فصل: تفسير الآيات (33- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (33- 34):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي} لا يقضي ولا يغني، {وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ} مُغْنٍ {عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} قال ابن عباس: كل امرئ يهمه نفسه، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} يعني الشيطان. قال سعيد بن جبير: هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة. {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية نزلت في الوارث بن عمرو، بن حارثة، بن محارب، ابن حفصة، من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال: إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث؟ وتركت، امرأتي حبلى، فمتى تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} وقرأ أبي بن كعب: {بأية أرض}، والمشهور: {بأي أرض} لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء.
وقيل: أراد بالأرض المكان: أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله، أخبرنا إبراهيم بن ساعدة عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرض تموت». {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

.سورة السجدة:

مكية، قال عطاء: إلا ثلاث آيات من قوله: {أفمن كان مؤمنًا} إلى آخر ثلاث آيات.

.تفسير الآيات (1- 4):

{الم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
{الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال مقاتل: لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين. {أَمْ يَقُولُونَ} بل يقولون {افْتَرَاهُ} وقيل الميم صلة، أي: أيقولون افتراه؟ استفهام توبيخ. وقيل: {أم} بمعنى الواو، أي: ويقولون افتراه. وقيل: فيه إضمار، مجازه فهل يؤمنون، أم يقولون افتراه، ثم قال: {بَلْ هُوَ} يعني القرآن، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ} أي: لم يأتهم، {مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} قال قتادة: كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس، ومقاتل: ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}.

.تفسير الآية رقم (5):

{يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}
{يُدَبِّرُ الأمْرَ} أي: يحكم الأمر وينزل القضاء والقدر، {مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ} وقيل: ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض، {ثُمَّ يَعْرُجُ} يصعد، {إِلَيْهِ} جبريل بالأمر، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أي: في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة، خمسمائة نزوله، وخسمائة صعوده، لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام، يقول: لو سار فيه أحد من بني آدم لم يقطعه إلا في ألف سنة، والملائكة يقطعون في يوم واحد، هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء، وأما قوله: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج- 4]، أراد مدة المسافة بين الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل، يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا. هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك وقوله: {إليه} أي: إلى الله. وقيل: على هذا التأويل، أي: إلى مكان الملك الذي أمره الله عز وجل أن يعرج إليه.
وقال بعضهم: ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة، يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم أقصر، معناه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يعرج أي: يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا، وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في يوم كان مقداره ألف سنة، وهو يوم القيامة، وأما قوله: {خمسين ألف سنة} فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث: «أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا». وقال إبراهيم التيمي: لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر.
ويجوز أن يكون هذا إخبارًا عن شدته وهوله ومشقته. وقال ابن أبي مليكة: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة؟ فقال له ابن عباس: أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم.

.تفسير الآيات (6- 10):

{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)}
{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} يعني: ذلك الذي صنع ما ذكره من خلق السموات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وما حضر، {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} قرأ نافع وأهل الكوفة: {خلَقه} بفتح اللام على الفعل وقرأ الآخرون بسكونها، أي: أحسنَ خلْقَ كل شيء، قال ابن عباس: أتقنه وأحكمه. قال قتادة: حسَّنه. وقال مقاتل: علم كيف يخلق كل شيء، من قولك: فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه. وقيل: خلق كل حيوان على صورته لم يخلق البعض على صورة البعض، فكل حيوان كامل في خلقه حسن، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح به معاشه. {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} يعني آدم. {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} يعني ذريته، {مِنْ سُلالَةٍ} نطفة، سميت سلالة لأنها تسل من الإنسان {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} أي: ضعيف وهو نطفة الرجل. {ثُمَّ سَوَّاهُ} ثم سوى خلقه، {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} ثم عاد إلى ذريته، فقال: {وَجَعَلَ لَكُمْ} بعد أن كنتم نطفا، {السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} يعني: لا تشكرون ربَّ هذه النعم فتوحدونه. {وَقَالُوا} يعني منكري البعث، {أَئِذَا ضَلَلْنَا} هلكنا، {فِي الأرْضِ} وصرنا ترابا، وأصله من قولهم: ضل الماء في اللبن إذا ذهب، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} استفهام إنكار. قال الله عز وجل: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أي: بالبعث بعد الموت.

.تفسير الآيات (11- 12):

{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)}
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} يقبض أرواحكم، {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} أي: وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل، والتوفي استيفاء العدد، معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت. وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة، فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. وقال ابن عباس: إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب. وقال مجاهد: جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء. وفي بعض الأخبار: أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره قبضه ملك الموت.
وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب، وهو يتصفح وجوه الناس، فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين، فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة، وقال: الآن يزار بك عسكر الأموات. قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم. {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} المشركون، {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} مطأطؤ رءوسهم، {عِنْدَ رَبِّهِمْ} حياء وندما، {رَبَّنَا} أي: يقولون ربنا، {أَبْصَرْنَا} ما كنا به مكذبين، {وَسَمِعْنَا} منك تصديق ما أتتنا به رسلك. وقيل: أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا، {فَارْجِعْنَا} فأرددنا إلى الدنيا، {نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} وجواب لو مضمر مجازه لرأيت العجب.

.تفسير الآيات (13- 16):

{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)}
{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} رشدها وتوفيقها للإيمان، {وَلَكِنْ حَقَّ} وجب، {الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وهو قوله لإبليس: {لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين} [ص- 85]. ثم يقال لأهل النار- وقال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة-: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أي: تركتم الإيمان به في الدنيا، {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} تركناكم، {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الكفر والتكذيب. قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} وعظوا بها، {خَرُّوا سُجَّدًا} سقطوا على وجوههم ساجدين، {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} قيل: صلوا بأمر ربهم. وقيل: قالوا سبحان الله وبحمده، {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن الإيمان والسجود له. {تَتَجَافَى} ترتفع وتنبو، {جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} جمع مضجع، وهو الموضع الذي يضطجع عليه، يعني الفرش، وهم المتهجدون بالليل، اللذين يقومون للصلاة.
واختلفوا في المراد بهذه الآية؛ قال أنس: نزلت فينا معشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس أيضا قال: نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر، وقالا هي صلاة الأوابين.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء، وهي صلاة الأوابين.
وقال عطاء: هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة.
وعن أبي الدرداء، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم: هم الذين يصلون العشاء الآخرة والفجر في جماعة.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة».
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن ابن صالح السمان، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهمُوا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا».
وأشهر الأقاويل أن المراد منه: صلاة الليل، وهو قول الحسن، ومجاهد، ومالك، والأوزاعي وجماعة.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرازق، أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرنا فأصبحت يومًا قريبًا منه وهو يسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار، قال: «قد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه، تعبدُ الله ولا تشرك به شيئًا وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُ البيتَ»، ثم قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل»، ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {جزاء بما كانوا يعلمون}، ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، قال: فأخذ بلسانه فقال: اكفف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم».
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد المخلدي، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حمد بن زنجويه، أخبرنا أبو عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، حدثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا روح بن أسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجب ربُّنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته»، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم معه أصحابه، فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع، فرجع فقاتل حتى أهريق دمه، فيقول الله لملائكته: «انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى أهريق دمه».
أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن معانق، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرُها من باطنها، وباطُنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا إصبغ، أخبرني عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، أخبرنا الهيثم بن أبي سنان، أخبرني أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «إن أخًا لكم لا يقول الرفث» يعني بذلك عبد الله بن رواحة، قال:
وفينا رسولُ الله يتلو كتابَه ** إذا انشقَّ معروفٌ من الفجرِ ساطعُ

أرانا الهُدَى بعدَ العمى فقلوبُنا ** به موقناتٌ أنَّ ما قال واقعُ

يَبيتُ يجافي جنبَهُ عن فراشِهِ ** إذا استثقلتْ بالكافرين المضاجعُ

قوله عز وجل: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} قال ابن عباس: خوفًا من النار وطمعًا في الجنة، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قيل: أراد به الصدقة المفروضة. وقيل: عامّ في الواجب والتطوع.