فصل: تفسير الآيات (73- 78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (73- 78):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)}
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} أي: حين أضاءت الشمس، فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا، وتمامه حين أشرقوا.
{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} قال ابن عباس: للناظرين.
وقال مجاهد: للمتفرسين.
وقال قتادة: للمعتبرين.
وقال مقاتل: للمتفكرين.
{وَإِنَّهَا} يعني: قرى قوم لوط {لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} أي: بطريق واضح.
وقال مجاهد: بطريق معلم ليس يخفى ولا زائل.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
{وَإِنْ كَانَ} وقد كان {أَصْحَابُ الأيْكَةِ} الغيضة {لَظَالِمِينَ} لكافرين، واللام للتأكيد، وهم قوم شعيب عليه السلام، كانوا أصحاب غياض وشجر ملتفٍّ، وكان عامة شجرهم الدَّوْم، وهو المُقْل.

.تفسير الآيات (79- 84):

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)}
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} بالعذاب، وذلك أن الله سلط عليهم الحرَّ سبعة أيام فبعث الله سحابة فالتجؤوا إليها يلتمسون الروح، فبعث الله عليهم منها نارًا فأحرقتهم، فذلك قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء- 189].
{وَإِنَّهُمَا} يعني مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} بطريق واضح مستبين.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} وهي مدينة ثمود قوم صالح، وهي بين المدينة والشام، {الْمُرْسَلِينَ} أراد صالحًا وحده..
{وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا} يعني: الناقة وولدها والبئر، فالآيات في الناقة؛ خروجها من الصخرة، وكبرها، وقرب ولادها، وغزارة لبنها {فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} من الخراب ووقوع الجبل عليهم.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} يعني: صيحة العذاب، {مُصْبِحِين} أي: داخلين في وقت الصبح.
{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الشرك والأعمال الخبيثة.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، حدثنا عبد الله بن محمود، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، أخبرنا سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما مرَّ بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم».
قال: وتقنَّع بردائه وهو على الرَّحْل.
وقال عبد الرزاق عن معمر: «ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي».

.تفسير الآيات (85- 87):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَواتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ} يعني: القيامة {لآتِيَةٌ} يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} فأعرض عنهم واعفُ عفوًا حسنًا. نسختها آية القتال.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} بخلقه.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} قال عمر وعلي: هي فاتحة الكتاب. وهو قول قتادة وعطاء والحسن وسعيد بن جبير.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّ القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم».
وعن ابن مسعود قال في السبع المثاني: هي فاتحة الكتاب، والقرآن العظيم: هو سائر القرآن.
واختلفوا في أنّ الفاتحة لِمَ سميت مثاني؟
قال ابن عباس والحسن وقتادة: لأنها تُثنَّى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة.
وقيل: لأنها مقسومة بين الله وبين العبد نصفين، نصفها ثناء ونصفها دعاء، كما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين».
وقال الحسين بن الفضل: سميت مثاني لأنها نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، كل مرة معها سبعون ألف ملك.
وقال مجاهد: سميت مثاني لأن الله تعالى استثناها وادَّخرها لهذه الأمة فما أعطاها غيرهم. وقال أبو زيد البلخي: سميت مثاني لأنها تُثْنِي أهل الشر عن الفسق، من قول العرب: ثنيت عناني.
وقيل: لأن أولها ثناء.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن السبع المثاني هي السبع الطوال، أولها سورة البقرة، وآخرها الأنفال مع التوبة. وقال بعضهم: سورة يونس بدل الأنفال.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أنا أبو إسحاق الثعلبي، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد وعبد الله بن محمد بن مسلم قالا أنبأنا هلال بن العلاء، حدَّثنا حجاج بن محمد عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن كثير، عن شداد بن عبد الله، عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني، وفضَّلني ربي بالمفصل».
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوتي النبي صلى الله عليه وسلم السبع الطوال، وأعطي موسى ستًا فلما ألقى الألواح رُفع ثنتان وبقي أربع.
قال ابن عباس: وإنما سميت السبع الطوال مثاني لأن الفرائض والحدود والأمثال والخَبَر والعبر ثنيت فيها.
وقال طاوس: القرآن كله مثاني قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر- 23]. وسمي القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه.
وعلى هذا القول: المراد بالسبع: سبعة أسباع القرآن، فيكون تقديره على هذا: وهي القرآن العظيم وقيل: الواو مقحمة، مجازه: ولقد آتيناك سبعا من المثاني القرآن العظيم.

.تفسير الآيات (88):

{لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}
قوله تعالى: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} يا محمد {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} أصنافًا {مِنْهُمْ} أي: من الكفار متمنيًا لها. نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة في الدنيا ومزاحمة أهلها عليها. {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي: لا تغتمَّ على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن العَنزيّ، حدثنا عيسى بن نصر، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا جهم بن أوس، قال: سمعت عبد الله بن أبي مريم- ومرَّ به عبد الله بن رستم في موكبه، فقال لابن أبي مريم: إني لأشتهي مجالستك وحديثك، فلما مضى قال ابن مريم- سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تغبطنَّ فاجرًا بنعمته، فإنك لا تدري ما هو لاقٍ بعد موته، إن له عند الله قاتلا لا يموت» فبلغ ذلك وهب بن منبه فأرسل إليه وهب أبا داود الأعور، قال: يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت؟ قال ابن أبي مريم: النار.
أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري السَّرخسي، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه، حدثنا أبو الحسن بن إسحاق، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، أخبرنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى مَنْ هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقكم، فإنه أَجْدَرُ أن لا تَزْدَرُوا نعمةَ الله عليكم».
وقيل: هذه الآية متصلة بما قبلها لمَّا مَنَّ الله تعالى عليه بالقرآن نهاه عن الرغبة في الدنيا.
رُوي أن سفيان بن عُيَيْنة- رحمه الله- تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» أي: لم يستغن بالقرآن. فتأوَّل هذه الآية.
قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} ليّن جناحك {لِلْمُؤْمِنِينَ} وارفق بهم، والجناحان لابن آدم جانباه.

.تفسير الآيات (89- 91):

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)}
{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} قال الفراء: مجازه: أنذركم عذابًا كعذاب المقتسمين. حكي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: هم اليهود والنصارى.
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} جزَّؤوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبدَّلوه.
وقيل: المقتسمون قوم اقتسموا القرآن. فقال بعضهم: سحر. وقال بعضهم: شعر. وقال بعضهم: كذب، وقال بعضهم: أساطير الأولين.
وقيل: الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ساحر كاهن شاعر.
وقال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا عِقَاب مكة وطرقها، وقعدوا على أنقابها يقولون لمن جاء من الحجاج: لا تغترُّوا بهذا الرجل الخارج الذي يدعي النبوة منّا. وتقول طائفة منهم: إنه مجنون، وطائفة: إنه كاهن، وطائفة: إنه شاعر، والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكمًا فإذا سئل عنه قال: صدق أولئك يعني المقتسمين.
وقوله: {عِضِينَ} قيل: هو جمع عضو مأخوذ من قولهم: عضَّيت الشيء تعضيةً، إذا فرَّقته. ومعناه: أنهم جعلوا القرآن أعضاء، فقال بعضهم: سحر. وقال بعضهم: كهانة. وقال بعضهم: أساطير الأولين.
وقيل: هو جمع عضة: يقال: عضة وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين، وأصلها: عضهة ذهبت هاؤها الأصلية، كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة، بدليل: أنك تقول في التصغير شفيهة، والمراد بالعضة الكذب والبهتان.
وقيل: المراد بالعضين العَضْهُ، وهو السحر، يريد: أنهم سمَّوا القرآن سحرًا.

.تفسير الآيات (92- 93):

{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} يوم القيامة.
{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا، قال محمد بن إسماعيل قال عدَّة من أهل العلم: عن قوله لا إله إلا الله.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانّ} [الرحمن- 39].
قال ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم، لأنه أعلم بهم منهم، ولكن يقول: لِمَ عملتم كذا وكذا؟ واعتمده قطرب فقال: السؤال ضربان، سؤال استعلام، وسؤال توبيخ، فقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانّ} [الرحمن- 39] يعني: استعلامًا. وقوله: {لنسألنّهم أجمعين} يعني توبيخًا وتقريعًا.
وقال عكرمة عن ابن عباس في الآيتين: إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف يسألون في بعض المواقف، ولا يسألون في بعضها. نظيره قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} [المرسلات- 35]، وقال في آية أخرى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر- 31].

.تفسير الآيات (94- 95):

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)}
قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قال ابن عباس: أَظْهِرْه. ويروى عنه: أمضه.
وقال الضحاك: أَعْلِم.
وقال الأخفش: افْرُقْ، أي: افرق بالقرآن بين الحق والباطل.
وقال سيبويه: اقض بما تؤمر، وأصل الصَّدْع: الفصل، والفرق: أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة.
وروي عن عبد الله بن عبيدة قال: كان مستخفيًا حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه.
{وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} نسختها آية القتال.
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فاصدع بأمر الله، ولا تخف أحدًا غير الله عز وجل، فإن الله كافيك مَنْ عاداك كما كفاك المستهزئين، وهم خمسة نفر من رؤساء قريش: الوليد بن المغيرة المخزومي- وكان رأسهم- والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد المطلب بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن زمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال: «اللهم أعْمِ بصره واثْكله بولده، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، والحارث بن قيس بن الطُّلاطلة، فأتى جبريل محمدًا صلى الله عليه وسلم، والمستهزئون يطوفون بالبيت، فقام جبريل وقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، فمرَّ به الوليد بن المغيرة، فقال جبريل: يا محمد كيف تجد هذا؟ فقال: بئس عَبْدُ الله، فقال: قد كُفِيْتَه، وأومأ إلى ساق الوليد، فمر برجل من خزاعة نبَّال يريش نبلا له وعليه بُرْد يمان، وهو يجرُّ إزاره، فتعلقت شظية من نَبْلٍ بإزاره فمنعه الكبر أن يطاطئ رأسه فينزعها، وجعلت تضرب ساقه، فخدشته، فمرض منها فمات. ومرَّ به العاص بن وائل فقال جبريل: كيف تجد هذا يا محمد؟ قال: بئس عبد الله، فأشار جبريل إلى أخمص رجليه، وقال: قد كفيته، فخرج على راحلته ومعه ابنان له يتنزه فنزل شعبًا من تلك الشعاب فوطئ على شبرقةٍ فدخلت منها شوكة في أخمص رجله، فقال: لدغت لدغت، فطلبوا فلم يجدوا شيئا، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه.
ومرَّ به الأسود بن المطلب، فقال جبريل: كيف تجد هذا؟ قال عبد سوء، فأشار بيده إلى عينيه، وقال: قد كفيته، فعمي.
قال ابن عباس رماه جبريل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عيناه، فجعل يضرب برأسه الجدار حتى هلك»
.
وفي رواية الكلبي: أتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك، فاستغاث بغلامه، فقال غلامه: لا أرى أحدا يصنع بك شيئًا غير نفسك، حتى مات، وهو يقول قتلني رب محمد.
ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث، فقال جبريل: كيف تجد هذا يا محمد؟ قال: بئس عبد الله على أنه ابن خالي. فقال: قد كفيته، وأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات حينًا.
وفي رواية للكلبي أنه خرج من أهله فأصابه السَّمُوم فاسودَّ حتى عاد حبشيًا، فأتى أهله فلم يعرفوه، وأغلقوا دونه الباب حتى مات، وهو يقول: قتلني رب محمد.
ومرَّ به الحارث بن قيس فقال جبريل: كيف تجد هذا يا محمد؛ فقال: عبد سوء فأومأ إلى رأسه وقال: قد كفيته فامتخط قيحًا فقتله.
وقال ابن عباس: إنه أكل حوتًا مالحًا فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى انقد بطنه فمات فذلك قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} بك وبالقرآن.
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.