فصل: تفسير الآيات (106- 116):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (106- 116):

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)}
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} في النسب لا في الدين. {نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الوحي. {فَاتَّقُوا اللَّهَ} بطاعته وعبادته، {وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد. {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} ثوابي، {إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}. {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ} قرأ يعقوب: {وأتباعك الأرذلون} السفلة. وعن ابن عباس قال: الصاغة. وقال عكرمة الحاكة والأساكفة. {قَالَ} نوح، {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: ما أعلم أعمالهم وصنائعهم، وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله، ولي منهم ظاهر أمرهم. {إِنْ حِسَابُهُمْ} ما حسابهم، {إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم. قال الزجَّاج: الصناعات لا تضر في الديانات. وقيل: معناه: أي: لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويوفقهم ويخذلكم. {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ}. {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ} عما تقول، {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} قال مقاتل والكلبي: من المقتولين بالحجارة. وقال الضحاك: من المشتومين.

.تفسير الآيات (117- 128):

{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)}
{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ} فاحكم، {بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} حكمًا، {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الموقر المملوء من الناس والطير والحيوان كلها. {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ} أي: أغرقنا بعد إنجاء نوح، وأهله: من بقي من قومه. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ} يعني في النسب لا في الدين، {أَلا تَتَّقُونَ} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الرسالة، قال الكلبي: أمين فيكم قبل الرسالة، فكيف تتهموني اليوم؟. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ} قال الوالبي عن ابن عباس: أي: بكل شرف. وقال الضحاك ومقاتل والكلبي: بكل طريق، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وعن مجاهد قال: هو الفج بين الجبلين. وعنه أيضا: أنه المنظرة. {آيَةً} أي: علامة، {تَعْبَثُونَ} بمن مر بالطريق، والمعنى: أنهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم. وعن سعيد بن جبير ومجاهد: هذا في بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها، بدليل قوله: {تَعْبَثُونَ} أي: تلعبون، وهم كانوا يلعبون بالحمام. وقال أبو عبيدة: الريع: المكان المرتفع.

.تفسير الآيات (129- 137):

{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ (137)}
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} قال ابن عباس: أبنية. وقال مجاهد: قصورًا مشيدة. وعن الكلبي: أنها الحصون. وقال قتادة: مآخذ الماء، يعني الحياض، واحدتها مصنعة {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي: كأنكم تبقون فيها خالدين. والمعنى: أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم لا يموتون. {وَإِذَا بَطَشْتُمْ} أخذتم وسطوتم، {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قتلا بالسيف وضربًا بالسوط، والجبَّار: الذي يقتل ويضرب على الغضب. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}. {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} أي: أعطاكم من الخير ما تعلمون، ثم ذكر ما أعطاهم فقال: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} {وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي: بساتين وأنهار. {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} قال ابن عباس: إن عصيتموني، {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا} أي: مُسْتَوٍ عندنا، {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} الوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد. قال الكلبي: نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا. {إِنَّ هَذَا} ما هذا، {إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ} قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب: {خَلْق} بفتح الخاء وسكون اللام، أي: اختلاق الأولين وكذبهم دليل هذه القراءة قوله تعالى: {وتخلقون إفكًا} [العنكبوت- 17]، وقرأ الآخرون {خُلُق} بضم الخاء واللام، أي: عادة الأولين من قبلنا، وأمرهم أنهم يعيشون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث ولا حساب.

.تفسير الآيات (138- 148):

{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)}
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا} أي: في الدنيا {آمِنِينَ} من العذاب. {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا} ثمرها، يريد ما يطلع منها من الثمر، {هَضِيمٌ} قال ابن عباس: لطيف، ومنه: هضيم الكشح، إذا كان لطيفًا. وروى عطية عنه: يانع نضيج. وقال عكرمة: هو اللَّيِّن. وقال الحسن: هو الرخو. وقال مجاهد: متهشم متفتت إذا مُسَّ، وذلك أنه ما دام رطبا فهو هضيم، فإذا يبس فهو هشيم. وقال الضحاك ومقاتل: قد ركب بعضه بعضًا حتى هضم بعضه بعضا أي: كسره. وقال أهل اللغة: هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر. وقال الأزهري: الهضيم هو الداخل بعضه في بعض من النضج والنعومة. وقيل: هضيم أي: هاضم يهضم الطعام. وكل هذا للطافته.

.تفسير الآيات (149- 155):

{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)}
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} وقرئ: {فرهين} قيل: معناهما واحد. وقيل: فارهين أي: حادقين بنحتها، من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره، ومن قرأ {فرهين} قال ابن عباس: أَشِرين بطِرِين. وقال عكرمة: ناعمين. وقال مجاهد: شرهين. قال قتادة: معجبين بصنيعكم، قال السدي: متجبرين. وقال أبو عبيدة: مرحين. وقال الأخفش فرحين. والعرب تعاقب بين الهاء والحاء مثل: مدحته ومدهته. قال الضحاك: كَيِّسِينَ. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} قال ابن عباس: المشركين. وقال مقاتل: هم التسعة الذين عقروا الناقة. {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} بالمعاصي، {وَلا يُصْلِحُونَ} لا يطيعون الله فيما أمرهم به. {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} قال مجاهد وقتادة: من المسحورين المخدوعين، أي: ممن سُحِر مرة بعد مرة. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أي: من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب، يقال: سحره، أي: علله بالطعام والشراب، يريد: إنك تأكل الطعام والشراب ولست بَمَلك، بل: {مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ} على صحة ما تقول، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أنك رسول الله إلينا. {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ} حظ ونصيب من الماء، {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.

.تفسير الآيات (156- 171):

{وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)}
{وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} بعقر، {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} على عقرها حين رأوا العذاب. {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ} قال مقاتل: يعني جماع الرجال. {مِنَ الْعَالَمِينَ} يعني من بني آدم. {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} قال مجاهد: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} معتدون، مجاوزون الحلال إلى الحرام. {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} من قريتنا. {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} المبغضين، ثم دعا فقال: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} من العمل الخبيث. قال الله تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} وهي امرأة لوط، بقِيَتْ في العذاب والهلاك.

.تفسير الآيات (172- 184):

{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ (184)}
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} أي: أهلكناكم. {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} قال وهب بن منبه: الكبريت والنار. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله عز وجل: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} وهم قوم شعيب عليه السلام، قرأ العراقيون: {الآيكة} هاهنا وفي ص بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء، وقرأ الآخرون: {ليكة} بفتح اللام والتاء غير مهموز، جعلوها اسم البلد، وهو لا ينصرف، ولم يختلفوا في سورة الحجر وق أنهما مهموزان مكسوران، والأيكة: الغيضة من الشجر الملتف. {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} ولم يقل أخوهم؛ لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، فلما ذكر مدين قال أخاهم شعيبا لأنه كان منهم، وكان الله تعالى بعثه إلى قومه أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة. {أَلا تَتَّقُونَ} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} وإنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لا تفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة. {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن.
{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ} الخليقة، {الأوَّلِينَ} يعني: الأمم المتقدمين، والجبلة: الخَلْق، يقال: جُبل أي: خُلق.

.تفسير الآيات (185- 195):

{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي: من نقصان الكيل والوزن، وهو مجازيكم بأعمالكم، وليس العذاب إليَّ وما عليّ إلا الدعوة. {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} وذلك أنه أخذهم حرّ شديد، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرًا فخرجوا، فأظلَّتهم سحابة، وهي الظلة، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا، ذكرناه في سورة هود. {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله عز وجل: {وَإِنَّهُ} يعني القرآن. {لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} قرأ أهل الحجاز، وأبو عمرو، وحفص: {نزل} خفيف، {الروحُ الأمينُ} برفع الحاء والنون، أي نزل جبريل بالقرآن. وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي: نزل الله به جبريل، لقوله عز وجل: {وإنه لتنزيل رب العالمين}. {عَلَى قَلْبِكَ} يا محمد حتى وعيته، {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} المخوفين. {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} قال ابن عباس: بلسان قريش ليفهموا ما فيه.