فصل: تفسير الآيات (68- 69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (68- 69):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فزعم أن لله شريكا وأنه أمر بالفواحش، {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، {لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} استفهام بمعنى التقرير، معناه: أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} لنثبتنهم على ما قاتلوا عليه. وقيل: لنزيدنهم هدى كما قال: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} [مريم- 76]، وقيل: لنوقفنهم لإصابة الطريق المستقيمة، والطريق المستقيمة هي التي يوصل بها إلى رضا الله عز وجل. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور، فإن الله قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وقيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعات. قال الحسن: أفضل الجهاد مخالفة الهوى. وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وروي عن ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم.

.سورة الروم:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 3):

{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)}
{الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرْضِ} سبب نزول هذه الآية على- ما ذكره المفسرون:- أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودُّون أن تغلب فارس الروم، لأن أهل فارس كانوا مجوسًا أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس، لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشًا إلى الروم واستعمل عليها رجلا يقال له شهريراز، وبعث قيصر جيشًا إلى فارس واستعمل عليهم رجل يدعى يحفس، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمون بمكة، فشقَّ عليهم، وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أمِّيون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنَّ عليكم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال: فرحتم بظهور إخوانكم، فلا تفرحوا فوالله ليظهرن على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال: كذبت، فقال: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: اجعل بيننا أجلا أُناحِبُك عليه- والمناحبة: المراهنة- على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمتَ ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، وذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاثة إلى التسع، فزايِدْه في الخطر ومادَّه في الأجل»، فخرج أبو بكر ولقي أُبيًّا، فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا فتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين، وقيل إلى سبع سنين، قال قد فعلت: فلما خشي أُبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه، وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى حد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه، فقال: لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا. ثم خرج إلى أُحد ثم رجع أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بارزه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. وقيل: كان يوم بدر. قال الشعبي: لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة، وفيها صاحب، قمارهم أبي بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية فقمر أبو بكر أبيًا وأخذ مال الخطر من ورثته، وجاء به يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدَّق به».
وكان سبب غلبة الروم فارسًا- على ما قاله عكرمة وغيره-: أن شهريراز بعدما غلبت الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كلمته كسرى، فكتب إلى شهريراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان، فكتب إليه: أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وصوتًا في العدو، فلا تفعل، فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفًا منه، فعجِّلْ برأسه، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدًا إلى أهل فارس أني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان الملك، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل شهريراز، وقال: إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه، فلما قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعًا وطاعة، ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع إليه الصحيفة، فقال: ائتوني بشهريراز، فقدَّمه ليضرب عنقه، فقال: لا تعجل علي حتى أكتب وصيتي. قال: نعم، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد؟ فرد الملك إلى أخيه، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البُردُ، ولا تبلغها الصحف، فالقَنِي، ولا تلقني إلا في خمسين روميًا، فإني ألقاك في خمسين فارسيا. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما، ومع كل واحد منهما سكين، فدعوا بترجمان بينهما، فقال شهريراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السرَّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان معًا بسكينهما، فَأُدِيْلت الروم على فارس عند ذلك، فاتبعوهم يقتلونهم، ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح ومن معه، فذلك قوله عز وجل: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرْض} أي: أقرب أرض الشام إلى أرض فارس، قال عكرمة: هي أذرعات وكسكَر، وقال مجاهد: أرض الجزيرة. وقال مقاتل: الأردن وفلسطين. {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} أي: الروم من بعد غلبة فارس إياهم، والغلب والغلبة لغتان، {سَيَغْلِبُونَ} فارسًا.

.تفسير الآيات (4- 5):

{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)}
{فِي بِضْعِ سِنِينَ} والبضع ما بين الثلاث إلى السبع، وقيل: ما بين الثلاثة إلى التسعُ وقيل: ما دون العشرة. وقرأ عبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، والحسن، وعيسى بن عمر: {غَلَبَت} بفتح الغين واللام، {سيُغْلَبون} بضم الياء وبفتح اللام. وقالوا: نزلت حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن غلبة الروم فارسًا. ومعنى الآية: الم غلبت الروم فارسًا في أدنى الأرض إليكم، وهم من بعد غلبهم سيغلبهم، يغلبهم المسلمون في بضع سنين. وعند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم. والأول أصح، وهو قول أكثر المفسرين. {لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أي: من قبل دولة الروم على فارس ومن بعدها، فأي الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر الله وقضائه وقدره. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} {بِنَصْرِ اللَّهِ} الروم على فارس. قال السدي: فرح النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك، {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب، {الرَّحِيم} بالمؤمنين.

.تفسير الآيات (6- 9):

{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)}
{وَعَدَ اللَّهُ} نصب على المصدر، أي: وعد الله وعدًا بظهور الروم على فارس، {لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني: أمر معاشهم، كيف يكتسبون ويتجرون، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون، وكيف يبنون ويعيشون، قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي {وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} ساهون عنها جاهلون بها، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها. {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} أي: للحق، وقيل: لإقامة الحق، {وَأَجَلٌ مُسَمًّى} أي: لوقت معلوم إذ انتهت إليه فنيت، وهو القيامة، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أولم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبرواُ {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرْضَ} حرثوها وقلبوها للزراعة، {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} أي: أكثر مما عمرها أهل مكة، قيل: قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث، {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} فلم يؤمنوا فأهلكهم الله، {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} بنقص حقوقهم، {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ببخس حقوقهم.
{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)}.
{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} أي: أساؤوا العمل، {السُّوْأَى} يعني: الخلة التي تسوؤهم وهي النار، وقيل: {السوأى} اسم لجهنم، كما أن {الحسنى} اسم للجنة، {أَنْ كَذَّبُوا} أي: لأن كذبوا. وقيل تفسير {السوأى} ما بعده، وهو قوله: {أن كذبوا} يعني: ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذبوا، {أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} قرأ أهل الحجاز والبصرة: {عاقبةُ} بالرفع، أي: ثم كان آخر أمرهم السوء، وقرأ الآخرون بالنصب على خبر كان، تقديره: ثم كان السوأى عاقبة الذين أساءوا. قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي: يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياءٌ، ولم يقل: يعيدهم، رده إلى الخلق، {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيجزيهم بأعمالهم. قرأ أبو عمرو، وأبو بكر: {يرجعون} بالياء، والآخرون بالتاء. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} قال قتادة، والكلبي: ييأس المشركون من كل خير. وقال الفراء: ينقطع كلامهم وحجتهم. وقال مجاهد: يفتضحون. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} جاحدين متبرئين يتبرءون منها وتتبرأ منهم. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} أي: يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقال مقاتل: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدًا.

.تفسير الآيات (15- 18):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)}
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} وهي البستان الذي في غاية النضارة، {يُحْبَرُون} قال ابن عباس: يكرمون. وقال مجاهد وقتادة: ينعمون. وقال أبو عبيدة: يسرون. والحَبْرة: السرور. وقيل: الحبرة في اللغة: كل نعمة حسنة، والتحبير التحسين. وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: {تحبرون} هو السماع في الجنة. وقال الأوزاعي: إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت، وقال: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتًا من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم. {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ} أي: البعث يوم القيامة، {فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} أي: سبحوا الله، ومعناه: صلوا لله، {حِينَ تُمْسُونَ} أي: تدخلون في المساء، وهو صلاة المغرب والعشاء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} أي: تدخلون في الصباح، وهو صلاة الصبح. {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} قال ابن عباس: يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له، {وَعَشِيًّا} أي: صلُّوا لله عشيًا، يعني صلاة العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} تدخلون في الظهيرة، وهو صلاة الظهر. قال نافع بن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، وقرأ هاتين الآيتين، وقال: جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر». أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، حدثنا السَّرِيّ، بن خزيمة الأبْيِوردي، حدثنا المعلى بن سعد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد».
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا محمد بن فضيل، أخبرنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا علي بن المديني، أخبرنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال: سمعت كريبًا أبا رشدين يحدّث عن ابن عباس، عن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها، وكان اسمها برّة فحوّله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية، وكره أن يقال خرج من عند برة، فخرج وهي في المسجد، ورجع بعدما تعالى النهار، فقال: ما زلتِ في مجلسكِ هذا منذ خرجت، بعد؟ قالت: نعم، فقال: «لقد قلت، بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزِنَتْ بكلماتك لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده عددَ خلقه، ورضاءَ نفسهِ، وزِنَةَ عرشهِ، ومدادَ كلماتِهِ».