فصل: تفسير الآيات (48- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (48- 49):

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)}
قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}- قرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب، وكذلك في سورة العنكبوت، والآخرون بالياء، خبرا عن الذين مكروا السيئات- إلى ما خلق الله من شيء من جسم قائم، له ظل، {يَتَفَيَّأُ} قرأ أبو عمرو، ويعقوب بالتاء والآخرون بالياء. {ظِلالُهُ} أي: تميل وتدور من جانب إلى جانب، فهي في أول النهار على حال، ثم تتقلص، ثم تعود في آخر النهار إلى حال أخرى سجدا لله، فميلانها ودورانها: سجودها لله عز وجل. ويقال للظل بالعشي: فيء؛ لأنه فاء، أي: رجع من المغرب إلى المشرق، فالفيء الرجوع. والسجود الميل. ويقال: سجدت النخلة إذا مالت.
قوله عز وجل: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ} قال قتادة والضحاك: أما اليمين: فأول النهار، والشمال: آخر النهار، تسجد الظلال لله.
وقال الكلبي: الظل قبل طلوع الشمس عن يمينك وعن شمالك وقدامك وخلفك، وكذلك إذا غابت، فإذا طلعت كان من قدامك، وإذا ارتفعت كان عن يمينك، ثم بعده كان خلفك، فإذا كان قبل أن تغرب الشمس كان عن يسارك، فهذا تفيؤه، وتقلبه، وهو سجوده.
وقال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله.
وقيل: المراد من الظلال: سجود الأشخاص.
فإن قيل لم وحد اليمين وجمع الشمائل؟
قيل من شأن العرب في اجتماع العلامتين الاكتفاء بواحدة، كقوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} [البقرة- 7]، وقوله: {يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة- 257].
وقيل: اليمين يرجع إلى قوله: {ما خلق الله}. ولفظ {ما} واحد، والشمائل: يرجع إلى المعنى.
{وَهُمْ دَاخِرُونَ} صاغرون. {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} إنما أخبر بما لغلبة ما لا يعقل على من يعقل في العدد، والحكم للأغلب كتغليب المذكر على المؤنث، {مِنْ دَابَّةٍ} أراد من كل حيوان يدب. ويقال: السجود: الطاعة، والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد، قال الله تعالى: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت- 11].
وقيل: سجود الأشياء تذللها وتسخرها لما أريدت له وسخرت له.
وقيل: سجود الجمادات وما لا يعقل: ظهور أثر الصنع فيه، على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه، قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق} [فصلت- 53].
{وَالْمَلائِكَةُ} خص الملائكة بالذكر مع كونهم من جملة ما في السموات والأرض تشريفا ورفعا لشأنهم.
وقيل: لخروجهم من الموصوفين بالدبيب إذ لهم أجنحة يطيرون بها.
وقيل؛ أراد: ولله يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة، وتسجد الملائكة. {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}.

.تفسير الآيات (50- 52):

{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)}
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} كقوله: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام- 18].
{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا محمد بن سمعان، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الشعراني، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك يمجد الله، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولصعدتم إلى الصعدات تجأرون»، قال أبو ذر: «يا ليتني كنت شجرة تعضد». رواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع، عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل وقال: «إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله».
قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ} الطاعة والإخلاص {وَاصِبًا} دائما ثابتا.
معناه: ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلاك، غير الله عز وجل، فإن الطاعة تدوم له ولا تنقطع.
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} أي: تخافون، استفهام على طريق الإنكار.

.تفسير الآيات (53- 58):

{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)}
قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} أي: وما يكن بكم من نعمة فمن الله، {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} القحط والمرض، {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} تضجون وتصيحون بالدعاء والاستغاثة.
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}. {لِيَكْفُرُوا} ليجحدوا، وهذه اللام تسمى لام العاقبة، أي: حاصل أمرهم هو كفرهم {بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم من النعماء وكشف الضراء والبلاء، {فَتَمَتَّعُوا} أي: عيشوا في الدنيا المدة التي ضربتها لكم، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة أمركم. هذا وعيد لهم. {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ} له حقا، أي: الأصنام، {نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الأموال، وهو ما جعلوا للأوثان من حروثهم وأنعامهم، فقالوا: هذا لله بزعمهم، وهذا لشركائنا.
ثم رجع من الخبر إلى الخطاب فقال: {تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ} يوم القيامة، {عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} في الدنيا. {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} وهم خزاعة وكنانة، قالوا: الملائكة بنات الله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} أي: ويجعلون لأنفسهم البنين الذين يشتهونهم، فتكون {ما} في محل النصب، ويجوز أن تكون على الابتداء فتكون {ما} في محل الرفع. {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} متغيرا من الغم والكراهية، {وَهُوَ كَظِيمٌ} وهو ممتلئ حزنا وغيظا فهو يكظمه أي: يمسكه ولا يظهره.

.تفسير الآيات (59- 60):

{يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)}
{يَتَوَارَى} أي: يختفي، {مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} من الحزن والعار، ثم يتفكر: {أَيُمْسِكُهُ} ذكر الكناية ردا على {ما} {عَلَى هُونٍ} أي: هوان، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي: يخفيه منه، فيئده.
وذلك: أن مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات أحياء، خوفا من الفقر عليهم، وطمع غير الأكفاء فيهن، وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها: ألبسها جبة من صوف أو شعر، وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها: تركها حتى إذا صارت سداسية، قال لأمها: زينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرا في الصحراء، فإذا بلغ بها البئر قال لها: انظري إلى هذه البئر، فيدفعها من خلفها في البئر، ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض، فذلك قوله عز وجل: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}.
وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يحييها بذلك، فقال الفرزدق يفتخر به:
وعمي الذي منع الوائدات ** فأحيا الوئيد فلم توأد

{أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون لله البنات ولأنفسهم البنين، نظيره: {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى} [النجم- 22]، وقيل: بئس حكمهم وأد البنات. {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} يعني لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ولأنفسهم البنين {مَثَلُ السَّوْءِ} صفة السوء من الاحتياج إلى الولد، وكراهية الإناث، وقتلهن خوف الفقر، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} الصفة العليا، وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو.
وقيل: جميع صفات الجلال والكمال، من العلم، والقدرة، والبقاء، وغيرها من الصفات.
قال ابن عباس: {مثل السوء}: النار، و{المثل الأعلى}: شهادة أن لا إله إلا الله.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

.تفسير الآيات (61- 62):

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (62)}
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} فيعاجلهم بالعقوبة على كفرهم وعصيانهم، {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا} أي: على الأرض، كناية عن غير مذكور، {مِنْ دَابَّةٍ}.
قال قتادة في الآية: قد فعل الله ذلك في زمن نوح، فأهلك من على الأرض، إلا من كان في سفينة نوح عليه السلام.
روي أن أبا هريرة سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم.
وقال ابن مسعود: إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم.
وقيل: معنى الآية: لو يؤاخذ الله آباء الظالمين بظلمهم انقطع النسل، ولم توجد الأبناء فلم يبق في الأرض أحد.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ} يمهلهم بحلمه إلى أجل، {مُسَمًّى} إلى منتهى آجالهم وانقطاع أعمارهم. {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} قوله عز وجل: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} لأنفسهم يعني البنات، {وَتَصِفُ} أي: تقول، {أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} يعني البنين، محل {إن} نصب بدل عن الكذب.
قال يمان: يعني بـ {الحسنى}: الجنة في المعاد، إن كان محمد صادقا في البعث.
{لا جَرَمَ} حقا. قال ابن عباس: بلى، {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} في الآخرة، {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} قرأ نافع بكسر الراء أي: مسرفون.
وقرأ أبو جعفر بتشديد الراء وكسرها أي: مضيعون أمر الله.
وقرأ الآخرون بفتح الراء وتخفيفها أي: منسيون في النار، قاله ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير: مبعدون.
وقال مقاتل: متروكون.
قال قتادة: معجلون إلى النار.
قال الفراء: مقدَّمون إلى النار، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» أي: متقدمكم.

.تفسير الآيات (63- 66):

{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)}
{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما أرسلنا إلى هذه الأمة، {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} الخبيثة، {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ} ناصرهم، {اليوم} وقرينهم، سماه وليا لهم، لطاعتهم إياه، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} من الدين والأحكام، {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: ما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا وهدى ورحمة، فالهدى والرحمة عطف على قوله: {لتبين}. {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} يعني: المطر: {فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ} بالنبات، {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبوستها، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سمع القلوب لا سمع الآذان. {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً} لعظة، {نُسْقِيكُمْ} بفتح النون هاهنا وفي المؤمنين، قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب والباقون بضمها وهما لغتان. {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} قال الفراء: رد الكناية إلى النعم، والنعم والأنعام واحد.
ولفظ النعم مذكر، قال أبو عبيدة، والأخفش: النعم يذكر ويؤنث، فمن أنث فلمعنى الجمع، ومن ذكر فلحكم اللفظ.
قال الكسائي: رده إلى ما يعني في بطون ما ذكرنا.
وقال المؤرج: الكناية مردودة إلى البعض والجزء، كأنه قال نسقيكم مما في بطونه اللبن، إذ ليس لكلها لبن، واللبن فيه مضمر.
{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ} وهو ما في الكرش من الثقل، فإذا خرج منه لا يسمى فرثا، {وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} من الدم والفرث ليس عليه لون دم ولا رائحة فرث.
{سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} هنيئا يجري على السهولة في الحلق.
وقيل: إنه لم يغص أحد باللبن قط.
قال ابن عباس: إذا أكلت الدابة العلف واستقر في كرشها وطحنته فكان أسفله فرثا، وأوسطه اللبن، وأعلاه الدم، والكبد مسلطة عليها، تقسمها بتقدير الله تعالى، فيجري الدم في العروق، واللبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.