فصل: تفسير الآيات (73- 74):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (73- 74):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)}
قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} واضحات {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: النضر بن الحارث وذويه من قريش {لِلَّذِينَ آمَنُوا} يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رءوسهم ويلبسون حرير ثيابهم فقالوا للمؤمنين: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا} منزلا ومسكنا وهو موضع الإقامة.
وقرأ ابن كثير: {مقاما} بضم الميم أي إقامة.
{وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي مجلسا ومثله النادي فأجابهم الله تعالى فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} أي متاعا وأموالا. وقال مقاتل: لباسا وثيابا {وَرِئْيًا} قرأ أكثر القراء بالهمز أي: منظرا من الرؤية وقرأ ابن عامر وأبو جعفر ونافع غير ورش: {وريا} مشددا بغير همز وله تفسيران: أحدهما هو الأول بطرح الهمز والثاني: من الري الذي هو ضد العطش ومعناه: الارتواء من النعمة فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة والفقير يظهر عليه ذيول الفقر.

.تفسير الآيات (75- 78):

{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)}
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} هذا أمر بمعنى الخبر معناه: يدعه في طغيانه ويمهله في كفره {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ} وهو الأسر والقتل في الدنيا {وَإِمَّا السَّاعَةَ} يعني: القيامة فيدخلون النار {فَسَيَعْلَمُونَ} عند ذلك {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} منزلا {وَأَضْعَفُ جُنْدًا} أقل ناصرا أهم أم المؤمنون؟ لأنهم في النار والمؤمنون في الجنة وهذا رد عليهم في قوله: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} قوله عز وجل: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} أي إيمانا وإيقانا على يقينهم {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} عاقبة ومرجعا. قوله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا} أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمرو بن حفص أخبرنا أبي أخبرنا الأعمش بن مسلم عن مسروق حدثنا خباب قال: كنت قينا فعملت للعاص بن وائل فاجتمع مالي عنده فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت: أما والله حتى تموت ثم تبعث فلا قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم قال: فإنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك فأنزل الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا}. قوله عز وجل: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} قال ابن عباس: أنظر في اللوح المحفوظ؟ وقال مجاهد: أعلم علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟
{أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} يعني قال لا إله إلا الله وقال قتادة: يعني عملا صالحا قدمه. وقال الكلبي: أعهد إليه أن يدخل الجنة؟

.تفسير الآيات (79- 83):

{كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)}
{كَلا} رد عليه يعني: لم يفعل ذلك {سَنَكْتُبُ} سنحفظ عليه {مَا يَقُولُ} فنجازيه به في الآخرة. وقيل: نأمر به الملائكة حتى يكتبوا ما يقول. {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} أي: نزيده عذابا فوق العذاب. وقيل: نطيل مدة عذابه. {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه وقوله ما يقول لأنه زعم أن له مالا وولدا {في الآخرة} أي لا نعطيه ونعطي غيره فيكون الإرث راجعا إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول.
وقيل: معنى قوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي: نحفظ ما يقول حتى نجازيه به.
{وَيَأْتِينَا فَرْدًا} يوم القيامة بلا مال ولا ولد. قوله عز وجل: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً} يعني: مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها {لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} أي منعة حتى يكونوا لهم شفعاء يمنعونهم من العذاب. {كَلا} أي ليس الأمر كما زعموا {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} أي تجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم كما أخبر الله تعالى: {تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون} [القصص:63].
{وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} أي أعداء لهم وكانوا أولياءهم في الدنيا.
وقيل: أعوانا عليهم يكذبونهم ويلعنونهم. قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي سلطناهم عليهم وذلك حين قال لإبليس: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} الآية [الإسراء- 64] {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية والأز والهز: التحريك أي: تحركهم وتحثهم على المعاصي.

.تفسير الآيات (84- 87):

{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)}
{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} أي لا تعجل بطلب عقوبتهم {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} قال الكلبي: يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام.
وقيل: الأنفاس التي يتنفسون بها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم. قوله عز وجل: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} أي: اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى الرحمن إلى جنته وفدا أي: جماعات جمع وافد مثل: راكب وركب وصاحب وصحب.
وقال ابن عباس: ركبانا. وقال أبو هريرة: على الإبل.
وقال علي بن أبي طالب: ما يحشرون والله على أرجلهم، ولكن على نوق رحالها الذهب ونجائب سرجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت. {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ} الكافرين {إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} أي مشاة. وقيل: عطاشا قد تقطعت أعناقهم من العطش. والورد جماعة يردون الماء ولا يرد احد الماء إلا بعد عطش. {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} يعني لا إله إلا الله.
وقيل: معناه لا يشفع الشافعون إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا يعني: المؤمنين كقوله: {لا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء:28].
وقيل: لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله أي لا يشفع إلا المؤمن.

.تفسير الآيات (88- 90):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)}
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} يعني اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله.
وقرأ حمزة والكسائي {ولدا} بضم الواو وسكون اللام هاهنا وفي الزخرف وسورة نوح ووافق ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في سورة نوح والباقون بفتح الواو واللام. وهما لغتان مثل: العرب والعرب والعجم والعجم. {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} قال ابن عباس منكرا. وقال قتادة ومجاهد: عظيما. وقال مقاتل: لقد قلتم قولا عظيما. والإد في كلام العرب: أعظم الدواهي. {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ} قرأ نافع {يكاد} بالياء هاهنا وفي حم عسق لتقدم الفعل وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث السموات {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} هاهنا وفي {حم عسق} بالنون من الانفطار أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب وافق ابن عامر وحمزة هاهنا لقوله تعالى: {إذا السماء انفطرت} [الانفطار:1] و{السماء منفطر} [المزمل:18] وقرأ الباقون بالتاء من التفطر ومعناهما واحد يقال: انفطر الشيء وتفطر أي تشقق.
{وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} أي: تنكسر كسرا.
وقيل: {وَتَنْشَقُّ الأرْضُ} أي: تنخسف بهم والانفطار في السماء: أن تسقط عليهم {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} أي تنطبق عليهم.

.تفسير الآيات (91- 96):

{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)}
{أَنْ دَعَوْا} أي من أجل أن جعلوا {لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} قال ابن عباس وكعب: فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا: اتخذ الله ولدا.
ثم نفى الله عن نفسه الولد فقال: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به. {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ} أي إلا آتيه يوم القيامة {عَبْدًا} ذليلا خاضعا يعني: أن الخلق كلهم عبيده. {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} أي: عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء. {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} وحيدا ليس معه من الدنيا شيء. قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} أي: محبة. قال مجاهد: يحبهم الله ويحببهم إلى عباده المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أحب الله العبد قال لجبرائيل: قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبرائيل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله عز وجل قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض العبد».
قال مالك: لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك.
قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم.

.تفسير الآيات (97- 98):

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
قوله عز وجل: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} أي سهلنا القرآن بلسانك يا محمد {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} يعني المؤمنين {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} شدادا في الخصومة جمع الألد.
وقال الحسن: صما عن الحق.
قال مجاهد: الألد: الظالم الذي لا يستقيم.
قال أبو عبيدة: الألد الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل. {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ} هل ترى وقيل هل تجد {مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} أي صوتا والركز: الصوت الخفي قال الحسن: بادوا جميعا فلم يبق منهم عين ولا أثر.

.سورة طه:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{طه (1) مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)}
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد بن زنجوية، أخبرنا ابن أبي أويس، حدثني أبي عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي ذكرت فيها البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلة».
{طه} قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء، وبكسرهما حمزة والكسائي وأبو بكر، والباقون بفتحهما.
قيل: هو قسم. وقيل: اسم من أسماء الله تعالى.
وقال مجاهد، والحسن، وعطاء، والضحاك: معناه يا رجل.
وقال قتادة: هو يا رجل بالسريانية.
وقال الكلبي: هو يا إنسان بلغة عك.
وقال مقاتل بن حيان: معناه طأ الأرض بقدميك، يريد: في التهجد.
وقال محمد بن كعب القرظي: أقسم الله عز وجل بطوله وهدايته.
قال سعيد بن جبير: الطاء افتتاح اسمه الطاهر، والهاء افتتاح اسمه هاد.
وقال الكلبي: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه، وكان يصلي الليل كله، فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال: {مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} وقيل: لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك، فنزلت: {مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أي لتتعنى وتتعب، وأصل الشقاء في اللغة العناء.

.تفسير الآيات (4- 6):

{إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنزيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)}
{إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى. وقيل: تقديره ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى. {تَنزيلا} بدل من قوله: {تذكرة} {مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ} أي: من الله الذي خلق الأرض، {وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا} يعني: العالية الرفيعة، وهي جمع العليا كقوله: كبرى وكبر، وصغرى وصغر. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} يعني الهواء، {وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} والثرى هو: التراب الندي. قال الضحاك: يعني ما وراء الثرى من شيء.
وقال ابن عباس: إن الأرضين على ظهر النون، والنون على بحر، ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء، خضرة السماء منها، وهي الصخرة التي ذكر الله في قصة لقمان {فتكن في صخرة} والصخرة على قرن ثور، والثور على الثرى، وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عز وجل، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله عز وجل البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور، فإذا وقعت في جوفه يبست.