فصل: تفسير الآيات (132- 134):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (132- 134):

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)}
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} أي قومك. وقيل: من كان على دينك، كقوله تعالى: {وكان يأمر أهله بالصلاة} [مريم: 55]، {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} أي اصبر على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
{لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} لا نكلفك أن ترزق أحدا من خلقنا، ولا أن ترزق نفسك وإنما نكلفك عملا {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ} الخاتمة الجميلة المحمودة، {لِلتَّقْوَى} أي لأهل التقوى. قال ابن عباس: الذين صدقوك واتبعوك واتقوني.
وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أصاب أهله ضرٌّ أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية. قوله تعالى: {وَقَالُوا} يعني المشركين، {لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ} أي الآية المقترحة فإنه كان قد أتاهم بآيات كثيرة، {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ} قرأ أهل المدينة والبصرة وحفص عن عاصم: {تأتهم} لتأنيث البينة، وقرأ الآخرون بالياء لتقدم الفعل، ولأن البينة هي البيان فرد إلى المعنى، {بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى} أي بيان ما فيها، وهو القرآن أقوى دلالة وأوضح آية.
وقيل: أو لم يأتهم بيان ما في الصحف الأولى: التوراة، والإنجيل، وغيرهما من أنباء الأمم أنهم اقترحوا الآيات، فلما أتتهم ولم يؤمنوا بها، كيف عجلنا لهم العذاب والهلاك، فما يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم كحال أولئك. {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} من قبل إرسال الرسول وإنزال القرآن، {لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا} هلا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا} يدعونا، أي: لقالوا يوم القيامة، {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} بالعذاب، والذل، والهوان، والخزي، والافتضاح.

.تفسير الآية رقم (135):

{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} منتظر دوائر الزمان، وذلك أن المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر، فإذا مات تخلصنا، قال الله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا} فانتظروا، {فَسَتَعْلَمُونَ} إذا جاء أمر الله وقامت القيامة، {مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} المستقيم، {وَمَنِ اهْتَدَى} من الضلالة نحن أم أنتم؟

.سورة الأنبياء:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 3):

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)}
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ} قيل اللام بمعنى من، أي اقترب من الناس حسابهم، أي وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم، يعني يوم القيامة، نزلت في منكري البعث، {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} عن التأهب له. {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} يعني ما يحدث الله من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم به.
قال مقاتل: يحدث الله الأمر بعد الأمر قيل: الذكر المحدث ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ سوى ما القرآن، وأضافه إلى الرب عز وجل لأنه قال بأمر الرب، {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أي استمعوه لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون. {لاهِيَةً} ساهية غافلة، {قُلُوبُهُمْ} معرضة عن ذكر الله، وقوله: {لاهِيَةً} نعت تقدم الاسم، ومن حق النعت أن يتبع الاسم في الإعراب، وإذا تقدم النعت الاسم فله حالتان: فصل ووصل، فحالته في الفصل النصب كقوله تعالى: {خشعا أبصارهم} [القمر: 7]، {ودانية عليهم ظلالها} [الإنسان: 11]، و{لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} وفي الوصل حالة ما قبله من الإعراب كقوله، {أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} [النساء: 75]؛ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي أشركوا، قوله: {وَأَسَرُّوا} فعل تقدم الجمع وكان حقه وأسر، قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، أراد: والذين ظلموا أسروا النجوى.
وقيل: حمل {الذين} رفع على الابتداء، معناه: وأسروا النجوى، ثم قال: وهم الذين ظلموا.
وقيل: رفع على البدل من الضمير في أسروا. قال المبرد: هذا كقولك إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله، على البدل مما في انطلقوا ثم بين سرهم الذي تناجوا به فقال: {هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أنكروا إرسال البشر وطلبوا إرسال الملائكة.
{أَفَتَأْتُونَ} أي تحضرون السحر وتقبلونه، {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمون أنه سحر.

.تفسير الآيات (4- 6):

{قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)}
قل لهم يا محمد، {رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {قال ربي}، على الخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم، {يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي لا يخفي عليه شيء، {وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوالهم، {الْعَلِيمُ} بأفعالهم. {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} أباطيلها وأقاويلها وأهاويلها رآها في النوم، {بَلِ افْتَرَاهُ} اختلقه، {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} يعني أن المشركين اقتسموا القول فيه وفيما يقوله، قال بعضهم: أضغاث أحلام، وقال بعضهم: بل هو فرية، وقال بعضهم: بل محمد شاعر وما جاءكم به شعر. {فَلْيَأْتِنَا} محمد {بِآيَةٍ} إن كان صادقا {كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ} من الرسل بالآيات. قال الله تعالى مجيبا لهم: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ} قبل مشركي مكة، {مِنْ قَرْيَةٍ} أي من أهل قرية أتتهم الآيات، {أَهْلَكْنَاهَا} أهلكناهم بالتكذيب، {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}؟، إن جاءتهم آية، معناه: أن أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أفيؤمن هؤلاء؟

.تفسير الآيات (7- 10):

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)}
قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ} هذا جواب لقولهم: {هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} يعني: إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالا نوحي إليهم، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} يعني: أهل التوراة والإنجيل، يريد علماء أهل الكتاب، فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا، وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر المشركين بمسألتهم لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أقرب منهم إلى تصديق من آمن به. وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن أراد: فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن، {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ} أي الرسل، {جَسَدًا} ولم يقل أجسادا لأنه اسم الجنس، {لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} هذا رد لقولهم {ما لهذا الرسول يأكل الطعام} [الفرقان: 7]، يقول لم نجعل الرسل ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام، {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} في الدنيا. {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم، {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ} أي أنجينا المؤمنين الذين صدقوهم، {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} أي المشركين المكذبين، وكل مشرك مسرف على نفسه. {لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا} يا معشر قريش، {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي شرفكم، كما قال: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، وهو شرف لمن آمن به.
قال مجاهد: فيه حديثكم. وقال الحسن: فيه ذكركم أي ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم، {أَفَلا تَعْقِلُونَ}.

.تفسير الآيات (11- 16):

{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16)}
{وَكَمْ قَصَمْنَا} أهلكنا، والقصم: الكسر، {مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} أي كافرة، يعني أهلها، {وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا} أي: أحدثنا بعد هلاك أهلها، {قَوْمًا آخَرِينَ} {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} أي رأوا عذابنا بحاسة البصر، {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} أي يسرعون هاربين. {لا تَرْكُضُوا} أي قيل لهم لا تركضوا لا تهربوا، {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي نعمتم به، {وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} قال ابن عباس: عن قتل نبيكم. وقال قتادة: من دنياكم شيئا، نزلت هذه الآية في أهل حصورا، وهي قرية باليمن وكان أهلها العرب، فبعث الله إليهم نبيا يدعوهم إلى الله فكذبوه وقتلوه، فسلط الله عليهم بختنصر، حتى قتلهم وسباهم فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا، فقالت الملائكة لهم استهزاء: لا تركضوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون.
قال قتادة: لعلكم تسألون شيئا من دنياكم، فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم، فإنكم أهل ثروة ونعمة، يقولون ذلك استهزاء بهم، فاتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف، ونادى مناد في جو السماء: يا ثارات الأنبياء، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم. {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي تلك الكلمة وهي قولهم يا ويلنا، دعاؤهم يدعون بها ويرددونها.
{حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} بالسيوف كما يحصد الزرع، {خَامِدِينَ} ميتين. قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} أي عبثا وباطلا.

.تفسير الآيات (17- 20):

{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20)}
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} اختلفوا في اللهو، قال ابن عباس في رواية عطاء: اللهو المرأة، وهو قول الحسن وقتادة، وقال في رواية الكلبي: اللهو الولد، وهو قول السدي، وهو في المرأة أظهر لأن الوطء يسمى لهوا في اللغة، والمرأة محل الوطء {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي من عندنا من الحور العين لا من عندكم من أهل الأرض. وقيل: معناه لو كان جائزا ذلك في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم ويستر ذلك حتى لا يطلعوا عليه.
وتأويل الآية أن النصارى لما قالوا في المسيح وأمه ما قالوا رد الله عليهم بهذا وقال: {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده، لا عند غيره {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} قال قتادة ومقاتل وابن جريج: {إِنْ} للنفي، أي: ما كنا فاعلين. وقيل: {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} للشرط أي إن كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه من لدنا، ولكنا لم نفعله لأنه لا يليق بالربوبية. {بَلْ} أي دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل، {نَقْذِفُ} نرمي ونسلط، {بِالْحَقِّ} بالإيمان، {عَلَى الْبَاطِلِ} على الكفر، وقيل: الحق قول الله، أنه لا ولد له، والباطل قولهم اتخذ الله ولدا، {فَيَدْمَغُهُ} فيهلكه، وأصل الدمغ: شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} ذاهب، والمعنى: أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل ويذهب، ثم أوعدهم على كذبهم فقال: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ} يا معشر الكفار، {مِمَّا تَصِفُونَ} الله بما لا يليق به من الصاحبة والولد. وقال مجاهد: مما تكذبون. {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} عبيدا وملكا، {وَمَنْ عِنْدَهُ} يعني الملائكة، {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها، {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} لا يعيون، يقال: حسر واستحسر إذا تعب وأعيا. وقال السدي: لا يتعظمون عن العبادة. {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} لا يضعفون ولا يسأمون، قال كعب الأحبار: التسبيح لهم كالنفس لبني آدم.

.تفسير الآيات (21- 24):

{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}
{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً} استفهام بمعنى الجحد، أي لم يتخذوا، {مِنَ الأرْضِ} يعني الأصنام من الخشب والحجارة، وهما من الأرض، {هُمْ يُنْشِرُونَ} يحيون الأموات، ولا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم. {لَوْ كَانَ فِيهِمَا} أي في السماء والأرض، {آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ} أي غير الله {لَفَسَدَتَا} لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع بين الآلهة لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام، ثم نزه نفسه فقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} أي عما يصفه به المشركون من الشريك والولد. {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} ويحكم على خلقه لأنه الرب {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} أي الخلق يسألون، عن أفعالهم وأعمالهم لأنهم عبيد {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} استفهام إنكار وتوبيخ، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أي حجتكم على ذلك، ثم قال مستأنفا، {هَذَا} يعني القرآن. {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} فيه خبر من معي على ديني ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. {وَذِكْرُ} خبر، {مَنْ قَبْلِي} من الأمم السالفة ما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة. وعن ابن عباس في رواية عطاء: ذكر من معي: القرآن، وذكر من قبلي: التوراة والإنجيل، ومعناه: راجعوا القرآن والتوراة والإنجيل وسائر الكتب هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولدا، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.

.تفسير الآيات (25- 29):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ} قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم نوحي إليه بالنون وكسر الحاء على التعظيم، لقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا} وقرأ الآخرون بالياء وفتح الحاء على الفعل المجهول، {أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وحدون. قوله عز وجل: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله، {سُبْحَانَهُ} نزه نفسه عما قالوا، {بَلْ عِبَادٌ} أي هم عباد، يعني الملائكة، {مُكْرَمُونَ} {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} لا يتقدمونه بالقول ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم به، {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} معناه أنهم لا يخالفونه قولا ولا عملا. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما عملوا وما هم عاملون. وقيل: ما كان قبل خلقهم وما يكون بعد خلقهم {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} قال ابن عباس: أي لمن قال لا إله إلا الله، وقال مجاهد: أي لمن رضي عنه {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} خائفون لا يأمنون مكره. {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ} قال قتادة: عنى به إبليس حين دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعة نفسه، فإن أحدا من الملائكة لم يقل إني إله من دون الله {فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها.