فصل: تفسير الآيات (60- 62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (60- 62):

{إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)}
{إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا}. {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} ولم يروها {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} يعني: آتيا مفعول بمعنى فاعل.
وقيل: لم يقل آتيا لأن كل من أتاك فقد أتيته والعرب لا تفرق بين قول القائل: أتت علي خمسون سنة وبين قوله: أتيت على خمسين سنة ويقول: وصل إلي الخير ووصلت إلى الخير.
وقال ابن جرير: {وعده} أي: موعده وهو الجنة {مأتيا} يأتيه أولياؤه أهل الجنة وأهل طاعته. {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا} في الجنة {لَغْوًا} باطلا وفحشا وفضولا من الكلام.
وقال مقاتل: هو اليمين الكاذبة.
{إِلا سَلامًا} استثناء من غير جنسه يعني: بل يسمعون فيها سلاما أي: قولا يسلمون منه {والسلام} اسم جامع للخير لأنه يتضمن السلامة.
معناه: إن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤثمهم إنما يسمعون ما يسلمهم.
وقيل: هو تسليم بعضهم على بعض وتسليم الملائكة عليهم.
وقيل: هو تسليم الله عليهم.
{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قال أهل التفسير: ليس في الجنة ليل يعرف به البكرة والعشي بل هم في نور أبدا ولكنهم يأتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار.
وقيل: إنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب ووقت الليل بإرخاء الحجب.
وقيل: المراد منه رفاهية العيش وسعة الرزق من غير تضييق.
وكان الحسن البصري يقول: كانت العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة والعشي فوصف الله عز وجل جنته بذلك.

.تفسير الآيات (63- 64):

{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)}
{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} أي: نعطي وننزل. وقيل: يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا {مَنْ كَانَ تَقِيًّا} أي: المتقين من عباده. قوله عز وجل: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا خلاد بن يحيى أخبرنا عمر بن ذر قال: سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا» فنزلت: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} الآية. قال: كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي: احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فقال: أخبركم غدا ولم يقل: إن شاء الله حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك» فقال له جبريل: إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} وانزل: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}.
{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أي: له علم ما بين أيدينا. واختلفوا فيه: فقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} من أمر الآخرة والثواب والعقاب {وَمَا خَلْفَنَا} ما مضى من الدنيا {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة.
وقيل {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} ما بقي من الدنيا {وَمَا خَلْفَنَا} ما مضى منها {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أي: ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} ما بقي من الدنيا {وَمَا خَلْفَنَا} ما مضى منها {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} مدة حياتنا.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} بعد أن نموت {وَمَا خَلْفَنَا} قبل أن نخلق {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} مدة الحياة.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} الأرض إذا أردنا النزول إليها {وَمَا خَلْفَنَا} السماء إذا نزلنا منها {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} الهواء يريد: أن ذلك كله لله عز وجل فلا نقدر على شيء إلا بأمره. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} أي: ناسيا يقول: ما نسيك ربك أي: ما تركك والناسي التارك.

.تفسير الآية رقم (65):

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)}
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} أي: اصبر على أمره ونهيه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: مثلا.
وقال الكلبي: هل تعلم أحدا يسمى الله غيره؟

.تفسير الآيات (66- 69):

{وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)}
قوله عز وجل: {وَيَقُولُ الإنْسَانُ} يعني: أبي بن خلف الجمحي كان منكرا للبعث قال: {أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} قاله استهزاء وتكذيبا للبعث. قال الله عز وجل: {أَوَلا يَذْكُرُ} أي يتذكر ويتفكر وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب {يذكر} خفيف {الإنْسَانُ} يعني: أبي بن خلف {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} أي: لا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة ثم أقسم بنفسه فقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} لنجمعنهم في المعاد يعني: المشركين المنكرين للبعث {وَالشَّيَاطِينَ} مع الشياطين وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} قيل في جهنم {جِثِيًّا} قال ابن عباس رضي الله عنه: جماعات جمع جثوة.
وقال الحسن والضحاك: جمع جاث أي: جاثين على الركب.
قال السدي: قائمين على الركب لضيق المكان. {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ} لنخرجن {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} أي: من كل أمة وأهل دين من الكفار {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} عتوا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني جرأة. وقال مجاهد: فجورا، يريد: الأعتى فالأعتى.
وقال الكلبي: قائدهم ورأسهم في الشر يريد أنه يقدم في إدخال من هو أكبر جرما وأشد كفرا.
في بعض الآثار: أنهم يحشرون جميعا حول جهنم مسلسلين مغلولين ثم يقدم الأكفر فالأكفر.
ورفع {أَيُّهُمْ} على معنى: الذي يقال لهم: أيهم أشد على الرحمن عتيا.
وقيل: على الاستئناف ثم لننزعن يعمل في موضع {من كل شيعة}.

.تفسير الآيات (70- 71):

{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)}
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} أي: أحق بدخول النار يقال: صلي يصلي صليا، مثل: لقي يلقى لقيا وصلى يصلي صليا، مثل: مضى يمضي مضيا إذا دخل النار وقاسى حرها. قوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} وما منكم إلا واردها وقيل: القسم فيه مضمر، أي: والله ما منكم من أحد إلا واردها، والورود هو موافاة المكان.
واختلفوا في معنى الورود هاهنا، وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله: {وَارِدُهَا} قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الأكثرين؛ معنى الورود هاهنا هو الدخول والكناية راجعة إلى النار وقالوا: النار يدخلها البر والفاجر ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها.
والدليل على أن الورود هو الدخول: قول الله عز وجل حكاية عن فرعون: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} [هود: 98].
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرق مارى ابن عباس رضي الله عنهما في الورود فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الدخول. وقال نافع: ليس الورود الدخول، فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} [الأنبياء:98] أدخلها هؤلاء أم لا؟ ثم قال: يا نافع أما والله أنت وأنا سنردها وأنا أرجو أن يخرجني الله منها وما أرى الله عز وجل أن يخرجك منها بتكذيبك.
وقال قوم: ليس المراد من الورود الدخول، وقالوا النار لا يدخلها مؤمن أبدا لقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء:101- 102] وقالوا: كل من دخلها لا يخرج منها. والمراد من قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} الحضور والرؤية، لا الدخول كما قال الله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص:23] أراد به الحضور.
وقال عكرمة: الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} يعني: القيامة والكناية راجعة إليها.
والآول أصح وعليه أهل السنة أنهم جميعا يدخلون النار ثم يخرج الله عز وجل منها أهل الإيمان بدليل قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (72):

{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}
{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} أي اتقوا الشرك وهم المؤمنون. والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه.
وقرأ الكسائي ويعقوب: {ننجي} بالتخفيف. والآخرون: بالتشديد.
والدليل على هذا: ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا عبد الرحيم بن منيب أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم».
وأراد بالقسم قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا مسلم بن إبراهيم أخبرنا هشام أخبرنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير» وقال أبان عن قتادة: «من إيمان» مكان: «خير».
أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري أخبرنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا محمد بن الفضل أبو النعمان أخبرنا سلام بن مسكين أخبرنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان فيقول الله عز وجل لجبريل: اذهب فائتني بعبدي هذا قال: فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون قال: فرجع فأخبر ربه عز وجل قال اذهب فإنه في موضع كذا وكذا قال: فجاء به قال: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ قال: يا رب شر مكان وشر مقيل قال، ردوا عبدي قال: ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذ أخرجتني منها قال الله تعالى لملائكته دعوا عبدي».
وأما قوله عز وجل: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء:102] قيل: إن الله عز وجل أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنهم لا يسمعون حسيسها فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة لأنه لم يقل: لم يسمعوا حسيسها ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها لأن الله عز وجل يجعلها عليهم بردا وسلاما.
وقال خالد بن معدان: يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال بلى ولكنكم مررتم بها وهي خامدة.
وفي الحديث: تقول النار للمؤمن: «جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي».
وروي عن مجاهد في قوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} قال: من حم من المسلمين فقد وردها.
وفي الخبر: «الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار».
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا يحيى عن هشام أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء».
{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} أي: كان ورودكم جهنم حتما لازما {مَقْضِيًّا} قضاه الله عليكم.
{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} أي اتقوا الشرك وقرأ الكسائي {ننجي} بالتخفيف والباقون بالتشديد {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} جميعا. وقيل: جاثين على الركب وفيه دليل على أن الكل دخلوها ثم أخرج الله منها المتقين وترك فيها الظالمين وهم المشركون.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» قالوا: لا يا رسول الله قال: «فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب» قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله عز وجل فيقول: أنا ربكم فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يجردل ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك. فيعطي الله ما شاء الله من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله تبارك وتعالى: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول يا رب أدخلني الجنة فيقول الله تعالى: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول: تمن فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله تعالى: تمن كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى: لك ومثله معه. قال أبو سعيد لأبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى لك ذلك وعشرة أمثاله» قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله: لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد إني سمعته يقول: «ذلك لك وعشرة أمثاله».
ورواه محمد بن إسماعيل عن محمود بن غيلان أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة بمعناه وقال: فيأتيهم الله عز وجل في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن حماد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة قال: فيخرون فيطرحون على أبواب الجنة قال: فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنبت القثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة».
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أخبرنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا هناد بن السري أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج منها زحفا فيقال له: انطلق فادخل الجنة قال فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول: يا رب قد أخذ الناس المنازل فيقال: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول: نعم فيقال له: تمن فيتمنى فيقال له: فإن لك الذي تمنيته وعشرة أضعاف الدنيا قال فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن حماد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرا والحديبية» قال: قلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} قال: أفلم تسمعيه يقول: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.