فصل: تفسير الآيات (24- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (24- 25):

{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}
{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} ظل شجرة، فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع، {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ} طعام، {فَقِير} قال أهل اللغة اللام بمعنى إلى، يقال: هو فقير له، وفقير إليه، يقول: إني لما أنزلت إلي من خير، أي: طعام، فقير محتاج، كان يطلب الطعام لجوعه. قال ابن عباس: سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه. قال الباقر: لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لقد قال موسى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وهو أكرم خلقه عليه، ولقد افتقر إلى شق تمرة. وقال مجاهد: ما سأله إلا الخبز. قالوا: فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حُفَّل بطان، قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي.
قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليست بسَّلْفَعٍ من النساء خَرَّاجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة قد وضعت كُمَّ درعها على وجهها استحياء، {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} قال أبو حازم سلمة بن دينار: لما سمع ذلك موسى أراد أن لا يذهب، ولكن كان جائعًا فلم يجد بُدًا من الذهاب، فمشت المرأة ومشى موسى خلفها، فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها، فكره موسى أن يرى ذلك منها، فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأتُ، ففعلت ذلك، فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ، فقال: اجلس يا شاب فتعش، فقال موسى: أعوذ بالله، فقال شعيب: ولم ذاك ألست بجائع؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما، وإنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا، فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موسى وأكل.
{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} يعني: أمره أجمعُ مِنْ قتله القبطي وقَصْدِ فرعون قتله، {قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني: فرعون وقومه، وإنما قال هذا لأنه لم يكن لفرعون سلطان على مدين.

.تفسير الآيات (26- 27):

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} اتخذه أجيرًا ليرعى أغنامنا، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} يعني: خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة، فقال لها أبوها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته: فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل: إلا أربعون رجلا وأما أمانته: فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.
{قَالَ} شعيب عند ذلك: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} واسمها صفورة وليا في قول شعيب الجبائي، وقال ابن إسحاق: صفورة وشرقا وقال غيرهما: الكبرى صفراء والصغرى صفيراء. وقيل زوَّجه الكبرى. وذهب أكثرهم إلى أنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفورة، وهي التي ذهبت لطلب موسى، {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} يعني: أن تكون أجيرًا لي ثمان سنين، قال الفراء: يعني: تجعل ثوابي من تزويجها أن ترعى غنمي ثماني حجج، تقول العرب: آجرك الله بأجرك أي: أثابك، والحجج: السنون، واحدتها حجة، {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} أي: إن أتممت عشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع، ليس بواجب عليك، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} أي: ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرعُ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} قال عمر: يعني: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت.

.تفسير الآية رقم (28):

{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
{قَالَ} موسى، {ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} يعني: هذا الشرط بيني وبينك، فما شرطت عليَّ فلك وما شرطتَ من تزويج إحداهما فلي، والأمر بيننا، تم الكلام، ثم قال: {أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ} يعني: أي الأجلين: وما صلة، {قضيت}: أتممت وفرغت منه، الثمان أو العشر، {فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} لا ظلم عليَّ بأن أطالب بأكثر منهما، {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} قال ابن عباس ومقاتل: شهيد فيما بيني وبينك. وقيل: حفيظ. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا سعيد بن سليمان، أخبرنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على خير العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس قال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل وروي عن أبي ذرِّ مرفوعًا: إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وإذا سئلت: فأي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما، وهي التي جاءت، فقالت يا أبتِ استأجره، فتزوج أصغرهما وقضى أوفاهما.
وقال وهب: أنكحه الكبرى. وروي عن شداد بن أوس مرفوعًا: بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله عز وجل حتى عمي فردّ الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فردّ الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فردّ الله عليه بصره، فقال الله: ما هذا البكاء؟ أشوقًا إلى الجنة أم خوفا من النار؟ قال: لا يا رب، ولكن شوقًا إلى لقائك، فأوحى الله إليه ن يكن ذلك فهنيئًا لك لقائي يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى كليمي.
ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه، واختلفوا في تلك العصا؛ قال عكرمة: خرج بها آدم من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه. وقال آخرون: كانت من آس الجنة، حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته، فصارت من آدم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى. وقال السدي: كانت تلك العصا استودعها إياه مَلَك في صورة رجل، فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتته بها، فلما رآها شعيب قال لها: ردي هذه العصا، وأتيه بغيرها، فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا يقع في يدها إلا هي، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطاها موسى فأخرجها موسى معه، ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، فذهب في أثره، وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه. وقال: هي عصاي، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فلقيهما ملك في صورة رجل فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له، فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها فلم يطقها، فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ.
ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب، ابنته إليه، قال موسى للمرأة: اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم، فطلبت من أبيها، فقال شعيب: لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها. وقيل: أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته إكرامًا له وصلةً لابنته، فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء، فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام قال: فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله عز وجل إلى موسى وامرأته فوفى له شرطه وسلم الأغنام إليه.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)}
قوله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ} يعني أتمه وفرغ منه، {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} قال مجاهد: لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرًا آخر فأقام عنده عشرين سنة، ثم استأذنه في العود إلى مصر، فأذن له، فخرج بأهله إلى جانب مصر، {آنَسَ} يعني: أبصر، {مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} وكان في البرية في ليلة مظلمة، شديدة البرد وأخذ امرأته الطلقُ، {قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} عن الطريق، لأنه كان قد أخطأ الطريق، {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} يعني: قطعة وشعلة من النار. وفيها ثلاث لغات، قرأ عاصم: {جَذْوة} بفتح الجيم، وقرأ حمزة بضمها، وقرأ الآخرون بكسرها، قال قتادة ومقاتل: هي العود الذي قد احترق بعضه، وجمعها جِذَىً {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} تستدفئون.

.تفسير الآيات (30- 32):

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ} من جانب الوادي الذي عن يمين موسى، {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} لموسى، جعلها الله مباركة لأن الله كلم موسى هناك وبعثه نبيا. وقال عطاء: يريد المقدسة، {مِنَ الشَّجَرَةِ} من ناحية الشجرة، قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة. قال وهب من العُلَّيق، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها العنَّاب، {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك، {كَأَنَّهَا جَانٌّ} وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها، {وَلَّى مُدْبِرًا} هاربًا منها، {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع، فنودي: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ}.
{اسْلُك} أدخل {يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} برص، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} قرأ أهل الكوفة، والشام: بضم الراء وسكون الهاء، ويفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف. ومعنى الآية: إذا هَلَكَ أمُر يدك وما ترى من شعاعها فأدخِلْها في جيبك تعدْ إلى حالتها الأولى. والجناح: اليد كلها. وقيل: هو العضد. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. قال مجاهد: كل من فزع فضم جناحيه إليه ذهب عنه الفزع. وقيل: المراد من ضم الجناح: السكون، أي: سكن روعك واخفض عليك جانبك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، ومثله قوله: {واخفضْ لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء- 24]، يريد الرفق، وقوله: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء- 215]، أي: ارفق بهم وألِنْ جانبك لهم.
قال الفراء: أراد بالجناح العصا، معناه: اضمم إليك عصاك. وقيل: {الرَّهْب} الكُمْ بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك، أي: في كمك، معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه. {فَذَانِكَ} يعني: العصا، واليد البيضاء، {بُرْهَانَان} آيتان، {مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.

.تفسير الآيات (33- 34):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)}
{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه، {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} عونًا، يقال ردأته أي: أعنته، قرأ نافع {ردًا} بفتح الدال من غير همز طلبًا للخفة، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزًا، {يُصَدِّقُنِي} قرأ عاصم، وحمزة: برفع القاف على الحال، أي: رداءً مصدقًا، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع، قال مقاتل: لكي يصدقني فرعون، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} يعني فرعون وقومه.

.تفسير الآيات (35- 38):

{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)}
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي: نقويك بأخيك، وكان هارون يومئذ بمصر، {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} حجة وبرهانا، {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} أي: لا يصلون إليكما بقتل ولا سوء لمكان آياتنا، وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: ونجعل لكما سلطانًا بآياتنا بما نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما، {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} أي: لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ} واضحات، {قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى} مختلق، {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} بالذي تدعونا إليه، {فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ}.
{وَقَالَ مُوسَى} قرأ أهل مكة بغير واو، وكذلك هو في مصاحفهم، {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} بالمحق من المبطل، {وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} العقبى المحمودة في الدار الآخرة، {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي: الكافرون.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ} فاطبخ لي الآجر، وقيل: إنه أول من اتخذ من الآجر وبنى به، {فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} قصرا عاليا، وقيل: منارة، قال أهل التفسير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح، جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء، ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير، فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق، أراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه، فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دما، فقال قد قتلت إله موسى، وكان فرعون يصعد على البراذين، فبعث الله جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل، ووقعت قطعة في البحر وقطعة في المغرب، ولم يبق أحد ممن عمل فيه بشيء إلا هلك، فذلك قوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} أنظر إليه وأقف على حاله، {وَإِنِّي لأظُنُّهُ} يعني موسى، {مِنَ الْكَاذِبِينَ} في زعمه أن للأرض والخلق إلها غيري، وأنه رسوله.