فصل: تفسير الآيات (38- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (38- 39):

{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}
{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} قرأ ابن عامر وأهل الكوفة: برفع الهمزة وضم الهاء على الإضافة ومعناه: كل الذي ذكرنا من قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} {كَانَ سَيِّئُهُ} أي: سيئ ما عددنا عليك عند ربك مكروها؛ لأنه قد عد أمورا حسنة كقوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} وغير ذلك.
وقرأ الآخرون: {سيئة} منصوبة منونة يعني: كل الذي ذكرنا من قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه إذ الكل يرجع إلى المنهي عنه دون غيره ولم يقل مكروهة لأن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره: كل ذلك كان مكروها سيئة. وقوله: {مَكْرُوهًا} على التكرير لا على الصفة مجازه: كل ذلك كان سيئة وكان مكروها أو رجع إلى المعنى دون اللفظ لأن السيئة الذنب وهو مذكر. {ذَلِكَ} الذي ذكرنا {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} وكل ما أمر الله به أو نهى عنه فهو حكمه.
{وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات والمراد منه الأمة {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} مطرودا مبعدا من كل خير.

.تفسير الآيات (40- 44):

{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}
قوله عز وجل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ} أي: اختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة يعني: اختاركم {بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا} يخاطب مشركي مكة. قوله عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} يعني: ما ذكر من العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام والتشديد للتكثير والتكرير {لِيَذَّكَّرُوا} أي: ليتذكروا ويتعظوا وقرأ حمزة والكسائي بإسكان الذال وضم الكاف وكذلك في الفرقان. {وَمَا يَزِيدُهُمْ} تصريفنا وتذكيرنا {إِلا نُفُورًا} ذهابا وتباعدا عن الحق. {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} قرأ حفص وابن كثير {يقولون} بالياء وقرأ الآخرون بالتاء {إِذًا لابْتَغَوْا} لطلبوا يعني الآلهة {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض.
وقيل: معناه لطلبوا إلى ذي العرش سبيلا بالتقرب إليه.
قال قتادة: لعرفوا الله وفضله وابتغوا ما يقربهم إليه.
والأول أصح. ثم نزه نفسه فقال عز من قائل: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} قرأ حمزة والكسائي {تقولون} بالتاء والآخرون بالياء {عُلُوًّا كَبِيرًا} {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب: {تسبح} بالتاء وقرأ الآخرون بالياء للحائل بين الفعل والتأنيث.
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} روي عن ابن عباس أنه قال: وإن من شيء حي إلا يسبح بحمده.
وقال قتادة: يعني الحيوانات والناميات.
وقال عكرمة: الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح.
وعن المقدام بن معد يكرب قال: إن التراب يسبح ما لم يبتل فإذا ابتل ترك التسبيح وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها فإذا رفعت تركت التسبيح وإن الورقة لتسبح ما دامت على الشجرة فإذا سقطت تركت التسبيح وإن الثوب ليسبح ما دام جديدا فإذا وسخ ترك التسبيح وإن الماء يسبح ما دام جاريا فإذا ركد ترك التسبيح وإن الوحش والطير تسبح إذا صاحت فإذا سكنت تركت التسبيح.
وقال إبراهيم النخعي: وإن من شيء جماد إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف.
وقال مجاهد: كل الأشياء تسبح لله حيا كان أو ميتا أو جمادا، وتسبيحها سبحان الله وبحمده.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا أبو أحمد الزبير أخبرنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: «اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل».
وقال بعض أهل المعاني: تسبح السموات والأرض والجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ما دلت بلطيف تركيبها وعجيب هيئتها على خالقها فيصير ذلك بمنزلة التسبيح منها.
والأول هو المنقول عن السلف.
واعلم أن لله تعالى علما في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن يوكل علمه إليه.
{وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي لا تعلمون تسبيح ما عدا من يسبح بلغاتكم وألسنتكم {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.

.تفسير الآيات (45- 47):

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا (47)}
قوله عز وجل: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به.
قال قتادة: هو الأكنة والمستور بمعنى الساتر كقوله: {إنه كان وعده مأتيا} [مريم- 61] مفعول بمعنى فاعل.
وقيل مستور عن أعين الناس فلا يرونه.
وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة، كما روي عن سعيد بن جبير أنه لما نزلت: {تبت يدا أبي لهب} جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فلم تره فقالت لأبي بكر: أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني؟ فقال: والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله قال: لا لم يزل ملك بيني وبينها يسترني. {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَنْ يَفْقَهُوهُ} كراهية أن يفقهوه. وقيل: لئلا يفقهوه، {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} ثقلا لئلا يسمعوه {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ} يعني إذا قلت: لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه {وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} جمع نافر مثل: قاعد وقعود وجالس وجلوس أي نافرين. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} قيل: {به} صلة أي: يطلبون سماعه، {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وأنت تقرأ القرآن {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} يتناجون في أمرك وقيل: ذو نجوى فبعضهم يقول: هذا مجنون وبعضهم يقول كاهن وبعضهم يقول: ساحر وبعضهم يقول: شاعر {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} يعني: الوليد بن المغيرة وأصحابه، {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} مطبوبا وقال مجاهد: مخدوعا. وقيل: مصروفا عن الحق. يقال: ما سحرك عن كذا أي ما صرفك؟
وقال أبو عبيدة: أي رجلا له سحر، والسحر: الرئة أي: إنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب قال الشاعر:
أرانا موضعين لحتم غيب ** ونسحر بالطعام وبالشراب

.تفسير الآيات (48- 51):

{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}
{انْظُرْ} يا محمد {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ} الأشباه، قالوا: شاعر وساحر وكاهن ومجنون {فَضَلُّوا} فحاروا وحادوا {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} أي: وصولا إلى طريق الحق. {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا} بعد الموت، {وَرُفَاتًا} قال مجاهد: ترابا وقيل: حطاما. والرفات: كل ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات والحطام. {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} {قُلْ} لهم يا محمد: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} في الشدة والقوة وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيز أي: استشعروا في قلوبكم أنكم حجارة أو حديد في القوة. {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} قيل: السماء والأرض والجبال.
وقال مجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين: إنه الموت فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت أي: لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم.
{فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا} من يبعثنا بعد الموت؟ {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ} خلقكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} أي: يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بها {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} أي: البعث والقيامة {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} أي: هو قريب لأن عسى من الله واجب نظيره قوله تعالى: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} [الأحزاب- 63].

.تفسير الآيات (52- 54):

{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (54)}
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} من قبوركم إلى موقف القيامة {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} قال ابن عباس: بأمره وقال قتادة: بطاعته وقيل: مقرين بأنه خالقهم وباعثهم ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد وقيل: هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين. {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ} في الدنيا وفي القبور {إِلا قَلِيلا} لأن الإنسان لو مكث ألوفا من السنين في الدنيا وفي القبر عد ذلك قليلا في مدة القيامة والخلود قال قتادة: يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة. قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال الكلبي: كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي} المؤمنين {يَقُولُوا} للكافرين {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ولا يكافؤوهم بسفههم. قال الحسن: يقول له: يهديك الله وكان هذا قبل الإذن في الجهاد والقتال.
وقيل: نزلت في عمر بن الخطاب شتمه بعض الكفار فأمره الله بالعفو.
وقيل: أمر الله المؤمنين بأن يقولوا ويفعلوا التي هي أحسن أي: الخلة التي هي أحسن.
وقيل: الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ بَيْنَهُمْ} أي: يفسد ويلقي العداوة بينهم {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} ظاهر العداوة. {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} يوفقكم فتؤمنوا {أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} يميتكم على الشرك فتعذبوا قاله ابن جريج.
وقال الكلبي: إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة، وإن يشأ يعذبكم فيسلطهم عليكم. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} حفيظا وكفيلا قيل: نسختها آية القتال.

.تفسير الآيات (55- 57):

{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: ربك العالم بمن في السموات والأرض فجعلهم مختلفين في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم ومللهم.
{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} قيل جعل أهل السموات والأرض مختلفين كما فضل بعض النبيين على بعض.
قال قتادة في هذه الآية: اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وقال لعيسى: كن فيكون وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورا كما قال: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} والزبور: كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتمجيد وثناء على الله عز وجل وليس فيها حرام ولا حلال ولا فرائض ولا حدود.
معناه: إنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن؟ وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم السلام من أهل الكتاب وغيرهم. قوله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وذلك أن المشركين أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم قال الله تعالى: {قُلِ} للمشركين {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} أنها آلهة {فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ} القحط والجوع {عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا} إلى غيركم أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر. {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يعني الذين يدعونهم المشركون آلهة يعبدونهم.
قال ابن عباس ومجاهد: وهم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم {يبتغون} أي يطلبون إلى ربهم {الوسيلة} أي القربة. وقيل: الوسيلة الدرجة العليا أي: يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا.
وقيل: الوسيلة كل ما يتقرب به إلى الله تعالى.
وقوله: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به وقال الزجاج: أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} جنته {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} أي يطلب منه الحذر.
وقال عبد الله بن مسعود: نزلت الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الإنس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية.
وقرأ ابن مسعود {أولئك الذين تدعون} بالتاء.