فصل: تفسير الآيات (17- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (17- 22):

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}
{أَفَمَنْ يَخْلُقُ} يعني: الله تعالى، {كَمَنْ لا يَخْلُقُ} يعني الأصنام، {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ} لتقصيركم في شكر نعمه، {رَحِيمٌ} بكم حيث وسع عليكم النعم، ولم يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي. {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني: الأصنام، وقرأ عاصم ويعقوب {يدعون} بالياء. {لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} {أَمْوَاتٌ} أي: الأصنام {غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ} يعني: الأصنام {أَيَّانَ} متى {يُبْعَثُونَ} والقرآن يدل على أن الأصنام تبعث وتجعل فيها الحياة فتتبرأ من عابديها.
وقيل: ما يدري الكفار عبدة الأصنام متى يبعثون. قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} جاحدة، {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} متعظمون.

.تفسير الآيات (23- 25):

{لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
{لا جَرَمَ} حقا {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}.
أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمي البسطامي، أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سختويه، أخبرنا أبو الفضل سفيان بن محمد الجوهري، حدثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا شعبة، عن أبان بن تغلب، عن فضيل الفقيمي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، فقال رجل: يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس». {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} يعني: لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، وهم مشركو مكة الذين اقتسموا عقابها إذا سأل منهم الحاج: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أحاديثهم وأباطيلهم. {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ} ذنوب أنفسهم، {كَامِلَةً} وإنما ذكر الكمال لأن البلايا التي تلحقهم في الدنيا وما يفعلون من الحسنات لا تكفر عنهم شيئا، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} بغير حجة فيصدونهم عن الإيمان، {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} يحملون.
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا».

.تفسير الآيات (26- 28):

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وهو نمرود بن كنعان، بنى الصرح ببابل ليصعد إلى السماء.
قال ابن عباس ووهب: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع.
وقال كعب ومقاتل: كان طوله فرسخين، فهبت ريح وألقت رأسه في البحر، وخر عليهم الباقي وهم تحته، ولما سقط الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل، وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية فذلك قوله تعالى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} أي: قصد تخريب بنيانهم من أصولها {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ} يعني أعلى البيوت {مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} من مأمنهم. {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} يهينهم بالعذاب، {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} تخالفون المؤمنين فيهم، ما لهم لا يحضرونكم فيدفعون عنكم العذاب؟
وكسر نافع النون من {تشاقون} على الإضافة، والآخرون بفتحها.
{قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وهم المؤمنون {إِنَّ الْخِزْيَ} الهوان، {الْيَوْمَ وَالسُّوءَ} أي: العذاب، {عَلَى الْكَافِرِينَ} {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه، قرأ حمزة {يتوفاهم} بالياء وكذا ما بعده، {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بالكفر، ونصب على الحال أي: في حال كفرهم، {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أي: استسلموا وانقادوا وقالوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} شرك، فقال لهم الملائكة: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال عكرمة: عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر.

.تفسير الآيات (29- 32):

{فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}
{فَادْخُلُوا} أي: قال لهم ادخلوا {أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} عن الإيمان.
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء سأل الذين قعدوا على الطرق عنه، فيقولون: ساحر، كاهن، شاعر، كذاب، مجنون، ولو لم تلقه خير لك، فيقول السائل: أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة فألقاه، فيدخل مكة فيرى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث. فذلك قوله: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} يعني: أنزل خيرا.
ثم ابتدأ فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} كرامة من الله.
قال ابن عباس: هي تضعيف الأجر إلى العشر.
وقال الضحاك: هي النصر والفتح.
وقال مجاهد: هي الرزق الحسن.
{وَلَدَارُ الآخِرَةِ} أي ولدار الحال الآخرة، {خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} قال الحسن: هي الدنيا؛ لأن أهل التقوى يتزودون فيها للآخرة. وقال أكثر المفسرين: هي الجنة، ثم فسرها فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} مؤمنين طاهرين من الشرك.
قال مجاهد: زاكية أفعالهم وأقوالهم.
وقيل: معناه: إن وفاتهم تقع طيبة سهلة. {يَقُولُونَ} يعني: الملائكة لهم، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} وقيل: يبلغونهم سلام الله، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

.تفسير الآيات (33- 36):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
قوله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} لقبض أرواحهم، {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} يعني: يوم القيامة، وقيل: العذاب. {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: كفروا، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} بتعذيبه إياهم، {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} عقوبات كفرهم وأعمالهم الخبيثة، {وَحَاقَ بِهِمْ} نزل بهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} يعني: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، فلولا أن الله رضيها لغَيَّر ذلك وهدانا إلى غيرها، {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: ليس إليهم الهداية إنما إليهم التبليغ. {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا} أي: كما بعثنا فيكم، {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وهو كل معبود من دون الله، {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ} أي: هداه الله إلى دينه، {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أي: وجبت بالقضاء السابق حتى مات على كفره، {فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي: مآل أمرهم، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك.

.تفسير الآيات (37- 40):

{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} يا محمد، {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} قرأ أهل الكوفة {يهدي} بفتح الياء وكسر الدال أي: لا يهدي الله من أضله. وقيل: معناه لا يهتدي من أضله الله.
وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الدال يعني من أضله الله فلا هادي له كما قال: {ومن يضلل الله فلا هادي له} [الأعراف- 186].
{وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي: مانعين من العذاب. قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} وهم منكرو البعث، قال الله تعالى ردا عليهم: {بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أي: ليظهر لهم الحق فيما يختلفون فيه {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} يقول الله تعالى: إذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم، ولا في شيء مما يحدث، إنما نقول له: كن، فيكون.
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: كذبني عبدي، ولم يكن ذلك له، وشتمني عبدي ولم يكن ذلك له، فأما تكذيبه إياي، أن يقول: لن يعيدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي، أن يقول: اتخذ الله ولدا، وأنا الصمد، لم ألد، ولم يكن لي كفوا أحد».

.تفسير الآيات (41- 43):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} عذبوا وأوذوا في الله.
نزلت في بلال، وصهيب، وخباب، وعمار، وعابس، وجبر، وأبي جندل بن سهيل، أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم.
وقال قتادة: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ظلمهم أهل مكة، وأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين.
{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} وهو أنه أنزلهم المدينة.
روي عن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل، ثم تلا هذه الآية.
وقيل: معناه لنحسنن إليهم في الدنيا.
وقيل: الحسنة في الدنيا التوفيق والهداية.
{وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وقوله: {لو كانوا يعلمون}، ينصرف إلى المشركين لأن المؤمنين كانوا يعلمونه. {الَّذِينَ صَبَرُوا} في الله على ما نابهم {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ} نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فهلا بعث إلينا ملكا؟
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} يعني مؤمني أهل الكتاب، {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

.تفسير الآيات (44- 47):

{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}
{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} واختلفوا في الجالب للباء في قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ} قيل: هي راجعة إلى قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا} وإلا بمعنى غير، مجازه: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة.
وقيل: تأويله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} أراد بالذكر الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبينا للوحي، وبيان الكتاب يطلب من السنة، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا} عملوا {السَّيِّئَاتِ} من قبل، يعني: نمرود بن كنعان وغيره من الكفار، {أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} {أَوْ يَأْخُذَهُمْ} بالعذاب، {فِي تَقَلُّبِهِمْ} تصرفهم في الأسفار. وقال ابن عباس: في اختلافهم. وقال ابن جريج: في إقبالهم وإدبارهم، {فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} بسابقين الله. {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} والتخوف: التنقص، أي: ينقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، يقال: تخوفه الدهر وتخونه: إذا نقصه وأخذ ماله وحشمه.
ويقال: هذا لغة بني هزيل.
وقال الضحاك والكلبي: من الخوف، أي: يعذب طائفة فيتخوف الآخرون أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
{فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} حين لم يعجل بالعقوبة.