الله: وقلنا له إن دابر هؤلاء، يعني: أصلهم، {مَقْطُوعٌ} مستأصل، {مُصْبِحِينَ} إذا دخلوا في الصبح.

.تفسير الآيات (67- 72):

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}
{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ} يعني سدوم {يَسْتَبْشِرُونَ} بأضياف لوط، أي: يبشر بعضهم بعضًا، طمعًا في ركوب الفاحشة منهم.
{قَالَ} لوط لقومه {إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي} وحقٌّ على الرجل إكرام ضيفه {فَلا تَفْضَحُونِ} فيهم.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ} ولا تخجلون.
{قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي: ألم ننهك عن أن تضيف أحدًا من العالمين.
وقيل: ألم ننهك أن تُدخل الغرباء المدينة، فإنا نركب منهم الفاحشة.
{قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي} أزوجهن إياكم إن أسلمتم فأتوا الحلال ودعوا الحرام {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ما آمركم به.
وقيل: أراد بالبنات نساء قومه لأن النبي كالوالد لأمته.
قال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ} يا محمد أي وحياتك {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ} حيرتهم وضلالتهم، {يَعْمَهُونَ} يترددون.
قال قتادة: يلعبون.
رُوِي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلق الله نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما أقسم الله تعالى بحياة أحد إلا بحياته.