فصل: تفسير الآيات (11- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (11- 12):

{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}
{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أي: أنمناهم وألقينا عليهم النوم. وقيل: معناه منعنا نفوذ الأصوات إلى مسامعهم فإن النائم إذا سمع الصوت ينتبه {فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} أي: أنمناهم سنين معدودة وذكر العدد على سبيل التأكيد وقيل: ذكره يدل على الكثرة فإن القليل لا يعد في العادة. {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} يعني من نومهم {لِنَعْلَمَ} أي: علم المشاهدة {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} أي الطائفتين {أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} وذلك أن أهل القرية تنازعوا في مدة لبثهم في الكهف. واختلفوا في قوله: {أحصى لما لبثوا} أحفظ لما مكثوا في كهفهم نياما أمدا أي: غاية وقال مجاهد: عددا ونصبه على التفسير.

.تفسير الآيات (13- 16):

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} نقرأ عليك {نَبَأَهُمْ} خبر أصحاب الكهف {بِالْحَقِّ} بالصدق {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} شبان {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} إيمانا وبصيرة. {وَرَبَطْنَا} شددنا {عَلَى قُلُوبِهِمْ} بالصبر والتثبيت وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم ومفارقة ما كانوا فيه من العز وخصب العيش وفروا بدينهم إلى الكهف {إِذْ قَامُوا} بين يدي دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم {فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} قالوا ذلك لأن قومهم كانوا يعبدون الأوثان {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} يعني: إن دعونا غير الله لقد قلنا إذا شططا، قال ابن عباس: جورا. وقال قتادة: كذبا. وأصل الشطط والإشطاط مجاوزة القدر والإفراط. {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا} يعني: أهل بلدهم {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} أي: من دون الله {آلِهَةً} يعني: الأصنام يعبدونها {لَوْلا} أي: هلا {يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ} أي: على عبادتهم {بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} بحجة واضحة تبين وتوضح أن الأصنام لا تستحق العبادة من دون الله {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} وزعم أن له شريكا وولدا. ثم قال بعضهم لبعض: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} يعني قومهم {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} قرأ ابن مسعود {وما يعبدون من دون الله} وأما القراءة المعروفة فمعناها: أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان يقولون وإذ اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادته {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} فالجأوا إليه {يَنْشُرْ لَكُمْ} يبسط لكم {رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ} يسهل لكم {مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} أي: ما يعود إليه يسركم ورفقكم قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر {مرفقا} بفتح الميم وكسر الفاء وقرأ الآخرون بكسر الميم وفتح الفاء ومعناهما واحد، وهو ما يرتفق به الإنسان.

.تفسير الآيات (17- 18):

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ} قرأ ابن عامر ويعقوب: {تزور} بسكون الزاي وتشديد الراء على وزن تحمر وقرأ أهل الكوفة: بفتح الزاي خفيفة وألف بعدها وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وكلها بمعنى واحد أي: تميل وتعدل {عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} أي: جانب اليمين {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} أي: تتركهم وتعدل عنهم {ذَاتَ الشِّمَالِ} أصل القرض القطع {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} أي: متسع من الكهف وجمعها فجوات قال ابن قتيبة: كان كهفهم مستقبل بنات نعش لا تقع فيه الشمس عند الطلوع ولا عند الغروب ولا فيما بين ذلك قال: اختار الله لهم مضطجعا في مقناة لا تدخل عليهم الشمس فتؤذيهم بحرها وتغير ألوانهم وهم في متسع ينالهم برد الريح ونسيمها ويدفع عنهم كرب الغار وغمومه.
وقال بعضهم هذا القول خطأ وهو أن الكهف كان مستقبل بنات نعش فكانت الشمس لا تقع عليهم ولكن الله صرف الشمس عنهم بقدرته وحال بينها وبينهم ألا ترى أنه قال: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} من عجائب صنع الله ودلالات قدرته التي يعتبر بها {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ} أي: من يضلله الله ولم يرشده {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا} معينا {مُرْشِدًا} قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا} أي: منتبهين جمع يَقِظ ويَقُظ {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام جمع راقد مثل قاعد وقعود وإنما اشتبه حالهم لأنهم كانوا مفتحي الأعين يتنفسون ولا يتكلمون.
{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر. قال ابن عباس: كانوا يقلبون في السنة مرة من جانب إلى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم. وقيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم. وقال أبو هريرة: كان لهم في كل سنة تقلبان.
{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أكثر أهل التفسير على أنه كان من جنس الكلاب.
وروي عن ابن جريج: أنه كان أسدا وسمي الأسد كلبا فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» فافترسه أسد.
والأول أصح.
قال ابن عباس: كان كلبا أغر. ويروى عنه: فوق القلطي ودون الكردي والقلطي: كلب صيني.
وقال مقاتل: كان أصفر. وقال القرظي: كان شدة صفرته تضرب إلى الحمرة. وقال الكلبي: لونه كالخلنج وقيل: لون الحجر.
قال ابن عباس: كان اسمه قطمير وعن علي: اسمه ريان. وقال الأوزاعي: بتور. وقال السدي: تور وقال كعب: صهيلة.
قال خالد بن معدان: ليس في الجنة شيء من الدواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعام.
قوله: {بِالْوَصِيدِ} قال مجاهد والضحاك: والوصيد: فناء الكهف وقال عطاء: الوصيد عتبة الباب. وقال السدي: الوصيد الباب وهو رواية عكرمة عن ابن عباس.
فإن قيل: لم يكن للكهف باب ولا عتبة؟
قيل: معناه موضع الباب والعتبة كان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهم.
قال السدي: كان أصحاب الكهف إذا انقلبوا انقلب الكلب معهم وإذا انقلبوا إلى اليمين كسر الكلب أذنه اليمنى ورقد عليها وإذا انقلبوا إلى الشمال كسر أذنه اليسر ورقد عليها.
{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} يا محمد {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} لما ألبسهم الله من الهيبة حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله تعالى من رقدتهم {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} خوفا قرأ أهل الحجاز بتشديد اللام والآخرون بتخفيفها.
واختلفوا في أن الرعب كان لماذا قيل من وحشة المكان.
وقال الكلبي: لأن أعينهم كانت مفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام.
وقيل: لكثرة شعورهم وطول أظفارهم ولتقبلهم من غير حس ولا إشعار.
وقيل: إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد.
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم. فقال ابن عباس رضي الله عنهم: لقد منع ذلك من هو خير منك، فقال: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا} فبعث معاوية ناسا فقال: اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)}
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} أي: كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان فكذلك بعثناهم من النومة التي تشبه الموت {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} ليسأل بعضهم بعضا واللام فيه لام العاقبة لأنهم لم يبعثوا للسؤال.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} وهو رئيسهم مكسلمينا {كَمْ لَبِثْتُمْ} في نومكم؟ وذلك أنهم استنكروا طول نومهم ويقال: إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة فقالوا ذلك.
{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا} وذلك أنهم دخلوا الكهف غدوة فقالوا فانتبهوا حين انتبهوا عشية فقالوا: لبثنا يوما ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية فقالوا: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظفارهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم.
{قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} وقيل: إن رئيسهم مكلسلمينا لما سمع الاختلاف بينهم قال: دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} يعني يمليخا.
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر: بورقكم ساكنة الراء والباقون بكسرهما ومعناهما واحد وهي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.
{إِلَى الْمَدِينَةِ} قيل: هي طرسوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها في الإسلام طرسوس.
{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} أي: أحل طعاما حتى لا يكون من غصب أو سبب حرام وقيل: أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم وقال الضحاك: أطيب طعاما وقال مقاتل بن حيان: أجود طعاما وقال عكرمة: أكثر وأصل الزكاة الزيادة وقيل: أرخص طعاما.
{فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} أي: قوت وطعام تأكلونه {وَلْيَتَلَطَّفْ} وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان {وَلا يُشْعِرَنَّ} ولا يعلمن {بِكُمْ أَحَدًا} من الناس.

.تفسير الآيات (20- 21):

{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}
{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} أي: يعلموا بمكانكم {يَرْجُمُوكُمْ} قال ابن جريج: يشتمونكم ويؤذونكم بالقول وقيل: يقتلوكم وقيل: كان من عاداتهم القتل بالحجارة وهو أخبث القتل وقيل: يضربوكم {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} أي: إلى الكفر {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} إن عدتم إليه. قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا} أي: اطلعنا {عَلَيْهِمْ} يقال: عثرت على الشيء: إذا اطلعت عليه وأعثرت غيري أي: أطلعته {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يعني قوم بيدروس الذين أنكروا البعث {وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} قال ابن عباس: يتنازعون في البنيان فقال المسلمون: نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا وقال المشركون: نبني عليهم بنيانا لأنهم من أهل نسبنا.
وقال عكرمة: تنازعوا في البعث، فقال المسلمون: البعث للأجساد والأرواح معا، وقال قوم: للأرواح دون الأجساد فبعثهم الله تعالى وأراهم أن البعث للأجساد والأرواح.
وقيل: تنازعوا في مدة لبثهم. وقيل: في عددهم.
{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} بيدروس الملك وأصحابه {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}.

.تفسير الآية رقم (22):

{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}
{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد- وكان يعقوبيا-: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب- وكان نسطوريا-: كانوا خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون: كانوا سبعة ثامنهم كلبهم فحقق الله قول المسلمين بعدما حكى قول النصارى فقال: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أي: ظنا وحدسا من غير يقين ولم يقل هذا في حق السبعة فقال: {وَيَقُولُونَ} يعني: المسلمين {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
اختلفوا في الواو في قوله: {وَثَامِنُهُمْ} قيل: تركها وذكرها سواء.
وقيل: هي واو الحكم والتحقيق كأنه حكى اختلافهم وتم الكلام عند قوله ويقولون سبعة ثم حقق هذا القول بقوله: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} والثامن لا يكون إلا بعد السابع.
وقيل: هذه واو الثمانية وذلك أن العرب تعد فتقول واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لأن العقد كامن عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة نظيره قوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون} إلى قوله: {والناهون عن المنكر} [التوبة- 112] وقال في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} [التحريم- 5].
{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} أي: بعددهم {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} أي: إلا قليل من الناس. قال ابن عباس: أنا من القليل كانوا سبعة.
وقال محمد بن إسحاق: كانوا ثمانية قرأ: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي: حافظهم والصحيح هو الأول.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هم مكسلمينا ويمليخا ومرطونس وبينونس وسارينونس وذو نوانس وكشفيططنونس وهو الراعي والكلب قطمير.
{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} أي: لا تجادل ولا تقل في عددهم وشأنهم {إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} إلا بظاهر ما قصصنا عليك يقول: حسبك ما قصصت عليك فلا تزد عليه وقف عنده {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ} من أهل الكتاب {أَحَدًا} أي: لا ترجع إلى قولهم بعد أن أخبرناك.