فصل: تفسير الآيات (40- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (40- 41):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}
قوله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} يعني: قحط المطر وقلة النبات، وأراد بالبر البوادي والمفاوز، وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية. قال عكرمة: العرب تسمي المصر بحرًا، تقول: أجدب البر وانقطعت مادة البحر، {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أي: بشؤم ذنوبهم، وقال عطية وغيره: {البر} ظهر الأرض من الأمصار وغيرها، {والبحر} هو البحر المعروف، وقلة المطر كما تؤثر البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤا. وقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد: الفساد في البر: قتل أحدا بني آدم أخاه، وفي البحر: غصب الملك الجائر السفينة.
قال الضحاك: كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن، آدم شجرةً إلا وجد عليها ثمرة، وكان ماء البحر عذبًا وكان لا يقصد الأسد، البقرَ والغنمَ، فلما قتل قابيل وهابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحًا زعافًا وقصد الحيوان بعضها بعضًا قال قتادة: هذا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم امتلأت الأرض ظلما وضلالة، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي، يعني كفار مكة.
{لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} أي: عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن الكفر وأعمالهم الخبيثة.

.تفسير الآيات (42- 47):

{قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}
{قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية، {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} أي: كانوا مشركين، فأهلكوا بكفرهم. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} المستقيم وهو دين الإسلام {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} يعني: يوم القيامة، لا يقدر أحد على رده من الله، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} أي: يتقرفون فريق في الجنة وفريق في السعير. {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي: وبال كفره، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور. {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم، {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} قوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} تبشر بالمطر، {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} نعمة، المطر وهي الخصب، {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ} بهذه الرياح، {بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِه} لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} رب هذه النعم. قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بالدلالات الواضحات على صدقهم، {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} عذّبنا الذين كذبوهم، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وإنجاؤهم من العذاب، ففي هذا تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء. قال الحسن: أنجاهم مع الرسل من عذاب الأمم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا أحمد بن زنجويه، أخبرنا أبو شيخ الحراني، أخبرنا أبو موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يردّ عن عِرض أخيه إلا كان حقًا على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة»، ثم تلا هذه الآية {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين}.

.تفسير الآيات (48- 49):

{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)}
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} أي: ينشره، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} مسيرة يوم أو يومين وأكثر على من يشاء، {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} قطعًا متفرقةُ {فَتَرَى الْوَدْقَ} المطر، {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} وسطه، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي: بالودق، {مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يفرحون بالمطر. {وَإِنْ كَانُوا} وقد كانوا، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} أي آيسين، وقيل: {وإن كانوا}، أي: وما كانوا إلا مبلسين، وأعاد قوله: {من قبله} تأكيدًا. وقيل: الأولى ترجع إلى إنزال المطر، والثانية إلى إنشاء السحاب. وفي حرف عبد الله بن مسعود: وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين، غير مكرر.

.تفسير الآيات (50- 54):

{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)}
{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} هكذا قرأ أهل الحجاز، والبصرة، وأبو بكر. وقرأ الآخرون: {إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} على الجمع، أراد برحمة الله: المطر، أي: انظر إلى حسن تأثيره في الأرض، وقال مقاتل: أثر رحمة الله أي: نعمته وهو النبت، {كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى} يعني: أن ذلك الذي يحي الأرض لمحيي الموتى، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} باردة مضرة فأفسدت الزرع، {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} أي: رأوا النبت والزرع مصفَرًّا بعد الخضرة، {لَظَلُّوا} لصاروا، {مِنْ بَعْدِهِ} أي: من بعد اصفرار الزرع، {يَكْفُرُون} يجحدون ما سلف من النعمة، يعني: أنهم يفرحون عند الخصب، ولو أرسلت عذابًا على زرعهم جحدوا سالف نعمتي. {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} قرئ بضم الضاد وفتحها، فالضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، ومعنى {من ضعف}، أي: من نطفة، يريد من ذي ضعف، أي: من ماء ذي ضعف كما قال تعالى: {ألم نخلقكم من ماء مهين} [المرسلات- 20]، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} بعد ضعف الطفولية شبابًا، وهو وقت القوة، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} هرمًا، {وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} الضعف والقوة والشباب والشيبة، {وَهُوَ الْعَلِيمُ} بتدبير خلقه، {الْقَدِيرُ} على ما يشاء.

.تفسير الآيات (55- 56):

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56)}
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} يحلف المشركون، {مَا لَبِثُوا} في الدنيا، {غَيْرَ سَاعَةٍ} إلا ساعة، استقلُّوا أجل الدنيا لمَّا عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} [الأحقاف- 35]. {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن الحق في الدنيا، قال الكلبي ومقاتل: كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث. والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه، وكان ذلك بقضاء الله وبقدره بدليل قوله: {يؤفكون}، أي: يصرفون عن الحق. ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي: فيما كتب الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور. وقيل: {في كتاب الله} أي: في حكم الله، وقال قتادة ومقاتل: فيه تقديم وتأخير معناه. وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان: لقد لبثتم إلى يوم البعث، يعني الذين يعلمون كتاب الله، وقرأوا قوله تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون – 100]، أي: قالوا للمنكرين: لقد لبثتم، {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} الذي كنتم تنكرونه في الدنيا، {وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى:

.تفسير الآيات (57- 60):

{فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60)}
{فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} يعني عذرهم، {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} لا يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة، قرأ أهل الكوفة: {لا يَنْفَعُ} بالياء هاهنا وفي حم المؤمن ووافق نافع في حم المؤمن، وقرأ الباقون بالتاء فيهما. {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} ما أنتم إلا على باطل. {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} توحيد الله. {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} في نصرتك وإظهارك على عدوك {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} لا يستجهلنك، معناه: لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي. وقيل: لا يستخفن رأيك وحلمك، {الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} بالبعث والحساب.

.سورة لقمان:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 6):

{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)}
{الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً} قرأ حمزة: {ورحمةٌ} بالرفع على الابتداء، أي: هو هدى ورحمة، وقرأ الآخرون بالنصب على الحال {للمحسنين} {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية. قال الكلبي، ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتّجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشًا، ويقول: إن محمدًا يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملِحُون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: يعني شراء القيان والمغنيين، ووجه الكلام على هذا التأويل: من يشتري ذات لَهْوِ أو ذَا لَهْوِ الحديث. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكي، حدثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا مشعل بن ملحان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبد الله بن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد العزيز، عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل تعليم المغنيات ولا يبعهن وأثمانهن حرام»، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية: {ومن الناس من يشتري لَهْوَ الحديث ليُضلَ عن سبيل الله}، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين: أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب، فلا يزالانِ يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجُردي، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، أخبرنا محمد بن غالب بن تمام، أخبرنا خالد بن أبي يزيد، عن هشام هو ابن حسان، عن محمد هو ابن سيرين، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة». قال مكحول: من اشترى جارية ضَّرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصلِّ عليه، إن الله يقول: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية. وعن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير قالوا: {لهو الحديث} هو الغناء، والآية نزلت فيه. ومعنى قوله: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي: يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، قال أبو الصباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
وقال إبراهيم النخعي: الغناء ينبت النفاق في القلب، وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف. وقيل: الغناء رُقيةُ الزنا. وقال ابن جريج: هو الطبل وعن الضحاك قال: هو الشرك. وقال قتادة: هو كل لهو ولعب. {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: يفعله عن جهل. قال قتادة: بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.
قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} أي: يتخذ آيات الله هزوًا. قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، ويعقوب: {وَيَتَّخِذَهَا} بنصب الدال عطفًا على قوله: {ليضل}، وقرأ الآخرون بالرفع نسقًا على قوله: {يشتري}. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.

.تفسير الآيات (7- 10):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)}
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} حسن.